التراسل الفوري... رهان «داعش» للتواصل

لتعويض خسائره على «تويتر» و«تليغرام»

موقع تابع لتنظيم {داعش} يعلن تبنيه استهداف قوات أميركية في الشدادي شرق سوريا (الشرق الأوسط)
موقع تابع لتنظيم {داعش} يعلن تبنيه استهداف قوات أميركية في الشدادي شرق سوريا (الشرق الأوسط)
TT

التراسل الفوري... رهان «داعش» للتواصل

موقع تابع لتنظيم {داعش} يعلن تبنيه استهداف قوات أميركية في الشدادي شرق سوريا (الشرق الأوسط)
موقع تابع لتنظيم {داعش} يعلن تبنيه استهداف قوات أميركية في الشدادي شرق سوريا (الشرق الأوسط)

رغم فقد «داعش» لصفحاته على مواقع التواصل الاجتماعي «تويتر» و«تليغرام» و«فيسبوك»، فإنه بات يراهن على استخدام تطبيقات برامج «اللايف شات» التي تتميز بخصائص التراسل الفوري، والقدرة على الانتشار كالقنوات، وإرسال الملفات، والبث الصوتي والمرئي، بصورة أكثر أماناً.
في حين قال باحثون وخبراء إن تنظيم داعش يهدف من التطبيقات الجديدة إلى تجنيد موالين جُدد، وتوجيه عناصره، والتوسع بعد انهياره وسقوط معاقله في سوريا والعراق وكثير من الدول، قلل الخبير الإعلامي الدكتور محمود الصاوي، وكيل كلية الإعلام بجامعة الأزهر، من صحة فرضية توسع التنظيم الإرهابي عبر التطبيقات الجديد، قائلاً: سقطت أقنعة «داعش» المتشدد، وصار كثيرون على قناعة بأنه صنيعة لا تستهدف الخير للمسلمين، بل جلب لهم كل شر ووباء، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «لا أعتقد أن (داعش) يكتسب أرضاً أو عقلاً جديداً، لكنه يستغل أوضاع الخراب والدمار في كثير من دول العالم، التي هو أحد أهم أسبابها، ويحاول أن يستغل ذلك في كسب أنصار من المغرر بهم، لكن هذا لن يحدث مع يقظة الدول.
يشار إلى أن المكافحة الإلكترونية التي شنتها إدارات «فيسبوك» و«تويتر» و«يوتيوب»، إضافة إلى هجمات القرصنة الإلكترونية لمواقع «داعش» التي أدت إلى انخفاض استخدام التنظيم بشكل كبير لمواقع التواصل الاجتماعي، ساعدت بشكل فعال في ترنح وسائل تواصل التنظيم خلال الأشهر الماضية، خصوصاً عقب هزائمه في سوريا والعراق.

ذئاب منفردة
في دراسة حديثة، أشارت دار الافتاء المصرية إلى أن «التنظيمات المتطرفة توسعت في استخدام شبكات الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي، باعتبارها ملاذاً آمناً لبث أفكارهم المتطرفة، ولتنفيذ مشروعها الآيديولوجي».
الدراسة التي جاءت بعنوان «استراتيجيات وآيديولوجيات الجماعات الإرهابية في تجنيد الشباب عبر الإنترنت»، والتي أعدها مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة، أكدت أن «شبكات ومواقع ومنصات التواصل الاجتماعي تمثل جامعة إلكترونية لإعداد وتجنيد (الذئاب المنفردة)، وأداة خصبة لنشر أفكارهم المتطرفة، حيث تقوم تلك التيارات بتصنيف مواقع التواصل وفق استخدامه المناسب».
وصنّفت دراسة الافتاء مواقع التواصل وفق استغلال «داعش»، حيث أكدت أن «فيسبوك» يساعد التنظيم في تجنيد «الذئاب المنفردة» بسهولة، عبر استدراج الشباب وتجنيدهم بطريقة غير مباشرة. أما «تويتر»، فيستخدم لنشر الأخبار الترويجية للأفكار المتطرفة، و«تليغرام» للمساهمة في نشر أدبيات التنظيم وكتاباته، وروابط تقاريره المصورة والمرئية، لترويج نجاحه المزيف في ساحات القتال، في حين يستغل التنظيم قنوات «اليوتيوب» لتمكين مشاركيه من تحميل الفيديوهات قبل الحذف، حيث إن نظام المراقبة الخاص بالموقع يتم بعد رفع الفيديوهات عليه.

