«حركة الشباب» وهجوم نيروبي

سلاح رخيص وعمليات وحشية

ترفوسو نيبوكو إحدى ضحايا الهجوم الإرهابي على مجمع الفنادق الفخم في نيروبي منتصف الشهر (أ.ف.ب)
ترفوسو نيبوكو إحدى ضحايا الهجوم الإرهابي على مجمع الفنادق الفخم في نيروبي منتصف الشهر (أ.ف.ب)
TT

«حركة الشباب» وهجوم نيروبي

ترفوسو نيبوكو إحدى ضحايا الهجوم الإرهابي على مجمع الفنادق الفخم في نيروبي منتصف الشهر (أ.ف.ب)
ترفوسو نيبوكو إحدى ضحايا الهجوم الإرهابي على مجمع الفنادق الفخم في نيروبي منتصف الشهر (أ.ف.ب)

تواصل حركة الشباب الصومالية نشاطاتها الإرهابية في دول شرق القارة الأفريقية؛ حيث تمكنت من تنفيذ هجوم نوعي بالعاصمة الكينية، نيروبي يوم 15 و16 يناير (كانون الثاني) الجاري. وقد استهدف الهجوم مجمعا ضخما يضم مكاتب وفندق «دوسيت»؛ وأسفرت العملية التي نفذها أربعة من مقاتلي حركة الشباب، عن قتل 21 شخصا، من بينهم مواطنون، أجانب وغربيين. كما أصيب العديد في هذا الهجوم بجروح مختلفة.
تأتي العمليات الإرهابية في سياق يشهد فيه التنظيم الصومالي المتطرف الموالي للقاعدة، تناميا وتوسعا في نشاطاته الإجرامية، داخليا، وخارجيا.
كما أن استهداف هذه المنطقة بنيروبي، يشير إلى إصرار «حركة الشباب» على الاستمرار في حربها التي أعلنتها ضد كينيا منذ 2011؛ والتي بدأتها بالهجوم الوحشي في 2013. على مركز «ويستغيت» للتسوق بالعاصمة، وأدى إلى مقتل 67. وأتبعه التنظيم الإرهابي بهجوم في أبريل (نيسان) سنة 2015، على جامعة غارسيا شرقي كينيا قتل فيه 148 شخصا، أغلبهم طلبة.

أسلحة الإرهابيين
وبحسب تقرير نشر يوم 21 يناير 2019. بموقع «كاليبر اوبسكورا» المختص بالأسلحة. فإن الهجوم الذي تعرض له مجمع فنادق «دوسيت دي 2» في ويستلاندس بنيروبي؛ أثبت أن هناك تحسنا في التخطيط الأمني من القوات الحارسة للمجمع، مما قلل من عدد الضحايا، مقارنة مع هجومي سنة 2013 و2015. كما أن هذا التطور الأمني، للسلطات الكينية، تم بلوغه بمساهمة من المملكة المتحدة.
ويشير التقرير المشار إليه أعلاه؛ إلى أن المهاجمين، استعملوا بنادق هجومية من طراز «إيه. ك»، كما توضح ذلك بعض لقطات كاميرات المراقبة. وفي الواقع، فإن هذا النوع من البندقية الصينية يحمل رمز 56 - 2؛ وهو من عائلة نوع (نوع 56 - 1 مع مخزون جانبي قابل للطي، ونوع أصلي 56 مع مخزون خشبي ثابت)؛ هذه الأنواع مجتمعة، شائعة الاستعمال في جميع أنحاء الصومال، لأن هذا السلاح رخيص ومتوفر.
يشار إلى أن نوع 56 - 2 هي بنادق أرخص من «إيه ك إم»؛ وربما تم بيعها على نطاق أوسع في أفريقيا أكثر من النموذج الأصلي لها. ويتم تصنيعها في مصانع مختلفة من قبل شركة الأسلحة «نورينكو». ويستمر الإنتاج اليوم لكونه سلاحاً نارياً منخفض التكلفة وموثوقاً به. وليس من المستغرب أن تختار حركة الشباب استخدام هذا السلاح في هجومها. كما استعمل في الهجوم بندقية من نوع «إيه ك 63 دي» المجرية.
ومع ذلك، هذه البندقية وغيرها من الأسلحة لا يعرف كيف تصل للجماعات الإرهابية؛ ولا كيف يتم إجراء بعض التعديلات الطفيفة عليها، لتكون أكثر سهولة للاستعمال. ويمكن ملاحظة كون بنادق المهاجمين، أجريت لها تعديلات لتقصيرها، ربما لتسهيل التعامل مع البندقية في قتال عنيف، وسريع. ومن المثير للفضول أن هناك أمثلة على الإنترنت «إيه ك 63 دي» معدلة بنفس الطريقة التي تمت على بندقية الإرهابيين، في هجوم فندق «دوسيت»، يوم 15 يناير 2019.
في هذه العملية الإرهابية، استعملت كذلك 6 مخازن معيارية من طراز «إيه. ك». بجوار البنادق؛ ويمكن لكل منها حمل 30 طلقة من الذخيرة، ويتم تلصيقها معاً في أزواج. وتستخدم هذه التقنية في جميع أنحاء العالم، العديد من الجماعات المسلحة، وكذلك بعض الجيوش وقوات الشرطة. كما أن هذا الأسلوب شائع، ويستخدم لتغييرات مخزن البندقية السريعة، في القتال السريع، وبالمناطق الحضرية. إن استخدام هذا الأسلوب يوحي ببعض الخبرة في القتال. ولكن قد يكون أيضاً مجرد حالة من اتباع التقاليد العسكرية التي مارسها، المجاهدون في أفغانستان، واستمرت إلى يومنا هذا.
أما من ناحية اللباس العسكري الذي يستخدمه مقاتلو حركة الشباب الصومالية الإرهابية. فهو سلعة رخيصة الثمن، تشبه إلى حد كبير ما يمكن العثور عليه في مواقع التسوق؛ وهذا ما يجعلها قابلة لتصنيعها في الصومال، أو كينيا. ورغم ذلك وبصرف النظر عن نوعيته المنخفضة والتصميم البسيط عسكريا؛ يبدو أن هذا الزي العسكري، قادر على حمل ما لا يقل عن ستة مخازن للبندقية من طراز «إيه. ك»، وخمس قنابل يدوية.
وبحسب تقرير موقع «كاليبر اوبسكورا»، فإن هذا من شأنه أن يعطي كل مهاجم، على افتراض أن لديهم أيضا مخزنا، في بنادقهم؛ القدرة على حمل ما لا يقل عن 240 طلقة، فضلا عن القنابل اليدوية - دون عد أي ذخيرة أخرى حملت. ويبدو أن استعمال هذه الأدوات القتالية، والذخيرة؛ يدل على أن المهاجمين كانوا مستعدين لخوض معركة طويلة ومميتة، على غرار هجوم 2013.
وفيما يخص القنابل اليدوية، أشار التقرير أن مقاتلي حركة الشباب استعملوا قنابل من نوع «إف 1» التي أنتجها الاتحاد السوفياتي منذ 1941؛ لكنها أجرت عليها تعديلا، بإضافة صمامات تعود لقنابل يدوية. وهي قنابل يدوية بلجيكية حديثة وفعالة، تستخدم حاليا من قبل الجيش البلجيكي، وجيوش أخرى.

القتال ضد الإرهاب
ومن الواضح أن العملية الأخيرة في نيروبي، اختارت المكان بعناية، وقصد التنظيم الإرهابي، من ذلك توجيه رسائل محددة، لدول الجوار الصومالي، ولكينيا خاصة. كما أن هذا الاختيار المكاني، تريد من خلاله «حركة الشباب»، التأكيد على قدرتها على الوصول إلى واحدة من أهم المناطق بالعاصمة نيروبي. ويعتبر ديفيد غولدمان، وهو مدير مركز الاستخبارات الاستراتيجي، أن هذا «الاختراق»، الذي حققه التنظيم الإرهابي، نقطة سلبية، تستلزم بذل مزيد من الجهود الأمنية الكينية.
ذلك أن «دوسيت دي 2» الذي تسلل إليه أربعة من مقاتلي حركة الشباب؛ وهو مجمع فندقي فريد من نوعه في منطقة ريفرسايد في ويستلاندز في نيروبي، ويضم مكاتب عدة لشركات متعددة الجنسيات ومنظمات غير حكومية ومنظمات مرموقة أخرى... كما أنه قريب من فندق «كيمبنسكي» حيث يقيم العديد من رؤساء الدول الذين يزورون جمهورية كينيا. والأبرز من ذلك، هو أن «دوسِيت» يبعد نحو 4 كيلومترات عن القصر الرئاسي الكيني. من جانب آخر، يقع المجمع على بعد مسافة قصيرة سيراً على الأقدام من السفارة الأسترالية في نيروبي. مما يجعل فندق دوسيت 2 ومجمع المكاتب الراقي مكان عمل، وإقامة مناسب لعدد كبير من المغتربين والموظفين في هذه المؤسسات، المشار إليها.
ويبدو أن هذه العملية الوحشية لتنظيم «الشباب»، قد تساعد على تغيير جزء من السياسة الأميركية لمحاربة الإرهاب بأفريقيا؛ فقد أعلنت إدارة ترمب عن عزمها سحب 10 في المائة من قواتها العاملة في هذا المجال بالقارة. ففي الوقت الذي اعتبرت إدارة ترمب، أنه حان الوقت لخفض الوجود العسكري الأميركي بالصومال؛ بذريعة أن تنظيم «حركة الشباب» لم يعد يشكل خطرا حقيقيا، على الأمن القومي الأميركي، ولا على الدول المجاورة للصومال، وأن الهجمات الجوية الأميركية أضعفت التنظيم، بقتل العديد من قيادات التنظيم. جاءت عملية نيروبي، لتكشف خطورة تنظيم الشباب في المنطقة.
كما أن هذا الحادث الإرهابي، يعطي مصداقية، ودعما أكبر، لوجهة نظر لجنرالات بالجيش الأميركي، الذين رفضوا فكرة تخفيض القوات، الخاصة بالإرهاب. حيث اعتبروا أن سحب 700 جندي من أصل 7200 المنتشرين بالقارة السمراء، يضعف من قدرات الولايات المتحدة في مواجهة التنظيمات الإرهابية. في الوقت الذي تزداد قوة هذه التنظيمات الإرهابية الأفريقية، مع هزيمة «داعش» بالعراق، وسوريا، وفرار العديد من القيادات الإرهابية إلى مناطق التوتر بالقارة السمراء. وفي سياق مراجعة «واشنطن لسياستها المتعلقة بحركة الشباب وبتخفيض الوجود العسكري بالصومال والقارة الأفريقية؛ أعلنت الإدارة الأميركية بعد الهجوم على فندق دوسيت بنيروبي والذي خلف 21 قتيلا، أن أميركا سترسل قوات جديدة إلى الصومال للمشاركة في الحرب على حركة الشباب، في الأسبوع الأخير من يناير الجاري». ومن المرتقب أن يصل 130 جنديا أميركيا جديدا يتمركزون بولاية نيوجيرسي، إلى القاعدة العسكرية الأميركية بالصومال، لينضموا لنحو 500 من زملائهم، العاملين في مجال مكافحة التنظيمات الإرهابية بالصومال، وتدريب القوات المحلية والأفريقية هناك. يشار أن القوات الأميركية تتخذ من قاعدة «بلي دوغلي»، في إقليم شبيلي السفلى بجوار مقديشو العاصمة، قاعدة رئيسية، تنطلق منها. وهذا ما ساعدها على تنفيذ غارات جوية نوعية، وصلت لنحو 15 غارة عام 2016 وارتفعت إلى 35 غارة في 2017. لتصل إلى47 في 2018. أما الشهر الأول من 2019 فقد سجل أكثر من 6 هجمات جوية على تنظيم الشباب بالصومال.

مذبحة حقيقية
وفي الخلاصة يمكن القول بأن إرهابيي «حركة الشباب» الذين هاجموا مجمع «فندق دوسيت دي 2» قد تم تنظيمهم وإعدادهم لحدث مهم بالنسبة للتنظيم الإرهابي؛ وهو ما ترجمته طريقة التسلل للمكان، حيث لم تتمكن القوى الأمنية من رصد الخلية المهاجمة. والتي اجتازت الحواجز الأمنية دون رصد للمسدسات والبنادق والقنابل اليدوية المخزنة في سيارة أعدت للتفجير في حالة وجود مانع يحول دون اقتحام المجمع.
ومن الواضح أن رسائل الهجوم كانت متعددة، لذلك كانت الشباب تستهدف ارتكاب مذبحة حقيقية، انتقاما من كينيا ودورها في الصومال.
ومن الغريب أن المهاجمين من «حركة الشباب» اختاروا عدم ارتداء الدروع الواقية من الرصاص... ويمكن تفسير ذلك بطبيعة القناعات القتالية لأفراد الجماعات الإرهابية، والتي تمجد التضحية بالنفس؛ كما يمكن ربط ذلك بالاستعدادات والتدريبات القتالية للمهاجمين، والذين تدفعهم الثقة بالنفس، والرغبة في الانتحار، إلى الانغماس الكلي في أي معركة قتالية يخوضونها.
- أستاذ زائر للعلوم السياسية بجامعة محمد الخامس - الرباط



ألمانيا... صعود {اليمين المتطرف}

انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
TT

ألمانيا... صعود {اليمين المتطرف}

انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)

عندما وصف رجل ألماني في شريط على «يوتيوب» سوسن شبلي، السياسية الألمانية الشابة من أصل فلسطيني، والتي تنتمي للحزب الاشتراكي الديمقراطي، بأنها: «دمية متحدثة باسم الإسلاميين»، ظنت أن محكمة ألمانية سترد لها حقها بعد «الإهانة» التي تعرضت لها، ولكنها فوجئت عندما حكمت المحكمة بأن هذه الصفة وغيرها من التي ألصقها بها الرجل، هي «ضمن حرية التعبير التي يصونها القانون الألماني»، وليست إهانة ولا تحريضاً على الكراهية.

في الواقع، لم تكن تلك المرة الأولى التي تتعرض لها شبلي لتوصيفات عنصرية كهذه. فهي وغيرها من السياسيين المسلمين القلائل في ألمانيا، والسياسي الأسود الوحيد كرامبا ديابي، معتادون على سماع كثير من الإهانات، بسبب ديانتهم ولونهم فقط؛ حتى أنهم يتلقون تهديدات عبر البريد الإلكتروني والاتصالات، تصل أحياناً لحد التهديد بالقتل.
ورغم أن هذه التهديدات التي يتعرض لها السياسيون المسلمون في ألمانيا تجلب لهم التضامن من بقية السياسيين الألمان، فإن أكثر من ذلك لا يُحدث الكثير.
في ألمانيا، تصنف السلطات ما يزيد على 12 ألف شخص على أنهم من اليمين المتطرف، ألف منهم عنيفون، وهناك خطر من أن ينفذوا اعتداءات داخل البلاد.
يشكل اليمينيون المتطرفون شبكات سرية، ويتواصلون عادة عبر الإنترنت، ويتبادلون الأحاديث داخل غرف الـ«تشات» الموجودة داخل الألعاب الإلكترونية، تفادياً للمراقبة.
وفي السنوات الماضية، ازداد عنف اليمين المتطرف في ألمانيا، وازداد معه عدد الجرائم التي يتهم أفراد متطرفون بارتكابها. وبحسب الاستخبارات الألمانية الداخلية، فإن اعتداءات اليمين المتطرف زادت خمسة أضعاف منذ عام 2012.
وفي دراسة لمعهد «البحث حول التطرف» في جامعة أوسلو، فإن ألمانيا على رأس لائحة الدول الأوروبية التي تشهد جرائم من اليمين المتطرف، وتتقدم على الدول الأخرى بفارق كبير جداً. فقد سجل المعهد حوالي 70 جريمة في هذا الإطار بين عامي 2016 و2018، بينما كانت اليونان الدولة الثانية بعدد جرائم يزيد بقليل عن العشرين في الفترة نفسها.
في الصيف الماضي، شكل اغتيال سياسي ألماني يدعى فالتر لوبكه، في حديقة منزله برصاصة أطلقت على رأسه من الخلف، صدمة في ألمانيا. كانت الصدمة مضاعفة عندما تبين أن القاتل هو يميني متطرف استهدف لوبكه بسبب سياسته المؤيدة للاجئين. وتحدث كثيرون حينها عن «صرخة يقظة» لأخذ خطر اليمين المتطرف بجدية. ودفن لوبكه ولم يحدث الكثير بعد ذلك.
فيما بعد اغتياله بأشهر، اعتقل رجل يميني متطرف في ولاية هسن، الولاية نفسها التي اغتيل فيها السياسي، بعد أن قتل شخصين وهو يحاول الدخول إلى معبد لليهود، أثناء وجود المصلين في الداخل بهدف ارتكاب مجزرة. أحدثت تلك المحاولة صرخة كبيرة من الجالية اليهودية، وعادت أصوات السياسيين لتعلو: «لن نسمح بحدوثها مطلقاً مرة أخرى»، في إشارة إلى ما تعرض له اليهود في ألمانيا أيام النازية. ولكن لم يحدث الكثير بعد ذلك.
وقبل بضعة أيام، وقعت مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة في مدينة هاناو في الولاية نفسها، استهدفا من قبل يميني متطرف لأن من يرتادهما من المسلمين. أراد الرجل أن يقتل مسلمين بحسب رسالة وشريط فيديو خلَّفه وراءه بعد أن قتل 9 أشخاص، ثم توجه إلى منزله ليقتل والدته، ثم نفسه. أسوأ من ذلك، تبين أن الرجل كان يحمل سلاحاً مرخصاً، وينتمي لنادي الرماية المحلي.
بات واضحاً بعد استهداف هاناو، أن السلطات الألمانية لم تولِ اليمين المتطرف اهتماماً كافياً، وأنها لا تقدر حقيقة خطره على المجتمع، رغم أنها كشفت قبل أيام من جريمة هاناو عن شبكة يمينية متطرفة، كانت تعد لاعتداءات على مساجد في أنحاء البلاد، أسوة بما حصل في كرايستشيرش في نيوزيلندا.
وجاء الرد على اعتداء هاناو بتشديد منح رخص السلاح، وبات ضرورياً البحث في خلفية من يطلب ترخيصاً، على أن يرفض طلبه في حال ثبت أنه ينتمي لأي مجموعة متطرفة، ويمكن سحب الترخيص لاحقاً في حال ظهرت معلومات جديدة لم تكن متوفرة عند منحه. كما يبحث وزراء داخلية الولايات الألمانية تأمين حماية للمساجد وللتجمعات الدينية للمسلمين واليهود.
ولكن كل هذه الإجراءات يعتقد البعض أنها لا تعالج المشكلة الأساسية التي تدفع باليمين المتطرف لارتكاب أعمال عنف. وفي كل مرة تشهد ألمانيا اعتداءات، يوجه سياسيون من اليسار الاتهامات لحزب «البديل لألمانيا» اليميني المتطرف، بالمسؤولية عنها بشكل غير مباشر. ويواجه الحزب الذي دخل البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) للمرة الأولى عام 2018، وبات أكبر كتلة معارضة، اتهامات بأنه «يطبِّع سياسة الكراهية»، وبأنه يحرض على العنف ضد اللاجئين والمهاجرين، من خلال ترويجه لخطاب الكراهية. وحتى أن البعض ذهب أبعد من ذلك بالدعوة إلى حظر الحزب للتصدي للعنف المتزايد لليمين المتطرف.
والواقع أن مشكلة اليمين المتطرف تزداد منذ أن دخل «البديل لألمانيا» إلى «البوندستاغ». فهو - كما حملته الانتخابية - يركز خطابه على مواجهة سياسة اللاجئين التي اعتمدتها حكومة المستشارة أنجيلا ميركل. وكثير من الأسئلة التي يتقدم بها نوابه في البرلمان تهدف لإثبات خطأ هذه السياسة، وعدم قدرة اللاجئين على الاندماج. ورغم أن نوابه في البرلمان يحرصون على عدم تخطي القانون في خطاباتهم، فإن كثيراً من السياسيين المنتمين لهذا الحزب؛ خصوصاً في الولايات الشرقية، لا يترددون في الحديث بلغة لا يمكن تمييزها عن لغة النازيين. أبرز هؤلاء السياسيين بيورغ هوكيه الذي لم يستطع أعضاء في حزبه تمييز ما إذا كانت جمل قرأها صحافي لهم، هي مقتطفات من كتاب «كفاحي» لهتلر، أم أنها أقوال لهوكيه.
كل هذا خلق أجواء سلبية ضد المسلمين في ألمانيا، وحوَّل كثيرين من الذين ولدوا لأبوين مهاجرين إلى غرباء في بلدهم. في هاناو، يقول كثيرون من الذين فقدوا أصدقاءهم في المجزرة، بأنهم لم يعودوا يشعرون بالأمان، ولا بأنهم جزء مقبول من المجتمع. وبعضهم يرى أنه ما دام حزب «البديل لألمانيا» مقبولاً بين الأحزاب الأخرى، فإن خطاب الكراهية سيستمر، والجرائم كالتي حصلت في هاناو ستتكرر.
ما يزيد من هذه المخاوف ومن الشبهات، أن السلطات الألمانية لم تأخذ خطر اليمين المتطرف على محمل الجد طوال السنوات الماضية. وهناك فضائح متتالية داخل المؤسسات الأمنية تظهر أنها مليئة بمؤيدين أو متعاطفين مع اليمين المتطرف؛ خصوصاً داخل الشرطة والجيش. ويواجه رئيس المخابرات الداخلية السابق هانس يورغ ماسن اتهامات بأنه متعاطف مع اليمين المتطرف، وهو ما دفع جهازه لغض النظر عن تحركاتهم طوال السنوات الماضية، والتركيز عوضاً عن ذلك على خطر الإسلام المتطرف. ومنذ مغادرته المنصب، أصدرت المخابرات الداخلية تقييماً تقول فيه بأن خطر اليمين المتطرف بات أكبر من خطر الإسلام المتطرف في ألمانيا.
وطُرد ماسن الذي ينتمي للجناح المتطرف في حزب ميركل (الاتحاد المسيحي الديمقراطي) من منصبه، بعد اعتداءات كيمنتس في صيف عام 2018، بسبب رد فعله على التطورات هناك. وعارض ماسن ميركل في قولها بأن شريط فيديو من هناك أظهر ملاحقة نازيين جدد للاجئين، شتماً وضرباً. وخرج ماسن ليقول بأنه لم يتم التثبت من الشريط بعد، ويشكك في وجود نازيين جدد هناك. وكانت تظاهرات كبيرة قد خرجت ضد لاجئين في كيمنتس، بعد جريمة قتل ارتكبها لاجئان (عراقي وسوري) بحق أحد سكان البلدة.
وتعرض كذلك لانتقادات بعد جريمة هاناو لقوله بأن الرجل يعاني من اضطرابات عقلية، وهو الخط نفسه الذي اتخذه حزب «البديل لألمانيا» عندما رفض طبع المجرم بأنه يميني متطرف؛ خصوصاً أن الأخير تحدث في شريط الفيديو عن «التخلص» من جنسيات معينة من دول عربية ومسلمة.
ويعيد ماسن صعود عنف اليمين المتطرف لموجة اللجوء منذ عام 2015، إلا أن ألمانيا شهدت عمليات قتل وملاحقات عنصرية قبل موجة اللجوء تلك. ففي عام 2011 كشف عن شبكة من النازيين الجدد عملت بالسر طوال أكثر من 12 عاماً، من دون أن يكشف أمرها، ما سبب صدمة كبيرة في البلاد. ونجح أفراد هذه الشبكة في قتل تسعة مهاجرين لأسباب عنصرية بين عامي 2000 و2007، إضافة إلى تنفيذهم 43 محاولة قتل، و3 عمليات تفجير، و15 عملية سرقة.
وقبل اكتشاف الخلية، كانت الشرطة تستبعد أن تكون عمليات القتل ومحاولات القتل تلك تتم بدوافع عنصرية، رغم أن جميع المستهدفين هم من أصول مهاجرة. وعوضاً عن ذلك، كانت التخمينات بأن الاستهدافات تلك لها علاقة بالجريمة المنظمة والمافيات التركية.
ورغم أن الكشف عن ارتباط هذه الجرائم باليمين المتطرف زاد الوعي الألماني لخطر هذه الجماعات، وأطلق نقاشات في الصحافة والمجتمع والطبقة السياسية، فإن التعاطي مع الجرائم التي لحقت، والتي اشتبه بأن اليمين المتطرف وراءها، لم يكن تعاطياً يحمل كثيراً من الجدية.