ليلة رعب.. والمساجد هدف مفضل لإسرائيل

يوميات مراسل من غزة

ليلة رعب.. والمساجد  هدف مفضل لإسرائيل
TT

ليلة رعب.. والمساجد هدف مفضل لإسرائيل

ليلة رعب.. والمساجد  هدف مفضل لإسرائيل

على بعد 30 مترا فقط من مسجد عز الدين القسام في مخيم النصيرات، وسط قطاع غزة، تقطن ابنة شقيقي، وأحد أصدقائي المقربين مني.. كانوا يعيشون حياتهم بشكل طبيعي. ناموا بشكل اعتيادي في سلام واطمئنان، لتوقظهم فجر أمس قنبلة أطلقتها طائرة حربية على المسجد المجاور لمنزلهم، فحولته إلى كتلة ركام.
وصل إليّ الخبر في الساعات الباكرة من فجر أمس، واتصلت كثيرا على أرقام الهواتف، ولكن بسبب انقطاع الكهرباء والقصف المتواصل وتعطل شبكة الاتصالات لساعات طويلة لم نعرف أي خبر يطمئن قلبي عليهم، وكنت أتابع الأخبار من بعض المصادر التي أبلغتني بوجود ضحايا ودمار كبير في المكان، لكن لم تتوفر أي معلومات أخرى، بسبب صعوبة تحرك قوات الإنقاذ.
عند الساعة الخامسة فجرا لم يبق شحن في هاتفي حتى أغلق وحده، فاضطررت للصمت طويلا ساعات، حتى أطل الصباح دون أن تغفو عيني، أملا في أن يصل إلي ما هو جديد يبرد قلبي، حتى استطعت الاتصال من هاتف أحد جيراني بصديقي الذي طمأنني أنه بخير، وأبلغني أن كل العائلات لم تُصَب بأذى، وأن المسجد جرى تدميره، في حين بقيت المنازل من حوله كما هي، لكنها تضررت قليلا، وأنه لم تقع أي إصابات في صفوف الناس في المنازل، قبل أن يبلغني بأن بعضا من الشبان قُتلوا وجُرحوا أثناء وجودهم جانب المسجد حين قُصف بشكل مفاجئ.
استراح قلبي وقلب والدتي وشقيقي حين علمنا أيضا أن ابنتنا بخير، كيف لا، وعيوننا لم تغفُ طوال الليل، ونحن ننتظر الخبر اليقين الذي يطمئن قلوبنا ويهدئ من روعنا، كيف لا والمساجد باتت هدفا مفضلا لجيش إسرائيل الذي قصف الجمعة، وفجر أمس، ما لا يقل عن سبعة مساجد؟ كيف لا ونحن نتخوف من أن تطالنا شظايا المسجد القريب من منزلنا (لا قدر الله)، إن جرى قصفه أسوة بالمساجد التي يستبيح الاحتلال حرمتها الدينية والعقائدية؟
لم أنم مثل الكثيرين من غزة في تلك الليلة شديدة القسوة والعنف والدمار، لم أغلق جفوني وأزيز الطائرات ودوي الانفجارات يحيط بنا من كل مكان، عادت الحرب لتقتل فينا الآمال، تقتل في أطفالنا وأبنائنا وعائلاتنا.. عادت الطائرات لتلقي بقنابلها وبراميلها المتفجرة فوق المساجد والمنازل، وتحدث مزيدا من الدمار، وتلحق مزيدا من الخسائر البشرية والاقتصادية، لإنهاك غزة أكثر فأكثر، ولإحداث أكبر تدمير ممكن للضغط على السكان والفصائل معا، ودفعهم للاستسلام.
في غزة هنا الألم يصيب الجميع، فلا يوجد صحافي أو طبيب أو غيرهما يملك الحصانة من أن تصيبه الصواريخ أو تستهدف الطائرات أقرباءه وعائلته، فلم يعد هناك أمن حتى لمن يجاور المساجد التي تُستباح على الدوام، وتصاعدت عمليات استهدافها حتى بات يعزف المصلون عن الصلاة فيها تخوفا من مجزرة تطالهم خلال أدائهم للصلاة، التي تُعد متنفسا لهم للخروج من منازلهم التي يبقون فيها حبيسي جدرانها، تخوفا من استهدافهم خارجها، وإن كانوا أيضا داخلها غير آمنين.



الجيش الإسرائيلي يعترض باليستياً حوثياً

حريق بالقرب من يافا ناجم عن صاروخ حوثي سبتمبر الماضي (د.ب.أ)
حريق بالقرب من يافا ناجم عن صاروخ حوثي سبتمبر الماضي (د.ب.أ)
TT

الجيش الإسرائيلي يعترض باليستياً حوثياً

حريق بالقرب من يافا ناجم عن صاروخ حوثي سبتمبر الماضي (د.ب.أ)
حريق بالقرب من يافا ناجم عن صاروخ حوثي سبتمبر الماضي (د.ب.أ)

أعلن الجيش الإسرائيلي، الأحد، اعتراضَ صاروخ أطلقته الجماعة الحوثية، بعد وقت من دوي صفارات الإنذار في عدد من المناطق وسط إسرائيل إثر رصد إطلاق الصاروخ من اليمن.

وقال يحيى سريع، المتحدث العسكري باسم الجماعة، في بيان له، إن الجماعة نفذت عملية استهداف لهدف حيوي في منطقة يافا بصاروخ فرط صوتي من نوع «فلسطين2».

وبينما زعم سريع أن الصاروخ أصاب هدفه بنجاح، أكد بيان الجيش الإسرائيلي اعتراض الصاروخ خارج المجال الجوي الإسرائيلي.

وتوعد سريع بمضاعفة الجماعة عملياتها العسكرية بالصواريخ والطائرات المسيرة، ضمن ما سماه «نصرة وإسناد المجاهدين في قطاع غزة والضفة الغربية»، وهدد بعدم توقف العمليات العسكرية الموجهة ضد إسرائيل حتى يتوقف العدوان على قطاع غزة ورفع الحصار عنه.

في سياق متصل، كشفت هيئة عمليات التجارة البحرية البريطانية عن تعرض سفينة تجارية لهجوم، قبالة سواحل مدينة عدن اليمنية.

وذكرت الهيئة، في بيان لها، أنها تلقت تقريراً عن حادث على بعد 80 ميلاً بحرياً جنوب مدينة عدن الواقعة على سواحل خليج عدن، دون إيضاح حول ما أصاب السفينة من أضرار أو خسائر بشرية أو مادية بسبب الهجوم.

وأكدت الهيئة أن «السلطات تقوم بالتحقيق حول الحادثة»، داعية السفن إلى المرور بحذر، والإبلاغ عن أي نشاط مشبوه.

تعهدات بالتصعيد

منذ اندلاع الحرب في غزة قبل أكثر من عام، شنت الجماعة المدعومة من إيران هجمات صاروخية وأخرى بطائرات مسيرة على إسرائيل، كما باشرت هجماتها في البحر باختطاف سفينة زعمت تبعيتها لجهات إسرائيلية، لتواصل بعدها تنفيذ هجمات بالطائرات والزوارق المسيرة والصواريخ البالستية مستهدفة السفن وحركة الملاحة في البحر، ضمن ما تقول إنه تضامن مع الفلسطينيين، وانتصار لمظلوميتهم.

وتأتي هاتان الحادثتان بعد أيام من تعهدات أطلقها زعيم الجماعة الحوثية عبد الملك الحوثي باستمرار دعم «حزب الله» اللبناني وقطاع غزة، واستمرار العمليات العسكرية «بالصواريخ والمسيّرات» ضد إسرائيل، وتهديده بتصعيد الهجمات، برغم وقف إطلاق النار بين الحزب اللبناني والجيش الإسرائيلي.

مجسم طائرة بدون طيار خلال مظاهرة مناهضة لإسرائيل نظمتها الجماعة الحوثية في صنعاء منذ شهرين (إ.ب.أ)

وساهمت الهجمات الحوثية على إسرائيل، وفي البحر الأحمر، بتصاعد التوترات الإقليمية في الشرق الأوسط، مثيرة المزيد من المخاوف من تأثيرات الهجمات العابرة للحدود على الاستقرار في المنطقة.

وتعدّ الهجمات الإسرائيلية على مواقع الجماعة الحوثية أحد الردود العسكرية على الجماعة الحوثية، ضمن تحركات دولية عديدة، أهمها تشكيل «تحالف الازدهار» بقيادة الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا، الذي أُعلن قبل نهاية العام الفائت بنحو أسبوعين.

ورد الجيش الإسرائيلي على هجمات الجماعة الحوثية بغارات جوية، مرتين؛ الأولى في يوليو (تموز) والثانية في سبتمبر (أيلول) الماضيين، استهدف خلالهما مواقع ومنشآت حيوية في مدينة الحديدة الخاضعة لسيطرة الجماعة الحوثية على الساحل الغربي لليمن.

وتسبب الهجومان الإسرائيليان بدمار في منشآت تابعة لميناء الحديدة واحتراق خزانات وقود وتدمير محطتين للكهرباء.

حريق ضخم في خزانات الوقود جوار ميناء الحديدة اليمني بعد ضربات إسرائيلية في يوليو الماضي (أ.ف.ب)

ورد الجيش الإسرائيلي في الهجوم الأول في يوليو على وصول طائرة مسيرة حوثية إلى تل أبيب، وتسببها بمقتل شخص وإصابة آخرين، أما الهجوم الثاني في سبتمبر فكان رداً على وصول صاروخ حوثي إلى مناطق وسط إسرائيل، وتسببه بحرائق في مناطق غير مأهولة حسب ما أعلنه الجيش الإسرائيلي نفسه.

مخاوف من التصعيد

تزامن الهجوم الصاروخي الحوثي في سبتمبر 2024، والرد عليه، مع بداية التصعيد بين الجيش الإسرائيلي و«حزب الله» اللبناني، واغتيال عدد كبير من قادة الحزب، بينهم أمينه العام حسن نصر الله، واستهداف مواقع ومنشآت تابعة له في الجنوب اللبناني.

وأثارت الهجمات المتبادلة بين الجماعة الحوثية وإسرائيل مخاوف من احتمال توسع المواجهات والتصعيد غير المحدود، ما يهدد بمزيد من تدهور الأوضاع المعيشية في اليمن.

ويتوقع خبراء وباحثون سياسيون واقتصاديون، استطلعت «الشرق الأوسط» آراءهم في وقت سابق، أن تسعى الجماعة الحوثية إلى الاستفادة من الضربات التي تعرض لها «حزب الله» اللبناني، لتحويل نفسها إلى أهم ذراع لما يُسمى «محور الممانعة» الذي تتزعمه إيران، ويمثل «حزب الله» رأس الحربة فيه.

مخاوف يمنية من نتائج كارثية على البلاد جراء التصعيد الحوثي مع إسرائيل (رويترز)

ويتهم اليمنيون الجماعة الحوثية باستخدام العدوان الإسرائيلي على غزة ذريعةً للتهرب من جهود السلام في البلاد، ومن مطالب تحسين الأوضاع المعيشية، ودفع رواتب الموظفين العموميين التي أوقفتها منذ ما يزيد عن 8 أعوام.

وقُوبلت الهجمات الإسرائيلية على مناطق سيطرة الجماعة الحوثية بتنديد إقليمي ودولي، خصوصاً وأنها استهدفت منشآت حيوية في البلد الذي يعاني من حرب طويلة أدخلتها في أزمة إنسانية معقدة، ولم يتبين أن تلك الهجمات أثرت على القدرات العسكرية للجماعة الحوثية.

ويعود آخر هجوم بحري حوثي، قبل هجوم الأحد، إلى 21 من نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، واستهدف سفينة قبالة سواحل عدن اليمنية بـ12 قارباً صغيراً.

وأصدرت الجماعة الحوثية حينها بياناً حول استهداف سفينة تجارية أثناء مرورها في البحر الأحمر، بعدد من الصواريخ الباليستية والصواريخ البحرية.

أكثر من 200 سفينة يقول الحوثيون إنهم استهدفوها خلال عام (أ.ف.ب)

وخلال الشهر ذاته أعلنت هيئة عمليات التجارة البحرية البريطانية تعرض عدد من السفن التجارية لهجمات عسكرية بالصواريخ والقذائف والطيران المسيّر، قبالة سواحل الحديدة والمخا وعدن بالبحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن، وذلك بعد أيام من إعلان الجماعة الحوثية مسؤوليتها عن استهداف 3 سفن تجارية في البحر الأحمر وبحر العرب، بالصواريخ والطائرات المسيّرة.

وفي إحصائية خاصة بها، تقول الجماعة إنها استهدفت خلال عام منذ أولى هجماتها أكثر من 200 سفينة.

ويواصل «تحالف الازدهار» توجيه ضرباته على مواقع تابعة للجماعة الحوثية التي تفيد المعلومات بأنها لجأت إلى إخفاء أسلحتها ومعداتها العسكرية في مخابئ جديدة في الجبال والكهوف.