مثقفون من 21 دولة أوروبية يشعرون أن «القيم الليبرالية للقارة مهددة»

مسيرة للنازيين الجدد في إنكلترا.
مسيرة للنازيين الجدد في إنكلترا.
TT

مثقفون من 21 دولة أوروبية يشعرون أن «القيم الليبرالية للقارة مهددة»

مسيرة للنازيين الجدد في إنكلترا.
مسيرة للنازيين الجدد في إنكلترا.

تواجه أوروبا تحديا لقيمها الليبرالية «لم تعهده منذ ثلاثينات القرن الماضي»، هذا ما خلص إليه وحذر منه أمس مثقفون من 21 دولة أوروبية، مع قرب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وتوقعاتهم أن تحرز الأحزاب القومية انتصارات في الانتخابات البرلمانية الأوروبية في مايو (أيار) المقبل.
30 كاتبا - منهم روائيون وشعراء ومؤرخون وفلاسفة، بعضهم حائز على نوبل للآداب - أصدروا بيانا نشرته أمس عدة صحف أوروبية في اليوم نفسه، يقولون فيه إن أوروبا بوصفها فكرة بدأت «تتفكك أمام أعيننا»، مضيفين: «يجب أن نعيد اكتشاف الطواعية السياسية، أو أن نقبل أن الاستياء والكراهية وموكبهما من الشغف المحزن ستحيط بنا وتغرقنا».
وقالوا في بيانهم إنه من المؤسف جدا أن نرى أن عملية التخلي عن أوروبا بدأت على الضفة الأخرى من بحر المانش، وأيضا على الضفة الأخرى من الأطلسي، أي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وتوجهات الولايات المتحدة للابتعاد عن القارة الأوروبية، التي انحدرت بالعلاقات البريطانية الأوروبية والعلاقات الأميركية الأوروبية إلى أدنى مستوى منذ الحرب العالمية الثانية. وأضافوا كذلك: «إذا لم نبذل جهدا لإيقاف هذا المد الشعبوي الذي يهدد أوروبا، فإن انتخابات مايو المقبل ستكون أكبر فاجعة عرفناها وهي: انتصار المخربين; وخزي لأولئك الذين ما زالوا يؤمنون بدانتي وإيراسموس وغوته; وازدراء للذكاء والثقافة; وانفجار في العداء للغرباء والسامية».
ومن الموقعين على البيان الفيلسوف الفرنسي بيرنار هونري ليفي، والروائي البريطاني أيان ماكاوين، والروائي سلمان رشدي، والمؤرخ سايمون شاما، والروائي التركي أورهان باموك.
وقال رشدي لصحيفة «الغارديان» إن «أوروبا في خطر كبير أكثر من أي وقت مضى خلال السبعين سنة الماضية... يجب ألا نبقى مكتوفي الأيدي». أما أيان ماكاوين فقال للصحيفة، التي نشرت البيان وقائمة الموقعين، باتفاق مع الصحف الرئيسية في أوروبا: «لقد وقعت البيان لأني أشعر بالتشاؤم حول الوضع الحالي». أما الكاتب التركي باموك فقال للصحيفة إن فكرة أوروبا مهمة أيضا لغير الدول الغربية، مضيفا: «من دون الفكرة الأوروبية فإنه يصعب الدفاع عن الحرية وحقوق المرأة والديمقراطية والتساوي في كثير من دول العالم... لا يوجد قيم أخرى أوروبية إلى جانب هذه القيم، إلا إذا اعتبرنا أوروبا الأعمال والسياحة».



مرايا تتعدَّى دورَها الوظيفي نحو الجمال الفنّي في غاليري بيروتيّ

مرايا تتجاوز مفهومها التقليدي لتُحلّق خارج الصندوق (ذا ميرور بروجيكت)
مرايا تتجاوز مفهومها التقليدي لتُحلّق خارج الصندوق (ذا ميرور بروجيكت)
TT

مرايا تتعدَّى دورَها الوظيفي نحو الجمال الفنّي في غاليري بيروتيّ

مرايا تتجاوز مفهومها التقليدي لتُحلّق خارج الصندوق (ذا ميرور بروجيكت)
مرايا تتجاوز مفهومها التقليدي لتُحلّق خارج الصندوق (ذا ميرور بروجيكت)

يُطلق المهندس اللبناني عبد الله بركة فكرةَ المرآة أبعد من وظيفتها الآلية. ليستْ هنا محصورةً في عَكْس وجوهٍ وأشياء تتقاطع ضمن حدودها، فتنتهي الحاجة إليها باطمئنان الرائي إلى مظهره، أو إدخال تعديل عليه، أو بلملمة انعكاسات خارجية. بمَنْحها وَقْعاً جمالياً، تتحوّل إلى عمل فنّي يملك تَرْك الأثر في العابر، فيستوقفه ليتساءل عن ماهيتها: أهي مرآة أو لوحة فنّية، وماذا لو كانت الاثنتين معاً؟ في «ذا ميرور بروجيكت» بمنطقة مار مخايل البيروتية، مرايا تتجاوز مفهومها التقليدي لتُحلّق خارج الصندوق.

تتحوّل المرآة إلى عمل فنّي يملك تَرْك الأثر في العابر (ذا ميرور بروجيكت)

نُسِجت علاقةٌ بالمرايا في داخل الشاب البالغ 37 عاماً منذ المرة الأولى التي تسلَّم فيها مشروعاً وتعذَّر إيجاد مرآة بملامح فنّية. رفض الاكتفاء بزجاج يتيح للآخر رؤية نفسه من خلاله؛ فالمسألة بالنسبة إليه تتخطّى الدور المُعدّ سلفاً، والمَهمَّة الجاهزة. المرايا «فنّ وظيفي»، لا مجرّد وظيفة تؤدّي الغرض منها وتُكافأ ببرودة الناظر إليها. يُحوّل عبد الله بركة الغاليري معرضَه الدائم، فتصطفّ على الجدران أشكالٌ جمالية تسرق العين من احتمال الاكتفاء بالنظرة الخاطفة.

المرايا «فنّ وظيفي» لا مجرّد وظيفة تؤدّي الغرض منها (ذا ميرور بروجيكت)

يتحدّث لـ«الشرق الأوسط» بشغف الفنان الباحث عن لمسة، ويُذكّر بأنّ الهندسة الداخلية تتطلّب عمقاً في النظرة والأفكار، وخَلْق مزاج فنّي خاص. يقول عبد الله بركة: «لا أريد للمرآة أن تتحلّى بدور واحد. ذلك حَدٌّ لها. المرايا هي الأشخاص. أي نحن حين تُرينا أشكالنا وصورنا. وهي انعكاس يمكن أن نشعر به، فإذا بإبهاره الجمالي المُعبَّر عنه في التصميم والكادر، يجَعْل ذلك الشعور متبادَلاً، فيُعدّل حالة نفسية أو يُغيّر نظرة تجهُّم. هذا فعلُ اللون حول المرآة وقالبها. بمجرّد أنها ليست تقليدية، يحدُث الأثر في الناظر».

يُطلق عبد الله بركة فكرةَ المرآة أبعد من وظيفتها الآلية (ذا ميرور بروجيكت)

لم تكن يسيرةً ولادة الغاليري. مخاضُها خليطٌ من إحباط ومحاولة. يعود إلى عام 2019 المفصلي في لبنان. كلّ شيء بدأ يتغيَّر، والمسارات تتّخذ شكل السقوط. لم يدرك مكانه في وطن شديد التقلُّب؛ مباغت، وطافح بالمفاجآت. يروي: «الفراغ كان مميتاً. أشغالٌ توقّفت ومشروعات تبخَّرت. أسوةً بشباب لبناني لمس انسداد الأفق، تراءى منزلي مساحة اختناق. في تلك اللحظة، هبَّ الأمل. اشتريتُ ألواناً ورحتُ أرسم، وصمَّمتُ أشكالاً بالطين، فلمحتُ طريقي».

لا يريد عبد الله بركة للمرآة أن تتحلّى بدور واحد (ذا ميرور بروجيكت)

من الضياع وجد الخطوة الأولى. صقل عبد الله بركة رغبته في النحت وطوَّر مهارته. أنجز الشكل وصبَّ ضمنه المرآة. أراد وضع حدّ لحقيقة أنّ غاليريهات المرايا الفنّية في بيروت نادرة. اليوم، ليس عليه أو على زملاء المهنة البحث الطويل عن مرآة مشتهاة: «تعدّدت أدوات صناعة المرايا وكثَّفتُ العمل. كلما سمعتُ إطراء أردتُ مزيداً منه. في الغاليري أعمالي وأعمال مصمّمين من أميركا وكندا وأفريقيا الجنوبية وتايلاند وهولندا وأوكرانيا... خلف مراياهم قصص. ثمة مرايا مصمَّمة بالأسيد المحروق، وأخرى بالزجاج المُطبَّع، وصنف تتداخل بكادراته ألوان مُبهِجة. ولمّا تعدَّدت أسفاري، تعرَّفتُ إلى مدارس التصميم خصوصاً في ألمانيا وإيطاليا، وتعمّقت في جَعْل هذا الشغف واقعاً. اليوم أقول: أنا شاب لبناني بلغ اليأس. فرغَ العالم من حولي. وشعرتُ بالأبواب الموصدة. ثم نهضت. استراتيجية التفكير تبدَّلت، وأصبحت المعادلة: الآن أو أبداً! انتظار الوقت المناسب يهدر العمر. كل لحظة هي وقتٌ مناسب».

تصطفّ على الجدران أشكالٌ جمالية تجذب العين (ذا ميرور بروجيكت)

أمضى شهراً ونصف شهر يُصمّم مرايا بأشكال خلّاقة حتى ساعات الليل المتقدّمة، استعداداً لإطلاق المعرض بعد تأخُّر فَرَضَه الظرف اللبناني. «4 مرايا علّقتُها على جدرانه قبل ربع ساعة من فَتْح الباب للحضور!»، يُكمل ضاحكاً. إحدى الزائرات رمت على مسمعه ما علَّم في أعماقه: «لم نكن نعلم أنّ هذه المرايا حاجة. متى أدخلناها إلى منازلنا أصبحت منّا». ومن كثافة الإقبال وحلاوة الأصداء، يُدرك أنه على السكّة التي نادته، أو ناداها؛ يمنحها كلَّه فتمنحه الإشباع الذاتي.

بعض المرايا بسيط يحوط به كادر يُجمِّل البساطة (ذا ميرور بروجيكت)

بعض المرايا بسيط، يحوط به كادر يُجمِّل البساطة. يتعامل عبد الله بركة مع تصاميمه بما يُبقي على الأساس، وهو المُتوقَّع من المرآة بوصفها زجاجاً يستجيب للانعكاسات؛ لكنه أساسٌ (Basic) لا يكتفي بنفسه، وإنما يتعدّاها إلى الغاية الجمالية والبُعد الفنّي ما دام الزجاج مقولباً بالألوان ومتداخلاً بإطار مُبتَكر. يرى في المرايا حكايات، وإنْ خلت صفحتها من أي شكل: «تُخبرني دائماً بأنّ المشاعر أصدق ما نملك. هي الدافع لنُنجز ما طال انتظاره. باستطاعتها تعويض غياب اللوحة عن الجدار. مشغولة بحبٍّ مماثل».