في السادس من يونيو (حزيران) 2013 خرج المدير التنفيذي لنادي آرسنال آنذاك، إيفان غازيديس، لكي يعلن عن الخبر الذي انتظره عشاق «المدفعجية» طويلا، حيث قال لمجموعة من الصحافيين إن عصر التقشف في النادي – والذي كان ضروريا بسبب الانتقال إلى ملعب الإمارات عام 2006 - قد انتهى.
وقال غازيديس إن الصفقات التجارية طويلة المدى التي كان يتعين على آرسنال أن يعقدها من أجل توفير الأموال اللازمة لبناء الملعب الجديد قد انتهت، ونتيجة لذلك أصبحت هناك «زيادة» في القوة المالية للنادي. وأشار غازيديس إلى أن أي شيء بات ممكنا الآن في سوق انتقالات اللاعبين، بما في ذلك التعاقد مع لاعبين من الطراز العالمي، وأضاف: «إننا ننتقل الآن إلى مرحلة جديدة يمكننا خلالها، إذا اتخذنا قراراتنا بشكل جيد، أن ننافس أي ناد في العالم».
وفي نهاية ذلك الصيف، تعاقد آرسنال مع النجم الألماني مسعود أوزيل، لكن منذ ذلك الحين لم يتعاقد النادي سوى مع عدد قليل من اللاعبين البارزين، وأعني بذلك أليكسيس سانشيز وألكسندر لاكازيت وبيير إيميريك أوباميانغ. وقبل مباراة الفريق يوم السبت أمام تشيلسي كان جمهور آرسنال يشعر بقلق كبير لأن الخسارة كانت تعني ابتعاد المدفعجية عن المراكز الأربعة الأولى المؤهلة للمشاركة في دوري أبطال أوروبا بتسع نقاط كاملة، لكن لحسن الحظ نجح الفريق في تحقيق الفوز بهدفين نظيفين.
وخلال فترة الانتقالات الشتوية الحالية، لا يمكن لآرسنال أن ينافس أي ناد على ضم أي لاعب بصورة دائمة، لأن النادي لا يمتلك الأموال الكافية للقيام بذلك. وسيكون أقصى شيء يمكن للنادي القيام به هو التعاقد مع لاعب أو اثنين على سبيل الإعارة، مع إمكانية وضع بند يتيح للنادي تحويل التعاقد إلى صفقة دائمة خلال الصيف المقبل، عندما يكون النادي قد حصل على أموال الرعاية من ملعب الإمارات وشركة أديداس. ونتيجة لذلك، يشعر جمهور آرسنال بالقلق بسبب عدم تدعيم صفوف الفريق بلاعبين بارزين حتى يتمكن من المنافسة على البطولات المحلية والقارية.
وقد أظهرت الحسابات المالية للنادي والتي تم نشرها مؤخراً للأشهر الستة المنتهية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2017، تحقيق النادي لأرباح قبل خصم الضرائب تصل إلى 25.1 مليون جنيه إسترليني ووصول الاحتياطيات النقدية إلى 160.7 مليون جنيه إسترليني - بما في ذلك احتياطيات خدمة دين بقيمة 23 مليون جنيه إسترليني لا تكون متوفرة لأغراض كرة القدم. وفي هذا الوقت من العام الماضي، جاء آرسنال في المرتبة السادسة بين أندية العالم الأكثر دخلا، وفقا لشركة «ديلويت» للخدمات المهنية، فما الذي يحدث الآن؟
وقد زاد شعور جمهور آرسنال بعدم الارتياح بسبب احتمال رحيل نجم الفريق آرون رامزي إلى نادي يوفنتوس الإيطالي في صفقة انتقال حر بنهاية الموسم الجاري لأسباب من المستحيل فصلها عن الأمور المادية. وتجب الإشارة أيضا إلى أن سفين ميسلينتات، رئيس التعاقدات بالنادي والذي انضم لآرسنال قادما من بوروسيا دورتموند في نوفمبر (تشرين الثاني) 2017، قد شعر بإحباط كبير وقرر الرحيل، ومن المتوقع أن يغادر مع نهاية فترة الانتقالات الشتوية الحالية.
