أسرى سجن «عوفر» أضربوا عن الطعام بعد اقتحام أقسامهم

الحكومة الفلسطينية تحذر من انفلات الاحتلال ضد الأسرى

فلسطينيون خارج مقر الصليب الأحمر في الخليل يرفعون صور أقربائهم المعتقلين في إسرائيل (إ.ب.أ)
فلسطينيون خارج مقر الصليب الأحمر في الخليل يرفعون صور أقربائهم المعتقلين في إسرائيل (إ.ب.أ)
TT

أسرى سجن «عوفر» أضربوا عن الطعام بعد اقتحام أقسامهم

فلسطينيون خارج مقر الصليب الأحمر في الخليل يرفعون صور أقربائهم المعتقلين في إسرائيل (إ.ب.أ)
فلسطينيون خارج مقر الصليب الأحمر في الخليل يرفعون صور أقربائهم المعتقلين في إسرائيل (إ.ب.أ)

حذرت الحكومة الفلسطينية «من الانفلات الاحتلالي في مراكمة معاناة الأسرى واستمرار التضييق عليهم، الأمر الذي من شأنه دفع الأوضاع إلى مزيد من التوتر».
وحمّل الناطق باسم الحكومة يوسف المحمود، «حكومة الاحتلال المسؤولية عن الأوضاع التي يعيشها الأسرى في معتقلات الاحتلال، خاصة ما جرى خلال الساعات الأخيرة من اعتداء وبطش نفذته ما تسمى إدارة مصلحة السجون الاحتلالية في معتقل (عوفر)، أصيب فيه أكثر من 100 أسير».
وطالب المحمود المنظمات والهيئات الحقوقية الدولية والمجتمع الدولي بأسره بتحمل مسؤولياتهم تجاه معاناة الأسرى في معتقلات الاحتلال. وجدّد المحمود التأكيد على «أن الأسرى في معتقلات الاحتلال هم رموز الدفاع عن الحرية والكرامة لجميع بني البشر، ويمثلون بعدا أمميا في الكفاح والنضال الإنساني النبيل في سبيل حرية الإنسان في كل مكان، وأن المساس بهم هو مساس ببني البشر وقيمهم العليا وصفاتهم وما يمثلونه، وبالتالي فإن مكانتهم هي العليا والرفيعة، وليس ظلمات الأسر والاعتقال الذي يزجهم فيه الاحتلال ضمن سياساته وتكوينه في معاداة الحق والأمن، والسلام وجنوحه ونزوعه إلى التسلط والبطش المناقض لكل الاتفاقات والقوانين البشرية».
وكانت قوات إسرائيلية خاصة نفذت اقتحاما يوم الأحد لقسم 17، وأعادت الاثنين اقتحام قسم 15، ثم نفذت اقتحاما طال جميع أقسام المعتقل، وعددها 10 أقسام، من بينها أقسام خاصة للأسرى الأطفال. كما أدى الاقتحام إلى مواجهات انتهت بقمع الأسرى، وإصابة أكثر من 100 بينهم، بما في ذلك احتراق 3 غرف.
وقال أسرى إن إسرائيل استخدمت الرصاص المعدني المغلف بالمطاط، والغاز، والقنابل الصوتية، والهراوات، والكلاب البوليسية في الاقتحام. وبدأ الأسرى في معتقل «عوفر»، أمس إضرابا عن الطعام احتجاجا على تكرار الاقتحامات من قبل قوات القمع والاعتداءات المستمرة عليهم.
وأكد نادي الأسير رفض أسرى «عوفر» طلب الإدارة بعقد جلسة معهم إلا بعد السماح بعقد اجتماع بين ممثلي جميع الفصائل داخل المعتقل. وأوضحت هيئة الأسرى أن إدارة سجن عوفر منعت محامي هيئة شؤون الأسرى والمحررين من زيارة المعتقلين صباحا، بعد الهجمة الوحشية التي نفذت بحقهم خلال اليومين الماضيين، والتي وصفت على أنها أعنف اعتداءات طالت الأسرى منذ سنوات طويلة، شارك فيها 6 وحدات قمع متخصصة ومعززة بكل أنواع الأسلحة والكلاب البوليسية.
وأدانت منظمة التحرير الفلسطينية الهجمة الشرسة التي يتعرض لها الأسرى الفلسطينيون عامة وأسرى سجن عوفر خاصة. وناشدت المنظمة، على لسان عضو لجنتها التنفيذية رئيس دائرة حقوق الإنسان والمجتمع المدني أحمد التميمي، الهيئات الدولية بالوقوف أمام مسؤولياتها تجاه جرائم الاحتلال بحق الأسرى الذين يجب أن تشملهم الحماية وفق القانون الدولي واتفاقيات جنيف التي وقعت عليها وتبنتها دول العالم ومؤسساته الدولية. وطالب التميمي بالتحرك الدولي العاجل «لتطبيق القانون الدولي واتفاقيات جنيف، وتوفير الحماية للأسرى، ووقف الاعتداءات والانتهاكات بحقهم من قبل سلطات الاحتلال». وحذر التميمي حكومة المستوطنين التي يترأسها نتنياهو من استغلال الأسرى الفلسطينيين ومعاناتهم من أجل الدعاية الانتخابية لحصد أكبر عدد ممكن من أصوات المستوطنين.
وتظاهر مئات الفلسطينيين في غزة ورام الله أمس للاحتجاج على «الاعتداء» على أسرى فلسطينيين في سجن إسرائيلي.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.