عرسال اللبنانية تستعيد حياتها ببطء وعشرات العائلات النازحة تعود إلى سوريا

مدير جمعية لايف: تأكد لنا وجود ثمانية عسكريين لدى «داعش» و«النصرة» من أصل 22 مفقودا

آثار الدمار في عرسال («الشرق الأوسط»)
آثار الدمار في عرسال («الشرق الأوسط»)
TT

عرسال اللبنانية تستعيد حياتها ببطء وعشرات العائلات النازحة تعود إلى سوريا

آثار الدمار في عرسال («الشرق الأوسط»)
آثار الدمار في عرسال («الشرق الأوسط»)

تمكنت عشرات العائلات النازحة من العودة إلى سوريا من عرسال بعدما كانت قد علقت على الحدود ليومين بسبب عدم امتلاكها الأوراق الثبوتية ودخولهم بطريقة غير قانونية إلى لبنان، بينما لا يزال الترقب سيد الموقف بشأن مصير العسكريين المحتجزين لدى المسلحين المتشددين منذ بدء معركة عرسال في البقاع، شرق لبنان، قبل نحو عشرة أيام.
وبعد ثلاثة أيام من عودة الهدوء إلى المنطقة، بدأت عرسال وأبناؤها يعودون إلى حياتهم الطبيعية شيئا فشيئا، متخوفين في الوقت عينه من اهتزاز أمن بلدتهم في أي لحظة بعدما أدت الأحداث الأخيرة إلى نزوحهم وفقدان عدد منهم منازلهم التي طالها القصف، فيما أحكم الجيش اللبناني سيطرته على كل المواقع المحيطة بالبلدة بعد انتشاره في مواقع استراتيجية عدة وسير دوريات مؤللة مستحدثا حواجز ثابتة ومتنقلة للحفاظ على الأمن.
وانتشرت مواقع الجيش في وادي الحصن ووادي حميد ووادي عطا لجهة الشرق، وفي محلة رأس السرج وقرب مستوصف الرئيس رفيق الحريري عند مدخل البلدة الغربي، وفي محلة المصيدة شمال عرسال، إضافة إلى مراكز في وادي الرعيان وسرج حسان للناحية الجنوبية من البلدة.
ونظم أهالي العسكريين المختطفين أمس اعتصاما طالبوا خلاله الدولة اللبنانية ببذل المزيد من الجهود للإفراج عن أبنائهم. وفي هذا الإطار، قال رئيس جمعية لايف لحقوق الإنسان، نبيل الحلبي إن «التواصل المباشر مع الخاطفين توقف منذ اليوم الأول لانسحاب المسلحين إلى الجرود، أي الخميس، والمباحثات تجري الآن بطريقة غير مباشرة عبر ناشطين سوريين».
وقال الحلبي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إنه «تسلم من قائد الجيش العماد جان قهوجي، لائحة بأسماء 22 عسكريا مفقودا من الجيش اللبناني، لكن الجهة الخاطفة اعترفت بوجود ثمانية لديها فقط، ستة منهم لدى (داعش) نافيا في الوقت عينه أن يكون الخاطفون طلبوا مبادلة العسكريين بالموقوفين الإسلاميين، في سجن رومية، أو بقائد لواء فجر الإسلام، عماد جمهة، الذي أشعل توقيفه معركة عرسال. مع العلم أن معلومات أخرى كانت قد أشارت إلى أن العسكريين الـ22 موزعون لدى أربع فصائل معارضة، بينها «داعش» و«النصرة».
وكان الجيش اللبناني قد أعلن فقدان الاتصال بـ22 عسكريا يرجح أنهم محتجزون لدى المجموعات المسلحة، وذلك، قبل أن تنجح وساطة «هيئة العلماء المسلمين» في لبنان بالإفراج عن ثلاثة عناصر منهم و ثلاثة آخرين من قوى الأمن.
وشرح الحلبي الذي كان يشارك في المباحثات مع هيئة العلماء المسلمين، المراحل التي مرت بها المفاوضات وصولا إلى فقدان الاتصال بالخاطفين، بالقول «عندما انطلقت القوافل يوم الخميس باتجاه عرسال أطلق سراح ثلاثة عسكريين وكان يفترض أن يطلق سراح المخطوفين الآخرين على مراحل لاحقة، لكن بعدما منعت المساعدات من الدخول عند منطقة اللبوة طلب القائد الميداني لجبهة النصرة في عرسال أبو مالك، من المسلحين الانسحاب إلى الجرود لضمان إيصال المساعدات وكي لا يكونوا عائقا أمام وصولها، وهو الأمر الذي وإن انعكس إيجابا على الأرض إلا أن نتيجته كانت سلبية بالنسبة إلى العسكريين المختطفين، إذ فقدنا عندها الاتصال بالخاطفين».
وأشار الحلبي إلى أنه الآن تجري المفاوضات عبر وسطاء هم من الناشطين السوريين، مستبعدا أن يحصل أي جديد في الساعات القليلة المقبلة.
ونفى الحلبي كل المعلومات التي أشارت إلى أن المسلحين طالبوا مبادلة العسكريين بموقوفين إسلاميين في سجن رومية، قائلا «كنا نتواصل مع قائد جبهة النصرة في عرسال المدعو أبو مالك، بعد استلامه القيادة الميدانية من لواء فجر الإسلام الذي بايع داعش، وكان يؤكد خلال المباحثات معه، وهو الذي عد الدخول إلى عرسال كان خطأ، استعدادهم الإفراج عن العسكريين فقط مقابل إدخال المساعدات إلى عرسال وضمان أمن النازحين السوريين».
وفي الوقت عينه أشار الحلبي إلى أن أبو مالك أخبره أن عددا من العسكريين الثمانية وضعهم خاص ولن يتمكن من تسليمهم، من دون إعطاء المزيد من التفاصيل.
وفيما فضل آلاف السوريين البقاء في عرسال الهاربين إليها من الموت في بلادهم رغم الأوضاع المأساوية التي يعيشونها والتي تفاقمت بعد الأحداث الأخيرة، تمكن أكثر من 1000 نازح سوري من العودة إلى بلدهم، أمس، عبر طريق المصنع في البقاع، وذلك بعد ساعات على إعلان السفير السوري لدى لبنان علي عبد الكريم على عن تسوية أوضاع دخولهم وإيجاد مقرات ملائمة لهم داخل الأراضي السورية.
وكانت السلطات السورية قد منعت الخميس دخول موكب يضم نحو 1750 لاجئا سوريا عائدا من عرسال بسبب عدم امتلاكهم أوراق ثبوتية أو أوراق دخول شرعية إلى لبنان. من جهتها، أكدت رئيسة الهيئة الدولية لدعم المصالحة في سوريا ورئيسة دير مار يعقوب في القلمون في ريف دمشق الأم أغنيس انتهاء أزمة السوريين العائدين إلى بلادهم عند نقطة المصنع، بعد أن أمنت لهم الحكومة السورية أماكن إقامة في بيوت ومراكز ثقافية ومدارس، تم تجهيزها لاستقبالهم، وذلك بعد التنسيق مع الأمن العام اللبناني، الذي سهل عبورهم.
وشكرت «الدولة اللبنانية والدولة السورية اللتين توصلتا إلى اتفاقية تتخطى الروتين الإداري، في ظل هذا الوضع الإنساني الاستثنائي».
وقالت الأم أغنيس في حديث إلى الوكالة الوطنية للإعلام إنها تشرف حاليا «مع متطوعين، على عملية دخول السوريين إلى أراضيهم»، وأعلنت أن «آلية الانتقال من لبنان إلى سوريا أصبحت أكثر أمانا الآن، بفضل خطة جديدة وضعتها الدولة السورية، التي لطالما احترمت شعبها». وشددت الأم أغنيس على ضرورة عودة النازحين السوريين جميعا إلى ديارهم «لعدم تكرار مأساة اللجوء الفلسطيني إلى لبنان»، مؤكدة أن «النازحين السوريين هم زائرون وليسوا لاجئين»، متهمة الأمم المتحدة وبعض الدول بأن لديهم مصلحة بإنشاء مخيمات للسوريين في لبنان، وأنهم بذلك يستخدمون البشر كأداة لتنفيذ سياسة معينة.
في موازاة ذلك، جدد وزير الخارجية جبران باسيل التحذير من أن تكون تجمعات النازحين بيئة حاضنة للإرهابيين، رافضا التفاوض مع الإرهابيين، لكن من جهته، ذكر وزير العدل أشرف ريفي بالمفاوضات التي جرت مع الإرهابيين الذين خطفوا راهبات معلولا وكيف حررن بعد مفاوضات شاقة جرت معهم من قبل مسؤولين أمنيين وتم في النهاية دفع أموال للخاطفين. وهو الأمر نفسه الذي جرى في أعزاز حيث جرت المفاوضات مع المتشددين وهنا أسأل كيف يسمح التفاوض مع هؤلاء لإطلاق سراح اللبنانيين، سائلا «كيف سمح حينها التفاوض معهم ولا يسمح لنا بالتفاوض مع الذين دخلوا إلى عرسال؟ هذا الأمر لا يجوز وعلينا ألا نكيل بمكيالين وألا يكون ثمة شتاء وصيف تحت سقف واحد».
وقال ريفي خلال زيارته للشيخ سالم الرافعي من هيئة العلماء المسلمين، الذي أصيب خلال دخوله إلى عرسال الأسبوع الماضي للتفاوض مع المسلحين بشأن إطلاق سراح العسكريين، «كنا واضحين منذ البداية واتفقنا على ثلاث نقاط، الأولى هي انسحاب المسلحين من عرسال ومن ثم إلى خارج الأراضي اللبنانية وهذا كان إنجازا بكل ما للكلمة من معنى ومتابعة موضوع الأسرى العسكريين سواء كانوا من الجيش أو من قوى أمن داخلي ونحن والإخوان في هيئة العلماء المسلمين سنتابع حتى النهاية لإطلاق سراح الأسرى ودون شك بالتنسيق مع قيادة الجيش ومجلس الوزراء وكل السلطات اللبنانية ولن يرتاح لنا بال إلا بعد الإفراج عنهم وأن يعودوا سالمين إلى أهاليهم».



أوضاع متردية يعيشها الطلبة في معاقل الحوثيين

طلبة يمنيون في مناطق سيطرة الحوثيين يتعرضون للشمس والبرد والمطر (الأمم المتحدة)
طلبة يمنيون في مناطق سيطرة الحوثيين يتعرضون للشمس والبرد والمطر (الأمم المتحدة)
TT

أوضاع متردية يعيشها الطلبة في معاقل الحوثيين

طلبة يمنيون في مناطق سيطرة الحوثيين يتعرضون للشمس والبرد والمطر (الأمم المتحدة)
طلبة يمنيون في مناطق سيطرة الحوثيين يتعرضون للشمس والبرد والمطر (الأمم المتحدة)

قدَّم تقرير أممي حديث عن أوضاع التعليم في مديرية رازح اليمنية التابعة لمحافظة صعدة؛ حيثُ المعقل الرئيسي للحوثيين شمالي اليمن، صورة بائسة حول الوضع الذي يعيش فيه مئات من الطلاب وهم يقاومون من أجل الاستمرار في التعليم، من دون مبانٍ ولا تجهيزات مدرسية، بينما يستخدم الحوثيون كل عائدات الدولة لخدمة قادتهم ومقاتليهم.

ففي أعماق الجبال المرتفعة في المديرية، لا يزال الأطفال في المجتمعات الصغيرة يواجهون التأثير طويل الأمد للصراعات المتكررة في المحافظة، والتي بدأت منتصف عام 2004 بإعلان الحوثيين التمرد على السلطة المركزية؛ إذ استمر حتى عام 2010، ومن بعده فجَّروا الحرب الأخيرة التي لا تزال قائمة حتى الآن.

الطلاب اليمنيون يساعدون أسرهم في المزارع وجلب المياه من بعيد (الأمم المتحدة)

وفي المنطقة التي لا يمكن الوصول إليها إلا من خلال رحلة برية تستغرق ما يقرب من 7 ساعات من مدينة صعدة (مركز المحافظة)، تظل عمليات تسليم المساعدات والوصول إلى الخدمات الأساسية محدودة، وفقاً لتقرير حديث وزعته منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)؛ إذ بينت المنظمة فيه كيف يتحمل الأطفال بشكل خاص وطأة الفرص التعليمية المحدودة، والمرافق المدرسية المدمرة.

