حذّرت رئيسة الوزراء تيريزا ماي بأشدّ العبارات، أمس، من «تفكيك وحدة المملكة المتحدة» و«تقويض الديمقراطية» إذا صوّت مجلس العموم ضد اتفاقها للخروج من الاتحاد الأوروبي (بريكست) في جلسة برلمانية مساء اليوم.
طيلة الأشهر الـ18 الماضية من المفاوضات البريطانية - الأوروبية، تكررت عبارات «خبر عاجل» و«تصويت مصيري» و«صفعة لحكومة ماي» على صدر الصفحات الأولى والنشرات الإخبارية الدولية. ومع كل منعطف «حاسم»، تعزّز الإحساس بدخول بريطانيا فترة من الفوضى السياسية لم تعهدها، شملت استقالة وزير الخارجية البارز بوريس جونسون، وتعاقب ثلاث وزراء «بريكست» خلال أقل من 3 سنوات، ونجاة رئيسة الوزراء من محاولة انقلاب هندسها نواب بارزون من حزبها المحافظ.
إلا أن تصويت اليوم يرتدي طابعاً «مصيرياً» بحق، إذ إنه سيقرر ما إذا كانت بريطانيا ستنفصل عن الاتحاد الأوروبي في الموعد المحدد بـ29 مارس (آذار)، أم أن الأشهر المقبلة ستشهد المزيد من الغموض السياسي وفترة من عدم الاستقرار الاقتصادي قد تنتهي ببقاء بريطانيا في الاتحاد، أو بخروج غير منظم تهدد تداعياته الأسواق الأوروبية.
وفيما ألقت ماي بكل ثقلها، أمس، وراء اتفاق تعتبره «الأفضل الممكن» في خطابين منفصلين، أعلن نائب بارز في حزبها استقالته من منصب المسؤول الحكومي المكلّف بتنظيم وضمان أصوات النواب المحافظين في مجلس العموم، لمعارضته خطتها لـ«بريكست». وقال غاريث جونسون في رسالة استقالته إنه لا يستطيع دعم هذا الاتفاق الذي يضرّ بمصالح بلاده الوطنية. وأضعفت هذه الاستقالة أمل حكومة ماي البسيط، في مصادقة النواب على اتّفاقها.
ولم يُخف ليام فوكس وزير التجارة الدولية، هذه الحقيقة، واستبعد في تصريحات سبقت كلمة ماي في البرلمان احتمال فوز الحكومة في تصويت اليوم. وعلى عكس المتمرّدين في حزبه الذي يرون في الاتفاق تهديداً لسيادة بريطانيا وتقييداً لحرياتها التجارية، أرجع فوكس الفشل المحتمل للاتفاق إلى «هيمنة النواب الداعمين لبقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي على مجلس العموم».
ورغم اختلاف توجهاتهم السياسية وخططهم البديلة، يجتمع غالبية النواب البريطانيين على رفض آلية «شبكة الأمان» التي ينص عليها الاتفاق، والتي تقضي بإنشاء «منطقة جمركية واحدة» تشمل الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة لا تطبَّق فيها أي أنظمة للحصص، أو رسوم جمركية على السلع الصناعية والزراعية. ويعتبر الاتفاق أنه يمكن اللجوء إلى هذه الآلية بعد الفترة الانتقالية (المتوقع استمرارها حتى 31 ديسمبر (كانون الأول) 2020 والقابلة للتجديد)، إذا لم يتم إيجاد تسوية أفضل بحلول منتصف 2020 بين لندن وبروكسل.
وبينما يهدف هذا الحل، الذي يُفترض أن يكون مؤقتاً، إلى تجنيب عودة الحدود بين آيرلندا الشمالية وجمهورية آيرلندا، وحماية اتفاقات السلام الموقعة عام 1998، إلا أنّه يهدد في الوقت نفسه قدرة بريطانيا على إبرام اتفاقات تجارة حرة مع دول ثالثة.
ويترقب البريطانيون وسياسيو بروكسل نتيجة تصويت اليوم بقلق، لما تحمله من تداعيات مباشرة على الاقتصاد البريطاني من جهة، وعلى مستقبل الاتحاد الأوروبي من جهة أخرى. وحتى الساعات الأخيرة، واصلت ماي رهانها على دعم نواب حزبها المحافظين الاتفاق، تفادياً لإفشال «بريكست».
وأخّرت ماي التصويت على الاتفاق عدة أسابيع لمحاولة انتزاع تنازلات من الاتحاد الأوروبي تضمن إزاحة المادة المتعلقة بـ«شبكة الأمان» من الاتفاق، أو صياغة «ضمانات ملزمة قانونياً» بألا «تعلق» لندن في الاتحاد الجمركي الأوروبي لفترة طويلة. لكن يبدو أن مساعي رئيسة الوزراء باءت بالفشل، رغم المراسلات التي كشفت عنها أمس والتي سعت من خلالها المؤسسات الأوروبية إلى تطمين النواب البريطانيين. وفي الرسالة، رفض رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك، ورئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر، إعادة فتح المفاوضات بشأن خطة «بريكست»، إلا أنهما أكدا استعدادهما لتقديم توضيحات لها «قيمة قانونية» حول البند المثير للجدل بشأن آيرلندا، كما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية.
وفي كلمة بعد ذلك بقليل، أقرّت ماي بأن هذا العرض لا يلبّي ما أرادته. لكنها استدركت قائلة: «أنا مقتنعة بأن النواب لديهم أوضح التطمينات بأن هذا هو أفضل اتفاق ممكن، ويستحق دعمهم».
وفي حال رفض النواب الاتفاق مساء اليوم، فإنهم سيفتحون الباب أمام عدة سيناريوهات. أولها، احتمال مطالبة المفوضية الأوروبية بتمديد مهلة الخروج لبضعة أشهر. ورغم أنها رفضت مراراً هذا الخيار، فإنها عندما سُئلت ماي أمس، اكتفت بالقول: «لا أعتقد أن علينا أن نمدد المادة 50»، دون أن تستبعد هذا الخيار تماماً.
أما السيناريو الثاني المطروح، فهو خروج من دون اتفاق -أو غير منظم- من الاتحاد الأوروبي، وهو ما وصفه البنك المركزي البريطاني بـ«الكارثي». أما السيناريو الثالث، فهو الدعوة إلى تنظيم انتخابات مبكرة قد تقود إلى استفتاء شعبي جديد على قضية الخروج. واقترح حزب العمال المعارض الذي يفضّل البقاء في اتحاد جمركي دائم مع الاتحاد الأوروبي، أن يسعى إلى التصويت بحجب الثقة في الحكومة في حال رفض النواب خطة ماي.
وفي حال خسرت الحكومة، فسيكون أمام الأحزاب 14 يوماً للعثور على بديل يحظى بدعم معظم النواب، أو الدعوة إلى انتخابات مبكرة.
وأقر زعيم حزب العمال، جيرمي كوربن، بأنه في حال فاز الحزب بالسلطة فإنه من المرجح أن يحتاج البرلمان إلى تأخير «بريكست» حتى يستطيع إعادة التفاوض على اتفاق الخروج.
وحذّرت ماي النواب المعارضين لخطتها لـ«بريكست» من تداعيات التصويت ضدها، وقالت إن سيناريو الخروج «دون اتفاق» يهدّد وحدة المملكة المتحدة ويشجّع اسكتلندا وآيرلندا الشمالية على الانفصال -عبر تنظيم استفتاءات حول الاستقلال.
كما اعتبرت رئيسة الوزراء أن رفض اتفاقها في مجلس العموم سيخيّب آمال الناخبين، وسيهدد الديمقراطية، محذرةً نواب حزبها الداعمين للخروج من الاتحاد الأوروبي من أن تصويتهم ضد الاتفاق قد يَحول دون تنفيذ «بريكست» بالمطلق.
وقالت ماي: «أعتقد الآن أن النتيجة الأكثر ترجيحاً هي شلل في البرلمان يهدد بعدم حدوث (بريكست)».
ماي تخيّر النواب بين اتفاق «بريكست» وتهديد الوحدة البريطانية
التراجع عن الخروج أو الدعوة إلى انتخابات مبكرة... أبرز السيناريوهات المطروحة
ماي تخيّر النواب بين اتفاق «بريكست» وتهديد الوحدة البريطانية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة