«الذئاب المنفردة» والشبكات الإرهابية في المغرب

صراع ما بين التطرف وقبضة الأمن

مغربي يتابع  آثار العمل الإرهابي الذي ضرب مطعم كاسا دي إسبانيا في الدار البيضاء يوم17 مايو 2003 (غيتي)
مغربي يتابع آثار العمل الإرهابي الذي ضرب مطعم كاسا دي إسبانيا في الدار البيضاء يوم17 مايو 2003 (غيتي)
TT

«الذئاب المنفردة» والشبكات الإرهابية في المغرب

مغربي يتابع  آثار العمل الإرهابي الذي ضرب مطعم كاسا دي إسبانيا في الدار البيضاء يوم17 مايو 2003 (غيتي)
مغربي يتابع آثار العمل الإرهابي الذي ضرب مطعم كاسا دي إسبانيا في الدار البيضاء يوم17 مايو 2003 (غيتي)

أظهرت العملية الإرهابية التي وقعت بمنطقة إمليل قرب مدينة مراكش السياحية، في 17 ديسمبر (كانون الأول) 2018؛ والتي أسفرت عن مقتل سائحة دنماركية وأخرى نرويجية، أن المغرب لا يزال يعاني بشكل مباشر من الخطر الإرهابي. ومن المثير أن تنظيم داعش لم يعلن إلى اليوم، مسؤوليته عن العملية؛ رغم أن المنفذين أعلنوا مبايعتهم للتنظيم المتطرف.
كما بينت التحريات التي ما زالت مستمرة، وأدت لاعتقال 17 شخصاً، أن الأمر لا يتعلق بمجرد «ذئاب منفردة»، أو خلية من الخلايا المحلية؛ والتي اعتادت المصالح الأمنية التعامل معها منذ سنة 2003. فرغم أن العملية الإرهابية البشعة، نفذت بوسائل بسيطة (السكاكين)، فإن تعميق البحث الأمني، أدى إلى الكشف عن شبكة إرهابية. كما تبين من خلال تصريحات مغربية رسمية، أن الأفراد الموقوفين يسود بينهم نوع من التعاون، والتواصل المستمر؛ والمؤطر ضمن رؤية تهدف إلى تنفيذ مجموعة من الأعمال الإرهابية بالمغرب، والحصول على السلاح. وكذا تجنيد شباب مغاربة للالتحاق بمجموعات متطرفة، في منطقة الساحل والصحراء.

صعوبات المواجهة
من الواضح، أن الشبكة الإرهابية الجديدة استطاعت، أن تشكل تحدياً للنجاحات الكبيرة التي حققتها الأجهزة الأمنية المغربية بعد تفجير مقهي أركانة بمراكش في أبريل (نيسان) 2011. والذي تم بواسطة «ذئاب منفردة»، وأدى إلى سقوط 17 قتيلاً و20 جريحاً. ويبدو أن هذا القفز فوق الحواجز الأمنية، الذي حققته هذه الشبكة، يعبر عن الصعوبات الحقيقية التي تواجهها الدول، أمام القدرة الكبيرة، والانسياب، الذي تحققه، الجماعات الإرهابية، على مستوى، نشر، وتجنيد، ونقل الخبرة القتالية، عبر وسائل التواصل الاجتماعي؛ باستعمال «فيسبوك» و«ماسنجر» و«إنستغرام».
فقد ساعدت عدة عوامل موضوعية، الشبكة الإرهابية على إحداث هذا الاختراق الأمني. ويبدو أن أولها، راجع، لطبيعة المنطقة القروية، والبعيدة عن المدينة، حيث ألفت الخلايا النائمة العمل، وارتكاب أعمالها الإرهابية، داخل المدن الكبرى المغربية وخاصة الدار البيضاء، ومراكش؛ لما يشكله المكان، من دلالة رمزية، ودعاية وتأثير بالنسبة لآيديولوجية الجماعات المتطرفة.
أما العامل الثاني، فيعود لأشخاص الخلية المنفذة للعملية؛ حيث إن ثلاثة من أعضاء «الخلية»، المرتكبة للعملية، مستواهم التعليمي متدنٍ جداً، ولا يؤهلهم لاستعمال وسائل التواصل الاجتماعي. فمثلاً عبد الرحمان خيالي، والذي سجل ببيته فيديو لمبايعة «داعش» لم يتمم دراسته، حيث غادر الدراسة في السنة الأولى إعدادي، ثم توجه نحو تعلم حرفة السمكرة «بلومبي»، والتي ضمنت له قوت اليوم لسنوات داخل فندق مصنف بمدينة مراكش، قبل أن يغادر عمله منذ أربع سنوات، ويشتغل لحسابه الخاص. وتقول زوجته عائشة: «تزوجت به عام 2010. رغم أني من عائلة محافظة، وأرتدي النقاب قبل زواجنا. قبلت الارتباط بعبد الرحمن الشاب الطبيعي الذي لم يكن يطلق لحيته حينها، بل كان يدخن ويشرب الخمر، ودخلنا في خصام أكثر من مرة بسبب هذا الأمر».
ويقول أحد جيران المتهم، الثاني بمقتل السائحتين، رشيد أفاطي: «لاحظنا التحول في سلوك رشيد قبل سنة تقريباً وازداد حدة قبل أربعة أشهر، حيث صار يميل إلى العزلة والوحدة ولم يعد يلقي علينا السلام أو يرد السلام، وينظر إلينا بنظرات حادة خلال مروره بقربنا». وفي السياق نفسه، أشار بعض أصدقاء عبد الصمد الجود المتهم بالمشاركة في تنفيذ عملية القتل، أنه لم يعد يصلي في المسجد مع أصدقائه، كما هو معتاد، وأن هذا التحول وقع في الأشهر الأخيرة فقط». ويبدو فعلاً أن أعضاء الخلية الإرهابية، لم يكونوا متدينين متطرفين؛ بل انتقلوا بسرعة لعالم التطرف، رغم أن بعضهم معروف بانحراف وإدمان الخمر. وربما هذا ما دفع بسفيرة المغرب لدى النرويج لمياء الراضي، للتصريح لقنوات إعلامية نرويجية، يوم 9 يناير (كانون الثاني) الحالي، بأن أعضاء الخلية، انتقلوا إلى التطرف العنيف أسبوعاً فقط قبل ارتكابهم للعملية.
من جهة ثالثة، تكمن صعوبة الكشف عن مثل هذه الخلايا، في كون أعضائها لم يكونوا من ذوي سوابق في الإجرام أو الإرهاب؛ باستثناء فرد واحد، حاول الالتحاق بتنظيم داعش، وتعرض للسجن جراء ذلك سنة 2014. وهذا بدوره يطرح تحدياً مهماً، أمام الأجهزة الأمنية، يتلخص في إمكانية مراقبة العناصر المتطرفة، ومعرفة مدى تراجعها تصورياً وسلوكياً عن المعتقدات والأفعال المتطرفة.
كما، أعاد الوضع الاجتماعي الهش لأعضاء الخلية، التفسير الاقتصادي للواجهة؛ حيث إن الأفراد الذين نفذوا العملية الأخيرة، يسكنون في الأحياء الهامشية، ويتحدرون من الأوساط الفقيرة؛ وبالتالي صعوبة الولوج للخدمات الأساسية، مثل التعليم، والصحة، مما يكرس نفسية الحرمان والإقصاء، ويبقي الفرد في دائرة العوز الاجتماعي في المدن الكبرى؛ كما أن اجتماع ضغط الحياة، وتدني التعليم، والتعرض لتأثيرات الفكر المتطرف يسحب من الحياة المعيشة معناها، ويدفع ببعض الشباب، للبحث عن معنى جديد عبر تنفيذ هجمات إرهابية، بطريقة مميتة ووحشية.
من جانب رابع، يظهر بحسب الرواية الرسمية، أن الشاب السويسري وعمره 25 سنة، والذي دخل للبلاد، سنة 2015 وقرر الاستقرار بها، وتزوج من مغربية، والحاصل على بطاقة الإقامة في مراكش سنة 2017. قد لعب دوراً مركزياً غير مباشر في واقعة أمليل البشعة. أما المكتب المركزي للأبحاث القضائية ويرأسه عبد الحق الخيام، الذي أسس سنة 2015 باعتباره مؤسسة لمواجهة الأنشطة الإرهابية، وتعرف إعلامياً (بالبسيج)؛ فتشير لتوفرها على أدلة، تثبت تورط الشاب السويسري، في تدريب ونقل المعارف، المتطرفة والعنيفة «للخلية» المنفذة. وقد صرح عبد الحق الخيام، لوسائل إعلام محلية ودولية أنه يشتبه في تورط الشاب السويسري المقيم بالمغرب، «في تلقين بعض الموقوفين، آليات التواصل بواسطة التطبيقات الحديثة، إلى جانب تدريبهم على الرماية، وانخرط في عمليات استقطاب مواطنين مغاربة، وأفارقة من دول جنوب الصحراء بغرض تجنيدهم في مخططات إرهابية بالمغرب».
ورغم أن المصالح الأمنية بالمغرب لم تُدلِ بكل تفاصيل الدور الذي لعبه الشاب السويسري؛ فإن كثيراً من المؤشرات تدل على اضطلاعه بدور مركزي في عملية إمليل. فبخلاف المستوى التعليمي لأعضاء «الخلية» المنفذة، فإن الشاب السويسري، هو الأكثر تعلماً ضمن المجموعة الموجهة لها تهم المشاركة في العملية؛ ويبدو أنه لعب دور الرابط والوسيط، عبر التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي، مما مكن من تأسيس وإدارة شبكة، كان أول تحركها العملي، هو قتل سائحتين بفصل رأسيهما عن الجسد. غير أن هذا التحرك، كان مسبوقاً، بذلك الإحساس الجماعي، لأعضاء الخلية بأن عملهم، يأتي في سياق، بناء عمل تنظيمي مرتبط، فكرياً وسلوكياً، بأفراد آخرين خارج المغرب. وهذا بدوره خلق في وعي أفراد الخلية، ذلك الانتماء «لدولة الخلافة»؛ وبالتالي التحرك وممارسة الأعمال الوحشية التي تقوم بها «داعش»؛ حتى ولو كان أعضاء الخلية لا يتمتعون بأي صلة تنظيمية، مع تنظيم أبي بكر البغدادي.
ويبدو أن الدور الذي لعبه الشاب السويسري، في عملية إمليل؛ يذكر بالدور المحوري «للحاج روبير» والذي ولد بضواحي سانت - ايتيان بفرنسا، واستطاع دخول المغرب وإقامة معسكر للتدريب على القتال بضواحي مدينة فاس أواخر 2002. مما أدى ببعض أفراد هذه المجموعة إلى تنفيذ عملية كبيرة يوم 16 مايو (أيار) 2003 بالدار البيضاء. صحيح أن هناك فرقا بين الشخصيتين الأوروبيتين «بيير روبير» والشاب السويسري؛ لكنهما يشتركان في تأسيس وتدريب «شبكة» إرهابية على أراضٍ مغربية. وكلاهما نجحا في عدم إثارة انتباه الأجهزة الأمنية إلا بعد وقوع عملية إرهابية.

