«الذئاب المنفردة» والشبكات الإرهابية في المغرب

صراع ما بين التطرف وقبضة الأمن

مغربي يتابع  آثار العمل الإرهابي الذي ضرب مطعم كاسا دي إسبانيا في الدار البيضاء يوم17 مايو 2003 (غيتي)
مغربي يتابع آثار العمل الإرهابي الذي ضرب مطعم كاسا دي إسبانيا في الدار البيضاء يوم17 مايو 2003 (غيتي)
TT

«الذئاب المنفردة» والشبكات الإرهابية في المغرب

مغربي يتابع  آثار العمل الإرهابي الذي ضرب مطعم كاسا دي إسبانيا في الدار البيضاء يوم17 مايو 2003 (غيتي)
مغربي يتابع آثار العمل الإرهابي الذي ضرب مطعم كاسا دي إسبانيا في الدار البيضاء يوم17 مايو 2003 (غيتي)

أظهرت العملية الإرهابية التي وقعت بمنطقة إمليل قرب مدينة مراكش السياحية، في 17 ديسمبر (كانون الأول) 2018؛ والتي أسفرت عن مقتل سائحة دنماركية وأخرى نرويجية، أن المغرب لا يزال يعاني بشكل مباشر من الخطر الإرهابي. ومن المثير أن تنظيم داعش لم يعلن إلى اليوم، مسؤوليته عن العملية؛ رغم أن المنفذين أعلنوا مبايعتهم للتنظيم المتطرف.
كما بينت التحريات التي ما زالت مستمرة، وأدت لاعتقال 17 شخصاً، أن الأمر لا يتعلق بمجرد «ذئاب منفردة»، أو خلية من الخلايا المحلية؛ والتي اعتادت المصالح الأمنية التعامل معها منذ سنة 2003. فرغم أن العملية الإرهابية البشعة، نفذت بوسائل بسيطة (السكاكين)، فإن تعميق البحث الأمني، أدى إلى الكشف عن شبكة إرهابية. كما تبين من خلال تصريحات مغربية رسمية، أن الأفراد الموقوفين يسود بينهم نوع من التعاون، والتواصل المستمر؛ والمؤطر ضمن رؤية تهدف إلى تنفيذ مجموعة من الأعمال الإرهابية بالمغرب، والحصول على السلاح. وكذا تجنيد شباب مغاربة للالتحاق بمجموعات متطرفة، في منطقة الساحل والصحراء.

