أنهى رئيس الأركان الإسرائيلي غادي آيزنكوت، فترته التي امتدت أربع سنوات في منصبه بعدد من المقابلات لوسائل إعلام محلية وأجنبية قدّم فيها وجهة نظره للوضع الاستراتيجي والعسكري الحالي في المنطقة وكشف فيها عن «آلاف العمليات» التي نفذها الجيش الإسرائيلي في سوريا ضد وحدات «الحرس الثوري» الإيراني ومخازنه المنتشرة هناك إضافة إلى عناصر وعتاد «حزب الله».
وكرر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، مضمون تصريحات آيزنكوت في الحفل الوداعي للجنرال الذي أُحيل إلى التقاعد، وهو ما اعتُبر خروجاً على قاعدة الصمت الذي التزمت إسرائيل به منذ بدء غاراتها شبه الأسبوعية على المواقع الإيرانية في سوريا منذ 2012. رئيس الوزراء ووزير الدفاع الأسبق إيهود باراك، انتقدا خرق قاعدة الصمت هذه والتي اعتُمدت لحرمان إيران من الحق في الرد ما دامت الهجمات عليها مجهولة المصدر. ورأى باراك أن إعلان المسؤولية عن الغارات يصبّ في خانة استعدادات نتنياهو للانتخابات العامة المقبلة.
في المقابل، ذهب المحلل رون بن يشاي في «يديعوت أحرونوت»، إلى القول: إن الإعلان الآن عن مسؤولية إسرائيل ليس فقط عن مئات الغارات بل أيضاً عن عدد كبير من العمليات التي نفّذتها القوات الخاصة الإسرائيلية على الأراضي السورية، يرتبط بالنقاش الدائر في إيران بين مؤيدي الاستمرار في دعم الجهد الذي يشرف عليه قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري» قاسم سليماني، وأولهم المرشد علي خامنئي، وبين معارضي المغامرة الخارجية التي تؤدي برأيهم إلى إعاقة أي استراتيجية دفاعية بسبب تبديد الأموال والجهد من دون طائل. يتقدم هؤلاء كما هو معروف الرئيس حسن روحاني. عليه، تكون وظيفة التصريحات الإسرائيلية الأخيرة هي إحباط المواطنين الإيرانيين نفسياً وإبلاغهم بأن الأموال الطائلة التي تنفقها قيادتهم على أنصارها في العراق وسوريا ولبنان وغزة قد ذهبت هباءً في الوقت الذي يعاني فيه الإيرانيون من أزمات اقتصادية يبدو أنها ستزداد سوءاً في المستقبل القريب.
بيد أن هذا يظل الجانب الأقل أهمية في تصريحات آيزنكوت الذي شدد على أن إيران خسرت 16 مليار دولار بعدما فشل مشروعها في إقامة وجود عسكري دائم لها في سوريا على شكل وحدات إيرانية وموالية تقيم في القواعد الجوية السورية أساساً. إضافة إلى أكثر من ألفي قتيل من عناصر «حزب الله» وآلاف آخرين من الأفغان والباكستانيين والعراقيين. وجليٌّ أن وجود عشرات آلاف المقاتلين المؤتمرين بأوامر طهران على مقربة من الحدود الإسرائيلية لن يكون مقبولاً من القيادتين السياسية والعسكرية. مشروع سليماني الذي أجهضته إسرائيل، حسب آيزنكوت، كان يرمي إلى التمدد نحو الجولان والاستحواذ على قواعد بحرية من بوابة الدفاع عن نظام بشار الأسد. وأسفر عن ذلك توقف عملية تطوير صواريخ الحزب اللبناني وتزويدها بأجهزة توجيه دقيقة، وكشف الإسرائيليون النقاب عن الأنفاق التي كان يعدها الحزب لدفع قوات كبيرة منه إلى داخل الأراضي المحتلة في سبيل السيطرة على أراضٍ في الجليل، ولو سيطرة مؤقتة، على نحو يشكل صدمة نفسية كبيرة يختل معها توازن الداخل الإسرائيلي.
هذه اللوحة الدعائية لنجاح إسرائيل في إفشال جزء مهم من المشروع الاستراتيجي الإيراني في المنطقة قد لا تخلو من المبالغة نظراً إلى تمتع إيران حتى اليوم بعدد من نقاط القوة ليس أقلها أهمية هيمنتها السياسية على النظام السوري وعلى أجزاء من السلطة في لبنان، ما يجعل من الحرب احتمالاً قائماً إذا اقتضت الضرورة.
بيد أن الحرب التي يصر الإسرائيليون وغيرهم على أنها واقعة لا محالة يستدعي تحولَّها إلى واقع عددٌ من العوامل والمعطيات، ويتطلب الإجابة عن أسئلة معقدة من نوع تحديد الهدف السياسي منها. فبغض النظر عن الكيفية التي ستنتهي بها العملية العسكرية، فإن «اليوم التالي» لوقف إطلاق النار سيحدد هوية المنتصر إذا نجح في فرض إرادته السياسية وليس إذا ألحق دماراً بقوات الخصم أو ببنيته التحتية. ولا يبدو أن الإسرائيليين قادرون على تغيير المعطى السياسي في لبنان في الظروف الراهنة وليسوا مهتمين بذلك في المقام الأول بعد إخفاق تجاربهم السابقة مع عدد من الحلفاء والعملاء، على ما أظهرت تجربة الاجتياح في 1982 ثم الاحتلال الذي استمر حتى سنة 2000.
الأرجح أن الإسرائيليين سيواصلون نهج آيزنكوت في «إضعاف العدو بين الحربين» عبر شن الغارات على مخازن الأسلحة الإيرانية وتنفيذ العمليات الخاصة ضد الموالين لطهران، سعياً إلى تخفيض قدرات المؤيدين لإيران على شن هجمات مفاجئة. هي حرب دائمة منخفضة الوتيرة تَحول دون الانفجارات الكبيرة.
وداع آيزنكوت: الحرب الدائمة
وداع آيزنكوت: الحرب الدائمة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة