رغم مرور عقدين، فإن فيل ماسينغا لم ينسَ النصيحة التي قدمها له هوارد ويلكنسون في يومه الأول داخل ليدز يونايتد، وذلك في صيف 1994. وخلال المحادثة الأخيرة التي جرت بيننا نهاية عام 2015، ذكر ماسينغا أن ويلكنسون «أخبرني ألا أخشى أحداً. وقال هوارد إنني بالكفاءة نفسها لأي لاعب آخر، وكل ما عليّ فعله بذل أقصى مجهود ممكن، لأن باستطاعتي أن أصبح واحداً من أبرز اللاعبين. كما كان المدرب الاسكوتلندي غوردون ستراكان ودوداً للغاية، وحاول بجد بث شعور بالارتياح داخلنا. وكان هو من ساعدني على فتح حساب مصرفي».
يذكر أن ماسينغا ولد وترعرع داخل بلدة كوما، على أطراف مدينة كليركسدروب بجنوب أفريقيا بالإقليم الشمالي الغربي من البلاد. وقد تألق ماسينغا، الذي أعلنت وفاته بعد صراع مع مرض السرطان عن عمر يناهز 49 عاماً قبل أسبوعين، في صفوف كل من جومو كوزموس وماميلودي صانداونز داخل موطنه قبل انتقاله إلى ليدز يونايتد بعد رفضه عرضاً من السير بوبي روبسون للانضمام إلى سبورتينغ لشبونة. وفي إطار الصفقة التي بلغت قيمتها 250 ألف جنيه إسترليني، انتقل كذلك المدافع لوكاس راديبي إلى ليدز يونايتد، وإن كان ماسينغا قد انتقل إلى ليدز يونايتد قبل زميله بثلاثة أسابيع واستقر داخله على نحو أسرع بكثير عن راديبي الذي أصبح في وقت لاحق أحد أعظم الأيقونات بتاريخ النادي.
هذا الأسبوع، قال راديبي في تصريحات لـ«بي بي سي»: «لم نكن معتادين على الطقس وعانينا بعض الصعوبة في ذلك... حظي فيل بشعبية كبيرة في أوساط الفريق واللاعبين. وكنت أتطلع نحوه وأعتقد أنه أكثر من ألهمني. لقد كان من الرائع للغاية متابعة أسلوب تكيفه مع الأوضاع».
وجاءت أولى مشاركات ماسينغا مع منتخب جنوب أفريقيا عام 1992، وأصبح أول لاعب داكن البشرة من جنوب أفريقيا يشارك في الدوري الممتاز، وذلك بعد أشهر قلائل من انتخاب نيلسون مانديلا رئيساً للبلاد. وخلال فترة الاستعداد السابقة لانطلاق الموسم، سجل ماسينغا ثلاثة أهداف (هاتريك) مرتين، وتمكن من تسجيل هدف في غضون 3 دقائق فقط من انطلاق مواجهة أمام تشيلسي، لكنها انتهت بهزيمة ليدز يونايتد بنتيجة 3 - 2، وذلك في 27 أغسطس (آب) 1994.
وجاءت مباراة راديبي الأولى في صفوف ليدز يونايتد بعد بضعة أسابيع، أمام شيفيلد وينزداي. وقد استعان به ويلكنسون في مركز غريب بالنسبة له بالجناح الأيسر. ولم تكن هذه المرة الأولى التي يشارك فيها اثنان من اللاعبين من جنوب أفريقيا في الفريق نفسه لليدز يونايتد، ذلك أنه سبق أن وقع اختيار المدرب دون ريفي على كل من غيري فرنسيس وألبرت يوهانسون للمشاركة في مباراة أمام ستوك سيتي في أبريل (نيسان) 1961. كما أصبح يوهانسون أول لاعب داكن البشرة يشارك في مباراة نهائي ببطولة كأس الاتحاد الإنجليزي لكرة القد بعد 4 سنوات.
وقد اكتشف جثمان يوهانسون أسفل ركام شقة منهارة في ليدز بعد أسبوع من وفاته في سبتمبر (أيلول) 1995، وحضر راديبي الجنازة، لكن ماسينغا لم يتمكن من الحضور لأنه كان ضمن تشكيل الفريق الذي حدده ويلكنسون للمباراة التالية. وعن ذلك، قال: «كنت حزيناً بسبب ملابسات وفاته. وكنت أتمنى لو أنني التقيته قبل وفاته لأنني لم أحظ قط بفرصة مصافحته».
وجاء ضم المهاجم الغاني توني يبوا بعد أيام قلائل من تسجيل ماسينغا 3 أهداف لا تنسى في الوقت الإضافي في مرمى والسال في إطار بطولة كأس الاتحاد، لتبدأ نهاية مسيرة ماسينغا مع ليدز يونايتد. وفي الوقت الذي نجح فيه راديبي في ترسيخ وجوده داخل الفريق قائداً له تحت قيادة المدرب جورج غراهام، بيع صديقه إلى نادي سانت غالين السويسري عام 1996 بعدما شارك في 31 مباراة مع النادي المنتمي إلى يوركشاير. وانتقل ماسينغا إلى إيطاليا وحظي بفترات مشاركة ناجحة في صفوف كل من ساليرنيتانا وباري، اللذين سجل لحسابهما أكثر عن 30 هدفاً خلال 4 مواسم قضاها في الدوري الإيطالي الممتاز، وذلك قبل أن يحرز هدفاً في شباك جمهورية الكونغو دفع بجنوب أفريقيا نحو المشاركة للمرة الأولى في نهائيات بطولة كأس العالم.
ومع هذا، تعرض لصيحات استهجان متكررة من جانب جماهير بلاده في المباراة التالية لمنتخب جنوب أفريقيا بسبب إهداره عدداً من الفرص الذهبية، وفي وقت لاحق اعترف بأنه أوشك على اعتزال اللعب الدولي قبل انطلاق بطولة كأس العالم في فرنسا. وقال: «كان موقفاً عصيباً، وكان يقتلني. ووصل الأمر بي إلى التوقف عن شراء الصحف اليومية كي لا أرى ما يكتبونه عني».
وقد تحطمت آمال ماسينغا في التعاون من جديد مع ستراكان داخل «كوفنتري» عندما قوبل طلبه بالحصول على تصريح عمل بالرفض عام 2001، واعتزل كرة القدم بسبب إصابة في الركبة بعد فترة قصيرة احترف خلالها في الإمارات العربية المتحدة، وعاد إلى جنوب أفريقيا ليتولى تدريب ناديه السابق، كوزموس. وفي غضون 5 سنوات، اضطر للعودة إلى منزل والدته في كوما، بعدما اضطر لبيع جميع الميداليات التي حصل عليها، بما في ذلك ميدالية الفوز ببطولة كأس الأمم الأفريقية عام 1996. وعن ذلك، اعترف ماسينغا قائلا: «خضت بعض الاستثمارات الرديئة للغاية بسبب ضعف معرفتي بالجوانب المالية. بعض الناس محظوظون بامتلاكهم مهارات مالية عبر الدراسة أو العمل، أما أنا فقد اضطررت لنيل معرفتي عبر (جامعة الحياة)».
يذكر أن ماسينغا ترك المدرسة في سن الـ14، لكنه عاد للدراسة لاحقاً ودرس علوم الإدارة في «جامعة نيلسون مانديلا باي». وفي الوقت الذي كان يأمل فيه بالعودة للعمل بالحقل الرياضي، دخل ماسينغا مستشفى «تشيبونغ» في كليركسدروب في نوفمبر (تشرين الثاني)، قبل أن يجري تشخيص حالته باعتبارها إصابة بالسرطان.
وكتب ستيفين بينار عبر «تويتر»: «نبأ حزين للغاية لكرة القدم الجنوب أفريقية. لقد خسرنا أسطورة كروية بالمعنى الحقيقي. لقد مهد الطريق أمام جميع اللاعبين الوافدين من جنوب أفريقيا داخل المملكة المتحدة. وسيبقى ذلك الهدف الذي سجله على أرض استاد (إف إن بي) الذي حملنا إلى بطولة كأس العالم الأولى في تاريخنا، في أذهاننا».
فيل ماسينغا... مهاجم صنع التاريخ مع ليدز يونايتد
أول لاعب داكن البشرة من جنوب أفريقيا يشارك في الدوري الإنجليزي
فيل ماسينغا... مهاجم صنع التاريخ مع ليدز يونايتد
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة