تنصيب فيليكس تشيسيكيدي رئيساً للكونغو الديمقراطية

جوزيف كابيلا غادر القصر ولكنه سيبقى شريكاً في الحكم

الرئيس المنتهية ولايته جوزيف كابيلا يقدم للرئيس الجديد فيليكس تشيسيكيدي وشاح الجمهورية أمس بعد تنصيبه (أ.ب)
الرئيس المنتهية ولايته جوزيف كابيلا يقدم للرئيس الجديد فيليكس تشيسيكيدي وشاح الجمهورية أمس بعد تنصيبه (أ.ب)
TT

تنصيب فيليكس تشيسيكيدي رئيساً للكونغو الديمقراطية

الرئيس المنتهية ولايته جوزيف كابيلا يقدم للرئيس الجديد فيليكس تشيسيكيدي وشاح الجمهورية أمس بعد تنصيبه (أ.ب)
الرئيس المنتهية ولايته جوزيف كابيلا يقدم للرئيس الجديد فيليكس تشيسيكيدي وشاح الجمهورية أمس بعد تنصيبه (أ.ب)

تولى فيليكس تشيسيكيدي رسمياً مهامه كرئيس لجمهورية الكونغو الديمقراطية، أمس (الخميس)، في أول عملية انتقال سلمي للسلطة في البلد الأفريقي الذي عاش صراعات مسلحة عديدة من أجل الحكم، وفي أول ردة فعل من الرئيس المنتهية ولايته جوزيف كابيلا، أعلن دعمه للرئيس الجديد ودعا شعب الكونغو إلى «التوحد خلفه».
وأدى فيليكس تشيسيكيدي، البالغ من العمر 55 عاماً، اليمين الدستورية رئيساً لجمهورية الكونغو الديمقراطية في «قصر الأمة»، مقر الرئاسة الحالي على ضفة نهر الكونغو، في العاصمة كينشاسا، وهو نفس القصر الذي أعلن داخله استقلال جمهورية الكونغو الديمقراطية عام 1960 عن بلجيكا، القوة الاستعمارية السابقة للبلاد.
وجرى الحفل بحضور نحو ألفين من أنصار الرئيس، رفعوا شعارات ولافتات مؤيدة للرئيس الجديد الذي يلقّبونه باسم «فاتشي»، وسط إجراءات أمنية مشددة، خشية وقوع أعمال عنف أو اضطرابات بسبب الرفض الواسع الذي تعيشه البلاد لنتائج الانتخابات الرئاسية، وبخاصة من أنصار مرشح المعارضة الآخر مارتن فايولو، الذي حل ثانياً في الانتخابات، ويصف ما جرى بأنه «انقلاب انتخابي».
من جانبه قال كابيلا في خطاب وداع إنه «غير نادم على التخلي عن السلطة بعد 18 عاماً قضاها في حكم البلاد»، داعياً سكان الكونغو إلى «التوحد» خلف الرئيس الجديد، ولكن الجميع يتساءل في الكونغو إن كان كابيلا قد غادر الحكم بالفعل، فعلى الرغم من أن تشيسيكيدي تولى رسمياً مهامه كرئيس للبلاد، فإن الرئيس المنتهية ولايته كابيلا سيكون شريكاً معه في الحكم، إذ إن معسكره يهيمن على أغلبية البرلمان (337 نائباً من أصل 500)، وسبق أن وقّع الطرفان قبل عدة أشهر «اتفاقاً سياسياً» يحصل بموجبه كابيلا وأنصاره على مناصب وزارية سامية في الحكومة، تجعلهم شريكاً حقيقياً في الحكم خلال السنوات المقبلة.
ومن المنتظر أن يبدأ الرئيس الجديد مهامه الرسمية بتكليف وزير أول بتشكيل حكومة جديدة، ومن الأسماء المتداولة لهذه المهمة نيهيمي مويلانيا ويلوندغا، وهو مدير مكتب الرئيس السابق كابيلا، بالإضافة إلى رجل الأعمال الكونغولي الشهير ألبير يوما، وهو أيضاً أحد المقربين جداً من كابيلا. يبدو أن الرجلان قد دخلا بالفعل تاريخ جمهورية الكونغو الديمقراطية، حين قادا أول عملية انتقال سلمي للسلطة في تاريخ البلاد، ولكن سكان الكونغو التي عاشت، خلال العقود الأخيرة، العديد من الحروب الدامية بسبب الصراع على الحكم، يترقبون ما ستسفر عنه الأيام والأشهر المقبلة، وكيف ستكون العلاقة بين الرجلين وهل ستصمد «الاتفاقية السياسية» الموقّعة بينهما.
