الاحتجاجات تشتعل مجدداً في الخرطوم... وموسكو تنفي مشاركة «مرتزقة روس» في قمع المحتجين

البشير يقلل من أهمية رفض الحركات المتمردة في دارفور التفاوض مع حكومته

جانب من الاحتجاجات في شوارع الخرطوم أمس (أ.ف.ب)
جانب من الاحتجاجات في شوارع الخرطوم أمس (أ.ف.ب)
TT

الاحتجاجات تشتعل مجدداً في الخرطوم... وموسكو تنفي مشاركة «مرتزقة روس» في قمع المحتجين

جانب من الاحتجاجات في شوارع الخرطوم أمس (أ.ف.ب)
جانب من الاحتجاجات في شوارع الخرطوم أمس (أ.ف.ب)

عاشت العاصمة السودانية الخرطوم، أمس، نهاراً هادئاً على غير العادة، قبل أن تشتعل المظاهرات مساء في منطقتين تعدان من أكثر مناطق العاصمة كثافة بالسكان، استجابة لدعوة أطلقها «تجمع المهنيين السودانيين»، لمواطني منطقة «الكلاكلة» جنوب الخرطوم، ومنطقة الثورة «صابرين» شمال أم درمان. وفي غضون ذلك نفت سفارة روسيا في الخرطوم تقارير غربية بوجود «مرتزقة روس» يشاركون في قمع الاحتجاجات.
ومنذ تسلمه تنظيم وتنسيق المظاهرات في البلاد، حظيت دعوات «التجمع» بالقبول والاحترام بين شرائح المجتمع والمهنيين، إذ دأب الناس على التظاهر في الزمان والمكان المحددين، رغم التعزيزات الكثيفة، التي درجت الأجهزة الأمنية السودانية على تجهيزها استباقياً.
وبحسب شهود عيان، فقد خرج المئات في ضاحية «الكلاكلة» جنوب الخرطوم في مظاهرة معلن عنها من قبل، ورددوا شعارات وهتافات تطالب بتنحي الرئيس عمر البشير وحكومته، وعلى رأسها الهتاف الشهير «تسقط بس». وفرقت الشرطة المظاهرة الرئيسية بإطلاق الغاز المسيل للدموع بكثافة، والرصاص المطاطي، والرصاص الحي في الهواء، قبل أن تتحول إلى معارك كر وفر بين قوات الأمن والمحتجين. ونقل الشهود أن أعداداً كبيرة من المتظاهرين تم احتجازهم، ولم ترد أي معلومات عن إصابات. فيما تداولت مواقع التواصل الاجتماعي «فيديوهات» للمظاهرة، حظيت بتداول واسع.
وفي ضاحية الثورة منطقة «صابرين» شمال مدينة أم درمان، خرجت مظاهرة ليلية متزامنة مع مظاهرة ضاحية «الكلاكلة»، التي تبعد عنها بنحو 50 كيلومترا، وردد مئات المتظاهرين الهتافات نفسها، على الرغم من الترسانة الأمنية التي نصبت حول المنطقة الشعبية منذ ليل أول من أمس.
وفي تحد واضح، استطاع المتظاهرون اختراق الطوق الأمني، ورددوا هتافات «سلمية ضد الحرامية»، لكن تصدت لهم الأجهزة الأمنية بعنف لافت، فانتشروا في مظاهرات أصغر داخل الأحياء والأزقة.
وقال متحدث باسم التحالف المعارض، إن الاحتجاجات السابقة كانت كلها منظمة من طرف «الطبقة الوسطى» في الأحياء العريقة والقديمة، ولم تشارك فيها الطبقات العمالية والأحياء الطرفية، لكن بدخول منطقتي «صابرين» و«الكلاكلة» موجة الاحتجاجات تكون الطبقة العمالية قد ألقت بثقلها لأول مرة منذ اندلاع الاحتجاجات، مبرزا أنهم «سيذيقون قوات الأمن ما لم يروه في أحياء الطبقة الوسطى».
وكان «تجمع المهنيين السودانيين» قد حدد جدولاً للاحتجاجات يستمر طوال هذا الأسبوع، معتبراً ذلك تمهيداً لعصيان مدني شامل، يشل مفاصل الحكومة ويسرع بإسقاطها. وفي البيان المشترك بينه وبين تحالفات المعارضة، الذي دعا فيه للمظاهرات الليلية، أعلن التجمع عن تسيير موكب خامس في قلب الخرطوم غداً الخميس، بالتزامن مع مدن «نيالا، والفاشر، والأبيض، وأبو جبيهة»، فيما ينتظر تأكيد مشاركات مدن وعواصم ولائية أخرى.
ويراهن المحتجون على موكب غد، الخميس، باعتباره الموكب الخامس المعلن الذي يتحدى فيه المحتجون وتجمع المهنيين والمعارضة، قوات الأمن، وذلك بتحديد مكان وزمان المظاهرة.
من جهة أخرى، دعت «رابطة المهنيين السودانيين»، وهي تنظيم يعلن عن نفسه للمرة الأولى منذ بدء المظاهرات، أعضاءها من المهنيين السودانيين ذوي الكفاءة العالية في جميع أنحاء العالم، لتوقيع تعهد يتقاسمون بموجبه خبراتهم في قيادة عملية إعادة إعمار البلاد، بعيد إطاحة النظام الحاكم. وبحسب البيان الصادر عن الرابطة، فإن «التجمعات الاحتجاجية أصبحت يومية تقريباً، وفي كل مدينة رئيسية، ما يشكل تحدياً خطيراً للنظام».
من جهة أخرى، نفت السفارة الروسية في الخرطوم المعلومات، التي نشرتها صحيفة «التايمز» البريطانية حول «مشاركة مرتزقة روس» في قمع الاحتجاجات السودانية، واعتبرتها مجرد «فبركة إعلامية». ونقلت وكالة «سبوتنيك» عن الملحق الإعلامي للسفارة فلاديمير تومسك قوله: «نؤكد بكل مسؤولية أن الخبراء الروس من الهيئات غير الحكومية لا علاقة لهم، كما ذكرت بعض وسائل الإعلام الغربية عديمة الضمير، ولا يشاركون في قمع الاحتجاجات في السودان».
ونقلت «التايمز» في تقرير لها وجود مرتزقة ناطقين بالروسية يشاركون في قمع المتظاهرين، وذكرت أن تقارير وصورا التقطت في الخرطوم كشفت عن وجود «مرتزقة روس»، وأن عناصر من منظمة «واغنر الروسية الأمنية، تنشط في قمع المتظاهرين، وتقدم الدعم الاستراتيجي والتدريب لقوات الأمن السودانية».
في غضون ذلك، قلل الرئيس السوداني عمر البشير من إعلان حركات متمردة في دارفور رفضها التفاوض مع حكومته بسبب الاحتجاجات الشعبية، التي دخلت أسبوعها الرابع والتي تطالب بإسقاطه، كما انتقد رئيس حركة تحرير السودان عبد الواحد نور، بسبب تمسكه برفض الحوار مع الحكومة، مشدداً على أن نور لن يتمكن من السيطرة على منطقة جبل مرة حتى لو عاش مائة عام.
وقال البشير مخاطبا ممثلي القوى السياسية في ولاية جنوب دارفور، مساء أول من أمس، إن الأزمة الأخيرة التي شهدتها البلاد دفعت بعض الحركات لإعلان مقاطعة التفاوض مع الحكومة، وأضاف موضحا: «لقد قالوا إنه لا داعي للاتفاق على سلام مع الحكومة لأنها ستسقط... سيطول انتظاركم... ولن ننتظرهم وسنسعى لتحقيق السلام من واقع مسؤولية الدولة».
ومن جهته، قال الدكتور جبريل إبراهيم، رئيس حركة العدل والمساواة، إن حركته رفضت الجلوس مع الحكومة السودانية في الدوحة، وفق اتفاق برلين الذي وقع في ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي، مشددا على أنه يرفض أن يخون الثورة السودانية في هذه اللحظة الحرجة، وعبر عن خشيته من استغلال النظام المفاوضات في دعايته لإخماد الثورة.
في سياق ذلك، أشار إبراهيم إلى وجود سيناريوهات يحتمل أن تسفر عنها موجة الاحتجاجات الشعبية في السودان، تتمثل في «إعلان الرئيس البشير حالة الطوارئ والمسارعة إلى تشكيل حكومة عسكرية، وفرض حظر للتجوال في المدن الكبرى. لكن هذه الخطوة لن تحظى بالقبول لأن الشعب على قناعة بضرورة رحيل البشير ونظامه باعتبار ذلك مدخلا لحل كل المشكلات».



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».