فيلم «بورتو فارينا» التونسي... نجاح سينمائي بوجوه مسرحية

راوح فيلم «بورتو فارينا» للمخرج التونسي إبراهيم لطيف بين استعراض مواقف اجتماعية، من بينها التبني والبحث عن الزواج من أجنبيات للحصول على وثائق الإقامة في أوروبا من جهة، والبحث عن ابتسامة ضائعة ومفقودة على وجوه محبي السينما من جهة أخرى. اعتمد هذا الفيلم الجديد على مشاركة عدد مهمّ من الوجوه المسرحية المهمة في تونس بالبطولة، من بينهم وجيهة الجندوبي، وفاطمة بن سعيدان، ومحمد علي بن جمعة، ومحمد السياري، ونجوى زهير، ولطيفة القفصي، ومكّن المسرحي التونسي محمد إدريس من البطولة المطلقة.
الفيلم الذي صُوّر في مدينة غار الملح (شمال تونس) عرض حياة «الريس فرج» الذي يطعم عائلته كبيرة العدد من البحر، ووظف الصور والمشاهد السينمائية لتعرية الظواهر الاجتماعية وتقديم بعض السلوكيات، من خلال نقد اجتماعي امتزج بطابع كوميدي. الفيلم تعرض لعائلة «البحري» التي ترزح تحت عبء سلطوية فرج البحري الذي يؤدي دوره المسرحي التونسي محمد إدريس، وهو من خلال هذه الشخصية رجل متسلِّط بعقلية ذكورية وحب السيطرة.
واعتمد المخرج إبراهيم لطيف على الاسم الإسباني القديم لغار الملح وهو «بورتو فارينا» ليكرس موسيقى بعينها، وقد تخلل المشاهد التصويرية التعريف بالتاريخ المجيد لهذه المدينة الساكنة على ضفاف البحر المتوسط علاوة على ملابس الممثلين التي بدت أقرب إلى القدم منها إلى المعاصرة، وكأن المخرج يقول إنه ينتقد مظاهر اجتماعية سابقة. فيلم «بورتو فارينا» عبارة عن رحلة تغادر الحاضر إلى الماضي لتعود إليه من جديد، هي رحلة قد تبدو للمتلقي متناقضةً في بعض تفاصيلها، ولكن التداخل واضح بين مختلف شخصياتها.
الفيلم عرض كذلك مجموعة من القضايا الاجتماعية الشائكة، على غرار إرغام الفتيات على الزواج من الأقارب، رغم فوارق السن التي قد تكون كبيرة، كما عرّى العقلية المتخلفة لكثير من الرجال الذين يبقى لديهم هاجس الإنجاب مسألة حياتية ولا ينفع معها حينها قضاء سنوات طويلة في فرنسا بلد المهجر، بل إن نساء من العائلة يحرضون أحد الرجال على الزواج على زوجته الفرنسية، واسمها شانتيل، التي لم تنجب له أطفالاً قائلين إنها مثل «الشقف بلا سلعة».
فيلم «بورتو فارينا» الذي عُرِض مساء الجمعة الماضي لأول مرة، على أن يقع عرضه بعدد من دور السينما التونسية، اعتمد على بساطة النص وجمالية الإخراج السينمائي المعتمد أساساً على البحر، وتناسق ألوان الملابس والأداء المقنع لمجموعة من الممثلين المحترفين، وهو ما أنقذه من رتابة الأحداث وتشابهها، ولكنه كرس سيطرة الفن الرابع على الفن السابع.
يُذكر أن المخرج السينمائي التونسي إبراهيم لطيف كان قد أخرج سنة 2009 أحد الأفلام الجريئة قبل ثورة 2011، وحمل الفيلم عنوان «7 شارع الحبيب بورقيبة» وشهَّر بنظام الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي وزوجته ليلى الطرابلسي، وتناول ملفات الفساد، وهاجم من خلال فيلمه وزارة الداخلية التي كانت تكتم أنفاس التونسيين، ووزارة الثقافة التي فرطت في عدة كنوز أثرية لفائدة دائرة ضيقة من المستفيدين من الظلم والفساد.