«الذئاب المنفردة» والشبكات الإرهابية في المغرب

صراع ما بين التطرف وقبضة الأمن

مغربي يتابع  آثار العمل الإرهابي الذي ضرب مطعم كاسا دي إسبانيا في الدار البيضاء يوم17 مايو 2003 (غيتي)
مغربي يتابع آثار العمل الإرهابي الذي ضرب مطعم كاسا دي إسبانيا في الدار البيضاء يوم17 مايو 2003 (غيتي)
TT

«الذئاب المنفردة» والشبكات الإرهابية في المغرب

مغربي يتابع  آثار العمل الإرهابي الذي ضرب مطعم كاسا دي إسبانيا في الدار البيضاء يوم17 مايو 2003 (غيتي)
مغربي يتابع آثار العمل الإرهابي الذي ضرب مطعم كاسا دي إسبانيا في الدار البيضاء يوم17 مايو 2003 (غيتي)

أظهرت العملية الإرهابية التي وقعت بمنطقة إمليل قرب مدينة مراكش السياحية، في 17 ديسمبر (كانون الأول) 2018؛ والتي أسفرت عن مقتل سائحة دنماركية وأخرى نرويجية، أن المغرب لا يزال يعاني بشكل مباشر من الخطر الإرهابي. ومن المثير أن تنظيم داعش لم يعلن إلى اليوم، مسؤوليته عن العملية؛ رغم أن المنفذين أعلنوا مبايعتهم للتنظيم المتطرف.
كما بينت التحريات التي ما زالت مستمرة، وأدت لاعتقال 17 شخصاً، أن الأمر لا يتعلق بمجرد «ذئاب منفردة»، أو خلية من الخلايا المحلية؛ والتي اعتادت المصالح الأمنية التعامل معها منذ سنة 2003. فرغم أن العملية الإرهابية البشعة، نفذت بوسائل بسيطة (السكاكين)، فإن تعميق البحث الأمني، أدى إلى الكشف عن شبكة إرهابية. كما تبين من خلال تصريحات مغربية رسمية، أن الأفراد الموقوفين يسود بينهم نوع من التعاون، والتواصل المستمر؛ والمؤطر ضمن رؤية تهدف إلى تنفيذ مجموعة من الأعمال الإرهابية بالمغرب، والحصول على السلاح. وكذا تجنيد شباب مغاربة للالتحاق بمجموعات متطرفة، في منطقة الساحل والصحراء.

صعوبات المواجهة
من الواضح، أن الشبكة الإرهابية الجديدة استطاعت، أن تشكل تحدياً للنجاحات الكبيرة التي حققتها الأجهزة الأمنية المغربية بعد تفجير مقهي أركانة بمراكش في أبريل (نيسان) 2011. والذي تم بواسطة «ذئاب منفردة»، وأدى إلى سقوط 17 قتيلاً و20 جريحاً. ويبدو أن هذا القفز فوق الحواجز الأمنية، الذي حققته هذه الشبكة، يعبر عن الصعوبات الحقيقية التي تواجهها الدول، أمام القدرة الكبيرة، والانسياب، الذي تحققه، الجماعات الإرهابية، على مستوى، نشر، وتجنيد، ونقل الخبرة القتالية، عبر وسائل التواصل الاجتماعي؛ باستعمال «فيسبوك» و«ماسنجر» و«إنستغرام».
فقد ساعدت عدة عوامل موضوعية، الشبكة الإرهابية على إحداث هذا الاختراق الأمني. ويبدو أن أولها، راجع، لطبيعة المنطقة القروية، والبعيدة عن المدينة، حيث ألفت الخلايا النائمة العمل، وارتكاب أعمالها الإرهابية، داخل المدن الكبرى المغربية وخاصة الدار البيضاء، ومراكش؛ لما يشكله المكان، من دلالة رمزية، ودعاية وتأثير بالنسبة لآيديولوجية الجماعات المتطرفة.
أما العامل الثاني، فيعود لأشخاص الخلية المنفذة للعملية؛ حيث إن ثلاثة من أعضاء «الخلية»، المرتكبة للعملية، مستواهم التعليمي متدنٍ جداً، ولا يؤهلهم لاستعمال وسائل التواصل الاجتماعي. فمثلاً عبد الرحمان خيالي، والذي سجل ببيته فيديو لمبايعة «داعش» لم يتمم دراسته، حيث غادر الدراسة في السنة الأولى إعدادي، ثم توجه نحو تعلم حرفة السمكرة «بلومبي»، والتي ضمنت له قوت اليوم لسنوات داخل فندق مصنف بمدينة مراكش، قبل أن يغادر عمله منذ أربع سنوات، ويشتغل لحسابه الخاص. وتقول زوجته عائشة: «تزوجت به عام 2010. رغم أني من عائلة محافظة، وأرتدي النقاب قبل زواجنا. قبلت الارتباط بعبد الرحمن الشاب الطبيعي الذي لم يكن يطلق لحيته حينها، بل كان يدخن ويشرب الخمر، ودخلنا في خصام أكثر من مرة بسبب هذا الأمر».
ويقول أحد جيران المتهم، الثاني بمقتل السائحتين، رشيد أفاطي: «لاحظنا التحول في سلوك رشيد قبل سنة تقريباً وازداد حدة قبل أربعة أشهر، حيث صار يميل إلى العزلة والوحدة ولم يعد يلقي علينا السلام أو يرد السلام، وينظر إلينا بنظرات حادة خلال مروره بقربنا». وفي السياق نفسه، أشار بعض أصدقاء عبد الصمد الجود المتهم بالمشاركة في تنفيذ عملية القتل، أنه لم يعد يصلي في المسجد مع أصدقائه، كما هو معتاد، وأن هذا التحول وقع في الأشهر الأخيرة فقط». ويبدو فعلاً أن أعضاء الخلية الإرهابية، لم يكونوا متدينين متطرفين؛ بل انتقلوا بسرعة لعالم التطرف، رغم أن بعضهم معروف بانحراف وإدمان الخمر. وربما هذا ما دفع بسفيرة المغرب لدى النرويج لمياء الراضي، للتصريح لقنوات إعلامية نرويجية، يوم 9 يناير (كانون الثاني) الحالي، بأن أعضاء الخلية، انتقلوا إلى التطرف العنيف أسبوعاً فقط قبل ارتكابهم للعملية.
من جهة ثالثة، تكمن صعوبة الكشف عن مثل هذه الخلايا، في كون أعضائها لم يكونوا من ذوي سوابق في الإجرام أو الإرهاب؛ باستثناء فرد واحد، حاول الالتحاق بتنظيم داعش، وتعرض للسجن جراء ذلك سنة 2014. وهذا بدوره يطرح تحدياً مهماً، أمام الأجهزة الأمنية، يتلخص في إمكانية مراقبة العناصر المتطرفة، ومعرفة مدى تراجعها تصورياً وسلوكياً عن المعتقدات والأفعال المتطرفة.
كما، أعاد الوضع الاجتماعي الهش لأعضاء الخلية، التفسير الاقتصادي للواجهة؛ حيث إن الأفراد الذين نفذوا العملية الأخيرة، يسكنون في الأحياء الهامشية، ويتحدرون من الأوساط الفقيرة؛ وبالتالي صعوبة الولوج للخدمات الأساسية، مثل التعليم، والصحة، مما يكرس نفسية الحرمان والإقصاء، ويبقي الفرد في دائرة العوز الاجتماعي في المدن الكبرى؛ كما أن اجتماع ضغط الحياة، وتدني التعليم، والتعرض لتأثيرات الفكر المتطرف يسحب من الحياة المعيشة معناها، ويدفع ببعض الشباب، للبحث عن معنى جديد عبر تنفيذ هجمات إرهابية، بطريقة مميتة ووحشية.
من جانب رابع، يظهر بحسب الرواية الرسمية، أن الشاب السويسري وعمره 25 سنة، والذي دخل للبلاد، سنة 2015 وقرر الاستقرار بها، وتزوج من مغربية، والحاصل على بطاقة الإقامة في مراكش سنة 2017. قد لعب دوراً مركزياً غير مباشر في واقعة أمليل البشعة. أما المكتب المركزي للأبحاث القضائية ويرأسه عبد الحق الخيام، الذي أسس سنة 2015 باعتباره مؤسسة لمواجهة الأنشطة الإرهابية، وتعرف إعلامياً (بالبسيج)؛ فتشير لتوفرها على أدلة، تثبت تورط الشاب السويسري، في تدريب ونقل المعارف، المتطرفة والعنيفة «للخلية» المنفذة. وقد صرح عبد الحق الخيام، لوسائل إعلام محلية ودولية أنه يشتبه في تورط الشاب السويسري المقيم بالمغرب، «في تلقين بعض الموقوفين، آليات التواصل بواسطة التطبيقات الحديثة، إلى جانب تدريبهم على الرماية، وانخرط في عمليات استقطاب مواطنين مغاربة، وأفارقة من دول جنوب الصحراء بغرض تجنيدهم في مخططات إرهابية بالمغرب».
ورغم أن المصالح الأمنية بالمغرب لم تُدلِ بكل تفاصيل الدور الذي لعبه الشاب السويسري؛ فإن كثيراً من المؤشرات تدل على اضطلاعه بدور مركزي في عملية إمليل. فبخلاف المستوى التعليمي لأعضاء «الخلية» المنفذة، فإن الشاب السويسري، هو الأكثر تعلماً ضمن المجموعة الموجهة لها تهم المشاركة في العملية؛ ويبدو أنه لعب دور الرابط والوسيط، عبر التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي، مما مكن من تأسيس وإدارة شبكة، كان أول تحركها العملي، هو قتل سائحتين بفصل رأسيهما عن الجسد. غير أن هذا التحرك، كان مسبوقاً، بذلك الإحساس الجماعي، لأعضاء الخلية بأن عملهم، يأتي في سياق، بناء عمل تنظيمي مرتبط، فكرياً وسلوكياً، بأفراد آخرين خارج المغرب. وهذا بدوره خلق في وعي أفراد الخلية، ذلك الانتماء «لدولة الخلافة»؛ وبالتالي التحرك وممارسة الأعمال الوحشية التي تقوم بها «داعش»؛ حتى ولو كان أعضاء الخلية لا يتمتعون بأي صلة تنظيمية، مع تنظيم أبي بكر البغدادي.
ويبدو أن الدور الذي لعبه الشاب السويسري، في عملية إمليل؛ يذكر بالدور المحوري «للحاج روبير» والذي ولد بضواحي سانت - ايتيان بفرنسا، واستطاع دخول المغرب وإقامة معسكر للتدريب على القتال بضواحي مدينة فاس أواخر 2002. مما أدى ببعض أفراد هذه المجموعة إلى تنفيذ عملية كبيرة يوم 16 مايو (أيار) 2003 بالدار البيضاء. صحيح أن هناك فرقا بين الشخصيتين الأوروبيتين «بيير روبير» والشاب السويسري؛ لكنهما يشتركان في تأسيس وتدريب «شبكة» إرهابية على أراضٍ مغربية. وكلاهما نجحا في عدم إثارة انتباه الأجهزة الأمنية إلا بعد وقوع عملية إرهابية.

تجاوز الصعوبات
ورغم أن عملية إمليل تمثل اختراقاً للجهود المبذولة من المغرب لمكافحة الإرهاب؛ فإن التجربة المغربية تظل رائدة دولياً، فيما يخص المواجهة الاستباقية للشبكات والخلايا الإرهابية، على المستوى الوطني حيث فككت عشرات الخلايا؛ وخارجياً في أوروبا، حيث كانت الأجهزة الأمنية المغربية طرفاً مركزياً في إحباط عمليات داخل الدول الأوروبية، كما ساهمت بشكل أساسي في إلقاء القبض على عناصر نفذت عمليات إرهابية، في بلجيكا وفرنسا.
وفي هذا السياق الخاص بالمواجهة الاستباقية للإرهاب، والحد من عنصر المفاجأة؛ اقترح الدكتور يونس الوكيلي أستاذ علم الاجتماع بجامعة محمد الخامس، «أن يتم العمل بشكل تشاركي بين السلطات الأمنية وفاعلين مدنيين وأسر المتطرفين على بناء سُلم لدرجات التطرف، يحدد علامات التطرف من الخطيرة إلى الأقل خطورة (يمكن الاستفادة من تجربة فرنسا في هذا الباب، وأيضاً تجربة بلدية آرهوس بالدنمارك)».
بالإضافة لذلك، أصبح لزاماً على الدولة المغربية توسيع جهودها المواكبة لتحسين الشروط الاجتماعية والاقتصادية للشبان المحكومين في قضايا الإرهاب، الذين استفادوا من برنامج المصالحة؛ والذي قادته كل من الرابطة المحمدية للعلماء والمندوبية العامة لإدارة السجون والمجلس الوطني لحقوق الإنسان سنة 2017. كما تحتاج المؤسسات الأمنية، والدينية الرسمية لشراكة حقيقية مع المثقفين والتنظيمات الدينية المدنية المعتدلة، لخلق مزيد من الفاعلين المشتغلين على محاصرة الإرهاب. بكلمة، يمكن القول، إن المغرب منذ 2011 إلى الأسابيع الأخيرة من سنة 2018م، لم يعرف وقوع أي عملية إرهابية، مما يعد إنجازاً كبيراً في معركة مواجهة الإرهاب. وقد نهج المغرب سياسة مندمجة، وجب تطويرها، رغم أنها، مكنته من تحقيق هذا الإنجاز، في محيط إقليمي، على تماسٍ مباشر بمنطقة الساحل والصحراء وما تشهده ليبيا، من انتشار كبير للسلاح، ونمو متزايد للجماعات الإرهابية. وربما هذا ما جعل الكثير من المؤسسات الدولية المتخصصة في الاستقرار والأمن الدولي، تنعت المغرب بالدولة المستقرة. ومن ذلك التقرير الصادر عن معهد الاقتصاديات والسلام بلندن، والذي صدر سنة 2018؛ ووضع المغرب في الرتبة 132 عالمياً، من حيث الدول المهددة بالهجمات الإرهابية.
- أستاذ زائر للعلوم السياسية جامعة محمد الخامس



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».