التراسل الفوري... رهان «داعش» للتواصل

لتعويض خسائره على «تويتر» و«تليغرام»

موقع تابع لتنظيم {داعش} يعلن تبنيه استهداف قوات أميركية في الشدادي شرق سوريا (الشرق الأوسط)
موقع تابع لتنظيم {داعش} يعلن تبنيه استهداف قوات أميركية في الشدادي شرق سوريا (الشرق الأوسط)
TT

التراسل الفوري... رهان «داعش» للتواصل

موقع تابع لتنظيم {داعش} يعلن تبنيه استهداف قوات أميركية في الشدادي شرق سوريا (الشرق الأوسط)
موقع تابع لتنظيم {داعش} يعلن تبنيه استهداف قوات أميركية في الشدادي شرق سوريا (الشرق الأوسط)

رغم فقد «داعش» لصفحاته على مواقع التواصل الاجتماعي «تويتر» و«تليغرام» و«فيسبوك»، فإنه بات يراهن على استخدام تطبيقات برامج «اللايف شات» التي تتميز بخصائص التراسل الفوري، والقدرة على الانتشار كالقنوات، وإرسال الملفات، والبث الصوتي والمرئي، بصورة أكثر أماناً.
في حين قال باحثون وخبراء إن تنظيم داعش يهدف من التطبيقات الجديدة إلى تجنيد موالين جُدد، وتوجيه عناصره، والتوسع بعد انهياره وسقوط معاقله في سوريا والعراق وكثير من الدول، قلل الخبير الإعلامي الدكتور محمود الصاوي، وكيل كلية الإعلام بجامعة الأزهر، من صحة فرضية توسع التنظيم الإرهابي عبر التطبيقات الجديد، قائلاً: سقطت أقنعة «داعش» المتشدد، وصار كثيرون على قناعة بأنه صنيعة لا تستهدف الخير للمسلمين، بل جلب لهم كل شر ووباء، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «لا أعتقد أن (داعش) يكتسب أرضاً أو عقلاً جديداً، لكنه يستغل أوضاع الخراب والدمار في كثير من دول العالم، التي هو أحد أهم أسبابها، ويحاول أن يستغل ذلك في كسب أنصار من المغرر بهم، لكن هذا لن يحدث مع يقظة الدول.
يشار إلى أن المكافحة الإلكترونية التي شنتها إدارات «فيسبوك» و«تويتر» و«يوتيوب»، إضافة إلى هجمات القرصنة الإلكترونية لمواقع «داعش» التي أدت إلى انخفاض استخدام التنظيم بشكل كبير لمواقع التواصل الاجتماعي، ساعدت بشكل فعال في ترنح وسائل تواصل التنظيم خلال الأشهر الماضية، خصوصاً عقب هزائمه في سوريا والعراق.

ذئاب منفردة
في دراسة حديثة، أشارت دار الافتاء المصرية إلى أن «التنظيمات المتطرفة توسعت في استخدام شبكات الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي، باعتبارها ملاذاً آمناً لبث أفكارهم المتطرفة، ولتنفيذ مشروعها الآيديولوجي».
الدراسة التي جاءت بعنوان «استراتيجيات وآيديولوجيات الجماعات الإرهابية في تجنيد الشباب عبر الإنترنت»، والتي أعدها مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة، أكدت أن «شبكات ومواقع ومنصات التواصل الاجتماعي تمثل جامعة إلكترونية لإعداد وتجنيد (الذئاب المنفردة)، وأداة خصبة لنشر أفكارهم المتطرفة، حيث تقوم تلك التيارات بتصنيف مواقع التواصل وفق استخدامه المناسب».
وصنّفت دراسة الافتاء مواقع التواصل وفق استغلال «داعش»، حيث أكدت أن «فيسبوك» يساعد التنظيم في تجنيد «الذئاب المنفردة» بسهولة، عبر استدراج الشباب وتجنيدهم بطريقة غير مباشرة. أما «تويتر»، فيستخدم لنشر الأخبار الترويجية للأفكار المتطرفة، و«تليغرام» للمساهمة في نشر أدبيات التنظيم وكتاباته، وروابط تقاريره المصورة والمرئية، لترويج نجاحه المزيف في ساحات القتال، في حين يستغل التنظيم قنوات «اليوتيوب» لتمكين مشاركيه من تحميل الفيديوهات قبل الحذف، حيث إن نظام المراقبة الخاص بالموقع يتم بعد رفع الفيديوهات عليه.

