رئيس البرلمان العربي: الوضع العربي بالغ الدقة وحاجتنا ماسة إلى المصالحة

في ندوة دولية احتضنتها الرباط حول تجارب المصالحات الوطنية

TT

رئيس البرلمان العربي: الوضع العربي بالغ الدقة وحاجتنا ماسة إلى المصالحة

وصف مشعل بن فهم السلمي، رئيس البرلمان العربي، الوضع الراهن الذي تعيشه المنطقة العربية بـ«البالغ الدقة»، وقال: إن دول المنطقة تواجه «تحديات جسيمة تستوجب حلولاً تساهم في الحد من الصراعات الدامية، والتصدي للاعتداءات الآثمة على سيادة الدول واستهداف قادتها».
وذكر رئيس البرلمان العربي في كلمة ألقاها في افتتاح ندوة دولية حول «تجارب المصالحة الوطنية»، انطلقت أمس بالرباط، أن المصالحة أصبحت «ضرورة ملحة، سواء على المستوى الوطني، أو على مستوى العلاقات بين الدول العربية». وشدد السلمي في كلمة ألقاها نيابة عنه أحد أعضاء مكتب البرلمان العربي، على أن المصالحات «تحتاج إلى تكريس لغة الحوار في العلاقات العربية - العربية، مهما بلغت درجة الاختلاف»، وطالب باتخاذ مواقف وإنهاء المشكلات القائمة.
واعتبر رئيس البرلمان العربي، أن المصالحة هي «السبيل الأنجع لإنهاء النزاعات والانقسامات داخل المجتمعات العربية وبين الدول العربية، والسبيل الأوحد لمنع التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية لدولنا ومجتمعاتنا العربية».
وحث السلمي على «ضرورة العمل على تهيئة المناخ المناسب للمصالحة العربية، وطالب القنوات الفضائية ووسائل الإعلام العربية بالقيام بدور بنّاء في إشاعة ثقافة المصالحات، وحل الأزمات ونبذ الانقسامات والفوضى، بالإضافة إلى عدم السماح بترويج خطاب الكراهية، أو المساس بالقيادات والأنظمة العربية». مبرزاً أن مسار تسوية الخلافات بين الدول العربية يمر «وفق مبدأ احترام سيادة الدول، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، واستهداف قياداتها السياسية»، مشدداً على ضرورة «التصدي للأخطار التي تحدق بالأمة العربية، وتستهدف وجودها الحضاري والتاريخي».
بدوره، هاجم أحمد شوقي بنيوب، المندوب الوزاري لحقوق الإنسان بالمغرب، أحداث الربيع العربي، التي عاشتها المنطقة العربية عام 2011، بقوله إن «حديثنا عن المصالحة اليوم يأتي في سياق انهيار ما سُمي ظلماً بالربيع العربي». موضحاً أن دستور 2011 الذي اعتمدته بلاده «ولد في سياق عربي أدى إلى لهيب مدمر، يجعل من المنطقة التي ننتمي إليها واحدة من أخطر مناطق العالم، من حيث الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، والاتجار في البشر، والإرهاب والكيانات الفاشلة».
وسجل بنيوب في معرض حديثه عن العدالة الانتقالية في المغرب، أن إعادة الاعتبار للنخبة المغربية في صناعة دستور 2011، وإعادة الاعتبار لنتائج صناديق الاقتراع، في ضوء هذا الدستور باحترام المنهجية الديمقراطية، وتمكين الحزب الأول الفائز بالانتخابات التشريعية من تشكيل الحكومة، من أبرز العناوين الدالة على المصالحة.
وزاد بنيوب مبيناً، أن إصلاح مدونة الأسرة شكل «واحدة من أكبر المصالحات المجتمعية مع قضية المرأة، وكانت نقطة تحول تاريخية في تحريرها، وانطلاق مشاركتها الواسعة في الحياة العامة». بالإضافة إلى الاعتراف بالثقافة الأمازيغية، الذي شكل «ترسيماً لمقوم مهم من مقومات الهوية المغربية الموحدة بانصهار كل مكوناتها».
بدورها، قالت أمينة بوعياش، رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان بالمغرب: إن مسار المصالحة في بلادها اتسم بـ«التدرج قبل أن يكون قراراً سياسياً وإرادياً من طرف الملك محمد السادس في يناير (كانون الثاني) 2004، حين أحدثت هيئة الإنصاف والمصالحة»، وأكدت أن المسار انطلق منذ التسعينات، وشمل «العفو الشامل والعام على المعتقلين السياسيين، ووضع هيئة التحكيم المستقلة التي اعتمدت مقاربة جبر الضرر».
وأوضحت بوعياش في كلمة بالمناسبة، أن مسار الإنصاف والمصالحة في المغرب «مسار سياسي بامتياز، عبر إقرار الحقيقة بشأن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، ومواصلة تعويض الضحايا وذوي الحقوق وجبر أضرارهم»، وذكرت، أن نحو «28 ألف ضحية، أو ذوي الحقوق، استفادوا من نحو ملياري درهم (200 مليون دولار) تعويضاً مالياً». كما أبرزت المتحدثة ذاتها، أن عملية المصالحة أسفرت عن إدماج «100 ألف ضحية أو ذوي الحقوق اجتماعياً بالتنسيق مع القطاعات الحكومية، عبر إدماج المؤهلين علمياً في وظائف حكومية»، مشيرة إلى أنه من بين هذه الفئة من استفاد من منح السكن، ورخص النقل، وعقد اتفاقيات شراكة مع الكثير من المؤسسات، وبخاصة المتخصصة في التكوين المهني.
واعتبرت بوعياش، أن التجربة المغربية في المصالحة «استثنائية في تفعيل توصيات ومقررات جبر الضرر، وذلك من خلال إدماج الضحايا وذوي الحقوق، وتأهيلهم صحياً، وتسوية وضعيتهم الإدارية والمالية».
من جانبه، طالب حكيم بنشماش، رئيس مجلس المستشارين المغربي (الغرفة الثانية في البرلمان)، بضرورة تعزيز «سعي البرلمانات الحثيث إلى المساهمة في استرجاع الثقة، وإعادة ترميم النسق السياسي بعد سنوات من التمزق الحاصل في النزاعات». معتبراً أن تجربة المغرب في الإنصاف والمصالحة «فتحت الباب أمام بروز جيل جديد من هيئات الحقيقة والمصالحة، كآليات غير قضائية لتسوية ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان».
وأبرز بنشماش، أن المصالحة تبقى في نهاية المطاف «نتيجة مسارات عدة، منها مسار الحقيقة ومسار الديمقراطية، ومسار ترسيخ ضمانات عدم تكرار ما جرى، ومسار استرجاع الثقة، ومن ثم فهي محصلة كل هذه المسارات، ولا تتأتى بمجرد الدعوة إليها»، حسب تعبيره.
يذكر أن الندوة الدولية التي ينظمها مجلس المستشارين، بشراكة مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وتنسيق مع رابطة مجالس الشيوخ والشورى في أفريقيا والعالم العربي، ومكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، تندرج في إطار تنزيل برنامج عمل رابطة مجالس الشيوخ والشورى والمجالس المماثلة في أفريقيا والعالم العربي، الذي تمت المصادقة عليه في مؤتمرها العاشر، الذي انعقد بالمملكة المغربية يومي 20 و21 سبتمبر (أيلول) 2017.


مقالات ذات صلة

الجامعة العربية تُحذر من تفاقم «المجاعة المروعة» في غزة

المشرق العربي الجامعة العربية تُحذر من تدهور سريع للوضع الإنساني في قطاع غزة (أرشيفية - أ.ف.ب)

الجامعة العربية تُحذر من تفاقم «المجاعة المروعة» في غزة

حذرت جامعة الدول العربية، الأحد، من تفاقم «المجاعة المروعة» و«الكارثة الإنسانية» في قطاع غزة، جراء العدوان الإسرائيلي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي إردوغان متحدثاً عن التطورات في سوريا في إسطنبول الجمعة (إعلام تركي)

إردوغان: دمشق هدف فصائل المعارضة ونأمل استكمال مسيرتها دون مشكلات

قال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إن إدلب وحماة وحمص أصبحت بيد فصائل المعارضة السورية، وإن هدف المعارضة بالطبع هو دمشق.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
خاص نازحون فروا من ريف حلب يركبون سيارة تحمل أمتعتهم بجوار إشارة طريق في حلب (رويترز)

خاص ما حدود الدعم العربي لسوريا بمواجهة الفصائل المسلحة؟

اتصالات عربية مع دمشق تتواصل بشأن التطورات الميدانية في شمال سوريا، كان أحدثها مناقشات وزيري الخارجية المصري بدر عبد العاطي ونظيره السوري بسام صباغ.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد جانب من اجتماع المجلس الوزاري العربي للكهرباء في القاهرة (الجامعة العربية)

«الجامعة العربية» تطلق «السوق المشتركة للكهرباء» لتعزيز الإمدادات وخفض التكاليف

بهدف تعزيز الإمدادات وخفض التكاليف، أطلقت جامعة الدول العربية، الاثنين، «السوق العربية المشتركة للكهرباء»، عبر اتفاقية وقعتها 11 دولة، بينها السعودية ومصر.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان (الخارجية التركية)

تركيا: استهداف إسرائيل لـ«حماس» و«حزب الله» غايته إجبار الفلسطينيين على الهجرة

أكدت تركيا أن هدف إسرائيل الرئيسي من ضرب حركة «حماس» في غزة و«حزب الله» في لبنان هو جعل الفلسطينيين غير قادرين على العيش في أرضهم وإجبارهم على الهجرة.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

الإرياني يتهم الحوثي بالعيش في «غيبوبة سياسية» غداة تهديده المنادين بسيناريو سوريا

زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)
زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)
TT

الإرياني يتهم الحوثي بالعيش في «غيبوبة سياسية» غداة تهديده المنادين بسيناريو سوريا

زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)
زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)

تعليقاً على الخطبة الأخيرة لزعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي، والتي حاول فيها ترهيب اليمنيين من الانتفاضة ضد انقلاب جماعته على غرار ما حدث في سوريا، بشّر وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني باقتراب ساعة الخلاص من طغيان الانقلابيين في بلاده، وقال إن تلك الخطبة تؤكد أن الرجل «يعيش حالة من الغيبوبة السياسية، ولا يرى ما يحدث حوله».

وكان الحوثي حاول في أحدث خطبه، الخميس الماضي، أن يطمئن جماعته بأن الوضع في اليمن يختلف عن الوضع السوري، مراهناً على التسليح الإيراني، وعلى عدد المجندين الذين استقطبتهم جماعته خلال الأشهر الماضية تحت مزاعم محاربة أميركا وإسرائيل ومناصرة الفلسطينيين في غزة.

معمر الإرياني وزير الإعلام والثقافة والسياحة في الحكومة اليمنية (سبأ)

وقال الإرياني في تصريح رسمي: «إن المدعو عبد الملك الحوثي خرج من كهفه بخطاب باهت، مرتبك ومتشنج، في محاولة بائسة لترهيب اليمنيين، وتصوير ميليشياته الإيرانية كقوة لا تُقهر».

وأضاف أن تلك الخطبة «تؤكد مرة أخرى أن زعيم الميليشيا الحوثية يعيش حالة من الغيبوبة السياسية، لا يرى ما يحدث من حوله، ولا يدرك حجم الزلزال الذي ضرب المنطقة وأدى إلى سقوط المشروع التوسعي الإيراني، الذي سُخرت له على مدار أربعة عقود الإمكانات البشرية والسياسية والإعلامية والاقتصادية والعسكرية والدينية، وارتداداته القادمة على اليمن بكل تأكيد».

وأشار وزير الإعلام اليمني إلى أن الحوثي بدلاً من الاعتراف بأخطائه وخطاياه، والاعتذار والبحث عن مخرج له ولعصاباته، خرج ليهدد اليمنيين مجدداً بسفك دمائهم، مُكرراً مفردات التهديد والتخويف التي سبق أن استخدمها حسن نصر الله زعيم «حزب الله» ضد اللبنانيين والقوى السياسية اللبنانية.

وتساءل الإرياني بالقول: «ألم يردد حسن نصر الله، زعيم ميليشيا (حزب الله)، نفس الكلمات والوعيد؟ أين هو اليوم؟ وأين تلك (القوة العظيمة) التي وعد بها؟».

خطاب بائس

تحدث وزير الإعلام اليمني عن اقتراب ساعة الخلاص من الانقلاب، ووصف الخطاب الحوثي بـ«البائس»، وقال إنه يعكس واقعاً متجذراً في عقلية التطرف والعنف التي يُروج لها محور طهران، ويُظهر مدى تماهي الحوثي مع المشروع الإيراني المزعزع للأمن والاستقرار في المنطقة، وأضاف: «إن ما يمر به الحوثي اليوم هو مجرد صدى لما مر به نصر الله وغيره من زعماء الميليشيات المدعومة من إيران».

مسلح حوثي خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

ونوّه الإرياني إلى أن البعض كان ينتظر من زعيم الميليشيا الحوثية، بعد سقوط المحور الفارسي والهزيمة المُذلة لإيران في سوريا، التي كانت تمثل العمود الفقري لمشروعها التوسعي في المنطقة، و«حزب الله» خط دفاعها الأول، أن يخرج بخطاب عقلاني يعتذر فيه لليمنيين عن الانقلاب الذي أشعل نار الحرب، وعن نهر الدماء والدمار والخراب الذي خلّفه، وعن الجرائم والانتهاكات التي ارتكبها بحقهم على مدى السنوات الماضية.

وتابع الوزير اليمني بالقول: «على عبد الملك الحوثي أن يعلم أن ساعة الخلاص قد اقتربت، فقد بات اليمنيون الذين عانوا الويلات منذ عقد من الزمان، وسُفكت دماؤهم ونهبت أموالهم، وهُتكت أعراضهم، وشهدوا بأم أعينهم أسوأ أنواع التعذيب والانتهاكات في المعتقلات السرية، أكثر إصراراً من أي وقت مضى على تحرير وطنهم من قبضة ميليشياته الفاشية، ولن يفوتوا هذه اللحظة التاريخية، وسيبذلون الغالي والنفيس لتحرير وطنهم والحفاظ على هويتهم الوطنية والعربية».

مفاجآت سارة

أكد الإرياني أن المستقبل يحمل النصر لليمنيين، وأن الأيام «حبلى بالمفاجآت السارة» - وفق تعبيره - وأن مصير الميليشيات الحوثية لن يكون مختلفاً عن باقي الميليشيات الإيرانية في المنطقة. وشدد الوزير على أن اليمن لن يكون إلا جزءاً من محيطه العربي، وسيظل يقاوم ويواجه الظلم والطغيان والتسلط حتى يستعيد حريته وسيادته، مهما كلف ذلك من تضحيات.

اليمنيون يأملون سقوطاً قريباً لانقلاب الجماعة الحوثية المدعومة من إيران (إ.ب.أ)

وأضاف الوزير بالقول: «الشعب اليمني، الذي دفع ولا يزال أثماناً باهظة في معركة البقاء، لن يتوانى عن دفع المزيد من التضحيات لإعادة وطنه حراً مستقلاً خالياً من النفوذ الإيراني التخريبي، وتحقيق النصر والتحرر والكرامة».

يشار إلى أن الأحداث المتسارعة في سوريا التي قادت إلى سقوط نظام بشار الأسد فتحت باب التطلّعات في اليمن نحو سيناريو مشابه يقود إلى إنهاء انقلاب الجماعة الحوثية المدعومة من إيران بأقل التكاليف، خصوصاً بعد الضربات التي تلقتها طهران في لبنان، وصولاً إلى طي صفحة هيمنتها على دمشق.