موسكو تدعو طوكيو للاعتراف بسيادتها على أرخبيل الكوريل

TT

موسكو تدعو طوكيو للاعتراف بسيادتها على أرخبيل الكوريل

دعا وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أمس، طوكيو إلى الاعتراف بسيادة موسكو على مجمل أرخبيل الكوريل المتنازع عليه لكي تحقق المفاوضات تقدماً، عقب اجتماعه بنظيره الياباني تارو كونو.
واللقاء هو الأول للوزيرين منذ اتفاق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الياباني شينزو آبي العام الماضي على تعزيز الجهود لتوقيع معاهدة تنهي الحرب العالمية الثانية. وتوقّفت المحادثات طوال عقود بسبب مطالبة اليابان بالجزر الاستراتيجية، التي سيطر عليها الجيش السوفياتي في الأيام الأخيرة للحرب.
وقال لافروف لوسائل الإعلام في أعقاب المحادثات مع نظيره الياباني إن «السيادة على الجزر ليست مطروحة للنقاش. هذه أراضٍ روسية». وتابع أن موسكو على استعداد للعمل للتوصل لمعاهدة سلام، «شرط اعتراف جيراننا اليابانيين بكل نتائج الحرب العالمية الثانية بما فيها الاعتراف بسيادة روسيا على كل هذه الجزر»، كما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية.
واعتبر لافروف بأن هذه الفرضية الأساسية يعكسها الإعلان المشترك للاتحاد السوفياتي واليابان عام 1956، والذي تؤكد موسكو استعدادها لاستخدامه كنقطة انطلاق. وأضاف: «هذا موقفنا الأساسي ومن دون خطوات في هذا الاتجاه سيكون من الصعب جدا توقع تحقيق تقدم في مسائل أخرى». وأشار لافروف إلى أن الجهود في الوقت الحالي لتطوير الجزر بشكل مشترك بموجب الاتفاقيات الثنائية الأخيرة لم تحقق نجاحا. كما أكد أن أحد أهداف موسكو في التعاون الثنائي هو التنقل بين الدولتين من دون تأشيرات، ويمكن أن يبدأ ذلك بإلغاء طوكيو شرط الحصول على تأشيرة للمواطنين الروس المقيمين في الكوريل.
وجزر الكوريل المتنازع عليها، وإحداها تبعد أقل من 10 كلم عن هوكايدو اليابانية، تضم كوناشير وإيتوروب وشيكوتان وهابوماي. ثلاثة منها غير مأهولة فيما تتواجد في هابوماي، وهي مجموعة جزر صغيرة، شرطة حدود.
ووقّعت اليابان والاتحاد السوفياتي على إعلان 1956 الذي ينص على استعداد اتحاد الجمهوريات السوفياتية الاشتراكية للتنازل عن جزيرتي شيكوتان وهابوماي بعد التوقيع على اتفاق سلام، لكن اليابان طالبت بالجزر الأربع.
وقال لافروف أمس إنه «من غير المقبول» أن اليابان لا تزال تطلق على الجزر تسمية الأراضي الشمالية في دستورها. وسيتطلب العمل بإعلان 1956 كذلك التسليم بحقيقة دخول اليابان بعد ذلك في تحالف عسكري مع الولايات المتحدة. وأضاف لافروف: «بالطبع يتعين علينا الأخذ بالاعتبار أن الوضع فيما يتعلق بتحالفات اليابان العسكرية قد تغير بشكل جذري». وأوضح أن الجهود الأميركية لـ«عسكرة» منطقة آسيا المحيط الهادئ قد أدّت إلى نشوء مخاطر جديدة بالنسبة لروسيا.
وبعكس العادة، لم يعقد وزيرا الخارجية مؤتمرا صحافيا مشتركا وفضّلا مخاطبة وسائل الإعلام بشكل منفصل. وأكد لافروف أن ذلك جاء بناء على طلب من طوكيو. وقال إن أي اتفاقية سلام يجب أن تحظى «بدعم وقبول الشعب في البلدين».
ومن غير المرجح أن يلقى التنازل عن أي جزر لليابان قبولا في روسيا، حيث أثار الكرملين موجة من الدعم الوطني منذ 2014، عندما ضمت موسكو شبه جزيرة القرم من أوكرانيا.
والأسبوع الماضي قال حاكم جزيرة سخالين، ويشرف أيضا على جزر الكوريل، إن الأهالي يعارضون إدخال تغيرات على الأراضي. وتظاهر المئات مؤخراً احتجاجاً على أي تنازل عن أراضٍ. وقال الحاكم فاليري ليمارنكو لموقع «غازيتا رو» الإخباري إن «جزر الكوريل أراض روسية، هذا واضح. إن مسألة تسليم جزر الكوريل ليس موضع نقاش».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