تواصل حركة الشباب الصومالية نشاطاتها الإرهابية في دول شرق القارة الأفريقية؛ حيث تمكنت من تنفيذ هجوم نوعي بالعاصمة الكينية، نيروبي يوم 15 و16 يناير (كانون الثاني) الجاري. وقد استهدف الهجوم مجمعا ضخما يضم مكاتب وفندق «دوسيت»؛ وأسفرت العملية التي نفذها أربعة من مقاتلي حركة الشباب، عن قتل 21 شخصا، من بينهم مواطنون، أجانب وغربيين. كما أصيب العديد في هذا الهجوم بجروح مختلفة.
تأتي العمليات الإرهابية في سياق يشهد فيه التنظيم الصومالي المتطرف الموالي للقاعدة، تناميا وتوسعا في نشاطاته الإجرامية، داخليا، وخارجيا.
كما أن استهداف هذه المنطقة بنيروبي، يشير إلى إصرار «حركة الشباب» على الاستمرار في حربها التي أعلنتها ضد كينيا منذ 2011؛ والتي بدأتها بالهجوم الوحشي في 2013. على مركز «ويستغيت» للتسوق بالعاصمة، وأدى إلى مقتل 67. وأتبعه التنظيم الإرهابي بهجوم في أبريل (نيسان) سنة 2015، على جامعة غارسيا شرقي كينيا قتل فيه 148 شخصا، أغلبهم طلبة.
أسلحة الإرهابيين
وبحسب تقرير نشر يوم 21 يناير 2019. بموقع «كاليبر اوبسكورا» المختص بالأسلحة. فإن الهجوم الذي تعرض له مجمع فنادق «دوسيت دي 2» في ويستلاندس بنيروبي؛ أثبت أن هناك تحسنا في التخطيط الأمني من القوات الحارسة للمجمع، مما قلل من عدد الضحايا، مقارنة مع هجومي سنة 2013 و2015. كما أن هذا التطور الأمني، للسلطات الكينية، تم بلوغه بمساهمة من المملكة المتحدة.
ويشير التقرير المشار إليه أعلاه؛ إلى أن المهاجمين، استعملوا بنادق هجومية من طراز «إيه. ك»، كما توضح ذلك بعض لقطات كاميرات المراقبة. وفي الواقع، فإن هذا النوع من البندقية الصينية يحمل رمز 56 - 2؛ وهو من عائلة نوع (نوع 56 - 1 مع مخزون جانبي قابل للطي، ونوع أصلي 56 مع مخزون خشبي ثابت)؛ هذه الأنواع مجتمعة، شائعة الاستعمال في جميع أنحاء الصومال، لأن هذا السلاح رخيص ومتوفر.
يشار إلى أن نوع 56 - 2 هي بنادق أرخص من «إيه ك إم»؛ وربما تم بيعها على نطاق أوسع في أفريقيا أكثر من النموذج الأصلي لها. ويتم تصنيعها في مصانع مختلفة من قبل شركة الأسلحة «نورينكو». ويستمر الإنتاج اليوم لكونه سلاحاً نارياً منخفض التكلفة وموثوقاً به. وليس من المستغرب أن تختار حركة الشباب استخدام هذا السلاح في هجومها. كما استعمل في الهجوم بندقية من نوع «إيه ك 63 دي» المجرية.
ومع ذلك، هذه البندقية وغيرها من الأسلحة لا يعرف كيف تصل للجماعات الإرهابية؛ ولا كيف يتم إجراء بعض التعديلات الطفيفة عليها، لتكون أكثر سهولة للاستعمال. ويمكن ملاحظة كون بنادق المهاجمين، أجريت لها تعديلات لتقصيرها، ربما لتسهيل التعامل مع البندقية في قتال عنيف، وسريع. ومن المثير للفضول أن هناك أمثلة على الإنترنت «إيه ك 63 دي» معدلة بنفس الطريقة التي تمت على بندقية الإرهابيين، في هجوم فندق «دوسيت»، يوم 15 يناير 2019.
في هذه العملية الإرهابية، استعملت كذلك 6 مخازن معيارية من طراز «إيه. ك». بجوار البنادق؛ ويمكن لكل منها حمل 30 طلقة من الذخيرة، ويتم تلصيقها معاً في أزواج. وتستخدم هذه التقنية في جميع أنحاء العالم، العديد من الجماعات المسلحة، وكذلك بعض الجيوش وقوات الشرطة. كما أن هذا الأسلوب شائع، ويستخدم لتغييرات مخزن البندقية السريعة، في القتال السريع، وبالمناطق الحضرية. إن استخدام هذا الأسلوب يوحي ببعض الخبرة في القتال. ولكن قد يكون أيضاً مجرد حالة من اتباع التقاليد العسكرية التي مارسها، المجاهدون في أفغانستان، واستمرت إلى يومنا هذا.
أما من ناحية اللباس العسكري الذي يستخدمه مقاتلو حركة الشباب الصومالية الإرهابية. فهو سلعة رخيصة الثمن، تشبه إلى حد كبير ما يمكن العثور عليه في مواقع التسوق؛ وهذا ما يجعلها قابلة لتصنيعها في الصومال، أو كينيا. ورغم ذلك وبصرف النظر عن نوعيته المنخفضة والتصميم البسيط عسكريا؛ يبدو أن هذا الزي العسكري، قادر على حمل ما لا يقل عن ستة مخازن للبندقية من طراز «إيه. ك»، وخمس قنابل يدوية.
وبحسب تقرير موقع «كاليبر اوبسكورا»، فإن هذا من شأنه أن يعطي كل مهاجم، على افتراض أن لديهم أيضا مخزنا، في بنادقهم؛ القدرة على حمل ما لا يقل عن 240 طلقة، فضلا عن القنابل اليدوية - دون عد أي ذخيرة أخرى حملت. ويبدو أن استعمال هذه الأدوات القتالية، والذخيرة؛ يدل على أن المهاجمين كانوا مستعدين لخوض معركة طويلة ومميتة، على غرار هجوم 2013.
وفيما يخص القنابل اليدوية، أشار التقرير أن مقاتلي حركة الشباب استعملوا قنابل من نوع «إف 1» التي أنتجها الاتحاد السوفياتي منذ 1941؛ لكنها أجرت عليها تعديلا، بإضافة صمامات تعود لقنابل يدوية. وهي قنابل يدوية بلجيكية حديثة وفعالة، تستخدم حاليا من قبل الجيش البلجيكي، وجيوش أخرى.
القتال ضد الإرهاب
ومن الواضح أن العملية الأخيرة في نيروبي، اختارت المكان بعناية، وقصد التنظيم الإرهابي، من ذلك توجيه رسائل محددة، لدول الجوار الصومالي، ولكينيا خاصة. كما أن هذا الاختيار المكاني، تريد من خلاله «حركة الشباب»، التأكيد على قدرتها على الوصول إلى واحدة من أهم المناطق بالعاصمة نيروبي. ويعتبر ديفيد غولدمان، وهو مدير مركز الاستخبارات الاستراتيجي، أن هذا «الاختراق»، الذي حققه التنظيم الإرهابي، نقطة سلبية، تستلزم بذل مزيد من الجهود الأمنية الكينية.
ذلك أن «دوسيت دي 2» الذي تسلل إليه أربعة من مقاتلي حركة الشباب؛ وهو مجمع فندقي فريد من نوعه في منطقة ريفرسايد في ويستلاندز في نيروبي، ويضم مكاتب عدة لشركات متعددة الجنسيات ومنظمات غير حكومية ومنظمات مرموقة أخرى... كما أنه قريب من فندق «كيمبنسكي» حيث يقيم العديد من رؤساء الدول الذين يزورون جمهورية كينيا. والأبرز من ذلك، هو أن «دوسِيت» يبعد نحو 4 كيلومترات عن القصر الرئاسي الكيني. من جانب آخر، يقع المجمع على بعد مسافة قصيرة سيراً على الأقدام من السفارة الأسترالية في نيروبي. مما يجعل فندق دوسيت 2 ومجمع المكاتب الراقي مكان عمل، وإقامة مناسب لعدد كبير من المغتربين والموظفين في هذه المؤسسات، المشار إليها.
ويبدو أن هذه العملية الوحشية لتنظيم «الشباب»، قد تساعد على تغيير جزء من السياسة الأميركية لمحاربة الإرهاب بأفريقيا؛ فقد أعلنت إدارة ترمب عن عزمها سحب 10 في المائة من قواتها العاملة في هذا المجال بالقارة. ففي الوقت الذي اعتبرت إدارة ترمب، أنه حان الوقت لخفض الوجود العسكري الأميركي بالصومال؛ بذريعة أن تنظيم «حركة الشباب» لم يعد يشكل خطرا حقيقيا، على الأمن القومي الأميركي، ولا على الدول المجاورة للصومال، وأن الهجمات الجوية الأميركية أضعفت التنظيم، بقتل العديد من قيادات التنظيم. جاءت عملية نيروبي، لتكشف خطورة تنظيم الشباب في المنطقة.
كما أن هذا الحادث الإرهابي، يعطي مصداقية، ودعما أكبر، لوجهة نظر لجنرالات بالجيش الأميركي، الذين رفضوا فكرة تخفيض القوات، الخاصة بالإرهاب. حيث اعتبروا أن سحب 700 جندي من أصل 7200 المنتشرين بالقارة السمراء، يضعف من قدرات الولايات المتحدة في مواجهة التنظيمات الإرهابية. في الوقت الذي تزداد قوة هذه التنظيمات الإرهابية الأفريقية، مع هزيمة «داعش» بالعراق، وسوريا، وفرار العديد من القيادات الإرهابية إلى مناطق التوتر بالقارة السمراء. وفي سياق مراجعة «واشنطن لسياستها المتعلقة بحركة الشباب وبتخفيض الوجود العسكري بالصومال والقارة الأفريقية؛ أعلنت الإدارة الأميركية بعد الهجوم على فندق دوسيت بنيروبي والذي خلف 21 قتيلا، أن أميركا سترسل قوات جديدة إلى الصومال للمشاركة في الحرب على حركة الشباب، في الأسبوع الأخير من يناير الجاري». ومن المرتقب أن يصل 130 جنديا أميركيا جديدا يتمركزون بولاية نيوجيرسي، إلى القاعدة العسكرية الأميركية بالصومال، لينضموا لنحو 500 من زملائهم، العاملين في مجال مكافحة التنظيمات الإرهابية بالصومال، وتدريب القوات المحلية والأفريقية هناك. يشار أن القوات الأميركية تتخذ من قاعدة «بلي دوغلي»، في إقليم شبيلي السفلى بجوار مقديشو العاصمة، قاعدة رئيسية، تنطلق منها. وهذا ما ساعدها على تنفيذ غارات جوية نوعية، وصلت لنحو 15 غارة عام 2016 وارتفعت إلى 35 غارة في 2017. لتصل إلى47 في 2018. أما الشهر الأول من 2019 فقد سجل أكثر من 6 هجمات جوية على تنظيم الشباب بالصومال.
مذبحة حقيقية
وفي الخلاصة يمكن القول بأن إرهابيي «حركة الشباب» الذين هاجموا مجمع «فندق دوسيت دي 2» قد تم تنظيمهم وإعدادهم لحدث مهم بالنسبة للتنظيم الإرهابي؛ وهو ما ترجمته طريقة التسلل للمكان، حيث لم تتمكن القوى الأمنية من رصد الخلية المهاجمة. والتي اجتازت الحواجز الأمنية دون رصد للمسدسات والبنادق والقنابل اليدوية المخزنة في سيارة أعدت للتفجير في حالة وجود مانع يحول دون اقتحام المجمع.
ومن الواضح أن رسائل الهجوم كانت متعددة، لذلك كانت الشباب تستهدف ارتكاب مذبحة حقيقية، انتقاما من كينيا ودورها في الصومال.
ومن الغريب أن المهاجمين من «حركة الشباب» اختاروا عدم ارتداء الدروع الواقية من الرصاص... ويمكن تفسير ذلك بطبيعة القناعات القتالية لأفراد الجماعات الإرهابية، والتي تمجد التضحية بالنفس؛ كما يمكن ربط ذلك بالاستعدادات والتدريبات القتالية للمهاجمين، والذين تدفعهم الثقة بالنفس، والرغبة في الانتحار، إلى الانغماس الكلي في أي معركة قتالية يخوضونها.
- أستاذ زائر للعلوم السياسية بجامعة محمد الخامس - الرباط