احتجاجات زيمبابوي تتحول إلى انتفاضة ضد الرئيس منانغاغوا

ورث الرئيس منانغاغوا الذي تولى الحكم منذ استقالة روبرت موغابي أواخر 2017 بلداً يواجه وضعاً اقتصادياً ومالياً كارثياً مع نقص حاد على صعيد السيولة وتضخم متسارع (أ.ب)
ورث الرئيس منانغاغوا الذي تولى الحكم منذ استقالة روبرت موغابي أواخر 2017 بلداً يواجه وضعاً اقتصادياً ومالياً كارثياً مع نقص حاد على صعيد السيولة وتضخم متسارع (أ.ب)
TT

احتجاجات زيمبابوي تتحول إلى انتفاضة ضد الرئيس منانغاغوا

ورث الرئيس منانغاغوا الذي تولى الحكم منذ استقالة روبرت موغابي أواخر 2017 بلداً يواجه وضعاً اقتصادياً ومالياً كارثياً مع نقص حاد على صعيد السيولة وتضخم متسارع (أ.ب)
ورث الرئيس منانغاغوا الذي تولى الحكم منذ استقالة روبرت موغابي أواخر 2017 بلداً يواجه وضعاً اقتصادياً ومالياً كارثياً مع نقص حاد على صعيد السيولة وتضخم متسارع (أ.ب)

تباطأت الحركة في المدن الرئيسية في زيمبابوي إذ توقفت فيها وسائل النقل المشترك وأقفلت المحال التجارية، وتعرضت أعداد كبيرة من المتاجر للنهب والسلب، وأحرق سكان غاضبون مباني وسيارات. وقد اندلعت مظاهرات عنيفة منذ الاثنين في كل أنحاء البلاد، خصوصا في هراري وبولاوايو (جنوب)، المدينة الثانية في البلاد ومعقل المعارضة.
وأوقف القس إيفان مواريري رمز المعارضة في زيمبابوي الأربعاء، في اليوم الثالث من إضراب عام واسع احتجاجا على ارتفاع أسعار المحروقات، الذي تحول إلى انتفاضة سياسية ضد الرئيس إيمرسون منانغاغوا. ودعت أبرز نقابة في زيمبابوي إلى إضراب عام يستمر ثلاثة أيام، بعد إعلان الرئيس إيمرسون منانغاغوا مساء السبت عن رفع كبير لأسعار المحروقات في بلد دمرته الأزمة الاقتصادية.
وواجهت قوى الأمن بقسوة المحتجين. وذكرت منظمات غير حكومية أن الشرطة أطلقت الرصاص الحي على المتظاهرين وأوقعت ما بين 5 و8 قتلى، إضافة إلى عدد آخر من الجرحى الذين أصيب بعض منهم بجروح خطرة. وأكدت المتحدثة باسم الشرطة شاريتي شارامبا الثلاثاء مقتل ثلاثة أشخاص، أحدهم شرطي، مشيرة إلى أن 200 شخص على الأقل قد أوقفوا.
واعتبرت ديوا ماهفينغ المتحدثة باسم هيومن رايتس ووتش، أن «المسؤولين عن استخدام القوة القاتلة، يجب أن يخضعوا للتحقيق ويُحاسَبوا»، مشيرة إلى «الإفراط في استخدام القوة». وشجب مجمع الكنائس الأربعاء «استخدام العنف والتخويف ضد من يمارسون حقوقهم الديمقراطية وحرياتهم الأساسية». وكان القس مواريري، حامل لواء المظاهرات المعارضة للنظام في 2016 أوقف صباحا من منزله بهراري. وقالت محاميته بياتريس متيتوا لوكالة الأنباء الألمانية «يؤكدون أنه حرض على العنف... عبر (تويتر) وشبكات التواصل الاجتماعي».
ومواريري، المعروف بانتقاداته لنظامي روبرت موغابي وخلفه إيمرسون منانغاغوا، زاد من دعواته إلى الإضراب. وكتب الأحد على «تويتر» «حان الوقت لتعبئة جميع الذين يحبون زيمبابوي فعلا». وذكرت وزيرة الإعلام مونيكا موتسفانغوا أن «هذه الأحداث ليست عفوية على الإطلاق، وهي هجمات متعمدة ضد الزيمبابويين المسالمين». وأضافت أن «محاولات إسقاط الحكومة... ستفشل». وما زال الوصول إلى شبكات التواصل الاجتماعي محدودا جدا الأربعاء في زيمبابوي، لليوم الثاني على التوالي. ونفى نائب الرئيس كونستانتينو شيفينغا الثلاثاء إصدار أمر الثلاثاء بقطع شبكة الإنترنت. لكن شركة إيكونت أصدرت بعد ذلك إعلانا يؤكد أنها اضطرت إلى ذلك «بناء على أمر من وزير الدولة لدى الرئاسة...».
ولليوم الثالث، بقي قسم كبير من المتاجر والشركات الأربعاء مغلقاً في وسط هراري وبولاوايو، ولا تزال خدمة النقل العام معطلة.
في بولاوايو، يقوم جنود مسلحون ببنادق رشاشة بدوريات في الشوارع، ويوقفون السيارات القليلة المارة ويفتشونها، كما ذكر مراسل لوكالة الصحافة الفرنسية.
ورث منانغاغوا الذي تولى الحكم منذ استقالة روبرت موغابي أواخر 2017 بلدا يواجه وضعا اقتصاديا وماليا كارثيا، مع نقص حاد على صعيد السيولة وتضخم متسارع.
وسجلت الأزمة مزيدا من التدهور في الأشهر الأخيرة، تسبب بنقص شمل معظم المواد الأساسية بما فيها النفط. وأعلنت الحكومة زيادة أسعار البنزين مرتين ونصف المرة، أملا في خفض استهلاكه ووقف أعمال التهريب المتصلة بخفض قيمة العملة. وباتت زيمبابوي البلد الذي يشهد أعلى سعر للمحروقات في العالم كما ذكر موقع غلوبال بترولبرايسز المتخصص. ويتخوف الناس من أن يؤدي هذا الارتفاع الكبير إلى ارتفاع شامل لأسعار المنتجات الأخرى، ويحملون رئيس الدولة الذي انتخب في 2018 مسؤولية الوضع.
وفي تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية قال مولونغيسي تشابالالا، أحد سكان بولاوايو «لا نستطيع أن ندفع كل يوم 3 دولارات مقابل ركوب سيارة الأجرة». وأضاف: «لقد تعبنا من منانغاغوا... عليه أن يرحل». وقد تعهد رئيس الدولة بإصلاح الوضع، لكن الأمور على حالها. وسيشارك الرئيس الذي يقوم بجولة خارجية منذ الاثنين، في المنتدى الاقتصادي بدافوس (سويسرا) آملا في إقناع المستثمرين بالعودة إلى بلاده. ولخص ديريك ماتيزاك الوضع لوكالة الصحافة الفرنسية «الاستثمارات التي كان الناس يأملونها لم تتحقق ولا يبدو أن في الأفق حلاً للأزمة الاقتصادية على المدى المنظور. وتعطيل الإنترنت يسجل عودة إلى السياسات القمعية في عهد موغابي».



الصومال يحذر من تصاعد صراعات «القرن الأفريقي» بعد انتخابات جوبالاند

مظاهرة في العاصمة مقديشو لتأييد إجراء انتخابات مباشرة بالصومال (وكالة الأنباء الصومالية)
مظاهرة في العاصمة مقديشو لتأييد إجراء انتخابات مباشرة بالصومال (وكالة الأنباء الصومالية)
TT

الصومال يحذر من تصاعد صراعات «القرن الأفريقي» بعد انتخابات جوبالاند

مظاهرة في العاصمة مقديشو لتأييد إجراء انتخابات مباشرة بالصومال (وكالة الأنباء الصومالية)
مظاهرة في العاصمة مقديشو لتأييد إجراء انتخابات مباشرة بالصومال (وكالة الأنباء الصومالية)

حذرت السلطات الصومالية من تزايد «صراعات» القرن الأفريقي، بالتوازي مع طعن قدمته مقديشو على إجراء ولاية جوبالاند (جنوبي) الانتخابات بالطريقة القديمة، بينما صادق البرلمان الفيدرالي، السبت الماضي، على قانون «الانتخاب المباشر».

هذا الموقف، الذي تعزز بمظاهرات في مقديشو للمطالبة بإجراء الاقتراع المباشر، اعتبره خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» أنه يحمل احتمالات زيادة وتيرة الصراع الداخلي مع إقليم جوبالاند، بخلاف أزمة اتفاق إثيوبيا وإقليم «أرض الصومال» الانفصالي، لافتين إلى أن هذا سيؤثر على منطقة القرن الأفريقي التي «قد تشهد مظاهر انفصال جديدة وتدخلات إثيوبية، مما قد يؤجج حروباً بالوكالة في المنطقة».

* تحذير من تزايد الصراع

في خطاب ألقاه، الثلاثاء، بمؤتمر حول التطورات السياسية احتضنته جيبوتي، أوضح وزير الخارجية الصومالي، أحمد معلم فقي، أنه «إذا ما تم تجاهل قوانين الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، وغيرهما من القوانين والمواثيق الدولية، فسوف تتزايد الصراعات في المنطقة»، مستدركاً: «لكن إذا تم تنفيذها فستتم الاستفادة من الموارد الطبيعية المختلفة، والعيش بسلام»، وفق وكالة الأنباء الصومالية الرسمية.

وزير الخارجية الصومالي أثناء مشاركته في مؤتمر معهد دراسة التراث والسياسات «هيرتيج» بجيبوتي (وكالة الأنباء الصومالية)

وجاء التحذير الصومالي وسط تمسّك إثيوبيا بالمُضيّ في اتفاق مبدئي في يناير (كانون الثاني) 2024 مع إقليم «أرض الصومال» الانفصالي عن مقديشو، تحصل بموجبه أديس أبابا على منفذ بحري في البحر الأحمر، يتضمّن ميناءً تجارياً، وقاعدة عسكرية في منطقة بربرة لمدة 50 عاماً، مقابل اعتراف إثيوبيا بـ«أرض الصومال» على أنها دولة مستقلة.

وتعتبر مقديشو هذه الخطوة مساساً بسيادتها، علماً بأنها عقدت اتفاقاً دفاعياً في أغسطس (آب) الماضي مع مصر، وتسلمت أكثر من شحنة عسكرية لدعم الجيش الصومالي لمواجهة حركة «الشباب» الإرهابية، تلاها إعلان وزير الدفاع الصومالي، عبد القادر محمد نور، في التاسع من نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، استبعاد القوات الإثيوبية من البعثة الأفريقية، بسبب «انتهاكها الصارخ لسيادة واستقلال الصومال».

ولم يتغير موقف أديس أبابا تجاه التمسك بالوصول للبحر الأحمر، وفي هذا السياق سلط الباحث في معهد الشؤون الخارجية الإثيوبي، أنتينيه جيتاشو الضوء على «الأهمية الاستراتيجية لمنطقة البحر الأحمر»، وفق ما نقلته وكالة الأنباء الإثيوبية، الاثنين، خلال مقابلة معه، أكد خلالها أن إثيوبيا، باعتبارها دولة غير ساحلية، «يجب عليها تأمين المنافذ البحرية في البحر الأحمر سلمياً، على أساس مبدأ المنفعة المتبادلة وتسريع التكامل الإقليمي»، دون إشارة لأرض الصومال مباشرة.

وينبه حديث وزير الخارجية الصومالي، بحسب الخبير في الشؤون الأفريقية، عبد المنعم أبو إدريس، إلى خطورة تحركات أديس أبابا، خاصة أن لها علاقة جيدة مع ولاية جوبالاند، التي أقامت انتخابات بالمخالفة لقرار الحكومة الفيدرالية، الاثنين، وحذر من أن منطقة القرن الأفريقي وأهميتها الاستراتيجية لا تزال محط طموح إثيوبي في إيجاد منفذ بحري، وهذا سيزيد حالة عدم الاستقرار بالمنطقة، حسبه.

ويتفق مع هذا الطرح المحلل في الشؤون الأفريقية، محمد تورشين، بقوله إن مقديشو «تدرك إمكانية أن تتدخل إثيوبيا في تعزيز انفصال إقليم أرض الصومال لتحقيق مصالحها، التي تعدها مساساً بسيادتها، وقد تذهب المنطقة إلى حرب بالوكالة، وبالتالي فإن تحذيرات وزير الخارجية الصومالي تحاول أن توصل رسائل دبلوماسية لتفادي أي تصعيد جديد».

وباعتقاد تورشين فإن «إثيوبيا هي أقرب للاستمرار في تدخلاتها بالصومال، ضماناً لمصالحها في وجود منفذ بحري لها، ولا يلوح في الأفق أي تغيير في مواقفها الجديدة، خاصة بعد إجراء انتخابات أرض الصومال، وأخيراً الخلافات التي قد تستغلها بين ولاية جوبالاند المقربة منها ومقديشو، بسبب الاقتراع الأخير».

