البشير من دارفور: الحكومة لن تسقط بالمظاهرات

أوقفت أجهزة الأمن السودانية نحو ثلاثين صحافياً كانوا ينوون تنظيم وقفة احتجاجية أمام مباني جهاز الأمن في الخرطوم؛ احتجاجاً على مصادرة الصحف والرقابة المشددة، قبل أن تفرج عنهم بعد ساعات من الاحتجاز، في حين قطع الرئيس السوداني عمر البشير بعدم قدرة المظاهرات والاحتجاجات التي تشهدها البلاد منذ أكثر من شهر على إسقاط حكمه، مؤكداً أن التغيير لن يتم إلا عبر الانتخابات. وفي الوقت ذاته، تعهد «تجمع المهنيين السودانيين» بمواصلة الاحتجاجات المسائية في عدد من أحياء الخرطوم؛ تمهيداً لموكب من المقرر انطلاقه الخميس في العاصمة السودانية.
وأفرج الأمن السوداني عن عدد من الصحافيين بعدما احتجزهم لساعات. وقال رئيس قسم الأخبار بصحيفة «الجريدة» أيمن سنجراب لـ«الشرق الأوسط»، أمس: إن الصحافيين والناشطين المقدر عددهم بنحو ثلاثين، بينهم 8 صحافيات، اعتقلوا لمنعهم من تنظيم وقفة احتجاجية صامتة أمام مباني جهاز الأمن والمخابرات في الخرطوم، وتسليم مذكرة احتجاج لرئيس الجهاز صلاح عبد الله قوش ضد الرقابة القبلية والمصادرات التي تتعرض لها صحيفة «الجريدة» المستقلة وعدد آخر من الصحف.
وأفرجت السلطات، بحسب سنجراب، عن ناشر الصحيفة عوض محمد عوض، ورئيس تحريرها أشرف عبد العزيز، ومدير التحرير ماجد القوني، والصحافيين سارة تاج السر، وعلي الدالي، ومحمد الأقرع، وعثمان عبيد، وحاتم درديري، ومنصور أحمد عثمان، ومحمد محمود الصبحي، وندى رمضان، وشذى الشيخ، وسعاد الخضر، والكاتبة بالصحيفة هنادي الصديق، وفدوى خز، وعن الصحافيين بهرام عبد المنعم وامتنان عبد الرضي من صحيفة «اليوم التالي»، وعن امتثال سليمان من «الوفاق»، بالإضافة إلى عدد من النشطاء، بينهم بشرى الصائم، وكذلك عن إداريين وصحافيين آخرين لم تتحدد أسماؤهم بعد.
وقال إن وقفة زملائه «مشروعة ومكفولة بالدستور». وتابع: «قبل أن يتوجه الصحافيون إلى المكان المحدد لتنظيم الوقفة سارعت قوات الأمن إلى إلقاء القبض عليهم واحداً بعد الآخر».
وأعلنت الصحيفة، أول من أمس (الأحد)، تنظيم وقفة احتجاجية صامتة منتصف نهار الاثنين، وتقديم مذكرة لمدير جهاز الأمن والمخابرات صلاح عبد الله قوش؛ احتجاجاً على المصادرات المتكررة والرقابة القبلية «اللصيقة» المفروضة عليها، ومنعها من نشر أخبار الاحتجاجات التي تشهدها البلاد، ومطالبة الجهاز المتكررة بحذف مواد صحافية معدة للنشر.
بدوره، أشاد «تجمع المهنيين السودانيين» بالاستجابة لدعواته إلى احتجاجات يوم الأحد، معلناً اقترابه من خطوته القادمة، وهي «الإضراب الشامل». وقال في بيان: إن «الطريق إلى الإضراب الشامل أصبحت معبدة»، مضيفاً: إن إلحاق شلل تام بحركة الحكومة «سيكون خطنا في مقبل الأيام».
