تجربة رحالة فرنسي إلى مكة وتحقيق مخطوطة ابن ماجد

«كلمة للترجمة» في إصدارات جديدة تشمل الرواية والرحلات والتحقيق

بعض أغلفة إصدارات «كلمة»
بعض أغلفة إصدارات «كلمة»
TT

تجربة رحالة فرنسي إلى مكة وتحقيق مخطوطة ابن ماجد

بعض أغلفة إصدارات «كلمة»
بعض أغلفة إصدارات «كلمة»

تنوعت إصدارات مشروع «كلمة للترجمة» التابع لهيئة أبوظبي للسياحة والثقافة أخيرا بين الرواية والتجارب التاريخية الرائدة في العالم، وكتاب مهم للرحالة الفرنسي جول جرفيه كورتيلمون، بعنوان: «رحلتي إلى مكة المكرمة في عام 1894م»، كما صدر عن دار الكتب الوطنية في الهيئة نسخة محققة جديدة لمخطوط «الفوائد في أصول علم البحر والقواعد» لأستاذ علم الملاحة العربي شهاب الدين أحمد بن ماجد، وضعها المؤرخ الجغرافي حسن صالح شهاب قبل وفاته.
في موضوع الرواية، أصدرت «كلمة» رواية جديدة بعنوان: «التحفة الفنية» للكاتبة الهولندية آنا إنكويست، التي تعد واحدة من أشهر كتاب هولندا، ونقلها إلى العربية المترجم الليبي فرج الترهوني. وتدور الأحداث حول الرسام يوهان ستينكامر الذي يتقد بالعواطف الحسية، ولديه علاقات عاطفية متشعبة، وعائلية مضطربة: أبٌ هجر البيت، وأم متسلطة، وأخ مضطرب عاطفيا. وتصف الكاتبة شخصيات روايتها بتفاصيل مدهشة، وبشكل خاص مشاعر الحزن والفقد التي ألمت بليزا بعد وفاة ابنتها، وانعكاس هذه الفاجعة على علاقتها بأفراد العائلة وبالآخرين، كما تتناول الرواية المعضلات التي تواجهها المرأة المعاصرة في عملها.

* أجمل عشر تجارب

* أما كتاب «أجمل عشر تجارب على الإطلاق» فهو للمؤلف والكاتب العلمي في صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية جورج جونسون، ونقله إلى العربية الكاتب والمترجم طارق عليان. ويحتفي المؤلف في هذا الكتاب بالتجارب الرائدة ويعيد خلق زمن بدا فيه العالم مليئا بالقوى الغامضة، وكان فيه العلماء يخشون الضوء والكهرباء وجسم الإنسان، فنرى غاليليو وهو يدرس الجاذبية، ونيوتن وهو يحلل الضوء، وبافلوف وهو يجري دراسات على كلابه الشهيرة، هذا هو العلم في شكله العملي الأكثر إبداعا عندما تكون براعة العقل أداة مفيدة للغاية في المختبر ويجري عرض نتائج هذه التجارب عرضا بديعا.
ويسلّط جونسون، الحاصل على جائزة أفضل كاتب في مجال العلوم، الضوء على عشر تجارب تاريخية كشفت بساطتها عن الملامح الرئيسة لأجسامنا وعالمنا، ويضم الكتاب مجموعة باهرة لا تُقاوم من أجمل التجارب التي فتحت آفاقا جديدة في التاريخ العلمي. يعرض لنا جونسون في كتابه عشر لحظات علمية، والأهم من ذلك أنه يبين لنا العقول والشخصيات المثيرة للاهتمام التي أخرجت هذه التجارب لحيز الوجود، بدءا من تجارب غاليليو مع الحركة وحتى تجارب ميليكان على الإلكترون، ويقدم المؤلف وصفا مقنعا وبارعا للحياة اليومية لأمثال لافوازييه وبحث مايكلسون عن راحة البال، سيجد القراء الذين يفضلون تعليم أنفسهم ذاتيا متعة في قراءة هذا الكتاب، سواء من الناحية العلمية أو احترامه لعباقرة غريبي الأطوار حلموا بطرق لإثبات المعايير والقوانين الفيزيائية التي نعدها اليوم مسلّمات. تأتي في ثنايا الكتاب الرسومات الخاصة بأصحاب التجارب المبيّنة، فضلا عن لوحات لهؤلاء العظماء، ويتسم السرد بسهولة ومرونة بعيدا عن الجفاف الذي تتسم به الكتب المدرسية.

* «رحلتي إلى مكة المكرمة»

* أما في مجال الرحلات، فصدر عن دار الكتب الوطنية في هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة الترجمة العربية لكتاب «رحلتي إلى مكة المكرمة في عام 1894م» للرحالة الفرنسي جول جرفيه كورتيلمون.
والكتاب صادر في سلسلة «رواد المشرق العربي» المخصصة لنقل ما كتبه الرحالة الأجانب عن الشرق العربي إلى اللغة العربية، وقام بترجمة الكتاب والتعليق عليه الدكتور أحمد إيبش المتخصص في التاريخ الإسلامي والتاريخ الحديث لجزيرة العرب.
ويسرد المترجم في المقدمة سيرة حياة المؤلف، ويذكر أنه مصور فوتوغرافي فرنسي كان مقيما في الجزائر بأواخر القرن التاسع عشر، وكان واحدا من الفرنسيين الذين هاموا بالمشرق وأحبوا حياته الرومانسية العابقة بصدق المشاعر وأصالة الأخلاق والقيم الإنسانية. أثاره قيام القنصل الفرنسي ليون روش في عام 1891 برحلة حج من الجزائر إلى مكة المكرمة، فقرر في عام 1894م القيام برحلة مماثلة على خطاه، ليختبر بنفسه هذه التجربة الروحية الفريدة. وسافر بجواز سفر يحمل اسم عبد الله بن البشير.
يروي كورتيلمون في هذا الكتاب الممتع وقائع رحلته إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج، وكذلك إلى المدينة المنورة للصلاة في المسجد النبوي الشريف. ويصف إعجابه الشديد بالإسلام وفضائله، فقام بإعلان إسلامه ومارس شعائر الصلاة والصيام والحج، وتفاعل مع أصدقائه من الجزائريين ومن أهل الحجاز بكل مودة، وإن كان خشي من الاعتراف بإسلامه في كتابه هذا الذي نشر بفرنسا عام 1896م، فادعى أنه «يحب الشرق ويحب الإسلام ببساطته ومعتقداته الراسخة دون أن يكون له الجرأة على اعتناقها».
يصف كورتيلمون تفاصيل رحلته بمتعها الصغيرة ومشقاتها بلغة بسيطة وسلسة لا تخلو من البلاغة، وعزز من أهمية الكتاب الصور التي التقطها للمناطق التي عبرها، ولا يخفي المؤلف افتتانه بالشرق في قول: «إن جميع اللغات والأديان وأسمى أجناس البشر قد انطلقت من هذا الشرق العظيم، فهو جدير بأن يكون مهد الإنسانية جمعاء».

* مخطوطة ابن ماجد

* وفي مجال التحقيق، صدر عن دار الكتب الوطنية في هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة نسخة محققة جديدة لمخطوط «الفوائد في أصول علم البحر والقواعد» لأستاذ علم الملاحة العربي شهاب الدين أحمد بن ماجد، وضعها المؤرخ الجغرافي حسن صالح شهاب قبل وفاته.
يلفت المحقق في مقدمته إلى أن المخطوط تم نشره بوسائل النشر الحديثة في أوروبا قبل بلاد العرب، فقط عثر الباحث والمستشرق الفرنسي جبراييل فرّان على نسخة من الكتاب عام 1912 مع مخطوطة أخرى في المكتبة الوطنية في باريس، وبهذا عرف العالم دور العرب الحضاري والمهم في مجال الملاحة العالمية. ويقدم المحقق نسخة قيمة من الكتاب بعد مقارنته بعدة نسخ من المخطوطة وجدت في المكتبة الظاهرية في دمشق، ومكتبة الأستاذ علي التاجر في البحرين، ومكتبة الشيخ عبد الله خلف الدحيان في الكويت، بالإضافة إلى نسخة موجودة في مكتبة البود ليون في أكسفورد في بريطانيا.
وصحح المحقق في هذا الكتاب أجزاء من المخطوطة وردت في كتب سابقة، كما يقدم بذلك إضافات مهمة على سيرة ربان البحر العربي الذي ولد في رأس الخيمة في الإمارات وعاش بين 821 و906 للهجرة.
ووضع ابن ماجد الذي خبر بحارا عظيمة علوم البحار والإرشادات لمرتاديها في قصائد وأراجيز شهيرة، فقد سبق للمحقق أن تناول سيرة ابن ماجد في كتب تاريخية مهمة تؤرخ للملاحة العربية في المحيط الهندي.



قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية

قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية
TT

قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية

قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية

كانت الأراضي الفلسطينية طوال آلاف السنين مقراً وممراً للعديد من الحضارات العريقة التي تركت وراءها آلاف المواقع الأثريّة ذات الأهميّة الفائقة، ليس في تاريخ المنطقة فحسب، بل ومُجمل التجربة البشرية. وقد أصبحت المواقع بمحض القوة بعد قيام الدولة العبرية عام 1948 خاضعة لسلطة دائرة الآثار الإسرائيلية، التي لا تدخر وسعاً في السعي لتلفيق تاريخ عبراني لهذه البلاد، وإخفاء ما من شأنه أن يتعارض مع سرديات الحركة الاستعماريّة الصهيونيّة عنها.

على أن أراضي الضفة الغربيّة التي احتُلَتْ عام 1967 وتحتوى على ما لا يَقِلُّ عن 6 آلاف موقع أثَري ظلّت قانونياً خارج اختصاص دائرة الآثار الإسرائيلية، بينما تمّ بعد اتفاق أوسلو بين الدولة العبريّة ومنظمة التحرير الفلسطينية في 1995 تقاسم المنطقة لناحية اللقى والحفريات بشكل عشوائيّ بين السلطة الفلسطينية ووحدة الآثار في الإدارة المدنية الإسرائيلية، وفق تقسيمات الأراضي الثلاث المعتمدة للحكم والأمن (أ- سلطة فلسطينية، باء: سيطرة مدنية فلسطينية وسيطرة أمنية مشتركة مع الجانب الإسرائيلي، ج: سيطرة إسرائيلية تامة).

ويبدو أن غلبة التيار اليميني المتطرّف على السلطة في الدّولة العبريّة تدفع الآن باتجاه تعديل قانون الآثار الإسرائيلي لعام 1978 وقانون سلطة الآثار لعام 1989 بغرض تمديد صلاحية سلطة الآثار لتشمل مجمل الأراضي الفلسطينية المحتلّة عام 1967، بينما سيكون، حال إقراره، انتهاكاً سافراً للقانون الدّولي الذي يحظر على سلطات الاحتلال القيام بأنشطة تتعلق بالآثار ما لم تتعلق بشكل مباشر باحتياجات السكان المحليين (في هذه الحالة السكان الفلسطينيين).

ولحظت مصادر في الأرض الفلسطينية المحتلّة بأن الأوضاع الأمنيّة في الضفة الغربيّة تدهورت بشكل ملحوظ منذ بدء الحرب على غزة في أكتوبر (تشرين الأول) من العام 2023، وكثّفت السلطات الإسرائيليّة من توسعها الاستيطاني بشكل غير مسبوق منذ ثلاثة عقود، ورفعت من وتيرة هجماتها على بؤر المقاومة، وأطلقت يد المستوطنين اليهود كي يعيثوا فساداً في القرى والبلدات العربيّة تسبب بهجرة آلاف الفلسطينيين من بيوتهم، مما يشير إلى تكامل الجهد العسكري والاستيطاني مع التعديلات القانونية المزمعة لتحضير الأرضية المناسبة لتنفيذ النيات المبيتة بتهويد مجمل أراضي فلسطين التاريخيّة.

ويأتي مشروع القانون الذي قدمه عضو الكنيست عن حزب الليكود اليميني أميت هاليفي، في أعقاب حملة استمرت خمس سنوات من قبل رؤساء المجالس الإقليمية للمستوطنين ومنظمات مثل «حراس الخلود» المتخصصة في الحفاظ على ما يزعم بأنه تراث يهودي من انتهاكات مزعومة على أيدي العرب الفلسطينيين. وتردد الحملة أكاذيب مفادها أن ثمة مواقع في الضفة الغربية لها أهمية أساسية بالنسبة إلى ما أسمته «التراث اليهودي»، وخلقت انطباعاً بوجود «حالة طوارئ أثرية» تستدعي تدخل الدّولة لمنع الفلسطينيين من «نهب وتدمير آثار المواقع اليهودية ومحاولاتهم المتعمدة لإنكار الجذور اليهودية في الأرض» – على حد تعبيرهم.

وكانت اللجنة التشريعية الحكوميّة قد وافقت على التعديل المقترح لقانون الآثار، وأرسلته للكنيست الإسرائيلي (البرلمان) لمراجعته من قبل لجنة التعليم والثقافة والرياضة التي عقدت اجتماعها في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وذلك تحضيراً لعرضه بالقراءة الأولى و«التصويت» في الكنيست بكامل هيئته خلال وقت قريب.

وبينما اكتفت السلطة الفلسطينية والدول العربيّة بالصمت في مواجهة هذه الاندفاعة لتعديل القانون، حذرّت جهات إسرائيلية عدة من خطورة تسييس علم الآثار في سياق الصراع الصهيوني الفلسطيني، واعتبرت منظمة «إيميك شافيه» غير الحكومية على لسان رئيسها التنفيذي ألون عراد أن «تطبيق قانون إسرائيلي على أراضي الضفة الغربية المحتلة يرقى إلى مستوى الضم الرسمي»، وحذَّر في حديث صحافيّ من «عواقب، ومزيد من العزل لمجتمع علماء الآثار الإسرائيليين في حالة فرض عقوبات دوليّة عليهم بسبب تعديل القانون»، كما أكدت جمعيّة الآثار الإسرائيليّة أنها تعارض مشروع القانون «لأن غايته ليست النهوض بعلم الآثار، بل لتعزيز أجندة سياسية، وقد يتسبب ذلك في ضرر كبير لممارسة علم الآثار في إسرائيل بسبب التجاوز على القانون الدولي المتعلق بالأنشطة الأثرية في الضفة الغربية»، ولا سيّما قرار محكمة العدل الدولية في التاسع عشر من يوليو (تموز) الماضي، الذي جدَّد التأكيد على أن وجود إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة برمته غير قانوني، وطالب الدّولة العبريّة بـ«إزالة مستوطناتها في الضفة الغربية والقدس الشرقية في أقرب وقت ممكن»، وألزمت سلطة الاحتلال بتقديم تعويضات كاملة للفلسطينيين بما في ذلك إعادة «جميع الممتلكات الثقافية والأصول المأخوذة من الفلسطينيين ومؤسساتهم».

وتشير الخبرة التاريخيّة مع سلطة الآثار الإسرائيلية إلى أن الحكومة تقوم لدى إعلان السلطة منطقة ما موقعاً تاريخيّاً بفرض حماية عسكريّة عليها، مما قد يتطلّب إخلاء السكان أو فرض قيود على تحركاتهم وإقامة بنية تحتية أمنية لدعم الحفريات، وتمنع تالياً الفلسطينيين أصحاب الأرض من تطويرها لأي استخدام آخر، الأمر الذي يعني في النهاية منع التنمية عنها، وتهجير سكانها وتهويدها لمصلحة الكيان العبريّ، لا سيّما وأن الضفة الغربيّة تحديداً تضم آلاف المواقع المسجلة، مما يجعل كل تلك الأراضي بمثابة موقع أثري ضخم مستهدف.

وتبرر الحكومة الإسرائيلية الحاليّة دعمها مشروع القانون للجهات الأُممية عبر تبني ادعاءات منظمات ومجالس مستوطني الضفة الغربيّة بأن الفلسطينيين يضرون بالمواقع ويفتقرون إلى الوسائل التقنية والكوادر اللازمة للحفاظ عليها، هذا في وقت قامت به قوات الجيش الإسرائيلي بتدمير مئات المواقع الأثريّة في قطاع غزة الفلسطيني المحتل عبر استهدافها مباشرة، مما يعني فقدانها إلى الأبد.

لن يمكن بالطبع للفلسطينيين وحدهم التصدي لهذا التغوّل على الآثار في فلسطين، مما يفرض على وزارات الثقافة ودوائر الآثار والجامعات في العالم العربيّ وكل الجهات الأممية المعنية بالحفاظ على التراث الإنساني ضرورة التدخل وفرض الضغوط للحيلولة دون تعديل الوضع القانوني للأراضي المحتلة بأي شكل، ومنع تهويد تراث هذا البلد المغرِق في عراقته.