تجاوز الصعوبات
ورغم أن عملية إمليل تمثل اختراقاً للجهود المبذولة من المغرب لمكافحة الإرهاب؛ فإن التجربة المغربية تظل رائدة دولياً، فيما يخص المواجهة الاستباقية للشبكات والخلايا الإرهابية، على المستوى الوطني حيث فككت عشرات الخلايا؛ وخارجياً في أوروبا، حيث كانت الأجهزة الأمنية المغربية طرفاً مركزياً في إحباط عمليات داخل الدول الأوروبية، كما ساهمت بشكل أساسي في إلقاء القبض على عناصر نفذت عمليات إرهابية، في بلجيكا وفرنسا.
وفي هذا السياق الخاص بالمواجهة الاستباقية للإرهاب، والحد من عنصر المفاجأة؛ اقترح الدكتور يونس الوكيلي أستاذ علم الاجتماع بجامعة محمد الخامس، «أن يتم العمل بشكل تشاركي بين السلطات الأمنية وفاعلين مدنيين وأسر المتطرفين على بناء سُلم لدرجات التطرف، يحدد علامات التطرف من الخطيرة إلى الأقل خطورة (يمكن الاستفادة من تجربة فرنسا في هذا الباب، وأيضاً تجربة بلدية آرهوس بالدنمارك)».
بالإضافة لذلك، أصبح لزاماً على الدولة المغربية توسيع جهودها المواكبة لتحسين الشروط الاجتماعية والاقتصادية للشبان المحكومين في قضايا الإرهاب، الذين استفادوا من برنامج المصالحة؛ والذي قادته كل من الرابطة المحمدية للعلماء والمندوبية العامة لإدارة السجون والمجلس الوطني لحقوق الإنسان سنة 2017. كما تحتاج المؤسسات الأمنية، والدينية الرسمية لشراكة حقيقية مع المثقفين والتنظيمات الدينية المدنية المعتدلة، لخلق مزيد من الفاعلين المشتغلين على محاصرة الإرهاب. بكلمة، يمكن القول، إن المغرب منذ 2011 إلى الأسابيع الأخيرة من سنة 2018م، لم يعرف وقوع أي عملية إرهابية، مما يعد إنجازاً كبيراً في معركة مواجهة الإرهاب. وقد نهج المغرب سياسة مندمجة، وجب تطويرها، رغم أنها، مكنته من تحقيق هذا الإنجاز، في محيط إقليمي، على تماسٍ مباشر بمنطقة الساحل والصحراء وما تشهده ليبيا، من انتشار كبير للسلاح، ونمو متزايد للجماعات الإرهابية. وربما هذا ما جعل الكثير من المؤسسات الدولية المتخصصة في الاستقرار والأمن الدولي، تنعت المغرب بالدولة المستقرة. ومن ذلك التقرير الصادر عن معهد الاقتصاديات والسلام بلندن، والذي صدر سنة 2018؛ ووضع المغرب في الرتبة 132 عالمياً، من حيث الدول المهددة بالهجمات الإرهابية.
- أستاذ زائر للعلوم السياسية جامعة محمد الخامس



«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».