رايت: هاتفني أحد أقارب الظواهري فتجسست عليَّ الـ {اف.بي.آي}

الصحافي الأميركي أحد أبرز خبراء مكافحة الإرهاب أكد لـ {الشرق الأوسط} وجود يأس كبير بين المسلمين في الغرب يدفع أبناءهم إلى التطرف

لورانس رايت أمام مقر دار الصحافة العربية في العاصمة لندن (تصوير: جيمس حنا)  -  لورانس رايت
لورانس رايت أمام مقر دار الصحافة العربية في العاصمة لندن (تصوير: جيمس حنا) - لورانس رايت
TT

رايت: هاتفني أحد أقارب الظواهري فتجسست عليَّ الـ {اف.بي.آي}

لورانس رايت أمام مقر دار الصحافة العربية في العاصمة لندن (تصوير: جيمس حنا)  -  لورانس رايت
لورانس رايت أمام مقر دار الصحافة العربية في العاصمة لندن (تصوير: جيمس حنا) - لورانس رايت

يعتقد لورانس رايت الصحافي الأميركي الكاتب في مجلة «نيويوركر» المتخصص في الكتابة عن «القاعدة» ومؤلف كتاب «البروج المشيدة.. (القاعدة) والطريق إلى 11 سبتمبر» أن «داعش» لن تختفي من المشهد السياسي بسهولة، ويتميز رايت باللقطة الصحافية، فقد استمد عنوان كتابه الأشهر من الآية القرآنية «أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة» التي جاءت في رسالة بن لادن لمحمد عطا زعيم الانتحاريين في هجمات سبتمبر، وكان يقصد بها استهداف برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك.. كانت تلك إجابة الكاتب الأميركي رايت في حواره لصحيفة «الشرق الأوسط» حول سبب اختياره لعنوان كتابه الشهير «البروج المشيدة»، وقال رايت، إن بن لادن استخدم تلك الرسالة شفرة ملغزة تطلب من عطا أن يمضي في خطته المرسومة، مشيرا إلى استهداف برجي التجارة بنيويورك في سبتمبر 2011.
أمضى رايت 35 عاما من حياته المهنية في البحث وراء شخصية أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة، وأجرى مقابلات مع أكثر من 500 شخص من أصدقاء وأقارب بن لادن ومسؤولين في 20 دولة، وخرج إلى العالم قبل ست سنوات بكتابه الذي حصل على جائزة «بوليتزر» (أرقى الجوائز الأميركية في الصحافة)، وعندما جاء إلى دار الصحافة العربية في العاصمة لندن قبل أيام، تحدث عن مسرحيته الأخيرة «كامب ديفيد»، التي عُرضت في الولايات المتحدة وحققت نجاحا على مدار ستة أسابيع متواصلة، وحضر عرضها الافتتاحي الرئيس الأسبق كارتر وزوجته وجيهان السادات قرينة الرئيس المصري الراحل.
وقال رايت: «كان الجميع يعتقد أنه كان رجلا ضعيفا ولن يستمر طويلا. سيبقى لوقت قصير حتى يأتي رئيس آخر قوي مكانه. ولكن السادات قلب الموازين. أثبت أنه الرئيس القوي»، وجاء معه الحوار على النحو التالي:

* لماذا يصبح من السهل على بعض المسلمين، أمثال أبو هريرة الأميركي والمتطرفين في بريطانيا وآسيا، التحول إلى مقاتلين؟
- أعتقد أن بعضا منهم، وخاصة في أوروبا، يجدون مجتمعات تضم جماعات ذات انتماء عرقي أو ديني مميز. في أميركا المجتمع أكثر اختلاطا. في أوروبا تجد جميع الأتراك يعيشون في ألمانيا وهكذا، بذلك يصبح لديك جاليات مختلفة من المسلمين الذين لا يتحدثون بلغة الدولة التي يعيشون بها جيدا أو لا يتحدثون بها على الإطلاق. على سبيل المثال، إذا كان شاب مسلم يعيش في بلجيكا أو فرنسا حيث توجد جالية مسلمة كبيرة، قد لا يتحدث الفرنسية أو الألمانية أو الهولندية، وربما أيضا لا يتحدث العربية جيدا. كذلك من الممكن أنه لم يزر مطلقا المغرب أو الجزائر موطنه الأم، لذا يكون تائها ويصبح دينه هو هويته، وكلما ازداد تطرفا نما لديه شعور بامتلاك الهوية. ولكني أعتقد أن هناك يأسا كبيرا داخل كثير من الدول المسلمة وفي الشتات الذي نراه بين المسلمين في الغرب، حيث يسري شعور بأنهم لم ينجحوا أو لم يتأقلموا، وأعتقد أن هذا يولّد نوعا من اليأس الانتحاري الذي نراه بين الشباب الذين يقتلون أنفسهم الآن.
* ما الجماعة الأخطر؛ «داعش» أم «النصرة» أم «القاعدة»؟
- في تقديري، الأمر الخطير بالفعل هو عدم وجود بديل، لأن كل من تلك الجماعات خطيرة، ولكنها لا تواجه مقاومة بالطريقة التي تحتاج إليها تلك الثقافات من أجل حماية ذاتها من داء التطرف. لا توجد حصانة كافية في العالم العربي والإسلامي في الوقت الراهن. يتنافس كل من تنظيمي «داعش» و«القاعدة» على الاستحواذ على أراضٍ تمتد من روسيا إلى المغرب. وأحيانا ما تجد التنظيمين موجودين على أرض دولة واحدة، وأحيانا أخرى في دول مختلفة، ولكن يجذب تنظيم «داعش» كثيرا من الشباب الذي يرغبون في الإيمان بفكره.
* متى تتوقع أن تختفي هذه الجماعات؟ بعد عشر سنوات أو 20 سنة؟
- لا أدري. لكي أكون صريحا ظننت أن هذا سوف يحدث بحلول الوقت الحالي، ولكن ثبت أنه أكثر قدرة على الاستمرار مما ظننت، وأعتقد أن ذلك يرجع إلى أن السبب الذي أدى إلى ظهور هذه الجماعات لم يتغير، وحتى تتخذ المجتمعات التي ظهرت بها تلك الجماعات بعض الإصلاحات وتحقق بعض التقدم، فسوف نستمر في مشاهدة التطرف وهو يخرج عبر الحدود.
إضافة إلى ذلك، كانت معلومات متناقضة ترد من أميركا بشأن «القاعدة» ومسلحيها، وأخبار عن أشخاص تقتلهم طائرات من دون طيار، ثم يتضح أنهم أحياء.
أعتقد أننا نبالغ باستمرار في تقدير حجم إمكانياتنا الاستخباراتية، وقد ثبت مرارا وتكرارا أننا لا نعلم الكثير عن الصراعات التي نخوضها.
* بعد كتابة العديد من المقالات والكتب، هل أصبحتَ تعرف كل شيء عن «القاعدة»؟
- لا، بالتأكيد لا أعرف، وكل شيء يتغير باستمرار كما ترى ما يحدث أمامنا.
* كم عدد الأشخاص الذين يتحدثون العربية في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية أو مكتب التحقيقات الفيدرالية؟ وما قدراتهم اللغوية؟
