طلاب الأزهر يؤدون الامتحانات تحت نيران المولوتوف وقنابل الغاز

عميدة «الدراسات الإسلامية» لـ «الشرق الأوسط»: نسبة الحضور طبيعية

طلاب كلية التجارة بالأزهر ينتظرون تحديد موعد امتحاناتهم بعد حرق مقر الكلية («الشرق الأوسط»)
طلاب كلية التجارة بالأزهر ينتظرون تحديد موعد امتحاناتهم بعد حرق مقر الكلية («الشرق الأوسط»)
TT

طلاب الأزهر يؤدون الامتحانات تحت نيران المولوتوف وقنابل الغاز

طلاب كلية التجارة بالأزهر ينتظرون تحديد موعد امتحاناتهم بعد حرق مقر الكلية («الشرق الأوسط»)
طلاب كلية التجارة بالأزهر ينتظرون تحديد موعد امتحاناتهم بعد حرق مقر الكلية («الشرق الأوسط»)

تحت نيران «المولوتوف» (الزجاجات الحارقة) ودخان قنابل الغاز المسيل للدموع الممزوج بطلقات الخرطوش، يلهث طلاب جامعة الأزهر لحضور امتحانات نصف العام الدراسي. تلك الامتحانات التي تجري حاليا وسط صراع عنيف بين جماعة الإخوان التي تصر على تعطيل الدراسة من أجل الزعم بـ«عجز» الدولة، وسلطة متمسكة باستمرار الدراسة لتأكيد «هيبتها». ويداوم الطلاب وسط ذلك الصراع، رغم خسائر الأرواح والمنشآت المتزايدة يوميا.
وقضت محكمة القاهرة للأمور المستعجلة، أمس، بحظر المظاهرات الطلابية داخل الجامعات المصرية إلا بإخطار رسمي من رئيس الجامعة. لكن، يبدو أن طلاب «الإخوان» بالأزهر لا يلتفتون كثيرا إلى مثل هذه القرارات، وقرروا الاستمرار في دعوات الإضراب ومحاولة منع الطلاب الآخرين عن أداء الامتحانات، مما أدخلهم في مواجهات يومية عنيفة مع قوات الأمن داخل الجامعة، خلفت عددا من القتلى، وجرى اعتقال المئات من الطلاب، وفصل أكثر من 60 طالبا. وينادي طلاب «الإخوان» بوقف الدراسة وتأجيل امتحانات نصف العام، التي بدأت السبت الماضي، لحين الإفراج عن زملائهم المعتقلين، والقصاص للقتلى، ومنع قوات الشرطة من الوجود داخل حرم الجامعة. وخلال الأيام الماضية، جرى إضرام النيران في كليات التجارة والزراعة والعلوم، بالإضافة للمبنى الإداري الرئيس، وجرى تحطيم الكثير من قاعات الدراسة لوقف الامتحانات. لكن دعوات الإضراب عن الدراسة هذه والاشتباكات المستمرة بين الشرطة وطلاب «الإخوان» فشلت حتى الآن في إثناء عشرات الآلاف من الطلاب عن التوجه لأداء امتحاناتهم رغم الصعوبات التي يواجهونها. يقول الدكتور أسامة العبد، رئيس الجامعة، لـ«الشرق الأوسط»: «الامتحانات مستمرة في المواعيد المخصصة لها دون توقف»، لحجب الفرصة عن من وصفهم بـ«مثيري الشغب»، لتعطيل العملية الدراسية، مبررا وجود قوات الشرطة الدائم بأنه «لحماية الطلاب من أي محاولة اعتداء». كما أكدت الدكتورة مهجة غالب، عميدة كلية الدراسات الإسلامية (بنات)، لـ«الشرق الأوسط»، أن «نسبة حضور الطلاب الامتحانات تأتي في معدلاتها الطبيعية، رغم ما نشهده من عنف ومحالات تخريب، ولم تلق دعوات (الإخوان) أي استجابة».
وتضيف: «منذ بداية الدراسة بالجامعة وهم (طلبة الإخوان) يحاولون بشتى الطرق تعطيلها بناء على مخطط وضعته الجماعة، لكن يجب أن يعلم الجميع أن الأزهر مؤسسة تعليمية لن ينجح تنظيم الإخوان في تسييسها لصالح صراعهم ولن نسمح بذلك.. الدراسة والامتحانات ستستمر وستفشل كل مخططاتهم لهدم الجامعة».
ويواجه الطلاب الراغبون في حضور الامتحانات إجراءات تفتيش صارمة من جانب الأمن، خوفا من دخول أسلحة. وفي جولة لـ«الشرق الأوسط» بالجامعة، عرض ضباط الأمن عددا من الأسلحة البدائية وقنابل المولوتوف التي جرى ضبطها بحوزة بعض الطلاب قبل استخدامها. ومن بين المضبوطات ألعاب نارية ومطاو وسنج (أسلحة بيضاء) وأدوات حادة صغيرة توضع على الأرض وتستخدم لعرقلة سير مدرعات الشرطة. وتوضح ياسمين صالح، طالبة بالفرقة الرابعة بكلية الدراسات الإسلامية، المعاناة التي تلقاها أثناء حضورها الامتحان، قائلة: «أنا لا أنتمي إلى أي فصيل سياسي، وغير مهتمة بهذا الصراع. لكن هذه الأجواء لا تصلح أبدا للدراسة، المظاهرات في كل مكان والشرطة تحاصر الطلاب لفضها، ونحن نذهب للجامعة لا نعلم إذا كان هناك امتحان سيجرى أم لا». وتضيف: «الطلاب الآن أصبحوا بين سندان (الإخوان) ومطرقة الحكومة، وأنا أعتقد أن هناك مبالغات من الطرفين». وتضيف إسراء محمود، الطالبة بالجامعة: «بسبب الخوف من الأذى لم أحضر الدراسة منذ بدايتها. لكنني مضطرة الآن لأن أذهب إلى الامتحان من أجل مستقبلي. ورغم أنني لست مع جماعة الإخوان، فإن اعتقال المتظاهرين أمر يستثير مشاعري وأتعاطف معه».
وأمام أبواب الجامعة التي تحتل مساحة شاسعة من حي مدينة نصر (شرق القاهرة)، يقف عشرات الآباء والأمهات في انتظار خروج أبنائهم من الامتحانات: «في مشهد نراه فقط أمام المدارس الابتدائية»، كما تقول فاطمة محمد، وهي والدة إحدى الطالبات. وتضيف السيدة: «ابنتي أصرت على حضور الامتحان رغم اعتراضي خوفا على حياتها بسبب عنف المظاهرات، فرفضت أن تحضر إلا وأنا معها حتى يطمئن قلبي».
ويتابع محمود رضا، الجالس بجوارها في انتظار ابنته أيضا: «لا أعلم إلى متى ستستمر هذه الأمور، نحن لسنا مع الحكومة ولا مع (الإخوان). أرسلنا أبناءنا لكي يتلقوا العلم، لا كي يدخلون في مواجهات مسلحة». ويحاول طلاب «الإخوان» إيقاف الامتحانات بشتى الطرق، ومن بين تلك الطرق الاعتصام داخل مباني الكلية، وحرق أوراق الإجابات، وغلق أبواب اللجان بالجنازير. وبينما يقومون بذلك يرفعون شعارات تقول إنهم لن يدخلوا الامتحانات إلا إذا جرى الإفراج عن زملائهم. وعلى أسوار الجامعة الممتدة على مساحة عشرات الأفدنة، تنتشر دعوات المقاطعة والتنديد بالحكومة، وكذلك مطالبات بإقالة شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب وكذلك رئيس جامعة الأزهر. وأمام المدينة الجامعية المجاورة للجامعة، هناك صراع ليلي مستمر بين الطلاب وقوات الأمن المرابطة بالخارج. حيث يرشق الطلاب الأمن بالحجارة والألعاب النارية، وترد عليهم الأخيرة بقنابل الغاز وطلقات الخرطوش. وهو الأمر الذي أثار سكان الحي فانضموا إلى الشرطة في مواجهة شغب طلاب «الإخوان».
ورغم تعاطف بعض طلاب الجامعة مع زملائهم المعتقلين، فإنهم يرفضون فكرة مقاطعة الامتحانات. ويقول الطالب محمود سالم، بالفرقة الثالثة في كلية التربية: «أعتقد أن الشرطة كان يمكنها تجنب كل هذه الخسائر. لكن من الصعب أن أستجيب لدعوات مقاطعة الامتحانات، فهذا يعني رسوبي وفقدان سنة من عمري. أنا قادم من مدينة أسوان (جنوب البلاد) وأنتظر تخرجي بفارغ الصبر من أجل الانخراط في سوق العمل».
واعتاد طلاب «الإخوان» في جامعة الأزهر التظاهر يوميا منذ بدء الدراسة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، للمطالبة بعودة الرئيس المعزول محمد مرسي ورفض السلطة الحالية. وفي الشهر الماضي، أمرت محكمة بسجن 12 من هؤلاء الطلاب لمدة 17 سنة بتهمة ارتكاب أعمال عنف. وشدد المجلس الأعلى للجامعات الجمعة الماضية على أن قرار مجلس الوزراء بشأن جماعة الإخوان المسلمين، وإعلانها جماعة إرهابية، سوف يجري تطبيقه على مظاهرات طلاب الجماعة داخل الجامعات، وأنه سيجري السماح لقوات الشرطة بالوجود داخل الحرم الجامعي خلال فترة الامتحانات.
وكانت جامعة الأزهر أعلنت تأجيل بعض الامتحانات بكليتي التجارة والإعلام. وأمام مبنى كلية التجارة المحترق، يقف مئات الطلاب على أمل إجراء الامتحان. لكن طالبا في الفرقة الأولى في كلية التجارة يدعى وحيد، وهو من المنتمين لـ«الإخوان»، يقول: «لن تقام الامتحانات إلا على جثثنا.. على هؤلاء الطلاب أن يفكروا في زملائهم». إلا أن الدكتور جاد الرب أمين، عميد كلية الدراسات الإسلامية (بنين)، قال لـ«الشرق الأوسط» إن «الجامعة وفرت للطلاب المحبوسين لجانا خاصة لأداء الامتحانات بالتنسيق مع الجهات الأمنية»، مشيرا إلى أن الجامعة «تحمي الطلاب وأكثر حرصا على مستقبلهم التعليمي».
ويدرس بالجامعة مئات الوافدين من جميع الدول الإسلامية. عبد الله، وهو طالب بكلية الدعوة من إندونيسيا، يقول: «نحن كطلاب وافدين لا نشترك في السياسة المصرية، وجئنا فقط لندرس تعاليم الإسلام واللغة العربية في أكبر جامعة إسلامية بالعالم. وأتمنى أن تبتعد الصراعات والاشتباكات من هنا كي نستطيع أن نحصل دروسنا».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم