بعد بداية تبني الهجوم من قيادات الصف الثاني للجماعة؛ نضج التمرد الحوثي ضد الأمم المتحدة وممثليها أمس، بتصريحات من «قيادات الواجهة»، انتقصت فيها من قدرات الجنرال الهولندي باتريك كومارت، رئيس لجنة إعادة الانتشار في الحديدة، وتزامنت مع استهداف الجماعة الانقلابية المدعومة من إيران مقرّ وفد الحكومة اليمنية المشارك في اجتماعات اللجنة بواسطة طائرة مسيرة، وفقاً لما أعلنه وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني.
المتحدث باسم الحوثيين ورئيس وفدهم المفاوض محمد عبد السلام، خرج أمس بتمرد الجماعة رسمياً على الجنرال الهولندي، بعد أن رفض الأخير الاعتراف بمسرحية الجماعة المزعومة حول الانسحاب الصوري من ميناء الحديدة.
وقال عبد السلام، في تغريدة على «تويتر»، إن «عدم إحراز أي تقدم في الحديدة على صعيد تنفيذ اتفاق استوكهولم يعود بالأساس إلى خروج رئيس لجنة التنسيق الأممية عن مسار الاتفاق بتنفيذ أجندة أخرى»، وذلك في سياق التلميح بأن كومارت يميل إلى صفّ الحكومة الشرعية وممثليها في اللجنة.
واتهم متحدث الجماعة الجنرال الهولندي بالضعف، داعياً المبعوث الأممي غريفيث إلى التدخل. في صيغة المستنجد به - كما يبدو - من خطة إعادة الانتشار التي وضعها كومارت لتنفيذ اتفاق السويد. وقال: «يبدو أن المهمة أكبر من قدراته (كومارت)، وما لم يتدارك غريفيث الأمر، فمن الصعوبة بمكان البحث في أي شأن آخر».
وتُرجع مصادر يمنية حالة الهجوم الحوثية إلى تسليم الجنرال فريق الحوثيين خطة إعادة الانتشار، التي تقضي بأن يتسلم موظفو العام 2014 زمام السلطة المحلية، وهم الذين كانوا يديرون المدينة قبيل انقلاب الحوثيين واستيلائهم على السلطة بالقوة في نهاية ذلك العام.
اليماني: عصابة لا تقبل إلا الموت
يقرأ وزير الخارجية اليمني خالد اليماني تصرفات الجماعة الحوثية في تنفيذ الاتفاق بأنها «اعتقدت أنها تستطيع أن تتلاعب بالأمم المتحدة، وأن يكون انسحابهم من الحديدة انسحاباً شكلياً، لكن الحقيقة أن الاتفاق واضح، ولا يقبل اللبس». ورغم أن الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي منح مارتن غريفيث المبعوث الأممي لليمن فسحة إضافية - والحديث لليماني - فإنه قال للمبعوث «ينبغي أن تكون هناك خريطة طريق مزمّنة للانسحابات، وينبغي أن يتم منحهم (أي الحوثيين) مزيداً من الوقت، لكن في آخر المطاف يجب أن ينسحبوا».
يقول اليماني، في إطار تصريحات لـ«الشرق الأوسط» عبر الهاتف أمس، إن الجماعة بدأت الهجوم على غريفيث والجنرال الهولندي باتريك كومارت، «باعتبار أنهم لا يستطيعون كحركة قائمة على العنف والاستحواذ أن ينفذوا في أي لحظة من اللحظات أي اتفاق سبق أن التزموا بتنفيذه... هذا الاتفاق تحت إشراف الأمم المتحدة، وهم أيضا لا يستطيعون تنفيذه».
يضيف الوزير: «صقور الحركة والمتطرفون داخلها يرفضون مبدأ الانسحاب، ويقبلون بمبدأ الانسحاق تحت النار والموت وتدمير البلاد، لكن لا يقبلون بمبدأ التنازل والانسحاب... هذه عصابة قامت على فكرة العنف والإقصاء، فمن الطبيعي أن يكون هذا سلوكها».
ويشدد اليماني بالقول: «نؤكد بالأدلة القاطعة للمجتمع الدولي أننا نبحث ونقدم كل ما لدينا من تسهيلات وتنازلات سعياً إلى السلام. وهل هناك تسهيلات وتنازلات أكثر من قبولنا بأن تكون الاجتماعات في منطقة سيطرة الطرف الانقلابي، وعندما عقدناها في مناطق سيطرتنا رفض الطرف الانقلابي الاجتماع، بل عمل على قصف المكان»، مستطرداً: «عندما قبلنا باقتراح الأمم المتحدة حول فتح الممرات الآمنة للإغاثة الإنسانية، تم فتح الممرات الآمنة من طرفنا، بينما رفض الطرف الانقلابي، وعندما وجّه الرئيس هادي بصرف رواتب الموظفين الحكوميين في محافظة الحديدة كان هذا تأكيداً آخر بأننا مستعدون لحلحلة هذه الأزمة الصعبة، لكن في الأخير نحن أمام عصابة استمرأت الموت والقتل ولا تستطيع أن تعيش إلا في القتل... الحوثيون عصابة لا تستطيع أن تعيش إلا بالقتل والموت، لأن السلام ووقف إطلاق النار يعني نهاية هذه الحركة وتوقف الأموال التي تجنيها قياداتهم من جرائمها».
اجتماعات «إعادة الانتشار»
أفادت مصادر حكومية يمنية بأن ممثلي الجماعة الحوثية في اللجنة الأممية لتنسيق إعادة الانتشار في الحديدة، رفضت أمس لليوم الثاني على التوالي الاجتماع مع رئيس اللجنة والمراقبين الدوليين الجنرال الهولندي باتريك كومارت، وسط تصعيد ميداني واسع يشي بتفجير الأوضاع عسكرياً في مختلف جبهات الحديدة.
وذكر الموفد الإعلامي لوفد الحكومة اليمنية في لجنة إعادة الانتشار، أن الوفد الحكومي اجتمع مع كومارت بمقرّ تابع للحكومة اليمنية في الحديدة أمس. «وفي الاجتماع الذي وصف بالمثمر تمت مناقشة تنفيذ اتفاقية استوكهولم، حيث أبدى الفريق الحكومي اهتمامه البالغ، المعبر عن إرادة القيادة السياسية، ممثلة بفخامة المشير عبد ربه منصور هادي رئيس الجمهورية وقيادة التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، الحريصين على تحقيق الأمن والسلام للمواطنين في محافظة الحديدة خصوصاً، وفي اليمن بشكل عام».
وإذ لم يستغرب كثير من السياسيين هذا السلوك الحوثي والمناورة الهادفة إلى نسف الاتفاق وعدم تنفيذه، لجهة أن الجماعة منذ البداية لم تكن جادة في الالتزام به، واصلت الميليشيات الحوثية، في السياق نفسه، التصعيد على المستوى الميداني بحشد مئات من مسلحيها إلى جنوب محافظة الحديدة، في تحرك يرجح أنه لشنّ عملية واسعة لقطع إمدادات القوات الحكومية والالتفاف عليها من الخلف، مع تكثيف القصف المدفعي والصاروخي على الأطراف الجنوبية والشرقية من مدينة الحديدة نفسها.
استهداف الفريق الحكومي
اتساقاً مع هذا التصعيد الميداني، كشف وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني عن أن قوات الجيش، بدعم من التحالف، أحبطت عملية إرهابية استهدفت الفريق الحكومي في اللجنة المشتركة لتنسيق إعادة الانتشار، برئاسة اللواء صغير بن عزيز، عبر طائرة حوثية مسيرة مصنعة في إيران، في محاولة منها لإفشال تنفيذ اتفاق السويد، وإجهاض جهود الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لتسوية الأزمة.
ولفت الوزير في تغريدة على «تويتر» إلى أن «هذا التطور الخطير يأتي بعد يوم من الهجوم الإرهابي على عرض عسكري في قاعدة العند، الذي أدى إلى استشهاد وإصابة عدد من القيادات العسكرية والضباط والجنود، تأكيداً على نوايا الميليشيات الحوثية الإيرانية بنسف اتفاقات استوكهولم، وعلى الدور الذي يلعبه نظام طهران في تأجيج الصراع في اليمن والمنطقة». وفي وقت سابق، شنّت الجماعة الحوثية هجوماً رسمياً على الأمم المتحدة واتهمتها بالتقاعس في الشأن الإنساني والإغاثي، بالتزامن مع تهديد القيادي البارز في الجماعة ووزيرها للرياضة والشباب حسن زيد بطرد كومارت من الحديدة، وتفجير المعارك من جديد.
تهديد بمزيد من التصعيد
هدد المتحدث باسم الميليشيات يحيى سريع، وهو المنتحل لصفة مدير عام التوجيه المعنوي في الجيش اليمني، بمضاعفة هجمات الطائرات الإيرانية المسيرة الموجودة مع الجماعة، معلناً وجود مخزون ضخم من هذه الطائرات، مع التباهي خلال مؤتمر صحافي عقده في صنعاء أمس بقدراتها، وقدرات عناصر الجماعة، الذين زعم أنهم من يقومون بتصنيعها محلياً.
ووسط تأكيد مصادر محلية، رصدت القوات الحكومية في محافظة الحديدة قيام الجماعة الحوثية خلال أيام الهدنة باستقدام أعداد ضخمة من عناصرها وقواتها على دفعات باتجاه مناطق مديرية «التحيتا» (100 كيلومتر جنوب مدينة الحديدة).
كما أكدت المصادر أن قذائف المدفعية والصواريخ الحوثية لم تتوقف منذ يومين باتجاه مواقع القوات الحكومية في الأنحاء الشرقية والجنوبية من مدينة الحديدة، في مؤشر على أن الجماعة استنفدت غايتها من الهدنة التي منحها إياها اتفاق السويد.
ويرجح مراقبون عسكريون يمنيون أن الجماعة تهيأت خلال الهدنة لخوض الحرب مجدداً بعد أن أعادت ترتيب صفوفها وعززت من تحصيناتها، عبر حفر الخنادق والأنفاق في طول مدينة الحديدة وعرضها، وإقامة مختلف أنواع الحواجز في شوارعها.