- تمثل اللغة مشكلة حقيقة. لا أعرف ما إذا كان ذلك تغيرا، ولكن بعد أحداث 11 سبتمبر كان هناك عدد قليل ممن يجيدون التحدث بالعربية أو الأوردية أو الفارسية أو غيرها من أصحاب اللغة الأصليين. يوجد عدد كبير منهم في الولايات المتحدة، وكل من هؤلاء الناطقين بلغاتهم الأصلية لديه جالية كبيرة، ولكن لا يثق بهم مجتمع الاستخبارات الأميركي. أحد الأبطال الذين تحدثت عنهم في كتابي اسمه علي سفيان، وهو مولود في بيروت ويتحدث العربية وهي لغته الأم، ولكني في الوقت الحالي لا أدري إن كان يستطيع الحصول على الوظيفة في مكتب التحقيقات الفيدرالية في ظل التحيز ضد الأميركيين المولودين في الخارج، ولكن ذلك يلحق بنا ضررا. بالتأكيد لا أعرف، وكل شيء يتغير باستمرار كما ترى ما يحدث أمامنا.
* هل أصبح الغرب أكثر معرفة بالمسلمين والإسلام في الوقت الحالي؟
- نعم، بالطبع، انظر إلى لندن، عندما بدأت في المجيء إلى هنا مراسلا شابا، لم أكن أرى سيدة واحدة محجبة، والآن نراهم في كل مكان، لذلك يعرفهم الناس جيدا، ويرجع الأمر في الغالب إلى اضطرار عدد كبير من المسلمين إلى الفرار من بلدانهم والسعي إلى الإقامة في الغرب. تسبب ذلك في إثارة توترات كثيرة، ولكنهم في المقابل جاءوا إلى مناطق يمكنهم الحصول على عمل بها، في حين أنهم لا يستطيعون العمل في أوطانهم، وهم هنا أكثر حرية في أن يكونوا كما يريدون. وربما يؤثر ذلك في النهاية على سكان الدول التي غادروها.
* من وجهة نظركم.. هل يمكن أن تختفي جماعة الإخوان المسلمين نهائيا من مصر؟
- أولا وقبل أي شيء، ازدهرت جماعة الإخوان لأنها كانت السبيل الوحيدة أمام كثير من المصريين للاحتجاج ضد الحكومة، ثم نشأ مزيد من الحركات الراديكالية بعد ذلك، انظر مثلا إلى الظواهري الذي كان يكره «الإخوان». كانت هناك حكومة، ثم تظاهر الإسلاميون ضدها، وكانوا الوحيدين الذين يملكون الجرأة للوقوف ضدها. كانت «الإخوان» جماعة سرية وصلت إلى الحكم ولكنها الآن عادت إلى العمل تنظيما سريا مرة أخرى، بعد عزل الرئيس محمد مرسي. إذا تخلصت من الإخوان المسلمين، وإذا كانت لديك حكومة استبدادية ومتطرفون فقط، من دون وجود الإخوان المسلمين في المنتصف، أعتقد أنك سوف تشهد ارتفاعا في أعداد المتطرفين.
* هل سيُغلق معتقل غوانتانامو يوما ما؟
- يجب أن يُغلق يوما ما. لقد مر على وجوده وقت طويل للغاية، وأصبح يمثل عقبة سياسية، ولم يعد هناك سبب حقيقي جيد لعدم الانتهاء من توزيع هؤلاء المحتجزين الذين لا سبب لوجودهم هناك، ثم محاكمة الآخرين.
* ما أصعب موقف واجهته في حياتك المهنية؟ هل استشعرت يوما بسبب طبيعة عملك أنك تحت رقابة الأجهزة الأمنية؟
- أول مرة ألحظ أن اتصالاتي الهاتفية كانت مراقبة من خلال مصدر لي في محطة «أليكس»، وهي محطة افتراضية لمتابعة ورصد تحركات بن لادن، وكانت مشتركة ما بين الاستخبارات المركزية ومكتب التحقيقات الفيدرالي. وقتها تلقيت اتصالا من أحد أقارب الظواهري يطلب مني معرفة ما إذا كانت بناته أحياء أم لا، لأنهم لم يكونوا يعلمون عنهن شيئا. وسألني القريب إذا كنت أستطيع البحث عن الأمر، فأخبرته أنني أستطيع أن أسأل، فاتصلت بعميل مسؤول عن ملف الظواهري في مكتب التحقيقات الفيدرالية، الذي أخبرني بوفاتهن، وهي معلومة خاطئة. فاتصلت بالقريب وأخبرته آسفا بأن بنات الظواهري توفين بعد ضربة «درون» في الشريط القبلي، وتسببت في حزن هؤلاء الأقارب من دون داعٍ. بعد فترة، كنت أتحدث مع مصدري في محطة بن لادن، وأخبرته أنني قمت بتلك المكالمة المؤسفة، فقال لي: «نعم، لقد رأيت نصها على جهازي منذ فترة». ظننت على الفور أن المصريين يراقبون عائلة الظواهري، ثم يمررون المكالمات الهاتفية إلى الاستخبارات الأميركية أو ما إلى ذلك من تفسيرات. هذا ما حدثتني نفسي به، ولكني بعد عدة شهور تلقيت اتصالا من مكتب التحقيقات الفيدرالي في أوستن حيث أقطن، يطلب فيه فريق عمل في مكافحة الإرهاب مقابلتي. كنت قد تحدثت مع مكتب التحقيقات الفيدرالي من قبل لأقدم لهم خلفية عن تاريخ «القاعدة» وما إلى ذلك، لهذا ظننت أن الأمر يتعلق بشيء من هذا القبيل. وعندما جاءوا إلى منزلي، كان شخص منهم يحمل حقيبة صغيرة فتحها، وأخرج منها بعض المواد، وبدأ يسألني: «هل تعرف.. ثم ذكر رقما». قلت إن ذلك الرقم يبدو في لندن. فنظرت إلى جهاز الكومبيوتر لدي ووجدت أنه رقم غاريت بيرس، المحامية التي تدافع عن كثير من الجهاديين الذين كنت أتحدث إليهم. كان الأمر متعلقا بطبيعة المحادثات التي أجريها مع عملائها، وكانت تطلب مني ألا أتحدث مع عملائها. لم تكن تريدني أن أتحدث مع أي منهم، ثم سألوني من هي كارولين رايت، فقلت إنها ابنتي. كانوا يعتقدون أنها الشخص الذي يجري هذه الاتصالات الهاتفية، وبدأت أفكر بشأن كيفية عمل مكتب التحقيقات الفيدرالية. إنهم يرسمون روابط متصلة، يرسمون في النهاية خطوات كثيرة ويقولون: «إنك تبعد عن تنظيم القاعدة بثلاث خطوات»، إذن فأنت داخل الدائرة، وسوف نضعك على قائمة الممنوعين من السفر، وإلا فسوف نتعقبك. قلت لهم: كيف وصلتم إلى اسم ابنتي، واسمها ليس مسجلا على هواتفي، وأدركت أنه لا بد أنهم يتنصتون على مكالماتي. وبمجرد أن بدأت في التساؤل عن ذلك وجدتهم قد أغلقوا الحقيبة الصغيرة وغادروا المنزل. ثم بدأت التفكير من جديد في الاتصال الهاتفي الذي جرى مع عائلة الظواهري، واتصلت بمصدري مرة أخرى، وسألته: هل كان ما قرأه «نصا لمحادثتي أم موجزا». وفي ذلك اختلاف مهم، نظرا لأنه في الولايات المتحدة، إذا كان مواطن أميركي متورطا في محادثة، فليس من المفترض أن تكشف عن هويته. لذلك تشير حقيقة أنهم حددوا هويتي إلى أمر ما. بالإضافة إلى ذلك، تقدم «ناسا» ملخصات بالمحادثات التي تجري فقط وليس نصا لها، وقد قال لي المصدر إنه قرأ الملخص، لذلك كان من الواضح أن «ناسا» تتنصت على مكالماتي. كانت هذه هي التجربة التي مررت بها، وانتابتني مشاعر مختلطة بشأنها، لأنهم خلطوا بين كل الأمور. يمكنني أن أتفهم تصورهم لأني على اتصال بأشخاص من «القاعدة»، وأني أود أن أتحدث مع أشخاص في «القاعدة»، فهذا هو عملي، وذلك هو عملهم.
* ما عدد المسرحيات التي كتبتها حتى اليوم.. وهل حققت «كامب ديفيد» النجاح المرجو؟
- كامب ديفيد، تدور المسرحية عن قمة 1978 التي جمعت بين جيمي كارتر وبيغن وأنور السادات وهؤلاء هم شخصيات المسرحية، بالإضافة إلى روزفلت وكارتر وزوجة جيمي كارتر. تتعلق المسرحية بثلاثة رجال يتميزون بأنهم شديدو التدين، اجتمعوا معا وأبرموا معاهدة السلام الوحيدة الدائمة في الشرق الأوسط، وتدور المسرحية عن كيفية حدوث ذلك.
استمر عرض المسرحية لمدة ستة أسابيع، وفي ليلة الافتتاح جاء الرئيس كارتر وزوجته وزوجة السادات. كنت أشعر بالقلق، لأن كارتر لم يكن قد قرأ المسرحية، ولم أعرف ما إذا كانت ستعجبه أم لا. كان ممثلو المسرحية يجدون الرئيس والشخصيات التي يؤدون أدوارها تجلس في الخارج وسط الجمهور، وبعد أن أسدل الستار، صعد الرئيس كارتر وزوجته وزوجة السادات على خشبة المسرح، واحتضنوا جميع الممثلين. وذهبت زوجة السادات إلى رون ريفكين، الذي أدى دور بيغن لتحيته وهي تناديه باسم «بيغن»!



تساؤلات بشأن دور التلفزيون في «استعادة الثقة» بالأخبار

شعار «غوغل» (رويترز)
شعار «غوغل» (رويترز)
TT

تساؤلات بشأن دور التلفزيون في «استعادة الثقة» بالأخبار

شعار «غوغل» (رويترز)
شعار «غوغل» (رويترز)

أثارت نتائج دراسة حديثة تساؤلات عدة بشأن دور التلفزيون في استعادة الثقة بالأخبار، وبينما أكد خبراء وجود تراجع للثقة في الإعلام بشكل عام، فإنهم اختلفوا حول الأسباب.

الدراسة، التي نشرها معهد «نيمان لاب» المتخصص في دراسات الإعلام مطلع الشهر الحالي، أشارت إلى أن «الثقة في الأخبار انخفضت بشكل أكبر في البلدان التي انخفضت فيها متابعة الأخبار التلفزيونية، وكذلك في البلدان التي يتجه فيها مزيد من الناس إلى وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على الأخبار».

لم تتمكَّن الدراسة، التي حلَّلت بيانات في 46 دولة، من تحديد السبب الرئيس في «تراجع الثقة»... وهل كان العزوف عن التلفزيون تحديداً أم الاتجاه إلى منصات التواصل الاجتماعي؟ إلا أنها ذكرت أن «الرابط بين استخدام وسائل الإعلام والثقة واضح، لكن من الصعب استخدام البيانات لتحديد التغييرات التي تحدث أولاً، وهل يؤدي انخفاض الثقة إلى دفع الناس إلى تغيير طريقة استخدامهم لوسائل الإعلام، أم أن تغيير عادات استخدام ومتابعة وسائل الإعلام يؤدي إلى انخفاض الثقة».

ومن ثم، رجّحت الدراسة أن يكون سبب تراجع الثقة «مزيجاً من الاثنين معاً: العزوف عن التلفزيون، والاعتماد على منصات التواصل الاجتماعي».

مهران كيالي، الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا» في دولة الإمارات العربية المتحدة، يتفق جزئياً مع نتائج الدراسة، إذ أوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «التلفزيون أصبح في ذيل مصادر الأخبار؛ بسبب طول عملية إنتاج الأخبار وتدقيقها، مقارنة بسرعة مواقع التواصل الاجتماعي وقدرتها على الوصول إلى شرائح متعددة من المتابعين».

وأضاف أن «عدد المحطات التلفزيونية، مهما ازداد، لا يستطيع منافسة الأعداد الهائلة التي تقوم بصناعة ونشر الأخبار في الفضاء الرقمي، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي». إلا أنه شدَّد في الوقت نفسه على أن «الصدقية هي العامل الأساسي الذي يبقي القنوات التلفزيونية على قيد الحياة».

كيالي أعرب عن اعتقاده بأن السبب الرئيس في تراجع الثقة يرجع إلى «زيادة الاعتماد على السوشيال ميديا بشكل أكبر من تراجع متابعة التلفزيون». وقال إن ذلك يرجع لأسباب عدة من بينها «غياب الموثوقية والصدقية عن غالبية الناشرين على السوشيال ميديا الذين يسعون إلى زيادة المتابعين والتفاعل من دون التركيز على التدقيق». وأردف: «كثير من المحطات التلفزيونية أصبحت تأتي بأخبارها عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، فتقع بدورها في فخ الصدقية والموثوقية، ناهيك عن صعوبة الوصول إلى التلفزيون وإيجاد الوقت لمشاهدته في الوقت الحالي مقارنة بمواقع التواصل التي باتت في متناول كل إنسان».

وحمَّل كيالي، الهيئات التنظيمية للإعلام مسؤولية استعادة الثقة، قائلاً إن «دور الهيئات هو متابعة ورصد كل الجهات الإعلامية وتنظيمها ضمن قوانين وأطر محددة... وثمة ضرورة لأن تُغيِّر وسائل الإعلام من طريقة عملها وخططها بما يتناسب مع الواقع الحالي».

بالتوازي، أشارت دراسات عدة إلى تراجع الثقة بالإعلام، وقال معهد «رويترز لدراسات الصحافة»، التابع لجامعة أكسفورد البريطانية في أحد تقاريره، إن «معدلات الثقة في الأخبار تراجعت خلال العقود الأخيرة في أجزاء متعددة من العالم». وعلّق خالد البرماوي، الصحافي المصري المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، من جهته بأن نتائج الدراسة «غير مفاجئة»، لكنه في الوقت نفسه أشار إلى السؤال «الشائك»، وهو: هل كان عزوف الجمهور عن التلفزيون، السبب في تراجع الصدقية، أم أن تراجع صدقية الإعلام التلفزيوني دفع الجمهور إلى منصات التواصل الاجتماعي؟

البرماوي رأى في لقاء مع «الشرق الأوسط» أن «تخلّي التلفزيون عن كثير من المعايير المهنية ومعاناته من أزمات اقتصادية، دفعا الجمهور للابتعاد عنه؛ بحثاً عن مصادر بديلة، ووجد الجمهور ضالته في منصات التواصل الاجتماعي». وتابع أن «تراجع الثقة في الإعلام أصبح إشكاليةً واضحةً منذ مدة، وإحدى الأزمات التي تواجه الإعلام... لا سيما مع انتشار الأخبار الزائفة والمضلّلة على منصات التواصل الاجتماعي».