عندما يسارع الناس إلى التنقيب في منجم ذهب جديد، يبيع التجار المعاول والمجارف. وعندما يسارع الناس إلى الاستثمار بالعملة المشفرة، يمكن تطبيق المبدأ المذكور اعلاه نفسه... هذه هي الفكرة التي قامت عليها شركة ناشئة في لوس أنجليس تسعى إلى تبسيط عملية تعدين العملات المشفرة لتصبح سهلة بمثل سهولة توصيل جهاز ألعاب «بلاي ستيشن».
- تعدين النقود الرقمية
يمثل جهاز شركة «كوين ماين» Coinmine الأول، الذي طرح في الأسواق هذا الأسبوع بسعر 799 دولاراً، المدخل الأول للمستهلكين نحو تعدين العملة المشفرة؛ إذ إنه يتيح لأي شخص يملك الكهرباء واتصالاً بالإنترنت وهاتفاً ذكياً، البدء في جمع الثروة الرقمية.
وقال فاربود نيفي، الذي شارك المصمم جاستن لامبرت في تأسيس هذه الشركة الناشئة: «الأمر لا يتعلق بسهولة الإعداد فحسب، بل بالتركيز على المستقبل وعدم تفويت الشبكات الواعدة الجديدة كما حصل في بدايات عملات (بتكوين) و(إيثريوم) الأولى».
تقول شركة «كوين ماين»، إنها جمعت نحو مليوني دولار (معظمها من النقد الإلزامي) من أسماء كبيرة في عالم التقنية ودوائر الاستثمار في التشفير، كالذراع الاستثمارية لشركة «كوين بيس»، أكبر صرافي العملات المشفرة، والمستثمر براين نورغارد، الذي شارك في تطوير تطبيق «تيندر» للتعارف.
تعتمد فرضية الجهاز الجديد على البساطة. أما خطوات التعدين. فهي: اسحبوا الجهاز من علبته، قوموا بتوصيله، حمّلوا تطبيق «كوين ماين»، وصلوه بالإنترنت. يعرض لكم التطبيق القيم الحالية للعملات المشفرة التي تستطيع الآلة تعدينها، وهي «إيثر» و«مونيرو» و«زد كاش» في المرحلة الأولى، لكن الشركة تخطط لإضافة المزيد من الخيارات مع بروز عملات رقمية جديدة. اختاروا واحدة منها، وأنصتوا إلى انطلاق مراوح التبريد، وراقبوا العملات تدخل ببطء إلى محفظتكم الرقمية (ستحتاجون إلى إعداد المحفظة بشكل منفصل).
ومع ارتفاع الأرباح، تستحوذ «كوين ماين» على 5 في المائة من أعلاها. وتقدّر السوق المستهدفة من هذا الجهاز بـ20 مليون شخص فتحوا محافظ رقمية مع مواقع مثل «كوين بيس» لا تعدّن العملات المشفرة.
تشيع فكرة التعدين بين العملات المشفرة الرائدة وتصل إلى مستوى التجارة. يكرس المعدّنون قوة حاسوبية لحل المسائل الرياضية المعقدة، أو نقل المعلومات عبر الشبكة، لتتم في المقابل مكافأتكم بجزء من العملات. عادة، كلما زاد عدد المعدّنين، يتضاعف العمل المطلوب للحصول على المزيد من العملات، أي أن العملات المشفرة الحديثة والأقل قيمة تكون أفضل لإنتاج أرباحٍ غير متوقعة.
يستخدم المعدّنون المحترفون ملايين المسرعات لاكتساب أكبر عدد من العملات، عبر بناء مجموعات من الخوادم في بلاد باردة ذات أسعار طاقة منخفضة كدولة آيسلندا لمضاعفة احتياطاتهم. ووجدت دراسة حديثة، أنه حتى وبعد التضخم الأخير والإفلاس اللذين ضربا «بتكوين» وتسببا في هبوط الأسعار من أعلى مستوى لها وصل إلى 20000 دولار للعملة الواحدة إلى نحو 6000 دولار اليوم، يستمر المعدّنون بحرق ما يقدر بـ2.55 غيغاواط من الطاقة سنوياً، أي ما يقارب الاستهلاك السنوي للطاقة في دولة آيرلندا.
- فاتورة الكهرباء
في المقابل، تعمل «كوين ماين» بـ120 واط، وتسحب طاقة توازي تلك التي تستهلكها منصة لألعاب الفيديو. وبحسب متوسط أسعار الكهرباء في أكتوبر (تشرين الأول) في لوس أنجليس، تبلغ الكلفة المتوسطة لهذا المعدل نحو 200 دولار سنوياً لضمان استمرار عملية التعدين دون انقطاع؛ الأمر الذي قدّر نيفي أنه ينتج عملة «إيثر» واحدة على مدار العام، أو عملتين أو ثلاث «مونيرو». وتباع عملة الإيثر اليوم بـ200 دولار، في حين يبلغ سعر الـ«مونيرو» نحو 110 دولارات.
يصر فريق «كوين ماين» على أن الجهاز لا علاقة له بإنتاج عائد مضمون من الاستثمار. وتحفظ نيفي عن تقديم أي نصائح متعلقة بالاستثمار ويقول: «افعلوا ما تريدون، هذا هو الهدف: السيادة الفردية»، لكنه أيضاً رأى أن الأمر لا يستحق المحاولة في ظل أسعار الصرف الحالية.
ويضيف نيفي: «نصيحة واحدة مهمة أعطيها للجميع في مجال بورصة العملات المشفرة وهي ألا تستثمروا ما لا تحتملون خسارته. وفي الوقت نفسه، أنصح الناس كثيراً بالثبات وانتظار مكاسبهم لتتضاعف 10 أو 100 أو 1000 مرة».
يوافق نورغارد على فكرة أن المستثمرين الذين يبحثون عن ربح سريع يجب أن يبحثوا عنه في مكان آخر. وقال نورغارد: «قد يضيع البعض بسبب فكرة (أين عائد الاستثمار) وكيف تعمل المسائل الرياضية؟ لكن أظن أن الأهم هو توافر إمكانية وضع جهاز ما في غرفة معيشتكم يظهر دعمكم لحركة العملات».
ويحذر ميشيل روتشس، باحث مهم في مجال العملات المشفرة في مركز كمبريدج للتمويل البديل، المعدّنين الطموحين من أن الطاقة الحاسوبية المطلوبة لاستخراج كميات كبيرة من العملات المشفرة قد تجعل من جهاز استهلاكي كجهاز «كوين ماين» يبدو وكأنه نوع من البدع. وقال روتشس: «إن كنتم تتحدثون عن الآلات الصغيرة التي تعدّن القليل من العملات، لا شك في أن المكافآت ستكون صغيرة جداً».
- ابتكار جديد
ابتدع نيفي فكرة «كوين ماين» بعد تجربة محبطة حاول خلالها ابتكار جهاز لتعدين العملة المشفرة من الصفر في شقته في سان فرانسيسكو مع شريكه لامبرت. وقال نيفي: «حبست نفسي لخمسة أيام. المرة الوحيدة التي خرجت فيها من المنزل كانت إلى متجر للإلكترونيات لاستبدال عنصر خاطئ. لقد كان الأمر كالكابوس حتى بالنسبة لشخص يعرف كيف يقوم بهذه الأمور». وأضاف نيفي، إنه وفور اكتمال الجهاز وتشغيله، خرج وشريكه في السكن لامبرت بالفكرة الرئيسية لـ«كوين ماين». لكن «ماذا إن أقدمت (آبل) على تطوير جهاز للعملات المشفرة؟».
دخلت النماذج الاستهلاكية المعدّة مسبقاً من الجهاز فعلاً إلى السوق، لكن معظمها كلف آلاف الدولارات، وولد كمية كبيرة من الحرارة والضجيج اللازمين لضمان استمرار تشغيل وتبريد المسرعات.
انطلق نيفي في تصميم تطبيق سهل الاستخدام ونظام تشغيلي يعتمد على برنامج «لينوكس»، في حين استخدم لامبرت طابعة ثلاثية الأبعاد لابتكار العلب وتحقق من مواصفات الأجهزة للعثور على التوازن الصحيح للطاقة، والفاعلية، والضجيج، والكلفة لتحويل مهمة محصورة بفئة معينة من المستهلكين إلى عملية جاذبة لجمهور واسع.
وأخيراً، أتت النتيجة على شكل جهاز كومبيوتر صغير أو صندوق لبث محطات الكابل. وتخطط الشركة لإرسال تحديثات دورية لنظام «كوين ماين» التشغيلي، للبقاء على اطلاع دائم على سلاسل الكتل (بلوك تشاين)، أساس العملات المشفرة التي ستدعمها في البداية ولإضافة عملات مشفرة جديدة فور بروزها على الشبكة.
رأى نورغارد، أن الرسالة الترويجية التي تستهدف معدّنين محتملين ليست بالضرورة «احصلوا على الثراء السريع»، لكن مع رؤية الشركات الرقمية تتكاثر، بات الأمر يستحق المحاولة. وأضاف: «قبل (تيندر)، كان التعارف عبر الإنترنت عملية مملة جداً، لكن المسح على الشاشات يميناً ويساراً أصبح لعبة مسلية للمستهلكين. إنها المتعة نفسها هي التي تدفعني إلى أن أتعامل مع تطبيق (كوين ماين) كل يوم».
- «لوس أنجليس تايمز»، خدمات «تريبيون ميديا»