الشاحنات اللبنانية تدفع «خوّات» عند معبر نصيب

وزارة الاقتصاد تنفي تلقي معلومات موثقة

شاحنات لبنانية على معبر المصنع مع سوريا (غيتي)
شاحنات لبنانية على معبر المصنع مع سوريا (غيتي)
TT

الشاحنات اللبنانية تدفع «خوّات» عند معبر نصيب

شاحنات لبنانية على معبر المصنع مع سوريا (غيتي)
شاحنات لبنانية على معبر المصنع مع سوريا (غيتي)

لم يشكّل فتح معبر نصيب الواقع على الحدود السورية - الأردنية، حلاً جذرياً لتصدير المنتجات الصناعية والزراعية اللبنانية إلى دول الخليج العربي، والسبب في ذلك يعود للإجراءات التي تتخذها أجهزة النظام السوري، عبر معلومات غير رسمية عن فرض «خوّات» مالية على الشاحنات اللبنانية لدى وصولها إلى هذا المعبر، لتسهيل انتقالها إلى الأردن، وهو ما حمل عضو «اللقاء الديمقراطي» النائب بلال عبد الله، على توجيه سؤال للقوى السياسية الحليفة للنظام السوري، التي وصفت فتح هذا المعبر بـ«الانتصار». وقال: «إذا كان ذلك صحيحاً، ما الإجراءات المطلوبة لتسهيل مهمة هذا القطاع الذي يعيل آلاف العائلات اللبنانية؟».
وفيما لم تؤكد مصادر رسمية لبنانية هذه المعلومات ولم تنفِها، وضعت المصادر الأمر في سياق دفع الرسوم المتعارف عليها، كشف النائب بلال عبد الله لـ«الشرق الأوسط»، عن تلقيه «معلومات موثوقة تؤكد قبض خوّات وابتزاز لسائقي الشاحنات اللبنانية على الحدود السورية»، مشيراً إلى أن «بعض مصدّري البضائع أبلغوه أنهم يدفعون الخوّات المالية على مرحلتين؛ الأولى عند الحدود اللبنانية - السورية، عند معبري المصنع (البقاع اللبناني) والعبودية (الحدود الشمالية)، وعند معبر نصيب عند الحدود السورية الأردنية»، لافتاً إلى أن «قيمة (الخوّات) التي تدفع عن كلّ شاحنة تصل إلى نحو ألفي دولار أميركي، ما عدا الرسوم المعروفة، التي تُسدّد بموجب إيصالات رسمية».
ورفض النائب بلال عبد الله (عضو الكتلة النيابية التي يرأسها النائب تيمور وليد جنبلاط)، ربط هذا الابتزاز المادي بخلفيات سياسية، لكنه عزا الأمر إلى «فوضى تديرها أجهزة رسمية سورية على الحدود»، واضعاً ذلك «برسم الذين ينظّرون إلى فتح معبر نصيب باعتباره انتصاراً، ويقولون إن لبنان ليس بحاجة إلى عبّارات بحرية لتصدير بضائعه إلى الخارج بدلاً من المرور بالأراضي السورية». وسأل: «إذا كانت الشاحنة الواحدة تدفع بما يعادل ألفي دولار أميركي، فأي أرباح سيجنيها التاجر؟! أين تقف وزارة الخارجية اللبنانية والأمن العام والحكومة المستقيلة مما يجري؟ ولماذا لا يُسأل المجلس الأعلى اللبناني - السوري عن هذه التجاوزات؟».
وكان معبر نصيب الذي يربط سوريا بالأردن، أعيد فتحه في 15 سبتمبر (أيلول) الماضي، بعد ثلاث سنوات على إغلاقه، جراء سيطرة المعارضة السورية على الحدود مع الأردن، وتسبب إغلاقه في عام 2015 بقطع أهم ممر لمئات الشاحنات التي تجتازه يومياً، وكانت تنقل البضائع بين تركيا والخليج وبين لبنان والخليج في تجارة تصل قيمتها إلى مليارات الدولارات سنوياً.
وفيما يؤثر التجّار واتحاد النقل البرّي الصمت حيال هذه المسألة، خوفاً من مضايقات يتعرّضون لها، تحفّظ أحد مالكي عدد من الشاحنات والبرّادات التي تتولى نقل الخضار والبضائع إلى دول الخليج، عن الإدلاء بمعلومات مفصّلة، لكنه اعترف بأن الشاحنات «تخضع لإجراءات مشددة على الحدود سواء مع لبنان أو مع الأردن». وعمّا إذا كان آلياته تخضع لفرض «خوّات» أو ما شابه ذلك، اكتفى بالقول: «نحن ندفع الرسوم القانونية، وأحياناً لا نتردد بدفع إكراميات لتسهيل عبور سياراتنا، وذلك بالاتفاق مع التاجر (صاحب البضاعة المصدّرة)، الذي سيسدد هذه الكلفة من جيبه». وعمّا إذا كان ذلك يقلل من أرباح البضاعة المصدرة، لفت إلى أن هذا الأمر «يعود لتقدير صحاب البضاعة، وليس لوسيلة النقل».

عليا عباس: لا معلومات موثقة
في هذا الوقت أوضحت المديرة العامة لوزارة الاقتصاد والتجارة عليا عبّاس، أن الوزارة «لم تتلقَّ معلومات موثقة عن قبض (خوات) من الشاحنات اللبنانية العابرة إلى سوريا». وأشارت لـ«الشرق الأوسط»، إلى «وجود رسوم رسمية يجب دفعها على المعابر الشرعية، لكنّ مسألة (الخوّات) في حال صحتها، فهي تعود لأصحاب الشاحنات، الذين قد يلجأون إلى دفع مبالغ إضافية إذا كانت الشاحنة مخالفة أو يرغب سائقها بتسهيل مروره بسرعة، لكن هذا الأمر لا يمكن إثباته، ولا يمكن ضبطه في حال كان الدفع يحصل بشكل سرّي».
وعن قدرة المؤسسات الرسمية اللبنانية على التدخل والحدّ من مصاريف التصدير التي يتكبّدها التاجر اللبناني، أكدت عبّاس أن «رسوم عبور الشاحنات مرتفع أصلاً، وربما يشكل ذلك حالة امتعاض لدى أصحاب الشاحنات أو لدى التجار الذين يصدرون بضائعهم ويتكبدون تكاليف عالية». ولفتت إلى أن «الوزارة مستعدة لتلقي أي شكوى في حال دفع رشى أو (خوّات)، لبحثها مع الجانب السوري على هامش اللقاءات التي تعقد معهم بين وقت وآخر». وكان الجانبان الأردني والسوري وضعا ضوابط أمنية وإجرائية وفنيّة للمعبر بحيث يفتح من الساعة الثامنة صباحاً حتى الرابعة مساء، ويسمح للمواطن الأردني بالمغادرة إلى سوريا بسيارته الخاصة أو كمسافر عادي، كما يسمح للشحن الأردني بالمغادرة إلى سوريا، وكذلك يسمح للأردني المقيم في سوريا بالدخول للأردن، وللسوري المقيم بالأردن أو دولة ثالثة بالسفر لسوريا عبر المركز الحدودي، وهذا يسري أيضاً على شحنات البضائع الآتية من الأراضي السورية؛ بدخول الأردن بعد اتخاذ إجراءات التفتيش، والعكس صحيح.



الحوثيون ينقلون أسلحة إلى صعدة لتحصينها من الاستهداف الأميركي

طائرة من طراز «إف 16» تحلق في منطقة عمليات القيادة المركزية الأميركية (الجيش الأميركي)
طائرة من طراز «إف 16» تحلق في منطقة عمليات القيادة المركزية الأميركية (الجيش الأميركي)
TT

الحوثيون ينقلون أسلحة إلى صعدة لتحصينها من الاستهداف الأميركي

طائرة من طراز «إف 16» تحلق في منطقة عمليات القيادة المركزية الأميركية (الجيش الأميركي)
طائرة من طراز «إف 16» تحلق في منطقة عمليات القيادة المركزية الأميركية (الجيش الأميركي)

كثفت الولايات المتحدة ضرباتها الجوية في الأسابيع الأخيرة على مواقع الجماعة الحوثية بمحافظة عمران، لا سيما مديرية حرف سفيان، في مسعى لتدمير أسلحة الجماعة المخزنة في مواقع محصنة تحت الأرض، ما جعل الجماعة تنقل كميات منها إلى معقلها الرئيسي في صعدة (شمال).

وكشفت مصادر يمنية مطلعة أن الجماعة الحوثية نقلت خلال الأيام الأخيرة مركز الصواريخ والطائرات المسيرة من مناطق عدة بمحافظة عمران إلى محافظة صعدة، وذلك تخوفاً من استهداف ما تبقى منها، خصوصاً بعد تعرض عدد من المستودعات للتدمير نتيجة الضربات الغربية في الأسابيع الماضية.

وكانت المقاتلات الأميركية شنت في الآونة الأخيرة، غارات مُكثفة على مواقع عسكرية تابعة للحوثيين، كان آخرها، الجمعة، حيث تركزت أغلب الضربات على مديرية «حرف سفيان» الواقعة شمال محافظة عمران على حدود صعدة.

وبحسب المصادر التي تحدثت لـ«الشرق الأوسط»، نقلت الجماعة الحوثية، تحت إشراف عناصر من «سلاح المهندسين والصيانة العسكرية»، مجموعة صواريخ متنوعة ومسيّرات ومنصات إطلاق متحركة وأسلحة أخرى متنوعة إلى مخازن محصنة في مناطق متفرقة من صعدة.

دخان يتصاعد في صنعاء عقب ضربات أميركية استهدفت موقعاً حوثياً (رويترز)

وتمت عملية نقل الأسلحة - وفق المصادر - بطريقة سرية ومموهة وعلى دفعات، كما استقدمت الجماعة الحوثية شاحنات نقل مختلفة من صنعاء بغية إتمام العملية.

وتزامن نقل الأسلحة مع حملات اختطاف واسعة نفذتها جماعة الحوثيين في أوساط السكان، وتركزت في الأيام الأخيرة بمدينة عمران عاصمة مركز المحافظة، ومديرية حرف سفيان التابعة لها بذريعة «التخابر لصالح دول غربية».

واختطف الانقلابيون خلال الأيام الأخيرة، نحو 42 شخصاً من أهالي قرية «الهجر» في حرف سفيان؛ بعضهم من المشرفين والمقاتلين الموالين لهم، بعد اتهامهم بالتخابر مع أميركا وإسرائيل، وفقاً للمصادر.

وجاءت حملة الاختطافات الحوثية عقب تنفيذ الجيش الأميركي في الأسبوعين الماضيين، عشرات الغارات التي استهدفت منشآت عسكرية وأماكن تجمعات للجماعة في حرف سفيان، أسفر عنها تدمير منشآت استُخدمت لشن هجمات ضد سفن تجارية وسفن حربية أميركية بجنوب البحر الأحمر وخليج عدن.

أهمية استراتيجية

نظراً للأهمية الاستراتيجية لمنطقة «حرف سفيان» في عمران، فقد تركزت الغارات على استهداف منشآت ومواقع متفرقة في المديرية ذاتها.

وتُعدّ مديرية «حرف سفيان» كبرى مديريات محافظة عمران من أهم معاقل الجماعة الحوثية بعد محافظة صعدة، وذلك نظراً لمساحتها الكبيرة البالغة نحو 2700 كيلومتر مربع، مضافاً إلى ذلك حدودها المتصلة بـ4 محافظات؛ هي حجة، والجوف، وصعدة، وصنعاء.

أنصار الحوثيين يحملون صاروخاً وهمياً ويهتفون بشعارات خلال مظاهرة مناهضة لإسرائيل (أ.ب)

وكان قد سبق لجماعة الحوثيين تخزين كميات كبيرة من الأسلحة المنهوبة من مستودعات الجيش اليمني في مقرات عسكرية بمحافظة عمران؛ منها معسكر «اللواء التاسع» بضواحي مدينة عمران، و«لواء العمالقة» في منطقة الجبل الأسود بمديرية حرف سفيان، وموقع «الزعلاء» العسكري الاستراتيجي الذي يشرف على الطريق العام الرابط بين صنعاء وصعدة، إضافة إلى مقار ومواقع عسكرية أخرى.

وإلى جانب ما تُشكله هذه المديرية من خط إمداد رئيسي للانقلابيين الحوثيين بالمقاتلين من مختلف الأعمار، أكدت المصادر في عمران لـ«الشرق الاوسط»، أن المديرية لا تزال تُعدّ مركزاً مهماً للتعبئة والتجنيد القسري لليمنيين من خارج المحافظة، لكونها تحتوي على العشرات من معسكرات التدريب التي أسستها الجماعة في أوقات سابقة، وترسل إليها المجندين تباعاً من مناطق عدة لإخضاعهم للتعبئة الفكرية وتلقي تدريبات قتالية.

صورة عامة لحاملة الطائرات الأميركية «يو إس إس هاري ترومان» (رويترز)

وتقول المصادر إن الضربات الأميركية الأخيرة على محافظة عمران كانت أكثر إيلاماً للحوثيين من غيرها، كونها استهدفت مباشرةً مواقع عسكرية للجماعة؛ منها معمل للطيران المسير، وكهوف تحوي مخازن أسلحة وأماكن خاصة بالتجمعات، بعكس الغارات الإسرائيلية التي تركزت على استهداف البنى التحتية المدنية، خصوصاً في صنعاء والحديدة.

وترجح المصادر أن الأميركيين كثفوا ضرباتهم في مديرية حرف سفيان بعد أن تلقوا معلومات استخبارية حول قيام الحوثيين بحفر ملاجئ وأنفاق ومقرات سرية لهم تحت الأرض، حيث يستخدمونها لعقد الاجتماعات وإقامة بعض الدورات التعبوية، كما أنها تحميهم من التعرض لأي استهداف مباشر.