منصة ترويج
قال عدد من الباحثين في مرصد الأزهر بالقاهرة إن الجبهة الإعلامية للتنظيم المتطرف، ونشاطه الدعائي عبر مختلف المنصات، كانت عاملاً في غاية الأهمية للترويج لفكره المتطرف منذ ظهور التنظيم، واستقطاب كثير من المقاتلين الأجانب، إذ لم يترك التنظيم وسيلة أو منصة يمكنه من خلالها الترويج لما يقوم به، أو محاولة ضم أتباع جدد، إلا استخدمها، لذلك فهو يحاول مرة أخرى العودة لهذه المنصات لتعويض الخسائر.
وأكد الباحثون لـ«الشرق الأوسط» أنه عقب إجبار سلطات الدول لمنصات التواصل على حذف المحتوى المتطرف، وحظر الحسابات التي تساعد في نشر هذا المحتوى، اتجه التنظيم إلى المنصات المشفرة مثل «تلغرام» لكي يضمن سلامة عناصره، الذين يواصلون نشر أفكارهم، لكنه تم حجب «تلغرام» أيضاً.
وعلقت «تويتر»، منذ يوليو (تموز) 2015 حتى يوليو 2016، ما لا يقل عن 360 ألف حساب. واستخدم «يوتيوب» تقنية «Jigsaw»، التي تعمل ضد التطرف والعنف والمضايقات عبر الإنترنت. فعندما يبحث أحد الأشخاص عن كلمات رئيسية معينة، يُوجه المستخدم لقائمة من مقاطع الفيديو التي تتضمن محتوى يعارض التطرف.

حظر المحتوى
وفي السياق ذاته، أكد مرصد الأزهر، في تقرير حديث له، أن جهوداً كثيرة بذلت في مجال حظر المحتوى المتطرف، والحسابات التي تنشر مثل هذه المحتوى، وقد أدى هذا بالفعل إلى تقليل حجم الوجود الإعلامي لجماعات التطرف على وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الإلكترونية، وساعد في هذا أيضاً إنهاء سيطرة التنظيم المتطرف على مساحات واسعة، وبالتالي تقليل موارده، واضطراره إلى وقف إصدار كثير من المجلات التي اعتاد على نشرها شهرياً، وبكثير من اللغات.
وقال مرصد الأزهر: «برزت كثير من التحديات نتيجة هذا النهج الإعلامي للتنظيم المتطرف، حيث إنه مع تلقيه الهزائم، توجه بإعلامه إلى وجهة جديدة، ركز فيها على أتباعه الأجانب الذين لم يتمكنوا من الانضمام إليه في سوريا والعراق، وتركز النهج الجديد على حث هذه العناصر البعيدة عن مركز التنظيم على القيام بعمليات في محيطهم، مستخدمين ما يتاح لهم من مواد، ومحدثين أكبر عدد ممكن من الخسائر، وهو ما يطلق عليه عمليات (الذئاب المنفردة)، فضلاً عن دعوته لعناصره حول العالم للقيام بتصوير العمليات التي يقومون بها لكي يتم نشرها، باعتبار أن من قام بذلك هو (داعش)، ويعد هذا تحدياً كبيراً للأجهزة الأمنية التي لا يمكن لها في كثير من الأحيان التيقن من كون القائم بالعملية الإرهابية من المنتمين لـ(داعش) أم لا».

استقطاب الشباب
وعن استراتيجية «داعش» على منصات التواصل، أكد مرصد الأزهر في تقريره أنها انشغلت بالترويج لأفكاره، وإقناع الناس بها، والدفاع عن سمعته، إضافة إلى خلق صورة ذات تأثير مزدوج، قادرة على الجذب والإرهاب في الوقت ذاته، والمستهدف الأول هم الشباب الذين يسعى التنظيم إلى استقطابهم وضمهم إلى صفوفه القتالية، بجانب جذب مزيد من الأتباع. أما المستهدف الثاني، فهم عامة الجمهور ممن يهدف التنظيم إلى إثارة شعور واسع النطاق بالخوف وانعدام الأمن لديهم، فهذا دون شك يصب في مصلحة الدواعش أيضاً.
وأكد الدكتور الصاوي أنه لا شك في أن وسائل التواصل الاجتماعي نتاج هذين العقدين الأخيرين، وتتزايد وتيرتها يوماً بعد يوم، وتستغلها الجماعات المتشددة بشكل كبير في نشر أفكارها وقناعاتها، وجلب الشباب إليها، لعلمهم بحالة الإدمان التي وصل إليها آلاف الشباب للإنترنت ومشتقاته، مضيفاً أن هذه الوسائل من النعم التي أنعم الله بها على البشرية، لكن هذه الجماعات بهذه المضامين المتشددة التي تشحن بها هذه الوسائل، وتملأ بها هذه التقنيات بكميات هائلة من الرسائل، تحدث بلبلة في العقول وتفتيتاً للصفوف وتشظياً في الأفكار والمفاهيم.
وقال المراقبون إن الدعاية الإعلامية لـ«داعش» على مواقع التواصل عملت على تحسين صورة التنظيم، وتبرير جرائمه الوحشية، وتصويره على أنه حامل لواء الخلافة المزعومة، لكن كل هذا انكشف نتيجة الخسائر التي مُني بها في سوريا والعراق.

بقايا «الإخوان»
من جهته، أوضح الدكتور محمود الصاوي أن مشكلة المعلومات التي يبثها التنظيم على مواقع التواصل الاجتماعي تستوجب فلترتها وتصفيتها وتنقيتها من الشوائب الكثيرة التي تختلط بها، وعمل تصحيح مستمر لهذه المفاهيم المغلوطة التي يقدمها ويضلل بها عقول الشباب، مشيداً بالتجربة الرائدة المميزة التي يقوم بها الأزهر، ومرصده العالمي، الذي يتتبع الأفكار الشاذة والمتطرفة والمنحرفة التي تقوم بها هذه الجماعات، لرصدها والتحذير منها، وتفنيد مزاعم هذه التنظيمات.
وفي غضون ذلك، أوضحت دراسة دار الافتاء المصرية أيضاً أن «داعش» يستهدف بممارساته الجديدة عبر مواقع التواصل الاجتماعي بقايا جماعة «الإخوان» المتشرذمة، باستغلال الأفكار التي أسس لها منظرو «الإخوان» كـ«الخلافة، والدولة، والحاكمية، والجاهلية»، من أجل إقناع عناصر وشباب الجماعة بالانضمام إليه، بهدف تحقيق ما فشلت فيه الجماعات التي أطلقت على أنفسها «الإسلام السياسي»، وهي الأفكار التي تستثير حماسة البعض، وتؤثر على الشباب الذي تجذبه حماسية شعارات براقة ظاهرها نصرة الإسلام والمسلمين، لكن في باطنها التدمير والخراب.
من جهته، قال الشيخ نبيل نعيم، القيادي السابق في تنظيم الجهاد المصري لـ«الشرق الأوسط»، إن «الإخوان هم أصل العنف في العالم، وجميع جماعات الإرهاب خرجت من رحمها». وتصنف السلطات المصرية «الإخوان» كجماعة إرهابية، وتشير المعلومات إلى تحول قطاع عريض من شباب الجماعة والتيار الإسلامي، عقب عزل محمد مرسي عن الحكم في 2013، إلى تبني العنف، وقد هاجر العشرات من «الإخوان» إلى سوريا في أثناء حكم مرسي، وانضموا إلى تنظيم «جبهة النصرة»، ثم انتقلوا إلى «داعش».
وأكدت دراسة الافتاء أنه خلال الفترة الأخيرة، ازداد نشاط المؤسسات المناصرة لتنظيم داعش، بتزويد «الذئاب المنفردة» التابعة للتنظيم بكم هائل من الكتيبات والإرشادات التي تشرح كيفية صناعة العبوات الناسفة والمتفجرات، وكيفية صناعة الأسلحة والسموم والأحزمة الناسفة، لاستخدامها في العمليات الإرهابية، مما يشكل خطورة كبيرة على أمن واستقرار المنطقة.



«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.