وقبل أيام، أعلنت المفوضية الانتخابية في أرض الصومال انتخاب المعارض عبد الرحمن محمد عبد الله (عرو)، رئيساً جديداً للإقليم، كما انتخب أعضاء برلمان ولاية جوبالاند، أحمد مدوبي، الاثنين، رئيساً للولاية في فترة رئاسية ثالثة، وذلك بعد يومين من مصادقة نواب مجلسي البرلمان الفيدرالي (الشعب والشيوخ) في جلسة مشتركة، السبت، على مشروع قانون الانتخابات الوطنية المعنيّ بإجراء انتخابات بنظام «الصوت الواحد» في البلاد. وهذا القانون لا يزال محل رفض مدوبي، الذي يعد رئيساً لجوبالاند منذ إنشائها عام 2013، والذي يعد الأطول بقاءً في كرسي الرئاسة بالمقارنة مع نظرائه في الولايات الإقليمية.

* انتخابات «غير شرعية»

واجه الصومال هذا الرفض قبل الانتخابات بتأكيد رئيس الوزراء، حمزة عبدي بري، على أنها «غير شرعية»، وتلاها خلال اجتماع استثنائي لمجلس الوزراء، الاثنين لبحث تطورات الوضع في ولاية جوبالاند، مؤكداً أن «انتخاب مدوبي زعيماً للولاية يخالف الدستور والقانون».

وانتهى الاجتماع إلى أن «تعيين لجنة الانتخابات، والإجراءات المصاحبة لها في جوبالاند، تمت خارج الأطر القانونية، وأوعز إلى النائب العام للدولة بتحريك دعوى قضائية أمام المحكمة العليا للطعن في الإجراءات، التي اتخذها الرئيس السابق للولاية أحمد مدوبي، بهدف تعزيز سيادة القانون وضمان التزام الإدارات الإقليمية بالدستور والقوانين الوطنية»، وفق ما أوردته وكالة الأنباء الصومالية.

رئيس ولاية جوبالاند أحمد محمد إسلام مدوبي (وكالة الأنباء الصومالية)

وأجريت آخر انتخابات مباشرة في البلاد عام 1968، تلاها انقلابات وحروب أهلية، ليبدأ الصومال العمل بنظام الانتخابات غير المباشرة في عام 2000، إذ ينتخب بناء على المحاصصة القبلية في ولاياته الخمس أعضاء المجالس التشريعية المحلية، ومندوبو العشائر نواب البرلمان الفيدرالي، الذين ينتخبون بدورهم رئيس البلاد، إلا أنه في الآونة الأخيرة تزايدت المطالب لإجراء انتخابات مباشرة، وقد اتفق منتدى المجلس التشاوري الوطني في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي على اتفاق، يقضي بإجراء انتخابات مباشرة في سبتمبر (أيلول) 2025 بعد وضع القوانين، وسط رفض ولايتي جوبالاند وبونتلاند وسياسيين، قبل أن يصادق البرلمان عليها السبت.

وغداة إعلان النتائج بولاية جوبالاند شهدت مقديشو، الثلاثاء، مظاهرة حاشدة لتأييد مصادقة مجلسي البرلمان الفيدرالي على قانون الانتخابات الوطنية، للمطالبة بالوحدة، والثقة في إجراء انتخابات بنظام الصوت الواحد، والتي تمكن المواطنين من التصويت واختيار من يريدون، وفق وكالة الأنباء الصومالية الرسمية.

وباعتقاد تورشين، فإن «الطعن الصومالي، وتحريك المظاهرات يعني أننا إزاء معضلة حقيقية ستعيد الأوضاع في الصومال إلى الوراء، في ظل تمسك كل جانب بموقفه، وقد يزيد من خيارات حرب أشبه بحروب الوكالة في الصومال، مع التدخلات لا سيما الإثيوبية»، محذراً من أن «عودة الأوضاع للاقتتال الداخلي الأهلي في الصومال، وعدم حسم الخلافات الكبيرة بالحوار سيزيد من أعمال حركة (الشباب) الإرهابية».

ويرى عبد المنعم أبو إدريس أن «تطورات الأحداث في جوبالاند، وتحرك المظاهرات بمقديشو تشير إلى حالة من التصعيد، وأن الحرب بالوكالة ستكون هي الأداة التي تصفي كل من مقديشو، وأديس أبابا بها حساباتهما، ما لم يحدث اتفاق بينهما عبر وسطاء».