صعوبات المواجهة
من الواضح، أن الشبكة الإرهابية الجديدة استطاعت، أن تشكل تحدياً للنجاحات الكبيرة التي حققتها الأجهزة الأمنية المغربية بعد تفجير مقهي أركانة بمراكش في أبريل (نيسان) 2011. والذي تم بواسطة «ذئاب منفردة»، وأدى إلى سقوط 17 قتيلاً و20 جريحاً. ويبدو أن هذا القفز فوق الحواجز الأمنية، الذي حققته هذه الشبكة، يعبر عن الصعوبات الحقيقية التي تواجهها الدول، أمام القدرة الكبيرة، والانسياب، الذي تحققه، الجماعات الإرهابية، على مستوى، نشر، وتجنيد، ونقل الخبرة القتالية، عبر وسائل التواصل الاجتماعي؛ باستعمال «فيسبوك» و«ماسنجر» و«إنستغرام».
فقد ساعدت عدة عوامل موضوعية، الشبكة الإرهابية على إحداث هذا الاختراق الأمني. ويبدو أن أولها، راجع، لطبيعة المنطقة القروية، والبعيدة عن المدينة، حيث ألفت الخلايا النائمة العمل، وارتكاب أعمالها الإرهابية، داخل المدن الكبرى المغربية وخاصة الدار البيضاء، ومراكش؛ لما يشكله المكان، من دلالة رمزية، ودعاية وتأثير بالنسبة لآيديولوجية الجماعات المتطرفة.
أما العامل الثاني، فيعود لأشخاص الخلية المنفذة للعملية؛ حيث إن ثلاثة من أعضاء «الخلية»، المرتكبة للعملية، مستواهم التعليمي متدنٍ جداً، ولا يؤهلهم لاستعمال وسائل التواصل الاجتماعي. فمثلاً عبد الرحمان خيالي، والذي سجل ببيته فيديو لمبايعة «داعش» لم يتمم دراسته، حيث غادر الدراسة في السنة الأولى إعدادي، ثم توجه نحو تعلم حرفة السمكرة «بلومبي»، والتي ضمنت له قوت اليوم لسنوات داخل فندق مصنف بمدينة مراكش، قبل أن يغادر عمله منذ أربع سنوات، ويشتغل لحسابه الخاص. وتقول زوجته عائشة: «تزوجت به عام 2010. رغم أني من عائلة محافظة، وأرتدي النقاب قبل زواجنا. قبلت الارتباط بعبد الرحمن الشاب الطبيعي الذي لم يكن يطلق لحيته حينها، بل كان يدخن ويشرب الخمر، ودخلنا في خصام أكثر من مرة بسبب هذا الأمر».
ويقول أحد جيران المتهم، الثاني بمقتل السائحتين، رشيد أفاطي: «لاحظنا التحول في سلوك رشيد قبل سنة تقريباً وازداد حدة قبل أربعة أشهر، حيث صار يميل إلى العزلة والوحدة ولم يعد يلقي علينا السلام أو يرد السلام، وينظر إلينا بنظرات حادة خلال مروره بقربنا». وفي السياق نفسه، أشار بعض أصدقاء عبد الصمد الجود المتهم بالمشاركة في تنفيذ عملية القتل، أنه لم يعد يصلي في المسجد مع أصدقائه، كما هو معتاد، وأن هذا التحول وقع في الأشهر الأخيرة فقط». ويبدو فعلاً أن أعضاء الخلية الإرهابية، لم يكونوا متدينين متطرفين؛ بل انتقلوا بسرعة لعالم التطرف، رغم أن بعضهم معروف بانحراف وإدمان الخمر. وربما هذا ما دفع بسفيرة المغرب لدى النرويج لمياء الراضي، للتصريح لقنوات إعلامية نرويجية، يوم 9 يناير (كانون الثاني) الحالي، بأن أعضاء الخلية، انتقلوا إلى التطرف العنيف أسبوعاً فقط قبل ارتكابهم للعملية.
من جهة ثالثة، تكمن صعوبة الكشف عن مثل هذه الخلايا، في كون أعضائها لم يكونوا من ذوي سوابق في الإجرام أو الإرهاب؛ باستثناء فرد واحد، حاول الالتحاق بتنظيم داعش، وتعرض للسجن جراء ذلك سنة 2014. وهذا بدوره يطرح تحدياً مهماً، أمام الأجهزة الأمنية، يتلخص في إمكانية مراقبة العناصر المتطرفة، ومعرفة مدى تراجعها تصورياً وسلوكياً عن المعتقدات والأفعال المتطرفة.
كما، أعاد الوضع الاجتماعي الهش لأعضاء الخلية، التفسير الاقتصادي للواجهة؛ حيث إن الأفراد الذين نفذوا العملية الأخيرة، يسكنون في الأحياء الهامشية، ويتحدرون من الأوساط الفقيرة؛ وبالتالي صعوبة الولوج للخدمات الأساسية، مثل التعليم، والصحة، مما يكرس نفسية الحرمان والإقصاء، ويبقي الفرد في دائرة العوز الاجتماعي في المدن الكبرى؛ كما أن اجتماع ضغط الحياة، وتدني التعليم، والتعرض لتأثيرات الفكر المتطرف يسحب من الحياة المعيشة معناها، ويدفع ببعض الشباب، للبحث عن معنى جديد عبر تنفيذ هجمات إرهابية، بطريقة مميتة ووحشية.
من جانب رابع، يظهر بحسب الرواية الرسمية، أن الشاب السويسري وعمره 25 سنة، والذي دخل للبلاد، سنة 2015 وقرر الاستقرار بها، وتزوج من مغربية، والحاصل على بطاقة الإقامة في مراكش سنة 2017. قد لعب دوراً مركزياً غير مباشر في واقعة أمليل البشعة. أما المكتب المركزي للأبحاث القضائية ويرأسه عبد الحق الخيام، الذي أسس سنة 2015 باعتباره مؤسسة لمواجهة الأنشطة الإرهابية، وتعرف إعلامياً (بالبسيج)؛ فتشير لتوفرها على أدلة، تثبت تورط الشاب السويسري، في تدريب ونقل المعارف، المتطرفة والعنيفة «للخلية» المنفذة. وقد صرح عبد الحق الخيام، لوسائل إعلام محلية ودولية أنه يشتبه في تورط الشاب السويسري المقيم بالمغرب، «في تلقين بعض الموقوفين، آليات التواصل بواسطة التطبيقات الحديثة، إلى جانب تدريبهم على الرماية، وانخرط في عمليات استقطاب مواطنين مغاربة، وأفارقة من دول جنوب الصحراء بغرض تجنيدهم في مخططات إرهابية بالمغرب».
ورغم أن المصالح الأمنية بالمغرب لم تُدلِ بكل تفاصيل الدور الذي لعبه الشاب السويسري؛ فإن كثيراً من المؤشرات تدل على اضطلاعه بدور مركزي في عملية إمليل. فبخلاف المستوى التعليمي لأعضاء «الخلية» المنفذة، فإن الشاب السويسري، هو الأكثر تعلماً ضمن المجموعة الموجهة لها تهم المشاركة في العملية؛ ويبدو أنه لعب دور الرابط والوسيط، عبر التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي، مما مكن من تأسيس وإدارة شبكة، كان أول تحركها العملي، هو قتل سائحتين بفصل رأسيهما عن الجسد. غير أن هذا التحرك، كان مسبوقاً، بذلك الإحساس الجماعي، لأعضاء الخلية بأن عملهم، يأتي في سياق، بناء عمل تنظيمي مرتبط، فكرياً وسلوكياً، بأفراد آخرين خارج المغرب. وهذا بدوره خلق في وعي أفراد الخلية، ذلك الانتماء «لدولة الخلافة»؛ وبالتالي التحرك وممارسة الأعمال الوحشية التي تقوم بها «داعش»؛ حتى ولو كان أعضاء الخلية لا يتمتعون بأي صلة تنظيمية، مع تنظيم أبي بكر البغدادي.
ويبدو أن الدور الذي لعبه الشاب السويسري، في عملية إمليل؛ يذكر بالدور المحوري «للحاج روبير» والذي ولد بضواحي سانت - ايتيان بفرنسا، واستطاع دخول المغرب وإقامة معسكر للتدريب على القتال بضواحي مدينة فاس أواخر 2002. مما أدى ببعض أفراد هذه المجموعة إلى تنفيذ عملية كبيرة يوم 16 مايو (أيار) 2003 بالدار البيضاء. صحيح أن هناك فرقا بين الشخصيتين الأوروبيتين «بيير روبير» والشاب السويسري؛ لكنهما يشتركان في تأسيس وتدريب «شبكة» إرهابية على أراضٍ مغربية. وكلاهما نجحا في عدم إثارة انتباه الأجهزة الأمنية إلا بعد وقوع عملية إرهابية.

تجاوز الصعوبات
ورغم أن عملية إمليل تمثل اختراقاً للجهود المبذولة من المغرب لمكافحة الإرهاب؛ فإن التجربة المغربية تظل رائدة دولياً، فيما يخص المواجهة الاستباقية للشبكات والخلايا الإرهابية، على المستوى الوطني حيث فككت عشرات الخلايا؛ وخارجياً في أوروبا، حيث كانت الأجهزة الأمنية المغربية طرفاً مركزياً في إحباط عمليات داخل الدول الأوروبية، كما ساهمت بشكل أساسي في إلقاء القبض على عناصر نفذت عمليات إرهابية، في بلجيكا وفرنسا.
وفي هذا السياق الخاص بالمواجهة الاستباقية للإرهاب، والحد من عنصر المفاجأة؛ اقترح الدكتور يونس الوكيلي أستاذ علم الاجتماع بجامعة محمد الخامس، «أن يتم العمل بشكل تشاركي بين السلطات الأمنية وفاعلين مدنيين وأسر المتطرفين على بناء سُلم لدرجات التطرف، يحدد علامات التطرف من الخطيرة إلى الأقل خطورة (يمكن الاستفادة من تجربة فرنسا في هذا الباب، وأيضاً تجربة بلدية آرهوس بالدنمارك)».
بالإضافة لذلك، أصبح لزاماً على الدولة المغربية توسيع جهودها المواكبة لتحسين الشروط الاجتماعية والاقتصادية للشبان المحكومين في قضايا الإرهاب، الذين استفادوا من برنامج المصالحة؛ والذي قادته كل من الرابطة المحمدية للعلماء والمندوبية العامة لإدارة السجون والمجلس الوطني لحقوق الإنسان سنة 2017. كما تحتاج المؤسسات الأمنية، والدينية الرسمية لشراكة حقيقية مع المثقفين والتنظيمات الدينية المدنية المعتدلة، لخلق مزيد من الفاعلين المشتغلين على محاصرة الإرهاب. بكلمة، يمكن القول، إن المغرب منذ 2011 إلى الأسابيع الأخيرة من سنة 2018م، لم يعرف وقوع أي عملية إرهابية، مما يعد إنجازاً كبيراً في معركة مواجهة الإرهاب. وقد نهج المغرب سياسة مندمجة، وجب تطويرها، رغم أنها، مكنته من تحقيق هذا الإنجاز، في محيط إقليمي، على تماسٍ مباشر بمنطقة الساحل والصحراء وما تشهده ليبيا، من انتشار كبير للسلاح، ونمو متزايد للجماعات الإرهابية. وربما هذا ما جعل الكثير من المؤسسات الدولية المتخصصة في الاستقرار والأمن الدولي، تنعت المغرب بالدولة المستقرة. ومن ذلك التقرير الصادر عن معهد الاقتصاديات والسلام بلندن، والذي صدر سنة 2018؛ ووضع المغرب في الرتبة 132 عالمياً، من حيث الدول المهددة بالهجمات الإرهابية.
- أستاذ زائر للعلوم السياسية جامعة محمد الخامس



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.