البشير يعلن من جنوب كردفان وقفاً للنار «يستمر حتى تحقيق السلام»

تجاهل الاحتجاجات المناوئة لحكمه

TT

البشير يعلن من جنوب كردفان وقفاً للنار «يستمر حتى تحقيق السلام»

استخدم الرئيس عمر البشير لهجة «تصالحية» لافتة في خطاب جماهيري بولاية جنوب كردفان أمس، معلناً وقفاً لإطلاق النار بين القوات الحكومية والقوات المتمردة يستمر حتى «التوصل إلى اتفاق سلام»، بعد أن كان وقف النار يجدد دورياً، ولفترات محددة. ولم يشر البشير، الذي كان يرتدي بزته العسكرية الكاملة، إلى الحراك المتواصل في الشارع السوداني الذي يطالب بتنحيه وحكومته، وينظمه «تجمع المهنيين السودانيين».
وتسيطر «الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال» على منطقة «كاودا»، جنوب ولاية جنوب كردفان، وبعض المناطق بولاية النيل الأزرق، وذلك منذ اندلاع النزاع المسلح بينها وبين القوات الحكومية عام 2011. وقام الجيش السوداني بعدد من العمليات العسكرية لاسترداد المنطقة «الحصينة» من قوات التمرد، ولكن دون جدوى.
كان البشير قد تحدى قوات «الحركة الشعبية» المتمردة أكثر من مرة بهزيمتها عسكرياً، واسترداد مدينة «كاودا» عنوة، وإقامة الصلاة فيها بعد تحريرها، لكنه هذه المرة أبدى أمله في أن يكون اللقاء المقبل له مع مواطني جنوب كردفان في «كاودا» بعد تحقيق السلام.
وأكد البشير، في خطاب جماهيري لدى زيارته كادوقلي، حاضرة ولاية جنوب كردفان، استعداد حكومته لدفع ثمن السلام، قائلاً: «أي ثمن للسلام مستعدون أن ندفعه لتعود جبال النوبة (إلى) سيرتها الأولى»، وتابع: «هؤلاء إخواننا وأهلنا، ونريدهم أن يرجعوا ليعيشوا معنا لنبني البلد».
ولم تفلح مفاوضات ماراثونية استمرت سنوات في أديس أبابا بإثيوبيا، وعواصم إقليمية ودولية أخرى، في التوصل لاتفاق سلام نهائي مع متمردي «الحركة الشعبية - شمال» الذين يسيطرون على «كاودا» بجنوب كردفان، ومناطق أخرى في ولاية النيل الأزرق.
وتجاهل البشير في خطابه الإشارة إلى الاحتجاجات والمظاهرات التي تشهدها البلاد، المستمرة منذ 19 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، والتي تطالب بتنحيه وحكومته.
ومنذ بدء الاحتجاجات في السودان، نُظّمت للبشير كثير من اللقاءات الجماهيرية في عدد من ولايات البلاد ومدنها، زار خلالها مدينة «كسلا» في الشرق، وعطبرة «شمال»، وود مدني «وسط»، ونيالا «غرب». وتهدف زياراته لهذه المدن لحشد التأييد الشعبي له، بمواجهة المظاهرات شبه اليومية المنادية بتنحيه.
وفي غضون ذلك، تتواصل الاحتجاجات الشعبية ضد الحكومة للشهر الثاني. وقد أعلن «تجمع المهنيين السودانيين»، في بيان، أن المواطنين استجابوا لدعوته إلى اعتصامات في عدد من الميادين في العاصمة الخرطوم أول من أمس، معتبراً أن «الجماهير انتصرت، رغم حصار السلطة وبنادقها».
وأشار البيان إلى اعتصامات جرت في كل من ميدان حبره، وميدان الصحافة، وميدان شيخ أحمد زين العابدين ببحري، وميدان الشجرة، وميدان محجوب شريف الثورة، وميدان الأنصار، وميدان المولد بأبي روف، وشارع الفيل بالموردة، وميدان دلوق بأبي روف، وميدان بري، وميدان الجريف شرق. وتحدث عن «تكتيكات جديدة» للمحتجين فاجأوا بها قوات الأمن.
ولم يحدد التجمع جدولاً للاحتجاج أو التظاهر من جديد في الخرطوم، تاركاً الأمر مفتوحاً للمواطنين، لينظموا احتجاجاتهم بمبادرة خاصة منهم.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.