مؤسسة دوريس ديوك في هاواي.. وعشق للتراث الإسلامي

على مسافة ثلاثة أميال من بلاج واكيكي في مدينة هونولولو في هاواي، واحد من أجمل وأشهر البلاجات في العالم، وبعيدا عن الصخب والازدحام والضجيج، يقع في مكان هادئ أكبر مركز خاص للتراث الإسلامي في الولايات المتحدة.
بنته دوريس ديوك، التي توفيت قبل 20 عاما، وكانت ورثت مئات الملايين من الدولارات من والدها، المزارع والمصنّع وتاجر التبغ في ولاية نورث كارولينا، وهو صاحب ماركة سجائر باسمه، ومؤسس جامعة باسمه. وأوصت بعد وفاتها بتخصيص جانب كبير من ثروتها (مليار ونصف مليار دولار) للنشاطات الخيرية.
وبقدر ما كان والدها اجتماعيا ونشطا، كانت هي انطوائية وتتحاشى الأضواء، غير أنها اهتمت بجمع الآثار الفنية من مختلف أنحاء العالم، خصوصا ذات المعاني الروحية، ورغم أنها ركزت على الروحانيات البوذية والهندوسية (دعمت جماعة «هاري كريشنا» الهندوسية، التي صار لها، في الوقت الحاضر، مراكز في مائة دولة تقريبا)، فإنها اهتمت، أيضا، بالتراث الإسلامي.
منها قصر «شانغريلا» في هاواي (معنى الكلمة «الجنة» في أسطورة هندوسية في جبال الهيمالايا، خلدها كتاب غربي بنفس الاسم) الذي بُني في الفترة ما بين 1936 - 1938. وربما نبع حب دوريس ديوك للفن الإسلامي من فترة قضتها في مصر وهي صبية؛ حيث تطوعت للعمل هناك، وحلقت وتجولت، وهي صحافية، في كثير من الدول الإسلامية، وتخصصت، عندما تركت الصحافة، في جمع الآثار، ومنها آثار إسلامية وضعتها في قصرها بهاواي.
قبل وفاتها، كتبت في وصيتها عن رصد جزء من المليار ونصف مليار التي ستتركها للاستمرار في جمع مقتنيات إسلامية لإضافتها إلى القصر - المتحف. وهكذا، تأسست مؤسسة دوريس ديوك للفن الإسلامي، وتهدف إلى «تطوير، ودراسة، وفهم الفنون والثقافات الإسلامية».
من داخل رئاسة المؤسسة في نيويورك، يقوم برنامج «بلدينغ بريدجز» (بناء كباري) بمهمة «زيادة فهم الناس للمجتمعات الإسلامية الحديثة عن طريق الفنون».
وتشير ديباجة المؤسسة إلى أهمية (خاصة بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) عام 2001، وإعلان الرئيس السابق بوش ما يسمى بـ«الحرب ضد الإرهاب») توعية الشعب الأميركي بالإسلام والمسلمين، ليس برعاية برامج سياسية، أو القيام بنشاطات تنظيمية فقط، ولكن أيضا بالتركيز على نشر الفنون الإسلامية، وجاء في الديباجة: «يبلغ عدد المسلمين في كل العالم مليارا ونصف مليار تقريبا، ويعيش منهم خمسة ملايين تقريبا في الولايات المتحدة، لكن، حسب الاستطلاعات، قالت نسبة 63 في المائة إنهم يعرفون قليلا، أو لا يعرفون، أي شيء عن الإسلام، وقالت نسبة 59 في المائة إنهم لا يعرفون أي مسلم معرفة شخصية، وقالت نسبة 65 في المائة إن رأيهم في الإسلام، أو المسلمين، سلبي».
وتشمل نشاطات المؤسسة تقديم منح، وتنظيم معارض، وجمع مقتنيات، وتبادل أساتذة وطلاب، والتعاون مع المعارض والمؤسسات الأخرى التي تهتم بتراث الإسلام.
وفي بداية هذا العام، وضعت المؤسسة خطة العام الجديد، وتشمل توزيع مليون ونصف مليون دولار على معاهد ومتاحف ومنظمات تعمل في هذا المجال، ولا يشمل هذا جهود متحف وقصر «شانغريلا» في هاواي، الذي يرسل مندوبين إلى دول إسلامية، وغير إسلامية، لإضافة مزيد من المقتنيات هناك، ويخطط المتحف لإضافة مبان، وفتح أجنحة، وجمع مقتنيات، ليكون «أكبر متحف للفنون الإسلامية، ليس فقط في الولايات المتحدة، ولكن في كل العالم». ويضم مركز دوريس ديوك أكبر مجموعة إسلامية خاصة في الولايات المتحدة (حيث كانت هي أغني امرأة في العالم عندما توفيت).
جمعت دوريس ديوك خلال 60 عاما مجموعة قيمة من القطع الإسلامية وصل عددها إلى 2500 قطعة، بعضها دخل ضمن معمار المبنى مثل الخزف الإيراني والأسقف الخشبية المنقوشة المصنوعة في المغرب، إضافة إلى المنسوجات وقطع السجاد. ويذكر موقع المركز أن ديوك زارت خلال زياراتها إلى الشرق الأوسط مواقع تاريخية كثيرة والتقطت صورا فوتوغرافية لتلك الأماكن، وعند بنائها للمركز قامت بإمداد المعماريين بتلك الصور ليتميز المركز بنفس التفاصيل المعمارية والزخرفية العتيقة. قامت أيضا بتكليف عاملين وحرفيين في الهند والمغرب وإيران وسوريا لتنفيذ بعض القطع الفنية وعناصر الديكور التي تتميز بالطابع التراثي لهذه البلدان. ويلاحظ زوار المبنى التزاوج بين العناصر الجمالية الإسلامية وبين عناصر العمارة المعاصرة.
في الوقت الحاضر، صار القصر جزءا من مجموعة متاحف هاواي. ويعد من أكثر متاحف الولاية جذبا للزوار، وخصوصا بعد فتح غرفة نوم دوريس ديوك للرواد، وهي مصممة على صورة تاج محل في الهند، وهو معلم زارته كثيرا.