وكان ميسلينتات واحدا من الثلاثة أشخاص الذين تعاقدوا مع المدير الفني الإسباني أوناي إيمري خلفا للفرنسي آرسين فينغر في مايو (أيار) الماضي. وكان غازيديس أحدهم، لكنه رحل عن النادي في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي لينضم إلى ميلان الإيطالي، وهو ما يعني أنه لم يتبق سوى راؤول سانليهي، مدير كرة القدم بالنادي، من هؤلاء الثلاثة. كل هذا يخلق انطباعا بأن هناك حالة من الفوضى والاضطرابات خلف الكواليس.
ويمكن تفسير «التجميد المالي» لآرسنال بعدد من العوامل. ووفقاً للنادي، فإن الاحتياطيات النقدية الموجودة في البنك ليست مجرد مدخرات، لكنها تساعد في دفع تكاليف التشغيل السنوية. وتتحرك مبالغ مالية كبيرة من هذه الاحتياطات بشكل روتيني داخل وخارج الحسابات – مثل الأقساط التي تدفع في إطار صفقات اللاعبين أو الصفقات التجارية. أما بالنسبة للأرباح نصف السنوية، فقد تأثرت بشكل كبير بمبيعات اللاعبين في صيف عام 2017 وبمبيعات موقع للتطوير بالقرب من ملعب الإمارات على «شارع هولواي».
لكن النقطة أكثر إقناعا في هذا الصدد قد تتمثل في استحواذ ستان كرونكي على حصة الأغلبية في النادي منذ أبريل (نيسان) 2011. وتشير الإحصاءات إلى أنه منذ صيف عام 2011. وصل صافي المبالغ المالية التي أنفقها آرسنال على التعاقدات الجديدة إلى 239.9 مليون جنيه إسترليني، بمتوسط يصل إلى 30 مليون جنيه إسترليني للموسم الواحد. ومنذ صيف عام 2013. عندما خرج غازيديس وتحدث عن انتهاء التقشف المالي، وصل صافي المبالغ المالية التي أنفقها النادي على التعاقدات الجديدة إلى 265.8 مليون جنيه إسترليني أو ما يعادل 44.3 مليون جنيه إسترليني في الموسم الواحد. وبعبارة أخرى، كان المبلغ الذي خصصه آرسنال لشراء اللاعبين في الموسم لا يكفي لشراء لاعب مثل كايل ووكر، وكان أقل بكثير من قيمة مدافع ليفربول فيرجيل فان دايك!
ولا يعد صافي الإنفاق من قبل النادي هو المقياس المثالي لحالته المالية، إذ أن أجور اللاعبين تمثل أيضا جزءا كبيرا من الأمر، وقد ارتفع استثمار آرسنال في هذا الصدد من سنة إلى أخرى، لكنه لا يزال ضئيلا على أي حال. وكانت هناك مواسم في عهد كروني شهدت إنفاق آرسنال لمبالغ مالية كبيرة على تعاقدات اللاعبين وفق منظور النادي، مثل موسمي 2014-2015 و2016-2017. والموسم الحالي، لكن دائما ما يتبع النادي تلك المواسم بحالة من التقشف.
ويوضح هذا الموسم هذه النقطة بصورة جيدة، حيث أنفق النادي الصيف الماضي 71.4 مليون جنيه إسترليني على ضم خمسة لاعبين، بما في ذلك بيرندو لينو وسوكراتيس باباستاتوبولوس ولوكاس توريرا، ولم يحصل من بيع اللاعبين إلا على 7.6 مليون جنيه إسترليني. وقد أضاف هذا إلى صافي الإنفاق الذي كان أعلى بكثير من المتوسط، لكن كان ذلك يعني أن خزانة النادي ستكون خاوية تقريبا في شهر يناير (كانون الثاني). وكان إيمري يعرف ذلك الأمر جيدا عندما وافق على تولي قيادة الفريق.
وتتمثل المشكلة التي يواجها آرسنال الآن في أنه لا يشارك في بطولة دوري أبطال أوروبا للعام الثاني على التوالي، ويشارك بدلا من ذلك في بطولة الدوري الأوروبي التي تقل عائداتها المالية كثيرا. ودعم آرسنال صفوفه الموسم الماضي بشكل جيد على أمل أن ينجح في العودة للمشاركة في دوري أبطال أوروبا، لكن الأمور زادت صعوبة، لأن بطولة دوري أبطال أوروبا تشبه «القطار السريع»، إن جاز التعبير، وعندما لا ينجح أي فريق في أن يستقل هذا القطار فيتعين عليه أن يبذل مجهودا أكبر من أجل اللحاق به مجددا، وهو الأمر الذي يتطلب إنفاق المزيد من الأموال.
