معرض فني يبرز جماليات ألوان الفراعنة ويحتفي بالطبيعة في القاهرة

بمشاركة 10 تشكيليات شابات

معرض فني يبرز جماليات ألوان الفراعنة ويحتفي بالطبيعة في القاهرة
TT

معرض فني يبرز جماليات ألوان الفراعنة ويحتفي بالطبيعة في القاهرة

معرض فني يبرز جماليات ألوان الفراعنة ويحتفي بالطبيعة في القاهرة

ثمة أعمال فنية متنوعة، لا يربط بينها سوى أنّ صانعيها من الفنانات التشكيليات الشابات، لتضم في النهاية رؤى وأفكار ورسومات وأشكال وملامح سن الشباب. وهي مرحلة عمرية ملهمة ومهمة في حياة أي تشكيلي قبل وضع بصمة ذاتية باسمه في المجال الذي يتخصص به، إذ تستمر مرحلة التجريب كثيراً في بدايات حياة الفنان، قبل الاستقرار على ثيمة محددة يشتهر بها في كل أعماله. هذا ما عمد إليه غاليري خان المغربي في حي الزمالك وسط القاهرة، بالمعرض الحالي الذي أسماه «10/10» في إشارة إلى عدد الفنانات المشاركات فيه من محافظتي القاهرة والإسكندرية.
«الشرق الأوسط» زارت المعرض، ورصدت أعماله المتنوعة التي يتميز بعضها بالدعوة إلى البهجة والسعادة والخروج عن المألوف والتفكير والتأمل، بجانب استدعاء بعض الأعمال الأخرى لفنون وجماليات عصر الفراعنة.
الفنانة رانيا الحلو (40 سنة) مديرة برنامج تطوير الإبداع والصناعات الثقافية في كلية الدراسات العليا والبحوث البينية بجامعة حلوان، وإحدى المشاركات في المعرض، تقول لـ«الشرق الأوسط»: «أهتم كثيراً بالطبيعة منذ تنفيذ مشروع تخرجي في الجامعة، وفي لوحاتي ركزت على كائنات البحر الأحمر، بنظرة مختلفة؛ حيث استبعدت منها الأسماك، من خلال نظرة ثلاثية الأبعاد، ليكون المغزى الأهم من ورائها هو أنّ الكائنات الحية التي توجد بها روح، لا تقتصر فقط على البشر أو الأسماك أو النباتات، بل تشمل كل شيء تقريباً حتى الجماد أيضاً». ولفتت: «خلال السنوات الماضية طوّرت مستوى استخدام الألوان، والطبقات عبر استخدام الأكريلك، بجانب التركيز على الألوان التي تعبر عن روح المصري القديم».
وأضافت رانيا: «اعتدت رسم لوحاتي بشكل جماعي، (3 أو 4 لوحات) في وقت واحد، ليكون معناها العام متقارباً في النهاية (مياه واحدة)، فأنا أحبّ أن يرى الجمهور تلك اللوحات معاً، ويتأملها سوياً دفعة واحدة، ليتعرف على معناها ومغزاها الرئيسي بعمق واهتمام، وحين يحدث ذلك أكون قد أصبت الهدف».
وأوضحت أنها ترسم بعض الأشكال على أقصوصات مستقلة خارج اللوحات قبل لصقها مرة أخرى باللوحة الكبيرة، لتكون بارزة وملموسة، للوصول إلى معنى معين.
أمّا الفنانة نسرين حسن، خريجة كلية الفنون الجميلة في الإسكندرية عام 1999، وسبقت لها المشاركة في معارض دولية ومحلية، فتقول لـ«الشرق الأوسط»: «أحب توظيف بعض أفكار الحضارة المصرية القديمة بخامات حديثة، مثل الأوبالين أو الزجاج، بجانب الرخام الذي استخدم في الفن الفرعوني». وعن لوحة الأهرامات قالت إنّ «الهرم يعطينا طاقة إيجابية للتّعبير عن القوة، بينما تعطينا الدوائر الموجودة باللوحة إحساساً بأنّنا ندور خلال حياتنا داخل ألوان بيضاء تعبر عن نقاء الإنسان، وفي لوحة أخرى استشهدت بمومياء فرعونية للتعبير عن الحياة الآخرة، وجنة الخلد».
وقالت فنانة الخزف، صفاء عطية، لـ«الشرق الأوسط»: إنّ «الخزف في حياتي يعني الكثير، بل هو كل حياتي، فأنا أرى كل شيء حولي من منظور أنه خزف». وأضافت: «أعتقد أنّ تخصّص الخزف لم يأخذ حقّه بعد في مصر، على الرّغم من أنّه يجري الاهتمام به بشكل بارز في الدول الغربية، وبعض فنانيه من المشاهير هناك». ولفتت إلى أنّ «بعض الفنانين المصريين وصلوا للعالمية في هذا المجال، من خلال مجهود فردي وشخصي وغير مدعوم، بعد فترة طويلة من العمل داخل مصر». وتابعت: «لا أحبّذ تسمية أعمالي بأسماء محددة لإتاحة الفرصة للمشاهد أو المتلقي بفهم مغزى العمل الخزفي بنفسه». وأوضحت أنّها «تفضل العمل بالتوازي على الشّكل التقني للقطع الخزفية الفنية، وعلى المغزى كذلك، بالإضافة إلى الاهتمام بجودة الخامات لعدم تأثيرها الضار على صحة الإنسان، إذ يستخدم بعض المواطنين بعض الأطباق في حياتهم اليومية وفي تناول الوجبات». وعن سبب تفضيلها استخدام اللون الذّهبي في أكثر من عمل، قالت: «هو اللون المحبب لقلبي وعقلي، لأنّه يعطي إحساساً بالقوة والعظمة، كذلك أحبّ جذب عين المتلقي عبر تناقض الألوان الفاتحة والغامقة في اللوحات».
أمّا خلود سليمان التي تشارك بـ8 أعمال بمقاسات صغيرة عن مرض السرطان، فقالت لـ«الشرق الأوسط»: «جاءتني فكرة اللوحات منذ تنفيذ مشروع تخرجي من الجامعة عام 2010، عندما ذهبت إلى مستشفى (سرطان الأطفال)، لرسم لوحات بعنوان (عاوز أعيش)، من ثمّ طوّرت الفكرة أكثر باستخدام خامات جديدة، وقمت بعمل إسكتشات بالأحبار والأكريلك، مع ألوان معينة ووجوه مائلة للحمرة للتّعبير عن المرض، مع تعمّد وجود نقص باللوحة للإيحاء بأنّ حياة هؤلاء المرضى غير مكتملة ومنقوصة بسبب المرض اللعين».



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)