مدرسة من دون سقف

وأورد التقرير الأممي مدرسة «الهادي» في رازح باعتبارها «مثالاً صارخاً» لتلك الأوضاع، والتي لا تزال تخدم مئات الطلاب على الرغم من الدمار الذي تعرضت له أثناء المواجهات بين القوات الحكومية والحوثيين، أثناء التمرد على السلطة المركزية؛ حيث تُركت هياكل خرسانية من دون سقف أو جدران.

ويؤكد مدير المدرسة -وفق تقرير «اليونيسيف»- أنها منذ أن أصيبت ظلت على هذه الحال، من ذلك الوقت وحتى الآن. ويقول إنهم كانوا يأملون أن يتم بناء هذه المدرسة من أجل مستقبل أفضل للطلاب، ولكن دون جدوى؛ مشيراً إلى أن بعض الطلاب تركوا الدراسة أو توقفوا عن التعليم تماماً.

مدرسة دُمّرت قبل 15 سنة أثناء تمرد الحوثيين على السلطة المركزية (الأمم المتحدة)

ويجلس الطلاب على أرضيات خرسانية من دون طاولات أو كراسي أو حتى سبورة، ويؤدون الامتحانات على الأرض التي غالباً ما تكون مبللة بالمطر. كما تتدلى الأعمدة المكسورة والأسلاك المكشوفة على الهيكل الهش، مما يثير مخاوف من الانهيار.

وينقل التقرير عن أحد الطلاب في الصف الثامن قوله إنهم معرضون للشمس والبرد والمطر، والأوساخ والحجارة في كل مكان.

ويشرح الطالب كيف أنه عندما تسقط الأمطار الغزيرة يتوقفون عن الدراسة. ويذكر أن والديه يشعران بالقلق عليه حتى يعود إلى المنزل، خشية سقوط أحد الأعمدة في المدرسة.

ويقع هذا التجمع السكاني في منطقة جبلية في حي مركز مديرية رازح أقصى غربي محافظة صعدة، ولديه مصادر محدودة لكسب الرزق؛ حيث تعمل أغلب الأسر القريبة من المدرسة في الزراعة أو الرعي. والأطفال -بمن فيهم الطلاب- يشاركون عائلاتهم العمل، أو يقضون ساعات في جلب المياه من بعيد، بسبب نقص مصادر المياه الآمنة والمستدامة القريبة، وهو ما يشكل عبئاً إضافياً على الطلاب.

تأثير عميق

حسب التقرير الأممي، فإنه على الرغم من التحديات والمخاوف المتعلقة بالسلامة، يأتي نحو 500 طالب إلى المدرسة كل يوم، ويحافظون على رغبتهم القوية في الدراسة، في حين حاول الآباء وأفراد المجتمع تحسين ظروف المدرسة، بإضافة كتل خرسانية في أحد الفصول الدراسية، ومع ذلك، فإن الدمار هائل لدرجة أن هناك حاجة إلى دعم أكثر شمولاً، لتجديد بيئة التعلم وإنشاء مساحة مواتية وآمنة.

واحد من كل 4 أطفال يمنيين في سن التعليم خارج المدرسة (الأمم المتحدة)

ويشير تقرير «يونيسيف»، إلى أن للصراع وانهيار أنظمة التعليم تأثيراً عميقاً على بيئة التعلم للأطفال في اليمن؛ حيث تضررت 2426 مدرسة جزئياً أو كلياً، أو لم تعد تعمل، مع وجود واحد من كل أربعة طلاب في سن التعليم لا يذهبون إلى المدرسة، كما يضطر الذين يستطيعون الذهاب للمدرسة إلى التعامل مع المرافق غير المجهزة والمعلمين المثقلين بالأعباء، والذين غالباً لا يتلقون رواتبهم بشكل منتظم.

وتدعم المنظمة الأممية إعادة تأهيل وبناء 891 مدرسة في مختلف أنحاء اليمن، كما تقدم حوافز لأكثر من 39 ألف معلم لمواصلة تقديم التعليم الجيد، ونبهت إلى أنه من أجل ترميم أو بناء بيئة مدرسية أكثر أماناً للأطفال، هناك حاجة إلى مزيد من الموارد.