وشهدت جمهورية الكونغو الديمقراطية منذ استقلالها قبل أكثر من نصف قرن، العديد من الهزات السياسية الدامية، كانت البداية مع اغتيال الرئيس باتريس لومومبا في 1961، وانقلاب عسكري عام 1965، ثم انقلاب عسكري ثانٍ عام 1997، أعقبه اغتيال الرئيس لوران كابيلا عام 2001، وعاش البلد حربين أهليتين عامي 1996 و2003، خرج منهما البلد منهكاً وقُتل وشُرد ملايين الأشخاص.
ومنذ أن أحكم جوزيف كابيلا قبضته على الحكم بعد اغتيال والده عام 2001، نجح في استعادة نوع من الاستقرار في البلاد، رغم الشكوك التي تثار حول تورطه في جرائم حرب وانتهاك حقوق الإنسان، ولكنه واجه مشكلة بعد أن اقتربت ولايته الرئاسية الثانية والأخيرة بموجب الدستور من الانتهاء وهو البالغ من العمر 47 عاماً، ويوصف بأنه من أكثر الرؤساء الأفارقة شباباً.
قدم كابيلا وزير داخليته للانتخابات الرئاسية كمرشح معلن يدعمه ويسانده، ولكنه في السر عقد اتفاقاً سياسياً مع المرشح المعارض فيليكس تشيسيكيدي، الذي يترشح من واحد من أعرق أحزاب المعارضة ويحمل خلفه إرثاً سياسياً كبيراً، فهو نجل زعيم المعارضة التاريخي في الكونغو إتيان تشيسيكيدي، الذي توفي قبل عامين في بروكسل.
فيليكس - أنطوان تشيسيكيدي المولود عام 1963 هو الابن الثالث في عائلة من خمسة أولاد. في سنّ التاسعة عشر، تبع والده الملاحَق من قبل موبوتو إلى قريته في كاسايي. وهذه مرحلة تركت تأثيرها في حياة الشاب. وفي سن الثانية والعشرين لجأ «فاتشي» ووالدته وأشقاؤه إلى بلجيكا. في بروكسل، دخل الشاب في عراك مع مقربين من موبوتو وحتى مع الشرطة البلجيكية في مساء من شهر فبراير (شباط)، لدى منع والده من العودة إلى كينشاسا.
وفي ظلّ والده، تدرّج فيليكس الذي ينتمي إلى إثنية اللوبا من كاسايي، في حزب «الاتحاد من أجل الديمقراطية». عام 2011، انتُخب نائباً عن منطقة مبوجي - مبايي. ورفض الجلوس في مجلس النواب احتراماً لأوامر والده المعارض لإعادة انتخاب كابيلا.
ولكن الاتفاق السري بين كابيلا وتشيسيكيدي، برز إلى العلن عندما أعلنت النتائج المؤقتة للانتخابات، والتي تشير إلى فوز الأخير بأغلبية الأصوات، رغم الشكوك التي أُثيرت حول النتيجة من طرف المعارضة ومجلس الأساقفة، حتى إن فرنسا عبّرت عن قلقها حيال النتيجة التي قالت إنها لم تكن متطابقة مع النتائج الحقيقية. ولكن فرنسا سرعان ما تراجعت عن موقفها من تشيسيكيدي، وأعلنت الاعتراف به رئيساً لجمهورية الكونغو الديمقراطية، على غرار الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة الأميركية التي أكدت الاعتراف به والاستعداد للعمل معه، أما داخلياً فقد بدأ التلفزيون الحكومي الرسمي بث مقاطع دعائية للرئيس الجديد وأنصاره، وذلك بعد سنوات طويلة من احتكاره من طرف كابيلا. كما أعلن عدد من قادة المؤسسة العسكرية في البلاد، وهي مؤسسة يتحكم فيها كابيلا بشكل تام، أنهم يدعمون الرئيس الجديد وسيعملون تحت إمرته مؤكدين ولاءهم التام له ولمشروعه.



بوتين يتباحث مع الرئيس السنغالي حول الإرهاب في الساحل

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع بعض قادة أفريقيا (رويترز)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع بعض قادة أفريقيا (رويترز)
TT

بوتين يتباحث مع الرئيس السنغالي حول الإرهاب في الساحل

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع بعض قادة أفريقيا (رويترز)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع بعض قادة أفريقيا (رويترز)

أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مباحثات هاتفية مع الرئيس السنغالي بشيرو ديوماي فاي، ناقشا خلالها الوضع الأمني في منطقة الساحل والصحراء، حيث يتصاعد خطر الجماعات الإرهابية، حسب ما أعلن الكرملين. وقال الكرملين في بيان صحافي، إن المباحثات جرت، الجمعة، بمبادرة من الرئيس السنغالي، وتم خلالها الاتفاق على «تعزيز الشراكة» بين البلدين، والعمل معاً من أجل «الاستقرار في منطقة الساحل».

الرئيس السنغالي باسيرو ديوماي فاي (أ.ب)

الأمن والإرهاب

وتعاني دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو، المحاذية للسنغال، من تصاعد خطر الجماعات الإرهابية منذ أكثر من عشر سنوات، ما أدخلها في دوامة من عدم الاستقرار السياسي والانقلابات العسكرية المتتالية.

وتوجهت الأنظمة العسكرية الحاكمة في كل من مالي والنيجر وبوركينا فاسو، نحو التحالف مع روسيا التي أصبحت الشريك الأول لدول الساحل في مجال الحرب على الإرهاب، بدلاً من الحلفاء التقليديين؛ فرنسا والاتحاد الأوروبي.

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف (أ.ف.ب)

وبموجب ذلك، نشرت روسيا المئات من مقاتلي مجموعة (فاغنر) في دول الساحل لمساعدتها في مواجهة تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما عقدت صفقات سلاح كبيرة مع هذه الدول، حصلت الأخيرة بموجبها على طائرات حربية ومعدات عسكرية متطورة ومسيرات.

ومع ذلك لا تزالُ الجماعات الإرهابية قادرة على شن هجمات عنيفة ودامية في منطقة الساحل، بل إنها في بعض الأحيان نجحت في إلحاق هزائم مدوية بمقاتلي «فاغنر»، وقتلت العشرات منهم في شمال مالي.

في هذا السياق، جاءت المكالمة الهاتفية بين الرئيس الروسي ونظيره السنغالي، حيث قال الكرملين إن المباحثات كانت فرصة لنقاش «الوضع في منطقة الصحراء والساحل وغرب أفريقيا، على خلفية عدم الاستقرار المستمر هناك، الناجم عن أعمال الجماعات الإرهابية».

وتخشى السنغال توسع دائرة الأعمال الإرهابية من دولة مالي المجاورة لها لتطول أراضيها، كما سبق أن عبرت في كثير من المرات عن قلقها حيال وجود مقاتلي «فاغنر» بالقرب من حدودها مع دولة مالي.

الرئيس إيمانويل ماكرون مودعاً رئيس السنغال بشير ديوماي فاي على باب قصر الإليزيه (رويترز)

وفي تعليق على المباحثات، قال الرئيس السنغالي في تغريدة على منصة «إكس» إنها كانت «ثرية وودية للغاية»، مشيراً إلى أنه اتفق مع بوتين على «العمل معاً لتعزيز الشراكة الثنائية والسلام والاستقرار في منطقة الساحل، بما في ذلك الحفاظ على فضاء الإيكواس»، وذلك في إشارة إلى (المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا)، وهي منظمة إقليمية تواجه أزمات داخلية بسبب تزايد النفوذ الروسي في غرب أفريقيا.

وكانت الدول المتحالفة مع روسيا (مالي والنيجر وبوركينا فاسو) قد جمدت عضويتها في المنظمة الإقليمية، واتهمتها بأنها لعبة في يد الفرنسيين يتحكمون فيها، وبدأت هذه الدول الثلاث، بدعم من موسكو، تشكيل منظمة إقليمية جديدة تحت اسم (تحالف دول الساحل)، هدفها الوقوف في وجه منظمة «إيكواس».

صورة جماعية لقادة دول مجموعة «إكواس» في أبوجا السبت (رويترز)

علاقات ودية

وفيما يزيد النفوذ الروسي من التوتر في غرب أفريقيا، لا تتوقف موسكو عن محاولة كسب حلفاء جدد، خاصة من بين الدول المحسوبة تقليدياً على فرنسا، والسنغال تعد واحدة من مراكز النفوذ الفرنسي التقليدي في غرب أفريقيا، حيث يعود تاريخ الوجود الفرنسي في السنغال إلى القرن السابع عشر الميلادي.

ولكن السنغال شهدت تغيرات جذرية خلال العام الحالي، حيث وصل إلى الحكم حزب «باستيف» المعارض، والذي يوصف بأنه شديد الراديكالية، ولديه مواقف غير ودية تجاه فرنسا، وعزز هذا الحزب من نفوذه بعد فوزه بأغلبية ساحقة في البرلمان هذا الأسبوع.

وفيما وصف بأنه رسالة ودية، قال الكرملين إن بوتين وديوماي فاي «تحدثا عن ضرورة تعزيز العلاقات الروسية السنغالية، وهي علاقات تقليدية تطبعها الودية، خاصة في المجالات التجارية والاقتصادية والاستثمارية».

ميليشيا «فاغنر» تتحرك على أرض مالي ومنطقة الساحل (رويترز)

وأضاف بيان الكرملين أن الاتفاق تم على أهمية «تنفيذ مشاريع مشتركة واعدة في مجال الطاقة والنقل والزراعة، خاصة من خلال زيادة مشاركة الشركات الروسية في العمل مع الشركاء السنغاليين».

وفي ختام المباحثات، وجّه بوتين دعوة إلى ديوماي فاي لزيارة موسكو، وهو ما تمت الموافقة عليه، على أن تتم الزيارة مطلع العام المقبل، حسب ما أوردت وسائل إعلام محلية في السنغال.

وسبق أن زارت وزيرة الخارجية السنغالية ياسين فال، قبل عدة أشهر العاصمة الروسية موسكو، وأجرت مباحثات مع نظيرها الروسي سيرغي لافروف، حول قضايا تتعلق بمجالات بينها الطاقة والتكنولوجيا والتدريب والزراعة.

آثار الاشتباكات بين قوات الأمن والمتظاهرين بدكار في 9 فبراير (رويترز)

حياد سنغالي

رغم العلاقة التقليدية القوية التي تربط السنغال بالغرب عموماً، وفرنسا على وجه الخصوص، فإن السنغال أعلنت اتخاذ موقف محايد من الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، وطلبت قبل أشهر من السفير الأوكراني مغادرة أراضيها، بعد أن أدلى بتصريحات اعترف فيها بدعم متمردين في شمال مالي، حين كانوا يخوضون معارك ضد الجيش المالي وقوات «فاغنر».

من جانب آخر، لا تزالُ فرنسا الشريك الاقتصادي الأول للسنغال، رغم تصاعد الخطاب الشعبي المعادي لفرنسا في الشارع السنغالي، ورفع العلم الروسي أكثر من مرة خلال المظاهرات السياسية الغاضبة في السنغال.

ومع ذلك، لا يزالُ حجم التبادل التجاري بين روسيا والسنغال ضعيفاً، حيث بلغت صادرات روسيا نحو السنغال 1.2 مليار دولار العام الماضي، وهو ما يمثل 8 في المائة من إجمالي صادرات روسيا نحو القارة الأفريقية، في المرتبة الثالثة بعد مصر (28 في المائة) والجزائر (20 في المائة). ولا يخفي المسؤولون الروس رغبتهم في تعزيز التبادل التجاري مع السنغال، بوصفه بوابة مهمة لدخول أسواق غرب أفريقيا.