وعندما فشل مانشستر يونايتد، على سبيل المثال، في التأهل لدوري أبطال أوروبا في موسم 2016-2017، فإنه أنفق أموالا أكثر من المعتاد لكي يقنع لاعبين مثل بول بوغبا، وزلاتان إبراهيموفيتش، وإريك بايلي، وهنريك مخيتاريان للانضمام إلى النادي مع وعدهم بالعودة للمشاركة في البطولة الأقوى في القارة العجوز مرة أخرى. وفي النهاية، فاز مانشستر يونايتد بلقب الدوري الأوروبي واستعاد مكانته وعاد للمشاركة في دوري أبطال أوروبا. ويجب الإشارة إلى أنه عندما يفشل أي ناد في التأهل لدوري أبطال أوروبا فإن الأمور تزداد صعوبة عليه في الموسم التالي، ويمكن أن يكون ليفربول خير مثال على ذلك.
إن نموذج آرسنال المعتمد على الاكتفاء الذاتي قد تأثر كثيرا بالغياب عن دوري أبطال أوروبا وتقليص العائدات المالية التي يحصل عليها الآن بسبب مشاركته في بطولة الدوري الأوروبي. ومن الممكن أن يدخل النادي الآن في دائرة مفرغة. وقال تيم بريدج، مدير بمجموعة «ديلويت»: «لقد انخفضت العائدات المالية التي حصل عليها آرسنال من الاتحاد الأوروبي الموسم الماضي عندما وصل إلى نصف نهائي الدوري الأوروبي، والتي تعكس عائدات البث التلفزيوني، بمقدار 26.8 مليون يورو، مقارنة بالمبلغ الذي حصل عليه الفريق من دوري أبطال أوروبا في الموسم السابق. لكن أي ناد يشارك في بطولة الدوري الأوروبي سيشهد على الأرجح تأثيراً سلبيا فيما يتعلق بإيرادات المباريات والإيرادات التجارية مقارنة بالأندية الأخرى التي تلعب في دوري أبطال أوروبا».
ويدفعنا هذا إلى طرح السؤال التالي: هل يتخذ آرسنال قراراته بشكل جيد، كما كان يأمل غازيديس؟ لقد وقع النادي عقدا جديدا مع لاعبه الألماني مسعود أوزيل في فبراير (شباط) الماضي بقيمة 350 ألف جنيه إسترليني في الأسبوع حتى عام 2021، بقيمة إجمالية تصل إلى 62.2 مليون جنيه إسترليني، لأن النادي كان يدرك أنه سيضطر إلى دفع أموال أكثر لاستقدام لاعب قادر على تعويض أوزيل، ولم يكن يرغب حينئذ في خسارة أوزيل في نفس الوقت الذي رحل فيه اللاعب التشيلي أليكسيس سانشيز إلى مانشستر يونايتد.
وكانت إحدى النتائج المترتبة على ذلك سحب العرض المقدم للاعب الفريق آرون رامزي، لكن إيمري لا يعتمد الآن على أوزيل، وقرر الدفع بالصفقات الجديدة، والتي يأتي على رأسها أوباميانغ، ويحقق نتائج إيجابية إلى حد ما. لكن يلزم التدخل بشكل أكبر من أجل إعادة الفريق إلى الطريق الصحيح. ورغم أن الأموال ليست هي كل شيء في عالم كرة القدم – وخير دليل على ذلك ما يقدمه المدير الفني الأرجنتيني ماوريسيو بوكيتينو مع توتنهام هوتسبر – فإن الأموال تشكل جزءا هاما بكل تأكيد. لقد نجح إيمري في تقديم عروض رائعة وتطبيق خطط تكتيكية جيدة في كثير من الأحيان، لكن من الواضح أنه لا يزال يواجه تحديا كبيرا.
مجهود أكبر مطلوب من إيمري لأن عصر التقشف في آرسنال لم ينته بعد
بخل مالك النادي وعدم المشاركة في دوري الأبطال وأجور اللاعبين المرتفعة تجعل «المدفعجية» غير قادرين على المنافسة لحصد الألقاب
مجهود أكبر مطلوب من إيمري لأن عصر التقشف في آرسنال لم ينته بعد
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة