تشهقُ به الزرقة،
ولا تنقذ روحَه سوى الشجرة.
تمحو موتَ المشهد في عينيه،
تتراءى رويدا رويدا،
يراها وهي تعبرُ البرزخَ بساقين عاريتين،
يزحف الشهيق إلى صدره،
فيسقط على أغصانها جثةً حالمة.
لم يعد متاحا لنا التمييز،
أيُّتها الأشجار وأيُّتها الجثث،
التدافع ذاته، الغابة ذاتها، الوحوش تختلف.
لا تتغير، لكنها تختلف.
يبقى لنا شهيقٌ واحدٌ قبل كل شيء.
يبقى لنا الشهيق.
هل اقتربتَ من نهر الدم الذي سفكوه كي يجري تاريخهم،
هل تجرؤ على اغتراف قطرة واحدة؟
إنْ شربتها، يهتف بك الشيطان. هل تفعل ذلك لتصير سيدا في ليل الدخان، أم أنّك تفضّل انتظار مطر في سحابة كاذبة، أنها تأتي؟
هذا تاريخكَ يتلوى مثل ثعبان عملاق، يهشم مدنا كنت تظنها حصن ماضيك. وهذا يومك يتراجع ليصير أمسك الذي أشحتَ بوجهك عنه وقلت إن الحقيقة ملكك وحدك، وإن سرَّ ما جرى مدفون في بئرٍ عميقة لا قرار لها. وإن الذي يطمسه التاريخ لا يعود يظهر أبدا. لكن الحقيقة لا تموت، حتى لو ردموها بأطنان من الورق المزيّف. فالقاتل يظهر من جديد، ونسله الشيطاني يتغذى في العتمة منتظرا نار الإشارة.
كل ذلك يحدث لأن من كتبوا سيرة المجد، ورصّعوها بالبرد والزمرد، أغفلوا، وتغافلوا عن الخطأ باعتباره بقية الصواب، حتى ظنَّ الناس أن القتلة الذين حكموا التاريخ كانوا ملائكة، والناس هم من بقايا الرعية. ولا أحد يجرؤ اليوم، بعد مئات السنين، على قول: لا، لمن قالوا في ذلك الزمان: نعم.
شهيقٌ أخير في مواجهة ما بقي من زيت المصباح،
يعتلي اسمه بكل ضراوة،
ثم يختفي في جموع صلاة الجنازة.
وعلى هضبة بعيدة،
كان هناك قميصٌ مبقّع بضفائرَ من حِناء.
رفيق الظل: شهيق الزرقة الأخيرة
رفيق الظل: شهيق الزرقة الأخيرة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة