«المعرض الشاهد» على مصر

8 رؤساء مصريين وعشرات الحكومات ومتغيرات سياسية واجتماعية وثقافية عدّة، كلها تطورات مرّت بالبلاد طوال نصف قرن من عمر معرض القاهرة الدّولي للكتاب الذي يحتفل العام الجاري بيوبيله الذهبي.
المعرض الذي افتُتح للمرة الأولى عام 1969، في عهد الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر، وشارك في نسخته الأولى 5 دول أجنبية يمثلها 100 ناشر، عرضوا عناوينهم في مساحة ألفي متر مربع، بات الآن يجتذب 34 دولة وأكثر من 670 ناشراً ويمتد على مساحة 700 ألف متر.
تحوّلت مصر الرّسمية طوال تلك السّنوات من عمر معرضها للكتاب، من أفكار «الاشتراكية والقومية العربية» في عهد ناصر، مروراً بدولة «العلم والإيمان» ومقاومة اليساريين باستخدام الإسلاميين على ما جرى في حقبة الرئيس الأسبق السادات، ثمّ محاولة إدخال المثقفين إلى «حظيرة الدّولة» مثلما تبنى نظام حسني مبارك بموازاة بدايات ظهور عصر «السماوات المفتوحة» والقنوات الفضائية، وحديثاً تنفيذ سياسات «الاقتصاد الحر» والحد من سياسات الدّعم وكذلك سطوة شبكات التواصل الاجتماعي والثّورات المعلوماتية والثقافية.
يمكن القول إنّ المعرض بات مرآة لكل المتغيرات التي طرأت على جمهور القرّاء في مصر، فمن سيطرة عناوين نجيب محفوظ، ويوسف إدريس، وطه حسين، وعباس العقاد، وتوفيق الحكيم وغيرهم من رموز الحياة الثقافية في مصر والعالم العربي إبان انطلاقة المعرض الأولى، باتت عيون روّاد المعرض في نسخه الأحدث تألف ملاقاة عناوين لربيع جابر اللبناني، وسعود السنعوسي الكويتي، وواسيني الأعرج الجزائري.
المتغيرات التي يشهدها معرض الكتاب بالقاهرة لا ترتبط بمصر، فمن جمهور كان وعيه يتشكل عبر وسائل اطلاع تبدأ بالصحيفة والكتاب وتنتهي عند الإذاعة والتلفزيون، أصبح الآن للكتاب والصحيفة والتلفزيون منافسون جدد، أولهم أجهزة الكومبيوتر والهواتف المحمولة المتصلة بشبكات الإنترنت غير محدودة المدى، وليس آخرهم أجهزة «كيندل» للقراء الإلكترونية التي تحاكي إلى حدٍّ كبير الصفحات المطبوعة للكتب، وبأسعار تبدو مقبولة.
وتعد القدرة الشرائية وتغير معدلات الفقر والأمية في مصر، متغيرات أخرى حاكمة إلى حد بعيد في علاقة المصريين بمعرضهم الدّولي للكتاب، خصوصاً في وسط قطاعات مجتمعية تنظر بغير اكتراث إلى القراءة، وتصنف كذلك شراء الكتب باعتبارها سلع رفاهية.
ووفق مؤشرات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء فإنّ نسبة المواطنين المصنفين تحت خط الفقر قُدِّرت في عام 1990 - 1991 بـ24.3% بين السكان بما يمثل 14 مليون شخص وذلك من إجمالي مواطنين بلغ تعدادهم حينها 57.7 مليون نسمة، ووفق الجهة الرسمية ذاتها فإنّ نسبة الفقر سجلت في عام 2015 نسبة 27.8% وبما يساوي 25.4 مليون مصري من أصل 91.5 ملايين يمثلون إجمالي التعداد.
التطورات كثيرة والمتغيرات لم ولن تتوقّف صعوداً وهبوطاً، تبدلاً وثباتاً، غير أنّها انعكاس لواقع يثمر في النهاية معدلات قراءة متراجعة، وأبحاثاً علمية متردية، ومستويات تعليمية متأخرة، وجميعها عقبات يمكن تعديلها وتجاوزها إذا كسبت القاهرة الرهان في يوبيلها الذّهبي، واستطاع معرضها للكتاب اجتذاب رواد جدد.