وتعهد بتصعيد المظاهرات المسائية والمواكب، وفقاً لترتيبات تستمر طوال الأيام المقبلة، تبدأ في الخامسة من مساء اليوم بضاحيتي الكلاكلة والثورة في الخرطوم. وجدد الدعوة إلى موكب ينطلق الخميس عند الواحدة ظهراً بشارع القصر وسط الخرطوم باتجاه القصر الجمهوري، متزامناً مع مواكب مماثلة في عدد من مدن البلاد.
وتعهد التجمع الذي يتولى تنسيق الاحتجاجات، بعدم الاستجابة لمساومات «لا تنتهي بإزاحة النظام وتنحّي رئيسه»، بحسب ما قال في بيان، مضيفاً: «إن صدورنا وعقولنا مفتوحة لكل من يعمل من أجل إنجاز هذا الهدف، وإقامة البديل الانتقالي الديمقراطي كما نص عليه إعلان الحرية والتغيير».
في غضون ذلك، قال الرئيس عمر البشير في حشد نظّم لاستقباله بمدينة نيالا غرب البلاد: إن الحكومة في الخرطوم لن تسقط بمظاهرة، أو الخروج في الشارع، أو بمن سماهم القادمين من الخارج، مؤكداً أن تغيير النظام لن يتم إلا عبر صناديق الاقتراع والانتخابات في 2020. وكانت مدينة نيالا، حاضرة ولاية جنوب دارفور، شهدت مظاهرة احتجاجية أول من أمس، نددت بحكم الرئيس البشير، وطالبت بتنحيه.
وتحدى البشير معارضي حكمه، قائلاً: «الأحزاب السياسية المعارضة إذا كان لديها قوة، فالفيصل بيننا صندوق الانتخابات التي يقرر فيها الشعب السوداني من يحكمه في 2020». وكشف عن دول أرسلت له وفوداً، من بينها مصر، وجنوب السودان، وإثيوبيا وتشاد، مضيفاً إن الوفود تضامنت مع حكومته بمواجهة الاحتجاجات المستمرة منذ أكثر من شهر.
وواصل الرئيس السوداني سلسلة اتهاماته لمن أسماهم «أعداء السودان»، وقال: إنهم لا يريدون الاستقرار للبلاد، ولا وقف الحرب في دارفور. وتابع: «لكن السودان لديه حراسه، لن يسمحوا لأي شخص بالتخريب في البلاد والحرق والتكسير والنهب». وأضاف: «هؤلاء لا يريدون خيراً للبلاد، والأمن سيستمر رغم أنفهم والسودان سيستمر متقدماً».
وجدد البشير اعترافه بوجود مشكلة اقتصادية، لكنه تعهد بحلها. وقال: «حل المشكلة ليس بالتكسير والتخريب والحرق، والأمل معقود لحل المشكلات؛ لأن البلاد غنية بمواردها رغم المشكلات».
ولفتت وكالة الصحافة الفرنسية إلى أنه في الأيام الأولى للاحتجاجات أُحرق عدد من المباني والمكاتب التابعة لحزب المؤتمر الوطني الحاكم في بلدات وقرى. وتشير السلطات إلى أن ما لا يقل عن 24 شخصاً قُتلوا منذ بدء الاحتجاجات، بينما أفادت منظمة «هيومن رايتس ووتش» بأن حصيلة القتلى بلغت أربعين شخصاً، بينهم أطفال وموظفون في قطاع الصحة.
وامتدت المظاهرات المناهضة للحكومة للمرة الأولى الأحد إلى نيالا والفاشر عاصمة إقليم شمال دارفور. وأشارت الوكالة الفرنسية إلى أن إقليم دارفور يشهد أعمال عنف منذ 2003 عندما حملت أقليات عرقية متمردة السلاح في وجه الخرطوم، متهمة إياها بتهميشها اقتصادياً وسياسياً. وقتل نحو 300 ألف شخص في النزاع كما نزح 2.5 مليون آخرون، بحسب الأمم المتحدة. ولا يزال معظم النازحين يقيمون في مخيمات.