البنك الدولي يحذِّر من تفاقم ديون الدول الفقيرة

البنك الدولي يحذِّر من تفاقم ديون الدول الفقيرة
TT

البنك الدولي يحذِّر من تفاقم ديون الدول الفقيرة

البنك الدولي يحذِّر من تفاقم ديون الدول الفقيرة

اعتبر تقرير صادر عن البنك الدولي أن ديون الدول الفقيرة ترتفع بشكل كبير، محذراً من «انحدار المسار على نحو خطر»، لكن التحذير لم يرقَ بعد إلى درجة الإنذار بوجود بأزمة وشيكة الوقوع.
والتقرير يتناول 33 بلداً منها 27 في أفريقيا جنوب الصحراء، ويتقاطع مع تقارير أخرى عن نفس القضية نُشرت خلال الأشهر القليلة الماضية. وتجاوزت ديون تلك الدول إلى ناتجها نسبة 50% في 2018 مقابل 30% في 2013.
ويشير التقرير إلى قفزات مقلقة في نسبة الدين إلى الناتج في عدد من البلدان مثل غامبيا التي ارتفعت فيها تلك النسبة من 60 إلى 88%، وتلتهم كلفة قروض الدولة 42% من إيراداتها.
وفي موزمبيق حدث تعثر في السداد بعدما قفزت نسبة الدين إلى الناتج من 50 إلى 102% بين 2013 و2018.
ووفقاً للبنك الدولي، هناك الآن 11 دولة من أصل 33 تعاني من تراكم ديون فوق طاقتها، ولم يكن العدد إلا 5 في عام 2015، ولهذه الدول خصائص مشتركة أبرزها احتدام الصراع الداخلي والفساد واعتماد اقتصاداتها على إنتاج المواد الأولية فقط. وكانت تلك الدول قد شرعت في التوسع في الاستدانة منذ عام 2000، عندما بدأت تشهد نمواً اقتصادياً بأكثر من 10% في بعض الفترات بعد شطب ديون واسع النطاق استفادت منه بفضل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. وكانت آنذاك أسعار المواد الأولية منتعشة جداً، ما دفع الحكومات إلى جذب رساميل أجنبية كثيفة لتمويل الاستثمار والاستهلاك. لكن هبوط أسعار المواد الأولية بشكل كبير بين 2014 و2016 قلب المعادلة رأساً على عقب، فتراجعت قيم الصادرات وانخفضت أسعار العملات المحلية وتعمقت فجوات العجز في الموازنات.
لكنّ تقرير البنك الدولي لا يتناول فقط صعود مستويات ديون الدول منخفضة الدخل بل أيضاً يركز على الدائنين وكيف تغيّروا بين حقبتين، إذ زاد اعتماد الدول الفقيرة على دائنين غير تقليديين. وتراجع اللجوء إلى القروض التنموية متعددة الأطراف ذات التكلفة المنخفضة في مقابل ارتفاع الاستدانة من شركاء تجاريين أو أسواق الدين الدولية بفوائد مرتفعة.
وفي السنوات القليلة الماضية، غامر عدد من الدول الفقيرة بخوض غمار الاستدانة من أسواق المال الدولية، فإثيوبيا، على سبيل المثال، ورواندا والسنغال وتنزانيا، أطلقت إصدارات بالدولار أو اليورو بفوائد باهظة. ووصلت تلك القروض حالياً إلى استحقاقات سدادها، وعلى الدول المدينة البحث عن إعادة تمويل لأن ميزانياتها لا تسمح بالسداد، لكن أسواق الدين الدولية حالياً غير متحمسة لذلك والمستثمرون على جانب كبير من الحذر.
إلى ذلك، يكشف التقرير أن الصين تحولت بالنسبة إلى تلك الدول، سيما الأفريقية منها، إلى دائن كبير، علماً بأن الصين ليست عضواً في نادي باريس الذي يجمع بين أعضائه دولاً غنية تنظر في شطب ديون لدول فقيرة أو تساعدها في إعادة هيكلة قروضها على نحو ميسّر السداد بكلفة فوائد أقل وآجال استحقاقات أطول. ويتوقع التقرير حصول تفاوت في التقدير بين دائني الدول الفقيرة في حالة التعثر. وما يزيد الطين بلة، وفقاً لتقرير البنك الدولي، أن القروض الممنوحة من دائنين غير تقليديين مربوطة بضمانات مثل اتفاقات مقابل بضائع وسلع أولية أو بترول أو رهن بنى تحتية، أو ضمانات أكثر تعقيداً وغير شفافة كفاية.
وإلى جانب نصائحه التقليدية الخاصة بزيادة الإيرادات الضريبية، يدعو البنك الدولي الدائنين والمدينين إلى المزيد من الشفافية في إعلان تلك الديون وكشف المستور منها في عدد من الدول. فقد اكتشف صندوق النقد الدولي العام الماضي ديوناً في موزمبيق غير مدرجة حسب الأصول في الحسابات الوطنية، وعند إدراجها تضاعفت نسبة الدين إلى الناتج، وارتفعت كلفة الدين من 2.6% من الناتج إلى 16%.
ويحذِّر التقرير من تراجع دور صندوق النقد والبنك الدوليين في مساعدة تلك الحكومات خصوصاً مع إحجام الدول الفقيرة عن طلب المساعدة من المؤسستين المذكورتين علماً بأنهما كانتا ضمن المجموعة التي ساهمت بقوة عام 2000 في تخفيف أعباء ديون الدول الفقيرة، وانخفضت نسبة ديون تلك الدول إلى ناتجها من 100% في عام 2000 إلى 30% في 2013.
ويشمل تحذير التقرير تجاوز العجز في 12 دولة فقيرة نسبة 3% من الناتج كما في 2017 و2018.
ويقول البنك: «لا يشكل الدين عبئاً خطراً إذا كانت القروض موجّهة إلى الاستثمار في البنى التحتية أو الاستثمارات عموماً، سيما التي ترفع الإنتاج وتخلق فرص عمل وتدفع النمو الاقتصادي قدماً، وبالتالي تتولد منها إيرادات تسد الدين وكلفته». ويضرب على ذلك عدة أمثلة ناجحة في مدغشقر ومالي وغينيا بيساو ونيبال، في مقابل دول أخرى أخطأت في توجيه الديون ناحية الاستهلاك الجاري غير المولد لفرص العمل ولا يترك أثراً إيجابياً في دينامية النمو. ففي عدد من دول أفريقيا جنوب الصحراء ارتفعت القروض بفعل زيادات رواتب الموظفين، والأسوأ حسب التقرير، استخدام بعض القروض لمراكمة أصول خاصة في الخارج، مثل إقدام مسؤولين حكوميين على شراء قصور خارج بلدانهم.
وإذا كان التقرير لا يدق جرس اندلاع أزمة مالية، فإنه في الوقت نفسه يدعو إلى الإسراع في وضع معالجات فورية قبل فوات الأوان، لأن الفوائد العالمية تتجه إلى مزيد من الارتفاع مقتفية أثر مسار رفع الفائدة الأميركية على الدولار.


مقالات ذات صلة

كوريا الجنوبية تتعهد بزيادة 45 % في مساهمتها بصندوق تابع للبنك الدولي

الاقتصاد متسوقون في أحد الشوارع التجارية بالعاصمة الكورية الجنوبية سيول (رويترز)

كوريا الجنوبية تتعهد بزيادة 45 % في مساهمتها بصندوق تابع للبنك الدولي

قالت وزارة المالية الكورية الجنوبية إن الرئيس يون سوك يول تعهد بزيادة مساهمة بلاده في صندوق المؤسسة الدولية للتنمية التابع للبنك الدولي بمقدار 45 في المائة.

«الشرق الأوسط» (سيول)
الاقتصاد منظر عام لمدينة وهران الجزائرية (رويترز)

البنك الدولي: الجزائر تحقق نمواً 3.9 % في النصف الأول رغم انخفاض إنتاج المحروقات

أفاد تقرير البنك الدولي بعنوان «تقرير رصد الوضع الاقتصادي للجزائر: إطار عمل شامل لدعم الصادرات» بأن اقتصاد الجزائر سجل نمواً بنسبة 3.9 في المائة في النصف الأول.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن خلال مشاركته في قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو (أ.ب)

بايدن يتعهد بأربعة مليارات دولار لصندوق يساعد أفقر البلدان

يسجل المبلغ رقما قياسيا ويتجاوز كثيرا نحو 3.5 مليار دولار تعهدت بها واشنطن في الجولة السابقة من تعزيز موارد الصندوق في ديسمبر كانون الأول 2021.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد منظر عام لشارع الحبيب بورقيبة في وسط تونس (رويترز)

البنك الدولي يتوقع نمو الاقتصاد التونسي 1.2 % في 2024

توقّع البنك الدولي أن ينمو الاقتصاد التونسي بنسبة 1.2 في المائة في 2024، وهو أقل من توقعاته السابقة.

