مسارات الإرهاب في 2019

{القاعدة} تخطط لاختراق أفريقيا والصحراء من جديد

تأهب أمني في مدينة ستراسبورغ عقب هجوم إرهابي تبناه تنظيم {داعش} استهدف سوقاً في المدينة الفرنسية الشهر الماضي (إ.ب.أ)
تأهب أمني في مدينة ستراسبورغ عقب هجوم إرهابي تبناه تنظيم {داعش} استهدف سوقاً في المدينة الفرنسية الشهر الماضي (إ.ب.أ)
TT

مسارات الإرهاب في 2019

تأهب أمني في مدينة ستراسبورغ عقب هجوم إرهابي تبناه تنظيم {داعش} استهدف سوقاً في المدينة الفرنسية الشهر الماضي (إ.ب.أ)
تأهب أمني في مدينة ستراسبورغ عقب هجوم إرهابي تبناه تنظيم {داعش} استهدف سوقاً في المدينة الفرنسية الشهر الماضي (إ.ب.أ)

أحد الأسئلة الجوهرية التي تواجه الباحثين في شؤون الإرهاب حول العالم ونحن على عتبات العام الجديد، هو ذلك المتعلق بمسار العنف المسلح والمنطلق في عباءات آيديولوجية تارة والمتدثر بأردية دوغمائية تارة أخرى، وفي كل الأحوال لا يحمل الخير للبشر بل الشر والموت.
قبل أن ينتهي العام المنصرم، خيل للكثيرين أن العام الجديد سوف يضحى أفضل حالاً من سابقه، غير أن قراءات معمقة صادرة من مراكز دولية، وعن عقول خبيرة واعية بأبعاد الأزمة تشير إلى أن ذلك لن يضحى كذلك.
على أبواب 2019 لا يزال هناك فارق واضح بين إرهاب الدول وإرهاب الجماعات المسلحة على اختلاف مسمياتها، عطفاً على الشكل الذي بات أكثر إزعاجاً حول الكرة الأرضية، أي الإرهاب الفردي، ونموذج «الذئاب المنفردة»، والأشد خطورة هنا أولئك غير المرصودين أو المعروفين بالانتماء لجماعات إرهابية عنقودية.
يمكن للمرء بداية الحديث قطعا عن إرهاب الدول، لا سيما بعد أن أكد استطلاع رأي لخبراء السياسة الأميركية أن إيران تعد أكبر المهددين للأمن والسلم في العالم في العام الجديد. الخلاصة المتقدمة لم تأتِ من فراغ، بل هي حصاد معلومات ومتابعات لما تقوم به طهران من إرهاب الوكلاء والميليشيات في الشرق الأوسط تحديداً، عطفاً على الأدوار القاتلة في كل من أميركا اللاتينية، ودول البلقان، والتي ألقينا عليها الضوء في قراءات سابقة. والشاهد أن الخبراء الأميركيين الذين يتهمون إيران بالتدخل في النزاعات القومية، ودعم الجماعات الإرهابية في بعض الدول الحليفة للولايات المتحدة والذين ينتمون إلى مجلس العلاقات الخارجية الأميركي في واشنطن، قد رصدوا بعين المحللين الثقات الأرقام المتغيرة في الموازنة الإيرانية الجديدة لعام 2019. إذ أشارت تقارير من جهات مختلفة إلى قيام حكومة الملالي برفع مستوى الدعم للحرس الثوري ضمن الموازنة الجديدة لتصل إلى 6 مليارات، بعد أن كانت 4.8 مليار في ميزانية 2018، أي بزيادة قدرها 25 في المائة، والمثير في الأمر أن مخصصات وزارة الدفاع تراجعت من 17 مليار دولار عام 2018 إلى النصف في موازنة 2019. وحال محاولة فهم ماذا يعني ذلك، فإن النتيجة المؤكدة هي أن الحرس الثوري الموكول إليه العمليات الإرهابية الإيرانية، بات يجد المزيد من التمويل لتعكير صفو الأمن العام الدولي وتكدير سلمه.
ماذا عن أكبر جماعة ظلامية معاصرة في العالم الجديد؟
الإشارة ولاشك لـ«داعش» ومستقبل تحركاته عربياً أولاً ودولياً ثانياً، لا سيما بعد أن استدعت تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترمب الأيام الماضية عن اكتمال المهمة في سوريا بالقضاء على «داعش» الكثير من الأسئلة: فهل حقاً هزمت «داعش» هزيمة مبرمة في العراق وسوريا، وبهذا يكون قد انكسر شرها، وذهبت خطورتها إلى أضابير التاريخ؟
في الأسبوع الأخير من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، كتب توماس جوسلين كبير محرري مجلة «لونغ جورنال» تحقيقاً مطولاً عنوانه: «لم نهزم (داعش) بعد»، أشار فيه إلى بقاء عدد من كبار قادة التنظيم على قيد الحياة، بمن فيهم أبو بكر البغدادي، إضافة إلى آلاف المقاتلين في كل من سوريا والعراق وما يدل على أن عودة «داعش» ليست بعيدة حرص هؤلاء على التدريب المستمر في انتظار فرصة جديدة للنهوض مرة ثانية، عطفاً على مواصلة آلة التنظيم الإعلامية، والتي يعتقد أن مقرها الرئيسي لا يزال شرق أوسطي، وتنشر يومياً تقارير بلغات عدة.
أما حال استخدام الأرقام التي لا تكذب ولا تتجمل والمتصلة بعدد عمليات «داعش» خلال مدة 20 أسبوعاً، فنحن أمام حقيقة مؤكدة وهي أن التنظيم لا يزال قادراً على إحداث ضربات إرهابية وإن تراوحت قوتها حول العالم، ففي الفترة المرصودة ادعى «داعش» تنفيذه 1922 عملية، نصفها تقريباً في العراق أي نحو 946. وهناك 599 عملية في سوريا... فهل يمكن لتلك الجماعة أن تكون قد هزمت مرة وإلى الأبد؟
كذلك، أثبتت حادثة مدينة ستراسبوغ في فرنسا مؤخراً أن كارثة «داعش» ترتبط بالتوجيه الذهني والولاء العقائدي، إذ ليس شرطاً أن يكون الإرهابي الداعشي على اتصال تنظيمي بالقيادة في الشرق الأوسط، لكي يقدم على عملية بعينها، سيما وأن هناك تصريحات سابقة للمتحدث باسم التنظيم أبو محمد العدناني، يشير فيها إلى أن الأدوات البسيطة كافة يمكن أن تكون أداة لقتل الكفار من الإنجليز والفرنسين وغيرهم، كالسكين، والدهس بالسيارات، وصولاً إلى إلقاء الحجارة لو تطلب الأمر.
ولأن الأميركيين بنوع خاص لديهم مخاوف من أن يتمدد «داعش» داخل بلادهم المتمترسة وراء محيطين على حين غرة، لذا كان التركيز من كبريات الصحف الأميركية على الخطر الداعشي والجدل حول ما قاله ترمب، وهذا ما دفع جوشوا غيلترز، المدير التنفيذي لمعهد الدفاع عن الحقوق الدستورية بجامعة جورج تاون الأميركية، والذي شغل من قبل منصب المدير الأعلى لمكافحة الإرهاب في مجلس الأمن القومي الأميركي، وكريستوفر كوستا، المدير التنفيذي لمتحف الجاسوسية الدولي، وضابط الاستخبارات السابق، وقد شغل بدوره مدير قسم مكافحة الإرهاب في المجلس، لكتابة مقال مطول ورصين بتاريخ 19 ديسمبر (كانون الأول) الماضي عبر صحيفة «نيويورك تايمز»، أشار المقال إلى أن مهمة هزيمة «داعش» لم تنجز بالكامل، سيما وأن الجزء الأصعب ربما لم يأتِ بعد، وهو التعامل مع بقايا نواة التنظيم في العراق وسوريا، والخلاصة لديهما هي أنه رغم جميع النجاحات الكثيرة التي حققتها الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب منذ 11 سبتمبر (أيلول) 2001. فإن الإدارات الأميركية المتعاقبة لم تتوصل بعد إلى طريقة كاملة لتجاوز أهم منعطف في سبيل هزيمة الجماعات الإرهابية مثل القاعدة و«داعش»، من أجل القضاء عليها. والثابت أن ذكر اسم تنظيم القاعدة يعود بنا إلى حضور التنظيم الذي من رحمه خرجت «داعش» في العراق، ومآلاته في العام الجديد، وهو المعروف بحضوره الفكري والعقائدي بأكثر من عملياته النوعية كما الحال مع «داعش» ؟
مع الأيام الأولى من العام الجديد كان مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة التابع لدار الإفتاء المصرية، يصدر قراءته عن تنظيم القاعدة، وكيف أنه يسعى لبسط نفوذه في مناطق أفريقيا وجنوب الصحراء، وفق استراتيجية تستند إلى أربعة أسس رئيسية هي: التحالفات مع الجماعات الإرهابية الأخرى في المنطقة والتي تنتهج آيديولوجيته، وتتلاقى في المصالح والأهداف معه، ثم الضرب على وتر العرقية، إذ يحرص تنظيم القاعدة دائماً على الاحتفاظ بظهير عرقي يمثل مصدراً رئيسياً للعناصر الإرهابية التي يمكن أن تنضم إليه، كي يتخطى الخسائر التي يتعرض لها بسبب العمليات العسكرية ضده، واستخدام أساليب جديدة لم يكن يستخدمها من قبل، إذ يحاول على سبيل المثال في المغرب أن يرد على الهجمات التي تشن ضده بأساليب مختلفة وسريعة، خشية أن يؤثر عدم الرد على تمسكه الداخلي وإضعاف قدرته على التوسع في المنطقة.
في سياق البحث عن المشهد الإرهابي القادم، يستطيع المرء القطع بأن هناك تنظيمات وخلايا جديدة غير مركزية قد تنشأ حول العالم، لا سيما في أفريقيا وآسيا، وليس شرطاً أن تكون ذات مقدرة عالية، بل يكفي أن تلتقي نوايا إيقاع الأذى بالآخرين لحدوث عمليات إرهابية كبيرة من خلال أدوات تبدو في الظاهر صغيرة.
التحليل السابق يمكن ومن أسف أن يكون له حظ من النجاح لأسباب منطقية تسلسلية فقد كانت حركة المجاهدين العرب في أفغانستان هي المصدر الرئيسي لتنظيم القاعدة في التسعينات، ذلك الذي أذاق العالم الكثير من الألم وصولاً إلى العام الأول من العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وتالياً في العقد الثاني كانت «داعش» تنبعث من ركام القاعدة في العراق، وتتمدد في سوريا، وها نحن على عتبات العقد الثالث من القرن الجديد، وفيه تبقى الاحتمالات مفتوحة وواردة، وقابلة لظهور تنظيمات أخرى، ربما تكون ثمرة التقاء للفارين من الدواعش، وبقايا القاعدة، إضافة إلى جماعات أخرى بعضها بات يعرف بصفته إرهاباً عائلياً، حيث نجد عمليات بعينها يقوم بها أقارب ومن دون أن يخالطهم غريب، الأمر الذي يعقد من مسألة المتابعة الأمنية، أو إفشال مثل تلك المخططات قبل حدوثها.
من بين تلك الإشكاليات العريضة المتصلة بالإرهاب في العام الجديد يبقى الحديث عن مهارات الاتصالات بين الإرهابيين الذين باتوا خبراء ولا نغالي إن قلنا إنهم أضحوا «إرهابيين معولمين»، بمعنى حضورهم العالي في مجال التكنولوجيا الذكية، والالتفاف من حول الرقابة الأمنية، ما بعد التقليدية، وذلك من خلال زيادة استخدام التطبيقات المشفرة، فقد بات من المحتمل أن تحاول جماعات إرهابية محاكاة وتطوير التقنيات والأساليب التي تستخدمها المنظمات الإجرامية العابرة للحدود.
وفي الإطار نفسه يبقى الإرهاب السيبراني مجالاً جديداً للجماعات الإرهابية للتعاطي من خلاله، سيما وأنه أصبح عالماً ورائياً غير مرئي من السلطات التي تراقب الإرهاب والمتشددين، ومن هنا فإن المخاوف من أن يسابق الإرهابيون ولو بخطو واحدة الأجهزة المعنية، وفي هذها الحال ربما تكون الضحايا بالآلاف أو الملايين، إذا استطاع الإرهابيون اختراق شبكات الدفاع والصواريخ لدولة كبرى، أو طالت أياديهم مفاتيح الشفرات التي تنظم حركة الطائرات في المجال الجوي أو الوصول إلى محطات الكهرباء والبنى التحتية لدولة ما.
أضف إلى ما تقدم فإن هناك رعباً جديداً ينتظر أن يستطير شره في الأعوام المقبلة، منه على سبيل المثال لا الحصر إشكالية الطائرات من دون طيار، فحتى لو كانت في شكل بدائي، فإن خطر تحميلها بمتفجرات يبقى كارثياً ويهدد الآمنين بشراً وحجراً.
يأمل المرء أن يكون 2019 أفضل حظاً من سابقه، لكن حقيقة الأمر تبين أن المخاوف القائمة والقادمة تستدعي وتتطلب استراتيجية دولية حقيقية غير مرائية، إن أراد الجميع الخلاص من الشر الآتي من بعيد.



«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
TT

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)

في مؤشر رمزي لـ«اختبار قدراته»، عقب هزائمه في سوريا والعراق وعدد من الدول، دفع تنظيم داعش الإرهابي عناصره وخلاياه لتنفيذ عمليات في غرب أفريقيا، أملاً في «إثبات الوجود» وتأكيد استمرار مشروع التنظيم. ضربات التنظيم «الخاطفة» التي شهدتها بوركينا فاسو ومالي والنيجر، ونيجيريا أخيراً، دفعت لتساؤلات تتعلق بأهداف توجه «داعش» نحو غرب أفريقيا الآن، وخطة نشاطه خلال الفترة المقبلة.
خبراء ومتخصصون في الحركات الأصولية أكدوا أن «التنظيم يهدف من نشاطه في غرب القارة السمراء إلى تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، وتأكيد الوجود في المشهد، والحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق».
وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط» إن «التنظيم الإرهابي عانى من الانحسار الجغرافي خلال الأشهر الماضية، وتأثر بمقتل زعيمه السابق أبي بكر البغدادي، وهو يسعى لتدوير قدراته القتالية في مناطق جديدة». لكن الخبراء قللوا في هذا الصدد من تأثير عمليات «داعش» في هذه الدول، لكونها للترويج الإعلامي.

خلايا فرعية
يشار إلى أن «ولاية غرب أفريقيا» في «داعش» انشقت عن جماعة «بوكو حرام» في عام 2016، وأصبحت الجماعة المتشددة المهيمنة في تلك المنطقة. وأبدى «داعش» اهتماماً ملحوظاً خلال الأشهر الماضية بتوسيع نطاق نشاطه في القارة الأفريقية، حيث تعاني بعض الدول من مشكلات أمنية واقتصادية واجتماعية، مما ساعده في تحقيق أهدافه.
وقال أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «النقطة المركزية في حركة التنظيمات الجهادية، وتحديداً (المعولمة) الموجودة بين أكثر من دولة، وأكثر من نشاط، تحت رعاية مشروع آيديولوجي (جهادي) محدد، مثل (داعش) ومن قبله (القاعدة)، أنه في كثير من الأحيان يكون التمركز في منطقة معينة، وتكون هي مركز الثقل، مع وجود فروع أو جيوب أخرى يتم التحرك من خلالها في بعض الأحيان، فضلاً عن أن هناك قواعد جهادية قتالية بلا عمل، فيكون التكتيك الذي يتبعه التنظيم في هذه السياقات ضرورة العمل في مناطق أخرى، أو توزيع جهوده على نطاقات جغرافية أخرى، بهدف تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، بصفته (أي داعش) جماعة مقاومة -على حد زعم التنظيم- فضلاً عن تأكيد عبارات مثل: (موجودون) و(مستمرون في القتال) و(مستمرون في إقامة مشروعنا)».
في حين أرجع عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، محاولات «داعش» للتمدد في غرب أفريقيا إلى «إعادة التموضع واتخاذ مرتكزات أخرى، بعد الضربات التي مُني بها التنظيم أخيراً، خاصة بعد مقتل البغدادي والمهاجر. لذلك لجأ التنظيم إلى أفريقيا الساحل ونيجيريا وبوركينا فاسو والنيجر ومالي، وغيرها من الدول، لأن بعض هذه الدول تعاني من مشكلات في الوجود الأمني، سواء داخلياً أو على الحدود. لذا لجأ التنظيم لعدة عمليات للحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق، مع وجود منافس شرس هناك مثل تنظيم (القاعدة) الموجود بصور مختلفة في السنوات القليلة الماضية على أراضي بعض الدول الأفريقية».
وفي غضون ذلك، فسر الأكاديمي الدكتور أيمن بريك، أستاذ الإعلام المساعد في جامعتي الأزهر والإمام محمد بن سعود الإسلامية، تمدد «داعش» في غرب أفريقيا بأنه «محاولة لـ(لملمة شتات) عناصره، بعد الهزائم المتتالية في العراق وسوريا، حيث دفع بكثير من أعضائه الفارين إلى أفريقيا، في محاولة لتأكيد البقاء».

ضربات موجعة
الكلام السابق تطابق مع دراسة لمرصد دار الإفتاء في مصر، أكدت أنه «رغم الضربات الموجعة التي تعرض لها (داعش)، سواء بإخراجه من آخر معاقله في الباغوز بسوريا، واستعادة كافة الأراضي التي سيطر عليها خلال عام 2014، أو بالقضاء على غالبية قياداته ورموزه، وعلى رأسهم أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم السابق، فإنه ظل قادراً على تنفيذ عمليات في مناطق عدة، بعد فتح جبهات جديدة لعناصره في غرب أفريقيا التي تُعد ساحة مرشحة لعمليات متزايدة متضاعفة للتنظيم».
هذا وقد قتل البغدادي بعد غارة عسكرية أميركية في سوريا، بينما قتل المتحدث باسم التنظيم السابق أبو الحسن المهاجر في عملية عسكرية منفصلة في الأسبوع نفسه تقريباً، نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وأكد زغلول أن «التنظيم الإرهابي عانى من أزمات في مناطق انتشاره الأساسية، وهناك استراتيجيات أمنية على المستوى المحلي والدولي ضده، فضلاً عن انحسار جغرافي في سوريا والعراق، وهناك قيادة جديدة تولت التنظيم... كل هذه التحديات تدفعه إلى إثبات وجود، وإعادة تدوير قدراته القتالية في مناطق أخرى واختبارها، لذا يبدو طبيعياً أن يتمدد في غرب أفريقيا، أو في أي منطقة أخرى، ما دام أن هناك موارد وسياقات محلية تدعم هذا التوجه، والأمر لا يتوقف فقط على التنظيم الرئيسي (أي القيادة المركزية لداعش وقراراتها)، لكنه مرتبط بجانب آخر بوجود سياقات مناسبة؛ بمعنى أن الأوضاع الداخلية في دولة ما قد تكون مناسبة لنشاط التنظيم خلال فترة ما، وقد تكون هذه الأوضاع غير مناسبة للتنظيم في دولة أخرى».
ودعا البغدادي في وقت سابق ما سماها «ولايات دولة الخلافة المزعومة» في أفغانستان والقوقاز وإندونيسيا، وأيضاً غرب ووسط أفريقيا، للقيام بعمليات إرهابية.

مشهد جديد
وعن دلالة توجه «داعش» لغرب أفريقيا الآن، قال عبد المنعم: «هي محاولة لبلورة مشهد جهادي جديد في هذه الدول. وقد هذا ظهر بشكل كبير بعد أيام من مقتل البغدادي، وبيعة أبو إبراهيم الهاشمي القرشي زعيم (داعش) الجديد، ليؤكد التنظيم أنه عازم على استكمال مسيرة مشروعه، لذا خرج بشعار جديد في أحد إصداراته الأخيرة بعنوان (سوف نمضي)».
ومن جهته، أكد أحمد زغلول أن «التضييقات السياسية والأمنية على التنظيم في نقاطه المركزية دفعته إلى الكمون خلال الأشهر الماضية، وتضييق نشاطه، وتقليل حجم عملياته، بهدف البقاء، أو كنوع من المناورة مع السياسات الأمنية التي يتعرض لها من وقت لآخر، وهذا جعل التنظيم لديه أزمات داخلية؛ بمعنى أن هناك مشروعاً جهادياً لا بد من تحقيقه، وهناك قواعد له في دول أخرى ترى أن التنظيم نموذجاً وتدعمه بشكل أو بآخر بمختلف أوجه الدعم، لذا يؤكد دائماً على البقاء والثبات».
وكثف «داعش» من هجماته الإرهابية في دول غرب أفريقيا أخيراً. ففي نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تبنى «داعش» هجوماً على قاعدة أربيندا العسكرية في بوركينا فاسو، قُتل خلاله 7 عسكريين. وفي الشهر ذاته، نشر التنظيم شريطاً مصوراً مدته دقيقة واحدة، أظهر فيه مشاهد إعدام 11 مسيحياً في شمال شرقي نيجيريا. وسبق ذلك إعلان «داعش»، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مسؤوليته عن هجوم استهدف قاعدة عسكرية شمال شرقي مالي، وأسفر عن مقتل 53 جندياً. كما تبنى التنظيم هجوماً أوقع أكثر من 70 قتيلاً في معسكر لجيش النيجر في ايناتيس قرب مالي.
وأشارت تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال مراقبون إن «عودة هؤلاء، أو من تبقى منهم، إلى أفريقيا بعد هزائم سوريا والعراق كانت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيرين منهم شباب صغير السن، وليس لهم روابط إرهابية سابقة، وأغلبهم تم استقطابه عبر الإنترنت».

عمليات نوعية
وحول نشاط «داعش» المستقبلي في غرب أفريقيا، قال عمرو عبد المنعم إن «نشاط (داعش) بدأ يظهر في غرب أفريقيا من خلال عمليات نوعية، سواء ضد المسيحيين أو جيوش الدول أو العناصر الغربية الموجودة في هذه المناطق»، لافتاً إلى أن «الاستهداف حتى الآن عشوائي، وبعض هذه العمليات لم يحدث تأثيراً بالقدر الكبير، كمثل العمليات التي حدثت في أوروبا، وأحدثت دوياً من قبل، وحتى الآن هي مجرد عمليات للترويج الإعلامي وإثبات الوجود، لأن بعض ولايات وأذرع (داعش) بأفريقيا التي بايعت البغدادي في وقت سابق ما زالت لم يسمع لها صوتاً، بالمقارنة بحجم وتأثير العمليات التي شهدتها أوروبا في وقت سابق».
أما الدكتور أيمن بريك، فقد تحدث عن احتمالية «حدوث تحالف بين (داعش) و(القاعدة) ‏في القارة الأفريقية، كـ(تحالف تكتيكي) في ظل حالة الضعف والتردي التي ‏يعاني منها التنظيمين»، لكنه في الوقت نفسه دعا إلى «ضرورة التصدي لـمحاولات تمدد (داعش) وغيره من التنظيمات الإرهابية في ‏القارة الأفريقية، وذلك قبل أن ينجح بقايا الدواعش في إعادة بناء تنظيم، ربما يكون أكثر عنفاً وتشدداً وإجراماً مما فعله التنظيم الأم (أي داعش) خلال أعوامه السابقة».