منصة ترويج
قال عدد من الباحثين في مرصد الأزهر بالقاهرة إن الجبهة الإعلامية للتنظيم المتطرف، ونشاطه الدعائي عبر مختلف المنصات، كانت عاملاً في غاية الأهمية للترويج لفكره المتطرف منذ ظهور التنظيم، واستقطاب كثير من المقاتلين الأجانب، إذ لم يترك التنظيم وسيلة أو منصة يمكنه من خلالها الترويج لما يقوم به، أو محاولة ضم أتباع جدد، إلا استخدمها، لذلك فهو يحاول مرة أخرى العودة لهذه المنصات لتعويض الخسائر.
وأكد الباحثون لـ«الشرق الأوسط» أنه عقب إجبار سلطات الدول لمنصات التواصل على حذف المحتوى المتطرف، وحظر الحسابات التي تساعد في نشر هذا المحتوى، اتجه التنظيم إلى المنصات المشفرة مثل «تلغرام» لكي يضمن سلامة عناصره، الذين يواصلون نشر أفكارهم، لكنه تم حجب «تلغرام» أيضاً.
وعلقت «تويتر»، منذ يوليو (تموز) 2015 حتى يوليو 2016، ما لا يقل عن 360 ألف حساب. واستخدم «يوتيوب» تقنية «Jigsaw»، التي تعمل ضد التطرف والعنف والمضايقات عبر الإنترنت. فعندما يبحث أحد الأشخاص عن كلمات رئيسية معينة، يُوجه المستخدم لقائمة من مقاطع الفيديو التي تتضمن محتوى يعارض التطرف.

حظر المحتوى
وفي السياق ذاته، أكد مرصد الأزهر، في تقرير حديث له، أن جهوداً كثيرة بذلت في مجال حظر المحتوى المتطرف، والحسابات التي تنشر مثل هذه المحتوى، وقد أدى هذا بالفعل إلى تقليل حجم الوجود الإعلامي لجماعات التطرف على وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الإلكترونية، وساعد في هذا أيضاً إنهاء سيطرة التنظيم المتطرف على مساحات واسعة، وبالتالي تقليل موارده، واضطراره إلى وقف إصدار كثير من المجلات التي اعتاد على نشرها شهرياً، وبكثير من اللغات.
وقال مرصد الأزهر: «برزت كثير من التحديات نتيجة هذا النهج الإعلامي للتنظيم المتطرف، حيث إنه مع تلقيه الهزائم، توجه بإعلامه إلى وجهة جديدة، ركز فيها على أتباعه الأجانب الذين لم يتمكنوا من الانضمام إليه في سوريا والعراق، وتركز النهج الجديد على حث هذه العناصر البعيدة عن مركز التنظيم على القيام بعمليات في محيطهم، مستخدمين ما يتاح لهم من مواد، ومحدثين أكبر عدد ممكن من الخسائر، وهو ما يطلق عليه عمليات (الذئاب المنفردة)، فضلاً عن دعوته لعناصره حول العالم للقيام بتصوير العمليات التي يقومون بها لكي يتم نشرها، باعتبار أن من قام بذلك هو (داعش)، ويعد هذا تحدياً كبيراً للأجهزة الأمنية التي لا يمكن لها في كثير من الأحيان التيقن من كون القائم بالعملية الإرهابية من المنتمين لـ(داعش) أم لا».

استقطاب الشباب
وعن استراتيجية «داعش» على منصات التواصل، أكد مرصد الأزهر في تقريره أنها انشغلت بالترويج لأفكاره، وإقناع الناس بها، والدفاع عن سمعته، إضافة إلى خلق صورة ذات تأثير مزدوج، قادرة على الجذب والإرهاب في الوقت ذاته، والمستهدف الأول هم الشباب الذين يسعى التنظيم إلى استقطابهم وضمهم إلى صفوفه القتالية، بجانب جذب مزيد من الأتباع. أما المستهدف الثاني، فهم عامة الجمهور ممن يهدف التنظيم إلى إثارة شعور واسع النطاق بالخوف وانعدام الأمن لديهم، فهذا دون شك يصب في مصلحة الدواعش أيضاً.
وأكد الدكتور الصاوي أنه لا شك في أن وسائل التواصل الاجتماعي نتاج هذين العقدين الأخيرين، وتتزايد وتيرتها يوماً بعد يوم، وتستغلها الجماعات المتشددة بشكل كبير في نشر أفكارها وقناعاتها، وجلب الشباب إليها، لعلمهم بحالة الإدمان التي وصل إليها آلاف الشباب للإنترنت ومشتقاته، مضيفاً أن هذه الوسائل من النعم التي أنعم الله بها على البشرية، لكن هذه الجماعات بهذه المضامين المتشددة التي تشحن بها هذه الوسائل، وتملأ بها هذه التقنيات بكميات هائلة من الرسائل، تحدث بلبلة في العقول وتفتيتاً للصفوف وتشظياً في الأفكار والمفاهيم.
وقال المراقبون إن الدعاية الإعلامية لـ«داعش» على مواقع التواصل عملت على تحسين صورة التنظيم، وتبرير جرائمه الوحشية، وتصويره على أنه حامل لواء الخلافة المزعومة، لكن كل هذا انكشف نتيجة الخسائر التي مُني بها في سوريا والعراق.

بقايا «الإخوان»
من جهته، أوضح الدكتور محمود الصاوي أن مشكلة المعلومات التي يبثها التنظيم على مواقع التواصل الاجتماعي تستوجب فلترتها وتصفيتها وتنقيتها من الشوائب الكثيرة التي تختلط بها، وعمل تصحيح مستمر لهذه المفاهيم المغلوطة التي يقدمها ويضلل بها عقول الشباب، مشيداً بالتجربة الرائدة المميزة التي يقوم بها الأزهر، ومرصده العالمي، الذي يتتبع الأفكار الشاذة والمتطرفة والمنحرفة التي تقوم بها هذه الجماعات، لرصدها والتحذير منها، وتفنيد مزاعم هذه التنظيمات.
وفي غضون ذلك، أوضحت دراسة دار الافتاء المصرية أيضاً أن «داعش» يستهدف بممارساته الجديدة عبر مواقع التواصل الاجتماعي بقايا جماعة «الإخوان» المتشرذمة، باستغلال الأفكار التي أسس لها منظرو «الإخوان» كـ«الخلافة، والدولة، والحاكمية، والجاهلية»، من أجل إقناع عناصر وشباب الجماعة بالانضمام إليه، بهدف تحقيق ما فشلت فيه الجماعات التي أطلقت على أنفسها «الإسلام السياسي»، وهي الأفكار التي تستثير حماسة البعض، وتؤثر على الشباب الذي تجذبه حماسية شعارات براقة ظاهرها نصرة الإسلام والمسلمين، لكن في باطنها التدمير والخراب.
من جهته، قال الشيخ نبيل نعيم، القيادي السابق في تنظيم الجهاد المصري لـ«الشرق الأوسط»، إن «الإخوان هم أصل العنف في العالم، وجميع جماعات الإرهاب خرجت من رحمها». وتصنف السلطات المصرية «الإخوان» كجماعة إرهابية، وتشير المعلومات إلى تحول قطاع عريض من شباب الجماعة والتيار الإسلامي، عقب عزل محمد مرسي عن الحكم في 2013، إلى تبني العنف، وقد هاجر العشرات من «الإخوان» إلى سوريا في أثناء حكم مرسي، وانضموا إلى تنظيم «جبهة النصرة»، ثم انتقلوا إلى «داعش».
وأكدت دراسة الافتاء أنه خلال الفترة الأخيرة، ازداد نشاط المؤسسات المناصرة لتنظيم داعش، بتزويد «الذئاب المنفردة» التابعة للتنظيم بكم هائل من الكتيبات والإرشادات التي تشرح كيفية صناعة العبوات الناسفة والمتفجرات، وكيفية صناعة الأسلحة والسموم والأحزمة الناسفة، لاستخدامها في العمليات الإرهابية، مما يشكل خطورة كبيرة على أمن واستقرار المنطقة.



«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».