تأمل عائلتا الجابرية والخطاطبة في حصد مقعدين في الانتخابات البرلمانية المصرية المقبلة عن دائرة الأهرام (غرب القاهرة)، بعد أكثر من ثلاثة أعوام على تورط اسميهما في «موقعة الجمل»، حيث اعتلى رجال صهوات الخيول وظهور الجمال، في الثاني من فبراير (شباط) عام 2011، لاقتحام ميدان التحرير الذي احتله الثوار، قبل أربعة أيام، من الواقعة التي عُدّت من أبرز مشاهد الثورة المصرية، الأمر الذي يثير لدى قوى سياسية علامات استفهام حول مستقبل الثورة التي أطاحت بالرئيس الأسبق حسني مبارك.
بالنسبة للبعض، تنتهي قصة «موقعة الجمل» مع براءة المتهمين فيها، ومن بينهم عبد الناصر الجابري عضو مجلس الشعب الأسبق عن الدائرة، الذي توفي في السجن قبل نهايتها، ويوسف خطاب عضو مجلس الشورى (الغرفة الثانية في البرلمان)، بحكم نهائي صدر في مايو (أيار) من العام الماضي، لكن آخرين يرون أن براءة المتهمين تتعلق بالشق الجنائي فقط، وهو أمر لا علاقة له بالجانب السياسي في القضية.
وفقدت العائلتان الأكثر نفوذا في المنطقة التي تشرف على أهرامات الجيزة، مقعدين تقليديين في الانتخابات التي جرت عام 2012، ويرتبط عزم هاتين العائلتين العودة إلى البرلمان مجددا، بالجدل الدائر حول حقيقة التغييرات السياسية والاجتماعية في أعقاب ثورة 30 يونيو (حزيران)، التي أقصت جماعة الإخوان المسلمين عن الحكم.
وفي حين يرى مراقبون أن عودة العائلات التي يرتبط نفوذها تاريخيا بنظام مبارك إلى صدارة المشهد يُعد ردة إلى ما قبل ثورة 25 يناير، يقول خالد فرج خطاب الذي توافق آل خطاب على الدفع به في الانتخابات المقبلة لـ«الشرق الأوسط» إنه «يمثل جيلا جديدا»، وإنه «يحمل آمال ثورتين شارك فيهما (25 يناير و30 يونيو)».
واجتمع رجال عائلة خطاب قبل أيام في منطقة نزلة السمان لحسم الموقف من الانتخابات البرلمانية، ويقول خالد خطاب إن «الحاج يوسف (عضو البرلمان الأسبق) تنازل عن رغبته في خوض الانتخابات، ليفسح المجال أمام شباب العائلة».
وطالت التغييرات التي لحقت بعائلة خطاب، عائلة آل الجابري أيضا، بعد أن توافقت على الدفع بمرشح شاب من فرع بعيد عن بيت عبد الناصر الجابري، هو أشرف فاروق الجابري، الأمر الذي يُعد من وجهة نظر خالد خطاب دليلا على أن «الثورة لا تزال مستمرة».
في الدروب الترابية بمنطقة نزلة السمان حيث مرابط الخيل، يحمل تعبير «الثورة مستمرة» دلالة سلبية، فأبناء المنطقة كانوا من بين أكثر المصريين تضررا بالتراجع الحاد لعائدات السياحة مع تفاقم الاضطرابات الأمنية خلال الأعوام السابقة. ويقول شاب في منتصف العشرينات عرف نفسه باسم «سيكو»، وهو يمسك بلجام فرسه بالقرب من ساحة انتظار السيارات بالقرب من سفح الأهرامات: «إننا أكثر من ظُلم في الثورة، ظُلمنا في أكل العيش وفي سمعتنا»، لكن الأمل يحدوهم في أن يتمكن الرئيس عبد الفتاح السيسي في «ضبط الأوضاع» من جديد.
وفي جولة لـ«الشرق الأوسط» بمنطقة الأهرام، بدا أن اهتمام الأهالي بالانتخابات المقبلة قليل، إذا ما قورن بقضايا أخرى تشغلهم، وعلى رأسها موجة غلاء الأسعار بعد قرار الحكومة خفض دعم المواد البترولية، وانقطاع الكهرباء والمياه.
ولا تبدي العائلات ذات النفوذ المحلي الثقة نفسها التي كانت تبديها قبل سنوات في قدرتها على حسم الانتخابات البرلمانية، ويقول شباب من بيت آل الجابري إنهم يستعدون لـ«منافسة شرسة»، لكن مرشحي الأحزاب خارج حساباتهم، فبينما تتشكل خارطة جديدة للنفوذ السياسي، تطمح عائلات أخرى في إزاحة العائلات التقليدية.
ويقول منصور سيد (أحد سكان منطقة نزلة السمان) إن عائلة غطاطي (يتركز وجودها في كفر غطاطي القريب من نزلة السمان) تسعى هي الأخرى لدخول البرلمان. وظلت عائلة غطاطي خلال العقدين الماضيين مكتفية بتمثيلها في المجلس المحلي للمنطقة، لكنها تستعد لترشيح أحد شبابها، ويُدعي إيهاب مبروك غطاطي، في الانتخابات المتوقع إجراؤها قبل نهاية العام الحالي.
ويصف الدكتور وحيد عبد المجيد نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، التغييرات في دائرة أبطال موقعة الجمل، بـ«الشكلية»، ويرى أنها دليل جديد على عودة سطوة المال والعائلات إلى المشهد السياسي، على عكس الانتخابات السابقة.
ويقول عبد المجيد، وهو أحد قادة جبهة الإنقاذ التي خاضت صراعا سياسيا مع جماعة الإخوان، خلال عام من حكم الرئيس الأسبق محمد مرسي، إن «الانتخابات المقبلة صراع بين الأقوياء، وسيغيب عنها المجتمع».
ويضيف عبد المجيد قائلا لـ«الشرق الأوسط»: «في تلك الدائرة (دائرة الأهرام) مثال لانتقال تقليدي داخل العائلات ذات النفوذ المحلي، لكن جوهر العملية السياسية يبقى كما كان، فقد شاهدنا في العقود الماضية مثل هذا الانتقال، سواء كان بالتوافق أو قسريا، عبر صراع داخل العائلة الواحدة».
واعتاد الحزب الوطني، الذي قاد العملية السياسية خلال عقود حكم مبارك، قبل حله بعد ثورة 25 يناير، على هذا النوع من الصراعات، وغالبا ما كان يضم إلى عضويته نوابا مستقلين نجحوا أمام مرشحي الحزب.
ويقود الرئيس السيسي البلاد معتمدا على شعبية اكتسبها خلال العام الماضي لدى قطاعات واسعة من المصريين، لكن من دون تنظيم سياسي يدعمه، مما يجعل البرلمان المقبل ربما المنفذ الوحيد لكسب نفوذ سياسي في خارطة لا تزال تتشكل ويحيطها الغموض، بحسب مراقبين.
وتنحو أحزاب سياسية باللائمة على السلطة فيما يتعلق باستمرار علاقات القوة التقليدية في الانتخابات البرلمانية، قائلين إن قانون الانتخابات كرس هذه الأوضاع بإفساحه المجال الأكبر أمام نظام المقاعد الفردية التي تمثل أكثر من ثلثي مقاعد البرلمان، لكن محمد عبد العزيز أحد مؤسسي حملة تمرد التي قادت المظاهرات التي أنهت حكم مرسي، قال لـ«الشرق الأوسط» إن «قانون الانتخابات ربما ساهم في هذا الوضع لكن لا يمكن قصر المسألة على ذلك، فالواقع أكثر تعقيدا».
ويشير عبد العزيز الذي انفصل في وقت لاحق عن «تمرد»، ودعم المرشح اليساري حمدين صباحي في الانتخابات الرئاسية، إنه من البديهي أن يشغل الفراغ السياسي الراهن القوى التقليدية، ما دامت الأحزاب والقوى السياسية لم تبلور بعد وجودها في الشارع.
ويعول عبد العزيز على الوقت وجهد القوى السياسية الجديدة في إعادة إنتاج الحياة البرلمانية على قاعدة سياسية، بدلا من سطوة نفوذ رأس المال أو العائلات، من دون أن يصوغ اتهامات سابقة التجهيز للسلطات الحالية.
وفي انتظار نتائج الانتخابات البرلمانية المقبلة، تراوح مكانها أسئلة حول نمط وطبيعة التغيير السياسي في مصر، بعد موجتين ثوريتين في ربيع عربي كان أقل إخلاصا، وأثار رياح الخماسين اللافحة والمحملة برمال الصحراء.
صراع النفوذ العائلي في مصر يتشكل على خارطة سياسية يحيطها الغموض
ثورة 25 يناير في اختبار الدائرة الانتخابية لـ«أبطال موقعة الجمل»
صراع النفوذ العائلي في مصر يتشكل على خارطة سياسية يحيطها الغموض
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة