أحمد بان: مكتب الإرشاد أقصى معارضي جمال مبارك من التنظيم في 2009

القيادي الإخواني السابق قال لـ «الشرق الأوسط» إن «القطبيين» ضيعوا الجماعة.. و«تركتها لتعذّر جاهزيتها لإدارة دولة»

القيادي الإخواني السابق أحمد بان ({الشرق الأوسط})
القيادي الإخواني السابق أحمد بان ({الشرق الأوسط})
TT

أحمد بان: مكتب الإرشاد أقصى معارضي جمال مبارك من التنظيم في 2009

القيادي الإخواني السابق أحمد بان ({الشرق الأوسط})
القيادي الإخواني السابق أحمد بان ({الشرق الأوسط})

قال القيادي السابق في جماعة الإخوان المسلمين، أحمد بان، إن مكتب إرشاد الجماعة بدأ منذ انتخاباته الداخلية عام 2009 في إقصاء القيادات الإخوانية التي يشتبه في معارضتها لتولي جمال مبارك، نجل الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، حكم مصر خلفا لوالده. وأضاف أن قيادات في التنظيم استخدمت «التزوير ما فوق الناعم» لعرقلة صعود أي شخصيات إخوانية إلى مراكز القرار في التنظيم إذا كانت تعارض ترحيب قيادات الجماعة بـ«توريث الحكم» في ذلك الوقت.
ويدير بان في الوقت الحالي مركزا للدراسات في مبنى بوسط القاهرة مجاور لميداني التحرير وطلعت حرب، بعد أن كان أحد مؤسسي حزب «الحرية والعدالة» التابع للإخوان، وعضو المؤتمر العام للجماعة. وتنتشر في محيط المنطقة اللافتات المؤيدة للدستور الجديد، ومعها لافتات منددة بجماعة الإخوان التي جرى تصنيفها من قبل الحكومة الأسبوع الماضي كـ«جماعة إرهابية».
وكشف بان، الذي عاش داخل التنظيم 20 عاما، عن أن سيطرة تيار «القطبيين» داخل الإخوان هي من ضيعت الجماعة. وتابع قائلا في حوار أجرته معه «الشرق الأوسط» إن الجماعة أصدرت أوامر لأعضائها بتجهيز مخيمات التدريب التربوية للموسم الشتوي، بينما كان ملايين المصريين يخرجون للشوارع في ثورة 25 يناير (كانون الثاني) (كانون الثاني) 2011 التي أطاحت بحكم مبارك.
وانضم بان إلى الإخوان في محافظة القليوبية (شمال القاهرة) ليترأس شعبة هناك، قبل أن يترقى إلى المواقع القيادية بالجماعة، ثم يتركها في استقالة معلنة في مطلع عام 2012 لعدة أسباب متراكمة، منها تردد الإخوان في المشاركة في ثورة يناير، وعدم وجود أي فرص للمناقشة داخل التنظيم، والصدمة التي أصيب بها حين شاهد مستوى نواب الجماعة الذي «لا يمت إلى السياسة بصلة» في أول برلمان بعد ثورة يناير. وإلى أهم ما جاء في الحوار:
* منذ متى انضممت إلى جماعة الإخوان؟
- ارتبطت بالجماعة سنة 1990 في القليوبية. وكان تنظيم الإخوان وقتها شكل هياكله الحركية، الموجودة الآن، وذلك في ما يتعلق بكل المستويات، أي من مكتب الإرشاد إلى المكاتب الإدارية ومجالس المناطق ومجالس الشعب، وذلك كثمرة لجهود بدأت في عام 1982 مع ولاية (المرشد الإخواني الأسبق) محمد حامد أبو النصر رسميا، لكن فعليا كان المرشد وقتها هو مصطفى مشهور.
* يقال إن هذا كان أول بعث جديد للجماعة منذ عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.
- الجماعة بدأت تعمل منذ منتصف عقد السبعينات من القرن الماضي على إعادة إحياء التنظيم. ووصل التنظيم إلى شكله الحالي مع بداية عام 1990. أنا ارتبطت به في ذلك الوقت وكان ما زال تنظيما سريا يعمل تحت الأرض، ولا يحظى بأي وجود قانوني. وحين انضممت إلى الجماعة تصورت أنها يمكن أن تكون رافعة للعمل الوطني الجاد، تنقذ البلاد من حالة الفساد والاستبداد، وحالة التردي القيمي في المجتمع المصري. لكن مع مرور الوقت، وخصوصا منذ عام 2005، بدأت أشعر أن الأمور تحدث فيها خلخلة، ففي هذا العام انتخب 88 نائبا من الإخوان في مجلس الشعب (البرلمان)، وكنت في هذا التوقيت دخلت «اللجنة السياسية» في الجماعة، ثم جرى إعداد لجنة برلمانية لخدمة نواب الجماعة.
* لكن كيف بدأت تشعر أن الأمور فيها «خلخلة»؟
- حين قرأت خطة الجماعة في البرلمان اكتشفت أنها ليست خطة عمل برلماني، وإنما خطة القسم الخاص بنشر دعوة الإخوان والتبشير بأفكار الجماعة من خلال منبر مجلس الشعب، ولا علاقة لها بالعمل السياسي. وأنا كنت ضد هذا، وكان ذلك أول محك بيني وبين التنظيم. كان المطلوب من وجهة نظري أن يقدم نواب الإخوان في برلمان (2005 - 2010) برامج تشتبك مع احتياجات الناس من دون شعارات زاعقة أو رموز تغازل عاطفتهم الدينية. لكن الجماعة كانت تتبع خطا ثابتا، وهو - طوال تاريخها - رفض الاستماع إلا للقيادة. ولا يوجد «أخذ وعطاء (نقاش)» في العلاقة بين الأعضاء والتنظيم. التنظيم كان لا يترك حق الكلام حتى للأفراد إلا في حدود، ولا يؤخذ في الحسبان.
* وكيف تطورت الأمور؟
- من خلال تجربة البرلمان، ومن خلال الكثير من الأحداث الأخرى، اكتشفت أنه لا يوجد عقل داخل هذه الجماعة، التي يمكن أن تصل إلى حكم الدولة، خصوصا أن رياح التغيير كانت بدأت تتحرك في ذلك الوقت، مع الزيارات التي كانت تقوم بها كونداليزا رايس، وزيرة الخارجية الأميركية حينذاك. لكن الجماعة أصرت على الاستمرار ببنيتها التقليدية التي تعتمد على أهل الثقة لا أهل الكفاءة. وظلت تعمل في إطار أشكال احتفالية أكثر منها الإعداد لقيادة دولة.
* لكن الجماعة كان لها وجود في الشارع إلى جانب حركات أخرى ظهرت في ذلك الوقت مثل حركة «كفاية».
- حركة «كفاية» هي التي فتحت الأفق السياسي لفكرة التغيير، وليس التعايش مع نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك. كنا في الإخوان دائما متأخرين خطوة عن حركة «كفاية». طوال الوقت كان لدينا خط أحمر بتجنب المطالبة بإسقاط نظام مبارك. الحديث دائما كان عن إصلاح النظام وليس تغييره. بنية الجماعة نفسها لا ترحب بفكرة الثورة أو التغيير الشامل أو الجذري. ومع حلول عام 2007، وإجراء التعديلات الدستورية آنذاك، بدا أن النظام السياسي حسم خياراته ويجهز لتوريث الحكم (من مبارك لنجله جمال)، وقبلت الجماعة بهذا الأمر وحدث جدل حول الموضوع، وعليه بدأت تحدث تغييرات داخل مكتب الإرشاد من خلال العمل على إبعاد كل العناصر التي تمثل إزعاجا للمجموعة التي لديها اتصالات بالولايات المتحدة وبجهاز أمن الدولة (الأمن الوطني المصري). وعلى هذا جرى تزوير انتخابات مكتب الإرشاد في عام 2009، وإخراج كل العناصر التي تمثل صداعا للقطبيين داخل الجماعة.
* هل كان هناك ما يثبت هذا «التزوير»؟
- يوجد نوعان من التزوير. تزوير خشن وتزوير ناعم. وعند الجماعة يوجد «التزوير فوق الناعم»، بمعنى توجيه الناخبين عن طريق نظام معين من خلال بعض القيادات التي تحظى بكلمة معتبرة داخل التنظيم، مثل القول - في أوساط الإخوان - إن «فلان الفلاني (المطلوب إسقاطه في الانتخابات)، أخ فاضل ربنا يبارك فيه، لكن مشكلته أنه ليس لديه وقت، وأحيانا يتأثر بكلام وسائل الإعلام، وأحيانا يتأثر بالنخب العلمانية ويبدو أن الفكرة (الإخوانية) لم تختمر داخله على نحو كافٍ». وهذا يعني أن فلانا لن يخوض الانتخابات (الداخلية في التنظيم) من الأساس، لأنه أصبحت هناك خشية منه على الدعوة.
* مَن مِن القيادات المعروفة تعرضت لمثل هذا النوع من «التزوير ما فوق الناعم»؟
- جرى صناعة هذا مع الكثير من رموز الجماعة، بدءا من عبد المنعم أبو الفتوح وحتى أصغر إصلاحي. كما أن بعض الرموز الأخرى تركت داخل الجماعة لكي تحسن فقط من مكانة الإخوان إعلاميا لأنها تمتلك القدرة على التفاعل مع النخب العلمانية والنخب السياسية عبر وسائل الإعلام، ولكي تمهد لحالة من حالات القبول وتحسين الصورة الذهنية للجماعة، بينما كان التنظيم ينشط في المحافظات ويقوم بوضع قيادات «قطبية» على كل مفاصل التنظيم بدءا من المكتب الإداري (للمحافظة) حتى مجلس المنطقة، وحتى أصغر وحدة وهي «مجلس الشعبة».
* ما المآخذ على القيادات «القطبية» التي أشرت إلى تمكنها من التنظيم؟
- القيادة القطبية مع حلم الوصول إلى الحكم بأي طريقة، لكنها تستبطن أن هذا المجتمع كافر، أو على الأقل جاهلي. ويرجع تاريخ المجموعة القطبية إلى عام 1965، وحين دخلوا السجون في ذلك الوقت أطلق عليهم «مجموعة تنظيم العشرات» لأنه حكم عليهم بـ10 سنوات في السجن. وخرجوا في عام 1975، وهذه المجموعة هي التي سيطرت على مفاصل المكاتب الإدارية (للإخوان) في مصر، وهي التي سيطرت على أهم لجنة داخل الجماعة وهي «لجنة التربية» لكي تصوغ العقل الجمعي لأفراد الجماعة استنادا إلى أفكار سيد قطب. وسيد قطب لديه فكرة مركزية تدور بين «الحاكمية»، وهي أنه «لا حاكمية إلا لله»، و«الجاهلية» وهي أن «هذا المجتمع ابتعد عن الإسلام»، ومطلوب طليعة (من الإخوان) لتجسيد الإسلام، حتى يقتدي بها المجتمع. ولهذا فإن فكرة التنظيم الحركي، وبدلا من أن تنساب داخل المجتمع، تحولت (بالإخوان) إلى فصيل أو طائفة دينية منعزلة تناصب المجتمع العداء، منذ عام 1965 حتى الآن.
* لكن الجماعة، مع ذلك، ظهرت سياسيا على السطح في عقد السبعينات.
- أجل. هذه المجموعة لجأت منذ ذلك الوقت إلى بعض الأمور الإصلاحية من أجل تسويق صورة ذهنية إيجابية للجماعة، خصوصا منذ ولاية (مرشد الإخوان الأسبق) عمر التلمساني عام 1973، وظهور المجموعة السياسية من الإخوان، خصوصا في الجامعات، في عقد السبعينات، مثل عصام العريان وأبو الفتوح والجزار والدفراوي وغيرهم من القيادات الطلابية في ذلك الوقت. ووضعت الجماعة على قضبان العملية السياسية، لكن مع وفاة التلمساني عام 1986 تعرضت هذه المجموعة لضربة قاصمة وجرى تنحيتها شيئا فشيئا حتى خرجت عن إطار توجيه التنظيم وكانت بعيدة عن تكوين العقل الإخواني، وظلت أقرب إلى «المسهل السياسي» للجماعة.
ومع عام 2010 والتزوير الفج لانتخابات البرلمان، بدا لكل المتابعين أن هناك تحولا خطيرا سيحدث في مصر. وفي هذا التوقيت كمنت الجماعة انتظارا لما سيحدث وترددت في دخول الثورة، وهذا التردد أساء لي وخلف لدي مرارة شديدة. واتصل بي أحد القيادات يوم 24 يناير 2011، وقال لي: نحن لا علاقة لنا بمظاهرات 25 يناير، وإن الجماعة تعد لمعسكرها الشتوي التربوي لأعضاء الإخوان. كان التاريخ يصنع في مصر بينما الجماعة منخرطة في بناء كهوف لأعضائها. وحتى يوم جمعة الغضب 28 يناير 2011 لم تكن صدرت تعليمات لأعضاء الجماعة بالنزول إلى ميدان التحرير، بينما كان الكثير من شباب الإخوان يتوجهون إلى التحرير دون انتظار لتكليفات الجماعة. وبعد ذلك بدأ الإخوان يرسلون متظاهرين للميدان، لكنهم كانوا في نفس الوقت يتفاوضون مع السلطة.
* إذن متى بدأ النزول الفعلي للميادين؟
- لم يبدأ النزول الفعلي إلى المظاهرات إلا يوم 30 يناير 2011 بتكليفات صريحة. وكان لدى الجماعة استعداد للخروج من الميدان في مقابل السماح لهم بحزب سياسي وبحرية العمل للجماعة. لم نعلم بهذا إلا من الأحزاب وائتلافات شباب الثورة التي كانت تتفاوض وقتها مع عمر سليمان (رئيس المخابرات المصرية)، لأننا كنا معزولين عن قيادة الإخوان. وحين انتدبت إلى العمل في القسم السياسي المركزي في الإخوان، بدأت أسمع من قيادات الصف الأول مثل (محمد) البلتاجي و(عصام) العريان، ففوجئت بأنني أتعامل مع أناس براغماتيين جدا يستخدمون الدين كأداة، حتى إن العريان قال في مؤتمر للقسم السياسي (للإخوان) في 19 فبراير (شباط) 2011، في أعقاب تنحي مبارك، إن 90 في المائة ممن يسيرون معنا من تنظيم الإخوان يسيرون معنا بناء على العاطفة بينما نحن لا نعرف إلى أين نسير. وبهذا تكون لدي اعتقاد أنه توجد مجموعة في مكتب الإرشاد ليس لها علاقة بالسياسة ولا تملك الخيال السياسي وليس لديها إدراك للواقع ولتعقيدات الوضع الإقليمي والدولي. هم فقط كانوا قادرين على الرطانة اللطيفة التي تبين للمستمع أن لديهم رؤية، لكن في حقيقة الأمر لم يكن لديهم أي شيء.
* وربما هذا ما تسبب في فشل تجربتهم في الحكم خلال سنة؟
- نعم. ولأسباب كثيرة أخرى. هم لم يكونوا جادين في الانتصار لفكرة الدولة الوطنية الحديثة، والدولة بالنسبة لهم حلقة في مشروع.
* متى تركت جماعة الإخوان؟
- هذا كان قرارا صعبا جدا. استقلت من الجماعة بعد 20 سنة من الانضمام إليها. استقلت فعليا يوم 29 أكتوبر (تشرين الأول) 2011، وعمري 42 سنة. ومن يصل داخل الجماعة إلى هذه السن لا يعتقد أن أمامه فسحة من الوقت لاتخاذ أي قرارات أخرى، وبالتالي إما أن يبقى عاطفيا مع الجماعة وغير قادر على اتخاذ أي مواقف ضدها، وإما أن ينزوي في صمت. وكنت أريد أن أنزوي لكنّ بعضا ممن أثق فيهم أشاروا علي بالتحدث، وعليه قمت بإعلان استقالة مسببة من الجماعة بعد ذلك، قلت فيها إن الجماعة غير معنية بمصر. وأرسلت الجماعة وفدا جلس معي مدة أربع ساعات لإثنائي عن إعلان قرار الاستقالة، قائلين لي إنها يمكن أن تؤثر على موقف الإخوان في الاستحقاقات الانتخابية التي كانت وقتها قادمة في الطريق، خصوصا في الدائرة التي كنت فيها في شمال القاهرة. ووعدوني بالجلوس مع من أريد من القيادات الكبيرة بمن فيهم المرشد. ووافقت، وبعد فوز الإخوان في انتخابات البرلمان في شهر يناير 2012، وحصولهم على نسبة 47 في المائة من المقاعد، جلست أشاهد أولى الجلسات في التلفزيون، فرأيت المصير الخطير للجماعة وللدولة.
* ولماذا تولد لديك هذا الإحساس؟
- تركيبة أعضاء البرلمان كانت تركيبة مخيفة. لم يكونوا رجال دولة. نواب كتلتي الإخوان مع حزب النور لم يكونوا يصلحون لإدارة دولة، ولم يكن يوجد بينهم نواب حقيقيون تحصيهم على أصابع اليدين. وحين جاءت انتخابات الرئاسة عام 2012، حاولنا من خلال ما كان يسمى بلجنة المائة (كانت تضم 100 من المثقفين والنخب) أن نقنع الإخوان بعدم الترشح للرئاسة. وحاولنا أن نقول للرئيس السابق محمد مرسي أن يتنازل (للمرشحين السابقين وقتها) حمدين صباحي أو عبد المنعم أبو الفتوح، لكن الجماعة كانت مصرة على السير في هذا الاتجاه، لأنه كان لديها تطمينات من الجانب الأميركي. ومرسي كان موظفا لدى الجماعة يجيد سماع تعليمات الإخوان.
* كثيرا ما يجري التطرق إلى علاقة الإخوان بالأميركيين. هل ترى أن هذا حقيقي؟
- تستطيع أن ترصد اجتماعات جرت بين الجانبين منذ عام 2007. ويوجد رصد لكل الاجتماعات العلنية والسرية التي جرت بين ممثلين للولايات المتحدة وجماعة الإخوان في تركيا وغيرها، وجرى فيها وضع الفكرة الرئيسة للتوظيف المتبادل بين الأميركيين من جانب والإخوان في تركيا ومصر وتونس من الجانب الآخر. ولمن يريد أن يتعامل مع المآلات فإنها تقول بوضوح إن الجماعة كانت تحتفظ بعلاقات جيدة جدا مع الولايات المتحدة. طالع ابتسامة المرشد في لقاءاته مع السفيرة الأميركية لدى مصر في ذلك الوقت، ومستوى الحميمية في العلاقات، مقابل تجهمه في وجوه شباب الإخوان، ستجد الفارق.
* ما علاقة جماعة الإخوان بالجمعيات الخيرية التي قررت الحكومة تجميد أرصدة نحو ألف منها الأسبوع الماضي؟
- قامت جماعة الإخوان بتوظيف شبكة العلاقات الاجتماعية بالاتصال مع المجموعات الدينية الأخرى مثل الجمعية الشرعية وأنصار السنة وغيرهما. وجماعة الإخوان تمكنت من توظيف الكثير من مثل هذه الجمعيات لصالحها. حين تترك الدولة فراغا في الاحتياجات الاجتماعية فلا يجب أن تلوم أحدا على أنه ملأ هذا الفراغ، بل يجب على الدولة أن تلوم نفسها. وقد وظفت جماعة الإخوان هذا الفائض المالي في العمل الخيري لصالحها، ومن بينها جمعيات تعود نشأتها لمائة سنة مضت، أي أنها أقدم من نشأة الإخوان. ومن يظهر في الصورة في تقديم الخدمات للمحتاجين يحصل على أصواتهم في الانتخابات، كما حدث مع الجماعة وباقي التيارات الدينية.
* هل يمكن لتصنيف الإخوان كـ«جماعة إرهابية» أن يقلم أظافرها أو يجبرها على الدخول في تفاهمات مع الدولة؟
- الجماعة تاريخيا راكمت كل الخبرات تحت مظلة غياب المشروعية القانونية. فما الجديد؟ وما الفرق عن كونها جماعة منحلة أو محظورة (كما كان في الماضي)؟ النتيجة واحدة. أنت أمام فصيل لا يقل هيكله الإداري عن 50 ألف شخص، أي أنه يوجد للجماعة 30 مكتبا إداريا على مستوى المحافظات، يتبعها 230 منطقة، وهذه الأخيرة يتبعها 2000 شعبة على مستوى الجمهورية، أي أنك أمام 50 ألفا في الجماعة و5 آلاف في الحزب (الحرية والعدالة). فهل في إمكان الدولة أن تلقي القبض على 55 ألفا وتحاكمهم؟ لذلك أرى أن قرار تصنيف الجماعة كجماعة إرهابية يصعب تطبيقه.
* ما علاقة الإخوان بالتنظيمات المتشددة، حيث إن البعض يذهب إلى أن لها تعاونا مع تنظيم القاعدة، خصوصا في ليبيا؟
- تاريخيا، جماعة الإخوان أول جماعة سلكت طريق العنف، بتأسيسها للنظام الخاص عام 1940 الذي لم تعرف حقيقته إلا عام 1948 عند القبض على سيارة الجيب الشهيرة التي كشفت القضية. وتوالت أحداث العنف والاغتيالات بعد ذلك، لكن الجماعة أيقنت أن هذا المسار مغلق في عام 1966 مع آخر الإعدامات التي طالت سيد قطب ومن معه، لكن خرجت مجموعات أخرى بدأت تنشط منذ عقد السبعينات مع حادثة الفنية العسكرية ثم اغتيال الشيخ الذهبي ثم اغتيال الرئيس محمد أنور السادات، وبعدها الموجة التي ضربت مصر في الثمانينات والتسعينات على يد جماعة الجهاد والجماعة الإسلامية، لكن حتى غالبية قيادات هذه الجماعات قدمت مراجعات حقيقية (بنبذ العنف) منذ عام 1995، أما القيادات الأخرى فلجأت إلى الاتصال بأيمن الظواهري (تنظيم القاعدة)، وهي التي تنشط الآن سواء في سيناء أو في الوادي. والقوى الأكبر الموجودة منها اليوم «أنصار بيت المقدس»، وهي نتاج تزاوج بين مائة عنصر من عناصر ألوية الناصر صلاح الدين، وهو تنظيم فلسطيني في غزة، مع «التوحيد والجهاد» في سيناء. وخرج عنه أيضا خلية أخرى أكثر تدريبا هي «كتائب الفرقان» وهي الأخطر. وفي هذا التوقيت قامت السلطات المصرية بضرب تجارة الأنفاق وتجارة السلاح (بين سيناء وغزة)، فخرج حلف مقدس بين تجار الأنفاق وتجار السلاح والمجموعات التكفيرية، وهؤلاء يسعون لإنهاك الدولة المصرية، حتى تعود تجارتهم لسيرتها الأولى. وهذا يصب في نفس السيناريو الذي تعمل عليه جماعة الإخوان وهو إنهاك الدولة. أنت اليوم أمام حالة تقاطع مصالح. وجهات التحقيق والقضاء هي من تقول إن كان هذا يحدث بتنسيق أو بتعاطف بين تلك المجموعات وجماعة الإخوان، أم لا.



«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
TT

«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)

ما زال حزب «الجبهة الوطنية» المصري الجديد يثير انتقادات وتساؤلات بشأن برنامجه وأهدافه وطبيعة دوره السياسي في المرحلة المقبلة، خاصة مع تأكيد مؤسسيه أنهم «لن يكونوا في معسكر الموالاة أو في جانب المعارضة».

وكان حزب «الجبهة الوطنية» مثار جدل وتساؤلات في مصر، منذ الكشف عن اجتماعات تحضيرية بشأنه منتصف الشهر الماضي، انتهت بإعلان تدشينه في 30 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وتمحورت التساؤلات حول أسباب ظهوره في هذه المرحلة، وهل سيكون بديلاً لحزب الأغلبية في البرلمان المصري (مستقبل وطن)، لا سيما أن مصر مقبلة على انتخابات برلمانية نهاية العام الجاري.

هذه التساؤلات حاول اثنان من مؤسسي الحزب الإجابة عنها في أول ظهور إعلامي مساء السبت، ضمن برنامج «الحكاية» المذاع على قناة «إم بي سي»، وقال وكيل مؤسسي حزب «الجبهة الوطنية» ووزير الإسكان المصري السابق عاصم الجزار، إن «الحزب هو بيت خبرة هدفه إثراء الفكر وإعادة بناء الوعي المصري المعاصر»، مؤكداً أن الحزب «لا يسعى للأغلبية أو المغالبة، بل يستهدف التأثير النوعي وليس الكمي».

وأضاف: «هدفنا تشكيل تحالف من الأحزاب الوطنية القائمة، إذ لن نعمل وحدنا»، معلناً استعداد الحزب الجديد، الذي لا يزال يستكمل إجراءات تأسيسه رسمياً، للتحالف مع «أحزاب الأغلبية مستقبل وطن وحماة وطن والمعارضة والمستقلين أيضاً بهدف خدمة المصلحة الوطنية»، مستطرداً: «لن نكون أداة لتمرير قرارات، بل أداة للإقناع بها».

وشدد الجزار على أن «الحزب لا ينتمي لمعسكر الموالاة أو للمعارضة»، وإنما «نعمل لمصلحة الوطن».

وهو ما أكده رئيس «الهيئة العامة للاستعلامات» بمصر وعضو الهيئة التأسيسية لحزب «الجبهة الوطنية»، ضياء رشوان، الذي قال: «سنشكر الحكومة عندما تصيب ونعارضها عندما تخطئ»، مشيراً إلى أن «مصر ليس لها حزب حاكم حتى يكون هناك حديث عن موالاة ومعارضة».

الانتقادات الموجهة للحزب ارتبطت بتساؤلات حول دوره في ظل وجود نحو 87 حزباً سياسياً، وفق «الهيئة العامة للاستعلامات»، منها 14 حزباً ممثلاً في البرلمان الحالي، يتصدرها حزب «مستقبل وطن» بأغلبية 320 مقعداً، يليه حزب «الشعب الجمهور» بـ50 مقعداً، ثم حزب «الوفد» بـ39 مقعداً، وحزب «حماة الوطن» بـ27 مقعداً، وحزب «النور» الإسلامي بـ11 مقعداً، وحزب «المؤتمر» بـ8 مقاعد.

ورداً على سؤال للإعلامي عمرو أديب، خلال برنامج «الحكاية»، بشأن ما إذا كان الحزب «طامحاً للحكم ويأتي بوصفه بديلاً لحزب الأغلبية»، قال رشوان: «أي حزب سياسي يسعى للحكم، لكن من السذاجة أن نقول إن حزباً يعمل على إجراءات تأسيسه اليوم سيحصد الأغلبية بعد 8 أو 10 أشهر»، مشيراً إلى أن «الحزب لن يعيد تجارب (الهابطين من السماء)». واستطرد: «لن نسعى للأغلبية غداً، لكن قد يكون بعد غد».

وأضاف رشوان أن «الحزب يستهدف في الأساس إعادة بناء الحياة السياسية في مصر بعد فشل تجربة نظام الحزب الواحد في مصر منذ عام 1952»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إحياء تحالف 30 يونيو (حزيران)»، لافتاً إلى أن «التفكير فيه هو ثمرة للحوار الوطني الذي أثار زخماً سياسياً».

طوال ما يزيد على ساعة ونصف الساعة حاول الجزار ورشوان الإجابة عن التساؤلات المختلفة التي أثارها إعلان تدشين الحزب، والتأكيد على أنه «ليس سُلمة للوصول إلى البرلمان أو الوزارة»، وليس «بوابة للصعود»، كما شددا على أن «حزب الجبهة يضم أطيافاً متعددة وليس مقصوراً على لون سياسي واحد، وأنه يضم بين جنباته المعارضة».

وعقد حزب «الجبهة الوطنية» نحو 8 اجتماعات تحضيرية على مدار الأسابيع الماضي، وتعمل هيئته التأسيسية، التي تضم وزراء ونواباً ومسؤولين سابقين، حالياً على جمع التوكيلات الشعبية اللازمة لإطلاقه رسمياً.

ويستهدف الحزب، بحسب إفادة رسمية «تدشين أكبر تحالف سياسي لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، عبر صياغة تفاهمات سياسية واسعة مع الأحزاب الموجودة»، إضافة إلى «لمّ الشمل السياسي في فترة لا تحتمل التشتت».

ومنذ إطلاق الحزب تم ربطه بـ«اتحاد القبائل والعائلات المصرية» ورئيسه رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، حتى إن البعض قال إن «الحزب هو الأداة السياسية لاتحاد القبائل». وعزز هذه الأحاديث إعلان الهيئة التأسيسية التي ضمت رجل الأعمال عصام إبراهيم العرجاني.

وأرجع الجزار الربط بين الحزب والعرجاني إلى أن «الاجتماعات التحضيرية الأولى للحزب كانت تجري في مكتبه بمقر اتحاد القبائل؛ كونه أميناً عاماً للاتحاد»، مؤكداً أن «الحزب لا علاقة له باتحاد القبائل». وقال: «العرجاني واحد من عشرة رجال أعمال ساهموا في تمويل اللقاءات التحضيرية للحزب». وأضاف: «الحزب لا ينتمي لشخص أو لجهة بل لفكرة».

وحول انضمام عصام العرجاني للهيئة التأسيسية، قال رشوان إنه «موجود بصفته ممثلاً لسيناء، ووجوده جاء بترشيح من أهل سيناء أنفسهم».

وأكد رشوان أن «البعض قد يرى في الحزب اختراعاً لكتالوج جديد في الحياة السياسية، وهو كذلك»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إعادة بناء الحياة السياسية في مصر التي يقول الجميع إنها ليست على المستوى المأمول».

بينما قال الجزار: «نحن بيت خبرة يسعى لتقديم أفكار وحلول وكوادر للدولة، ونحتاج لكل من لديه القدرة على طرح حلول ولو جزئية لمشاكل المجتمع».

وأثارت تصريحات الجزار ورشوان ردود فعل متباينة، وسط تساؤلات مستمرة عن رؤية الحزب السياسية، التي أشار البعض إلى أنها «غير واضحة»، وهي تساؤلات يرى مراقبون أن حسمها مرتبط بالانتخابات البرلمانية المقبلة.

كما رأى آخرون أن الحزب لم يكن مستعداً بعد للظهور الإعلامي.

بينما أشار البعض إلى أن «الحزب ولد بمشاكل تتعلق بشعبية داعميه»، وأنه «لم يفلح في إقناع الناس بأنه ليس حزب موالاة».

وقال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور عمرو الشوبكي لـ«الشرق الأوسط» إن «الحزب قدم حتى الآن كلاماً عاماً دون تصور أو رؤية واضحة للإصلاح التدريجي»، موضحاً أنه «من حيث المبدأ من حق أي جماعة تأسيس حزب جديد».

وبينما أكد الشوبكي أن ما عرضه المسؤولون عن الحزب الجديد بشأن «عدم طموحه للحكم لا يختلف عن واقع الحياة السياسية في مصر الذي يترك للدولة تشكيل الحكومة»، مطالباً «بتفعيل دور الأحزاب في الحياة السياسية»، فالمشكلة على حد تعبيره «ليست في إنشاء حزب جديد، بل في المساحة المتاحة للأحزاب».