«الشرق الأوسط» (تونس)
العالم العربي جانب من لقاء وزير التخطيط اليمني مع مسؤولي البنك الدولي على هامش زيارته لواشنطن (سبأ)

اليمن يقدم رؤية شاملة للبنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات التنموية

قدمت الحكومة اليمنية إلى البنك الدولي رؤية شاملة لإعادة هيكلة المشروعات، في مسعى لزيادة المخصصات المالية للبلاد.

عبد الهادي حبتور (الرياض)

السعودية تنضم لمبادرة الشراكة الدولية لتعزيز اقتصاد الهيدروجين وخلايا الوقود

مسؤولون بوزارة الطاقة السعودية بعد الإعلان عن الانضمام لمبادرة الشراكة الدولية لتعزيز اقتصاد الهيدروجين (وزارة الطاقة السعودية)
مسؤولون بوزارة الطاقة السعودية بعد الإعلان عن الانضمام لمبادرة الشراكة الدولية لتعزيز اقتصاد الهيدروجين (وزارة الطاقة السعودية)
TT

السعودية تنضم لمبادرة الشراكة الدولية لتعزيز اقتصاد الهيدروجين وخلايا الوقود

مسؤولون بوزارة الطاقة السعودية بعد الإعلان عن الانضمام لمبادرة الشراكة الدولية لتعزيز اقتصاد الهيدروجين (وزارة الطاقة السعودية)
مسؤولون بوزارة الطاقة السعودية بعد الإعلان عن الانضمام لمبادرة الشراكة الدولية لتعزيز اقتصاد الهيدروجين (وزارة الطاقة السعودية)

أعلنت وزارة الطاقة السعودية انضمام المملكة إلى مبادرة الشراكة الدولية لتعزيز اقتصاد الهيدروجين وخلايا الوقود، وذلك ضمن مساعي البلاد لدعم الجهود الدولية لتطوير هذا القطاع.

وبحسب بيان نشرته الوزارة، يُمثّل انضمام المملكة لهذه الشراكة خطوةً جديدة تؤكد الدور الريادي الذي تنهض به السعودية، ضمن الجهود الدولية الرامية إلى تعزيز الاستدامة، وابتكار حلول متقدمة في مجالات الطاقة النظيفة. كما يدعم طموح المملكة بأن تصبح أحد أهم منتجي ومصدّري الهيدروجين النظيف في العالم والوصول للحياد الصفري بحلول عام 2060، أو قبله، في إطار نهج الاقتصاد الدائري للكربون، وحسب توفر التقنيات اللازمة.

ويؤكّد انضمام المملكة إلى هذه الشراكة رؤيتها الراسخة حيال دور التعاون الدولي وأهميته لتحقيق مستقبل أكثر استدامة للطاقة، كما أنه يُسهم في تحقيق أهداف مبادرتي «السعودية الخضراء» و«الشرق الأوسط الأخضر»، اللتين تهدفان إلى تقليل الانبعاثات الكربونية، إضافة إلى دعم المساعي الدولية لتحفيز الطلب العالمي على الهيدروجين النظيف، والإسهام في وضع اللوائح والمعايير لتعزيز اقتصاد الهيدروجين النظيف، وفقاً للبيان.

كما تمثل الشراكة الدولية لتعزيز اقتصاد الهيدروجين وخلايا الوقود منصة رئيسة لتعزيز التعاون بين الدول الأعضاء لتسريع تطوير ونشر تقنيات الهيدروجين وخلايا الوقود والإسهام في تحقيق تحول عالمي متوازنٍ وفاعلٍ نحو أنظمة طاقة نظيفة وأكثر كفاءة. وتعمل الشراكة على تبادل المعرفة بين الأعضاء، ودعم تطوير البحوث والتقنيات ذات الصلة بالإضافة إلى التوعية والتعليم حول أهمية الهيدروجين النظيف ودوره المحوري في تحقيق التنمية المستدامة.

وفي هذا الإطار، أوضحت الوزارة أن المملكة تحرص على أن تكون عضواً فاعلاً في العديد من المنظمات والمبادرات الدولية ذات العلاقة بإنتاج الوقود النظيف والوقود منخفض الانبعاثات، مثل: مبادرة «مهمة الابتكار»، والاجتماع الوزاري للطاقة النظيفة، ومنتدى الحياد الصفري للمنتجين، ومبادرة الميثان العالمية، ومبادرة «الحد من حرق الغاز المصاحب لإنتاج البترول بحلول عام 2030»، والتعهد العالمي بشأن الميثان، والمنتدى الريادي لفصل وتخزين الكربون، وغيرها من المبادرات.