ساعات ويتحدد مستقبل «بريكست»، ومعه مستقبل الاقتصاد البريطاني ومكانة لندن كعاصمة أوروبا المالية ولاعب أساسي في سياسات الاتحاد الأوروبي الخارجية.
أطلق عشرات النواب البريطانيين صباح اليوم آخر جولة من المناقشات البرلمانية، قبل تصويت حاسم يدعم اتفاق الخروج الذي توصلت إليه رئيسة الوزراء تيريزا ماي مع الاتحاد الأوروبي، أو يرفضه ويمدّد فترة الغموض السياسي الذي تعاني منه البلاد منذ استفتاء يونيو (حزيران) 2016.
وبالنظر إلى تصريحات النواب، سواء من حزب ماي المحافظ أو العمال أو الديمقراطيين الأحرار أو ممثلي إيرلندا الشمالية، فإنه يبدو أن تيريزا ماي، رئيسة الوزراء، وحكومتها ستتكبّد هزيمة تاريخية هي الأسوأ لأي حكومة بريطانية منذ 100 عام. وفي حين يناقش النواب مواقفهم من اتفاق ماي في اليوم الخامس من الجلسات المخصصة لـ«بريكست»، تضاعف الحكومة من جهودها للضغط على النواب المحافظين وإقناعهم بدعمها لتخفيف حجم الخسارة.
في غضون ذلك، يعمل آخرون على بلورة خطط بديلة تُطرح على مجلس العموم خلال مهلة لا تتجاوز 3 أيام عمل، تنتهي الجمعة.
لماذا يعارض النواب اتفاق ماي؟
رغم اختلاف توجهاتهم السياسية، يجتمع غالبية النواب البريطانيين على رفض آلية «شبكة الأمان» التي ينص عليها الاتفاق، والتي تقضي بإنشاء «منطقة جمركية واحدة» تشمل الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة لا تطبَّق فيها أي أنظمة للحصص، أو رسوم جمركية على السلع الصناعية والزراعية.
ويعتبر الاتفاق، أنه يمكن اللجوء إلى هذه الآلية بعد الفترة الانتقالية (المتوقع استمرارها حتى 31 ديسمبر/كانون الأول 2020 والقابلة للتجديد)، إذا لم يتم إيجاد تسوية أفضل بحلول منتصف 2020 بين لندن وبروكسل.
وبينما يهدف هذا الحل، الذي يُفترض أن يكون مؤقتاً، إلى تجنيب عودة الحدود بين آيرلندا الشمالية وجمهورية آيرلندا، وحماية اتفاقيات السلام الموقعة عام 1998، إلا أنه يهدد في الوقت نفسه قدرة بريطانيا على إبرام اتفاقيات تجارة حرة مع دول ثالثة، ويُخضع المملكة المتحدة إلى قوانين السوق المشتركة الأوروبية وقوانينها دون أن تشارك في التصويت عليها.
استراتيجية التخويف
ضاعفت ماي جهودها أمس واليوم للضغط على النواب المحافظين «المتمردين» عليها، واعتمدت خطاباً شديد اللهجة وصفه البعض بـ«التخويفي» خيّرت فيه المشرعين بين اتفاقها لـ«بريكست» أو تفكك المملكة المتحدة. وقالت ماي: إن رفض اتفاقها يهدد بـ«تقويض الديمقراطية» و«خذلان الناخبين» و«تفكيك المملكة المتحدة» بمحاولة كل من اسكوتلندا وآيرلندا الشمالية الانفصال.
وتحتاج ماي إلى نحو 320 صوتاً لتمرير اتفاقها، أي غالبية بسيطة من الأصوات في مجلس العموم. وذكر بعض النواب، أن ماي قد تُهزم بما بين 150 إلى 200 صوت؛ ما سيؤدي إلى فقدان حكومتها شرعيتها فيما يتعلق بقضايا «بريكست». ولم يُخف ليام فوكس، وزير التجارة الدولية، هذه الحقيقة، واستبعد في تصريحات سبقت كلمة ماي في البرلمان أمس احتمال فوز الحكومة في تصويت اليوم. وعلى عكس المتمرّدين في حزبه الذين يرون في الاتفاق تهديداً لسيادة بريطانيا وتقييداً لحرياتها التجارية، أرجع فوكس الفشل المحتمل للاتفاق إلى «هيمنة النواب الداعمين لبقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي على مجلس العموم».
سيناريوهات ما بعد الفشل
يفتح فشل المصادقة على اتفاق ماي الباب أمام سيناريوهات عدة، تشمل الخروج «دون اتفاق» وتأجيل تاريخ الخروج، والدعوة لانتخابات مبكرة، وحشد دعم كافٍ لتنظيم استفتاء شعبي جديد، وعودة ماي إلى بروكسل لإعادة التفاوض حول الاتفاق وإعادة طرحه على مجلس العموم، واستقالة ماي.
ومن بين كل هذه الاحتمالات، يبدو خيار تأجيل موعد الخروج المحدد بـ29 مارس (آذار) 2019 هو الأرجح. وذلك لأن المهلة المتبقية لـ«بريكست» قد لا تكون كافية لإعادة التفاوض حول اتفاق جديد، أو حتى تنظيم انتخابات مبكرة أو تنظيم استفتاء جديد، إن نجحت الأحزاب المعارضة في حشد الدعم الكافي.