العربي شخصية سينمائية منذ أكثر من 100 سنة

الصورة السائدة تألفت من خليط واقعي وخيالي

 «صقر البحر» لفرانك لويد (1924).
«صقر البحر» لفرانك لويد (1924).
TT

العربي شخصية سينمائية منذ أكثر من 100 سنة

 «صقر البحر» لفرانك لويد (1924).
«صقر البحر» لفرانك لويد (1924).

حينما تم اختراع السينما، من قِـبل بضعة مشتغلين في حقول الفوتوغرافيا ومخترعي أجهزة التصوير والعرض، كان الفيلم عبارة عن مشهد واحد مسجل عن حياة واقعية. نجد هذا بوضوح في الفيلمين الأولين في التاريخ: «مشهد حديقة راوندهاي» و«عازف الأوكارديون» (كلاهما للفرنسي لويس أيمي أوغوستين لو برينس سنة 1888) ثم لاحقا ولسنوات كثيرة. لكن، ومن دون الخروج عن الموضوع، سنجد أيضا نسبة من التدخل في المادة المصوّرة لفيلم «مشهد حديقة راوندهاي» تجعل الفيلم ممثّـلا. هناك شخصيات حقيقية تسير في حديقة لكن تبعا لإدارة من المخرج.
لكن الطاغي ولحين انحسار الجانب التسجيلي وارتفاع نسبة الفيلم الروائي في منتصف العقد الأول من القرن العشرين (علما بأن الفيلم الروائي بدأ في الظهور مع مطلع ذلك العقد)، هو تصوير المشهد كما هو وعرضه على مشاهدين متشوّقين لمعرفة كيف يمكن إعادة بث الحياة التي يعرفونها. علاقة السينما بالعالم العربي بدأت على النحو ذاته: كاميرا تُـنصب أمام مقهى أو في شارع عام على شاطئ البحر وتصوّر لدقيقة أو اثنتين من يمر ومن يتوقّـف من دون قصّـة. على ذلك، فإن أول فيلم فيه عرب لم يصوّر في أرض عربية بل في مدينة جنيف السويسرية. الفيلم بعنوان «موكب عربي، جنيف» Arab Cortege‪، ‬ Geniva صوّره مجهول سنة 1896 وبلغت مدّته نحو دقيقتين ويظهر مجموعة من العرب (بملابس تقترح أنهم من شمال أفريقيا) تتمشّى في أحد شوارع مدينة جنيف. هذا الفيلم لا يزال متوفّـرا ويفصح عن رحلة ما قام بها هؤلاء العرب (نحو عشرة أشخاص في المشهد) إلى تلك المدينة التي تبدو مزدحمة بأطياف الناس. بعض العابرين ينظر إلى هذه الجالية بلباسها التقليدي وهو ماض في طريقه.
الفيلم الثاني الذي ما زال متوفّـرا عنوانه «مغادرة القدس بالقطار» [Leaving Jerusalem By Railway] الذي حققه (إخراجا وتصويرا) ألكسندر بروميو، وهو فرنسي وُلد سنة 1868 (وتوفي سنة 1927) حقق هذا الفيلم سنة 1897 لحساب الأخوين لوميير وهو صوّر لهم عددا كبيرا من هذه الأفلام قبل أن ينتقل للعمل لحساب شركات فرنسية وبلجيكية وسويدية.
بروميو وضع الكاميرا في مؤخرة القطار الذي على أهبة مغادرة محطة القدس. عدد من المنتظرين يقفون عند رصيف المحطّـة ربما بانتظار قطار آخر. ثم يبدأ القطار بالتحرك والابتعاد والكاميرا في مكانها. إذ عندما ترى الفيلم ستجد أن محطة القدس تخلو من أي رجل دين يهودي وأن الأشخاص الظاهرين في الفيلم إما عرب بأزيائهم المحليّـة أو عرب بزي إفرنجي، وربما كان هناك غير عرب بالزي الغربي لكن لا وجود لزي الحاخامات والرهبان اليهود.

* عصر المدن الزاخرة
حين انتقلت هذه الأفلام الأولى عن القدس والنيل والأهرام وبغداد والراقصة الشرقية والصحارى إلى الغرب، أوجدت البذرة الأولى لماهية ونوعية الحياة في تلك الأماكن. لا بد والحال هذه، أن المحاولات الروائية فيما بعد حاكت أعمالها على ما شهدته من شرائط إخبارية وتسجيلية عرّفتها على البيئة التي قررت وضع حكاياتها فيها.
لم تؤد هذه الأفلام التسجيلية لدراسة ظاهرة، بقدر ما أدّت إلى تفشي رأي. طبعا حملت البعض على الوقوع في حب الصحراء خصوصا لدى أولئك الذين قرأوا عن مغامرات الصحراء أو ما ورد من فانتازيات «ألف ليلة وليلة»، لكن بالنسبة للغالبية فإن ما ساد هو توظيف المكان لتكرار مفهوم تعاظم اتساعه بالتدريج وهو أن العالم العربي لا يزال متخلّـفا في الوقت الذي تقدّم فيه الغرب حثيثا في مرحلة ازدهار الصناعات المختلفة. إنها نقلة تدعو للاهتمام: المصوّر الذي وقف عند سفح الهرم أو أمام كنيسة بيت لحم أو عند أطراف الصحراء العربية في الأردن أو في المغرب، كان يريد أن ينقل صورا من عالم يختلف في الطبيعة والطباع. كان يهدف لتصوير الصحراء وأناسها وحيواناتها. مع نقل هذه الصور إلى الغرب، كان الغربيون (ونحن نتحدّث على نحو عام بالاحتكام إلى السواد الكاسح من المشاهدين) لا يتوقّـفون عن المقارنة: في عصر المدن الزاخرة بالمباني الكبيرة وبالشوارع المزيّـنة بعواميد الكهرباء، وبالسيارات التي تخترقها، لا يزال هناك قوم يعيشون في خيم ويرتدون زيّـا فضفاضا غريبا ويمتطون الجمال في رحلاتهم. حتى مع تصوير مدن مثل بغداد والقاهرة، حيث الشوارع والمباني القائمة، فإن البادي لا يزال مختلفا عن طبيعة الحياة الأوروبية التي تبدو أكثر تنظيما وسهولة. استخدام الحمير وقيادة الماشية في المدن لم يكن من بين ما يمكن اعتباره تمدنا. لا هي ولا مشاهد الشحاذين والأسواق التي تبدو عشوائية ومكتظّـة بالعامّـة كما تناقلتها أفلام قصيرة كثيرة.
إذا ما أضفنا ذلك إلى ندرة المتعاطين مع الشعوب الأخرى من منطلق متساو (بالأمس كما اليوم) وانعدام شبه كامل لمعرفة الحقائق الكاملة عن ذلك الآخر الذي يبدو غريبا (عربيا كان أو لا) فإنه من المقبول الاعتقاد بأن الصور الأولى عن ذلك العالم العربي خدمت ما أرادت الجموع أن تعتقده حول ذلك الآخر، ووفّـرت للأوروبي أو الأميركي تبريرا إضافيا للشعور بالتميّـز، فهو لا ينظر إلى مجتمعات أرقى بل إلى مجتمعات متخلّـفة. ليس إلى أشخاص مثقفين وعمليين وينتمون إلى النجاح الصناعي والاقتصادي الغامر في مطلع القرن، بل إلى أناس أميين ومتخلّـفين بالضرورة. صحيح أنه حكم جائر، لكن الصورة الأكثر انتشارا عبر الأفلام الأولى عن العالم العربي لم تقترح بدائل صحيحة بدورها.
ومع قناعة المشاهد السائد عموما بأنه ينتمي إلى دين متقدّم وصحيح، وأن المسيحية لا يمكن إلا أن تكون الدين الصائب الوحيد، فإن العالم العربي، المؤلّـف من غالبية مسلمة، لا يمكن إلا أن يكون نشازا عن الدين القويم. ولسنوات كثيرة مورست هذه القناعة في صور شتّى من بينها الاعتقاد بأن كلمة «الله» هي وصف لمعبود غير الخالق سبحانه وتعالى. لا الإعلام العربي ردم الهوّة ثقافيا ولا الإعلام الديني سعى لتعريف الآخر بالدين الإسلامي ومفاهيمه على كل صعيد مستغلا الوسيط الفني ذاته.

* أفلام مفقودة
في طي كل ذلك، فإن المدلول الآخر الذي يثير الاهتمام هو كيف يمكن للصورة أن تترك التأثير الذي تخلقه وتخلق معه قناعات جاهزة. قدرة الفيلم على حفر معلومة، بصرف النظر عن صوابها وقيمتها، في وجدان المشاهدين الذين كانوا اعتمدوا السينما، من بعد الكتاب، لزادهم المعرفي. هؤلاء صدّقوا بالتالي أن الأسواق العربية كانت ميادين مفتوحة للمتسوّلين ولصوص الجيوب وأن حرس الخليفة كانوا يهدمون هذه الأسواق كلما مرّ موكب ملكي من تلك الأسواق، كما يشي «لص بغداد» في نسخة العام 1940 التي أخرجها لودفيغ برغر، وأن الناس كانت تسجد لها ومن يرفع رأسه عن الأرض فإن سيف الجلاد كان حاضرا لقطع ذلك الرأس.
إنه أمر عجيب أن تستلهم صورة على هذا النحو وتُـعامل على أنها الواقع وحده، حتى ولو أن بعض أجزاء هذه الصورة آتية مما صوّره السينمائيون الأول عبر تسجيلاتهم القصيرة في العقد الأول من القرن العشرين.
من تسعينات القرن التاسع عشر وحتى نهاية الفترة الصامتة (سنة 1928 عمليا)، هناك ما يربو على مائة فيلم من تلك التي دارت أحداثها في العالم العربي وبشخصيات عربية. المؤسف أن معظمها ضاع كشأن باقي أنواع الأفلام وعددها يربو عن الألف بكثير. ما يكشف عنه ما زال موجودا من هذه الأفلام اختلافات النظرة وسبل التعامل واحتوائها على مجموعة متباينة الاهتمامات والأغراض. من الأفلام المقتبسة عن روايات ألف ليلة وليلة إلى تلك التي تدور في رحى عربي معاصر (آنذاك) في مدن مثل القاهرة وبغداد، إلى أفلام تتندّر بشجاعة ابن الصحراء وشهامته مرورا بالأفلام التي تصوّره سفّـاكا أو خائنا أو مجرد شخص لا يمكن الركون إليه أو الثقة به. كل هذه الأفلام، باستثناء ما يمكن وصفه بالتسجيلي منها، وبصرف النظر عن نظرتها إلى العربي، لم تكن أعمالا واقعية. آنذاك لم تكن السينما الروائية ممارسة لتكون واقعية بل لتجاوز الواقعية. لتأتي بغرائبيات لا يعرفها الجمهور لكنها كافية لإثارة فضوله وبالتالي إقباله عليها. السينما الأميركية فن وُلد ليكون شعبيا ولا يزال محافظا على هذا المنهج إلى اليوم ما يفسّـر نجاحه من ناحية وتعامله الحر مع الحقائق من ناحية أخرى.

* أول ممثل عربي
على أن العلاقة العربية مع السينما تعود إلى القرن التاسع عشر وليس إلى مطلع القرن العشرين. فالمدعو حاج شريف هو أول عربي ظهر في فيلم أميركي ممثلا، والأرجح أنه أيضا أول عربي ظهر في السينما، مطلقا، كممثل. اسمه كان جزءا من العنوان: «الحاج شريف لاعب خنجر عربي» Hadj Cheriff Arab Knife Juggler وذلك سنة 1894. النسخة المتبقية من الفيلم تبلغ 22 ثانية.
ليس فيلما روائيا، بل - في عداد المفهوم الحاضر لما هو تسجيلي ولما هو روائي - هو إعادة ترتيب وقائع على نحو تسجيلي. وفي هذه الحالة، فإن الحاج شريف لاعب السكاكين يؤدي دورا متّفقا عليه (ما يلغي الناحية التسجيلية) لكن الفيلم هو تسجيل لأدائه من دون خط درامي (ما يعيد الجانب التسجيلي للمثول). في هذا الفيلم الذي صوّره المخرجان ويليام ك. ل. دكسون William K‪.‬ L‪.‬ Dickson وويليام هايس William Heiss
في مسرح «بلاك ماريا» التابع لاستوديو توماس أديسون، لا يرمي الحاج شريف السكاكين أو يلعب بها كما يعد العنوان إلا إذا ما كان فعل ذلك في نسخة أصلية قد لا تزيد بدورها عن دقيقة واحدة، بل يقفز بهلوانيا على يديه ثم قدميه ويعاود الكرّة مرتديا سروالا واسعا ومعتمرا لفّة رأس. حركاته يمكن اعتبارها تمهيدا مبكرا جدّا لما يعرف اليوم برقص «بريك دانسينغ». هو أسمر الملامح (الكاميرا ذات اللقطة الواحدة طبعا، تبعا لذلك الحين، تأخذه من بعيد) وبشارب كبير. المعلومات المنشورة في كتيّب الأسطوانة تُـشير إلى أن بوليس نيويورك داهمه، بعد سنوات من ظهوره في هذا الفيلم، وزوجته بتهمة قيامها برقصات خادشة للحياء. بحثي انطلق من هنا لأكتشف أن الرجل كانت لديه فرقة من لاعبي حركات الخفّة بالفعل، وأنه انضم، في فترة سابقة مباشرة لدوره أمام الكاميرا لاستعراض Buffalo Bill المسرحي. وبافالو بيل كان شخصية حقيقية صاحبها محارب أبيض خاض معارك ضد المواطنين الأميركيين الأصليين (الهنود الحمر) ثم تحوّل إلى مهرّج على المسرح بعدما تم ترويض الغرب الأميركي (صوّر قصّـته بأسلوبه الخاص الراحل روبرت التمن في Buaffalo Bill and the Indians سنة 1976). بعد هذا الفيلم ظهر الحاج شريف في فيلم آخر بعنوان Arabian Gun Twirler («دوّار مسدس عربي») سنة 1899 أخرجه جيمس وايْـل أيضا لحساب مصنع أديسون البصري أو كما سمّاه Edison Manufacturing Company
لجانب أن لا يوجد شيء آخر معروف عن هذه الشخصية المسرحية التي أتيح لها الظهور في فيلمين (ربما هناك أفلام أخرى لكن مفقودة كحال مئات الإنتاجات حتى أواخر الأربعينات) فإن وجود عربي في سدّة سينمائية له في مجال البحث عن العربي والآخر في السينما أهمية مناطة. في الأساس فإن غياب تأريخ له يقوم به العرب هو نتيجة غيابنا نحن عن الحضور الصحيح والكامل في العملية السينمائية بأسرها. الزمن فات على محاولة معرفة من كان الحاج شريف؟ هل هو من بلاد المغرب العربي أو من أواسط شرقه؟ هل رحل إلى هناك لغاية الظهور على المسرح ثم في السينما؟ هل كان حالما آخر بالحلم الأميركي؟ وماذا حدث له بعد ذلك؟
إلى هذا، هناك فيلم ثالث يضطلع به عربي تم إنجازه بين العامين المذكورين لفيلمي الحاج شريف. هذا الفيلم عنوانه «عربي شارع» A Street Arab نفّذه أديسون سنة 1898. ملامح ذلك الممثل أمام الكاميرا عربية والكاميرا هذه المرّة أقرب منه وهي تصوّره يقوم بحركات تذكّر - أيضا - بموضة «البريك دانسينغ» التي انطلقت في الثمانينات من القرن الماضي. فهل هو ذاته الحاج شريف من دون ملابسه التقليدية أو هو عربي آخر تم التقاطه لغرض هذا الفيلم وحده؟
الدور الذي قام به كان مأخوذا عن «نمرة استعراضية» يقوم بها وفي حين كانت كتابات الروائيين تسافر إلى ذلك الشرق «الساحر» كما كان البعض يطلق عليه، كان هذا العربي قد سافر إلى هناك وتبرّع، من دون تخطيط أو قصد، بتثبيت أحد الصور النمطية التي عمدت إليها الكثير من الأفلام الغربية التي دارت أحداثها في العالم العربي.

* تداعيات ثقافية
قبل عام واحد من ذلك الفيلم، وُلدت فرييا مادلين ستارك Freya Madeline Stark في باريس وتوفيت بعد مائة سنة في إيطاليا (في التاسع من مايو/أيار- يوليو/تموز 1993) وصدر عن حياتها أكثر من كتاب بينها «فرييا ستارك: جوّالة متحمّـسة» Freya Stark‪:‬ A Passionate Nomad لجين فلتشر جينيس لا تكتفي فيه بتأريخ حياة الرحّـالة بل تبحث كذلك عن الدوافع التي أوعزت لها بتلك الرحلات التي شملت لبنان (أول محطّة لها وقد وصلت إليها بالبحر سنة 1927 قادمة من إيطاليا) وسوريا والعراق ومصر ومنطقة الخليج العربي وتركيا وإيران وصولا إلى أفغانستان. عن تلك الرحلات وضعت عددا كبيرا من الكتب طوال الثلاثينات وحتى الثمانينات.
في مواجهة ذلك، كانت هناك كاتبات غربيات أخريات وضعن روايات عن العالم العربي من دون أن يضعن قدمهن في أي مكان من ذلك العالم. إحدى هؤلاء كانت إديث مورد هَـل Edith Maude Hull التي ولدت في إنجلترا سنة 1880 وتوفيت سنة 1947. في العام 1919 وضعت رواية باسم «الشيخ» صارت فيلما مرجعيا سنة 1921 وحين أتبعته برواية أخرى تحمل اسم «أولاد الشيخ» Sons of the Sheik سنة 1925 أغارت عليها هوليوود أيضا وحوّلتها إلى فيلم باسم «ابن الشيخ» سنة 1926. شيء واحد ربط بين معظم من ارتحل وعاش وجال في العالم العربي في أواخر القرن التاسع عشر أو في السنوات الأولى من القرن العشرين وبين أولئك الذين لم تتح لهم النية أو الفرصة لمثل هذه الرحلات. هذا الشيء هو «ألف ليلة وليلة» التي شغف بها كثيرون (وفرييا من بينهم) وبنوا عليها مختلف الصور الذهنية أو البصرية. في الحقيقة، تلك الروايات التي اقتبست أيضا تحت مسمّى «حكايات عربية».
استيحاء من تلك الروايات، كتب الألماني يوهان وولفغانغ فون غوتيه بعض أشعاره حول الإسلام، وهو الذي بدأ الكتابة والرسم وخط، حسب مراجع مختلفة، أكثر من عشرة آلاف رسالة في زمنه، في ثمانينات القرن الثامن عشر.
في القرن السابع عشر نجد أن جامعات بريطانية وفرنسية أخذت تدرس مواد إسلامية وعربية للراغبين. وأخذت جامعات باريس وكمبردج وأكسفورد بحفظ مخطوطات عربية في مكتباتها مع تراجم لها. وكانت أول ترجمة للقرآن الكريم قد تمت في القرن الثاني عشر.
بعض الكتابات الفلسفية أو التنظيرية وجدت أن العرب كان لهم الدور المهم في عملية نقل المعرفة من عصور سابقة إلى أخرى لاحقة. من هؤلاء الفيلسوف الألماني جورج ويليام فردريك هيغل (1831‪ - ‬1770) الذي كتب «انتمى العرب إلى فترة ماضية في تطور الروح الإنسانية. لقد لعبوا دورهم في الحفاظ على الأفكار الإغريقية ثم أعطوا مشعل الحضارة للآخرين».
يمكن النظر إلى كتابات هيغل على أساس أنها من أعمدة الدعوة إلى منهج مثالي دفع بدوره صوب تكوين المنحى الآري في الثقافتين الفكرية والسياسية لألمانيا، إلا أن ذلك سوف لن يهم كثيرا في جدلية البحث عن العلاقة بين العرب (وآدابهم وتقاليدهم ومناهجهم في الحياة) والغرب، فالقرن العشرون أفرز عداوة عنصرية ضد ما هو عربي حتى من بين شعوب حاربت ضد النازية خلال الثلاثينات والأربعينات.
الاهتمامات الأكاديمية لم تسفر، للأسف، عن انتشار النظرة الإيجابية في السينما ولو أن ليس كل فيلم تم إنتاجه في تلك الحقبة الأولى (السنوات الخمس وعشرين الأولى من صنع الأفلام) كان مؤذيا أو كان يقصد الأذى. نموذج «الشيخ» لجورج ملفورد، حيث العربي يقامر ويخطف النساء (1921) ليس الوحيد بل في مواجهته أفلام إيجابية في تلك الفترة الصامتة مثل «صقر البحار» لفرانك لويد (1924) حول نبيل بريطاني اعتنق الإسلام بعدما عومل كعبد فوق سفينة إسبانية وتبناه شيخ قبيلة جزائري بعد تحريره، و«لص بغداد»، نسخة راوول وولش سنة 1924 أيضا، الذي لا يعيبه سوى عنوانه وبعض الهنّـات غير المقصودة. سنة 1926 قامت الألمانية لوتي رايينر بتحقيق فيلمها المستوحى عن حكايات ألف ليلة وليلة بعنوان «مغامرات الأمير أحمد» فإذا به، وهو أول رسوم متحركة طويل تم تحقيقه عالميا، يقدّم حكاية استشراقية لامعة عن الحب والبذل والدفاع عن الوطن ضد المغول.
نظرة شاملة لهذه الأعمال الأولى تبدو اليوم مطلوبة في وسط كل تلك التيارات الملتبسة من الكتابة السينمائية التي تميل، استسهالا، لاعتبار أن كل شيء هوليوودي يعني - تلقائيا - أنه معاد لما هو عربي.



«يوم 13» يطارد «هارلي» في سباق إيرادات «الفطر السينمائي» بمصر

أحمد داود في لقطة من الفيلم
أحمد داود في لقطة من الفيلم
TT

«يوم 13» يطارد «هارلي» في سباق إيرادات «الفطر السينمائي» بمصر

أحمد داود في لقطة من الفيلم
أحمد داود في لقطة من الفيلم

حقق فيلم الرعب والإثارة «يوم 13» مفاجأة خلال الأيام الماضية في شباك التذاكر بمصر، حيث حصد أعلى إيراد يومي متفوقاً على فيلم «هارلي» لمحمد رمضان، الذي لا يزال محتفظاً بالمركز الأول في مجمل إيرادات أفلام موسم عيد الفطر محققاً ما يزيد على 30 مليون جنيه مصري حتى الآن (نحو مليون دولار أميركي)، بينما يطارده في سباق الإيرادات «يوم 13» الذي حقق إجمالي إيرادات تجاوزت 20 مليون جنيه حتى الآن.
ويعد «يوم 13» أول فيلم عربي بتقنية ثلاثية الأبعاد، وتدور أحداثه في إطار من الرعب والإثارة من خلال عز الدين (يؤدي دوره الفنان أحمد داود) الذي يعود من كندا بعد سنوات طويلة باحثاً عن أهله، ويفاجأ بعد عودته بالسمعة السيئة لقصر العائلة المهجور الذي تسكنه الأشباح، ومع إقامته في القصر يكتشف مغامرة غير متوقعة. الفيلم من تأليف وإخراج وائل عبد الله، وإنتاج وتوزيع شركته وشقيقه لؤي عبد الله «أوسكار»، ويؤدي بطولته إلى جانب أحمد داود كل من دينا الشربيني، وشريف منير، وأروى جودة، كما يضم عدداً من نجوم الشرف من بينهم محمود عبد المغني، وفرح، وأحمد زاهر، ومحمود حافظ، وجومانا مراد، ووضع موسيقاه هشام خرما.
وقال مخرج الفيلم وائل عبد الله في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إنه ليس متفاجئاً بالإيرادات التي حققها الفيلم، ولكنه كان متخوفاً من الموسم نفسه ألا يكون جيداً، قائلاً إن «إقبال الجمهور حطم مقولة إن جمهور العيد لا يقبل إلا على الأفلام الكوميدية، وإنه يسعى للتنوع ولوجود أفلام أخرى غير كوميدية، وإن الفيصل في ذلك جودة الفيلم، مؤكداً أن الفيلم احتل المركز الأول في الإيرادات اليومية منذ انتهاء أسبوع العيد».
وكشف عبد الله أن الفيلم استغرق عامين، خلاف فترات التوقف بسبب جائحة كورونا، وأنه تضمن أعمال غرافيك كبيرة، ثم بعد ذلك بدأ العمل على التقنية ثلاثية الأبعاد التي استغرق العمل عليها عشرة أشهر كاملة، مؤكداً أنه درس طويلاً هذه التقنية وأدرك عيوبها ومميزاتها، وسعى لتلافي الأخطاء التي ظهرت في أفلام أجنبية والاستفادة من تجارب سابقة فيها.
وواصل المخرج أنه كان يراهن على تقديم الفيلم بهذه التقنية، لا سيما أن أحداً في السينما العربية لم يقدم عليها رغم ظهورها بالسينما العالمية قبل أكثر من عشرين عاماً، موضحاً أسباب ذلك، ومن بينها ارتفاع تكلفتها والوقت الذي تتطلبه، لذا رأى أنه لن يقدم على هذه الخطوة سوى أحد صناع السينما إنتاجياً وتوزيعياً، مشيراً إلى أن «ميزانية الفيلم وصلت إلى 50 مليون جنيه، وأنه حقق حتى الآن إيرادات وصلت إلى 20 مليون جنيه».
ورغم عدم جاهزية بعض السينمات في مصر لاستقبال الأفلام ثلاثية الأبعاد، فقد قام المخرج بعمل نسخ «2 دي» لبعض دور العرض غير المجهزة، مؤكداً أن استقبال الجمهور في القاهرة وبعض المحافظات للفيلم لم يختلف، منوهاً إلى أن ذلك سيشجع كثيراً على تقديم أفلام بتقنية ثلاثية الأبعاد في السينما العربية.