الرئيس التنفيذي لـ«مصدر» الإماراتية: نطمح لزيادة إنتاجنا من الطاقة المتجددة إلى 8 غيغاواط خلال خمس سنوات

محمد الرمحي أكد سعيها للاستثمار في السعودية والمغرب ودراسة فرص استثمارية في الأميركتين وآسيا

محمد الرمحي الرئيس التنفيذي لـشركة أبوظبي لطاقة المستقبل «مصدر» (الشرق الأوسط)
محمد الرمحي الرئيس التنفيذي لـشركة أبوظبي لطاقة المستقبل «مصدر» (الشرق الأوسط)
TT

الرئيس التنفيذي لـ«مصدر» الإماراتية: نطمح لزيادة إنتاجنا من الطاقة المتجددة إلى 8 غيغاواط خلال خمس سنوات

محمد الرمحي الرئيس التنفيذي لـشركة أبوظبي لطاقة المستقبل «مصدر» (الشرق الأوسط)
محمد الرمحي الرئيس التنفيذي لـشركة أبوظبي لطاقة المستقبل «مصدر» (الشرق الأوسط)

كشف محمد الرمحي الرئيس التنفيذي لـشركة أبوظبي لطاقة المستقبل «مصدر» أن الشركة تخطط لإنتاج الضعف من طاقتها الإنتاجية الكهربائية حول مشاريعها بالطاقة المتجددة في العالم والبالغة نحو 4 غيغاواط خلال خمس سنوات مقبلة، مشيراً إلى أن محفظة «مصدر» الاستثمارية بلغت نحو 8.5 مليار دولار.
وأضاف الرمحي أن العالم يحتاج إلى مزيج متنوع من الطاقة، يشمل الطاقة المتجددة والطاقة التي يتم توليدها من المصادر التقليدية، لا سيما أن هناك مليار شخص حول العالم يعيشون بلا كهرباء، وهذا يشكل عبئاً على الحكومات، وعلى المخزون الاستراتيجي لدى الدول.
وكشف عن طموحات خلال العام الجاري للاستثمار في السوق السعودية، والتوسع في مجال مشاريع الطاقة المتجددة في المملكة المغربية، وقال «نسعى أيضاً لزيادة محفظة مشاريعنا في القارتين الأميركتين، وقارة آسيا، وندرس العديد من المشاريع في الوقت الحالي»، وتحدث عن عدد من توجهات الشركة خلال الفترة المقبلة من خلال الحوار التالي:
> ما استراتيجية شركة مصدر خلال الفترة المقبلة؟
- على مدى أكثر من عشر سنوات، ساهمت شركة أبوظبي لطاقة المستقبل «مصدر» في دعم مساعي الإمارات لتعزيز مكانتها الريادية في مجال الطاقة، وتحقيق استراتيجية الطاقة في الدولة الرامية إلى توفير 50 في المائة من احتياجاتها من الطاقة عبر مصادر الطاقة النظيفة بحلول عام 2050. وبالتالي المساهمة في تنويع موارد الاقتصاد من أجل ضمان مستقبل أفضل للأجيال المقبلة. ومن هذا المنطلق، فإن استراتيجيتنا كشركة مصدر تركز على تطوير الابتكار في قطاع الطاقة النظيفة، كطاقة الرياح والطاقة الشمسية، وفي التقنيات النظيفة الأخرى، مثل تحويل النفايات إلى طاقة، وبطاريات تخزين الطاقة، والعقارات المستدامة. وتغطي مشاريع مصدر للطاقة المتجددة كلاً من دولة الإمارات والأردن وموريتانيا ومصر والمغرب والمملكة المتحدة وصربيا وإسبانيا وألمانيا والجبل الأسود. ويبلغ إجمالي قدرة الطاقة الكهربائية الناتجة عن تلك المشاريع والتي منها ما دخل حيز التشغيل ومنها ما يزال قيد التطوير قرابة 4 غيغاواط. وسنواصل في هذا الاتجاه مسيرتنا الاستثمارية والتطويرية في مجال الطاقة المتجددة، لا سيما بعد اتجاه العديد من دول المنطقة والعالم إلى اعتماد الطاقة المتجددة ضمن مزيج الطاقة لديها، وهذا ما نلمسه من الأهداف الاستراتيجية التي وضعتها هذه الدول، فعلى سبيل المثال تهدف السعودية إلى توليد 9.5 غيغاواط من الطاقة من مصادر متجددة بحلول عام 2023 في إطار برنامجها الوطني الجديد للطاقة المتجددة. وثمة أهداف مماثلة تتعلق بمجال الطاقة المتجددة لدول أخرى مثل عمان ومصر والأردن، وقد بدأت مصدر منذ بدايات تأسيسها بتطوير مشاريع مهمة على مستوى دولة الإمارات من بينها محطة «شمس 1» بقدرة إنتاجية تصل إلى 100 ميغاواط والتي شكلت عند تدشينها المحطة الأكبر من نوعها في المنطقة، ومحطة توليد الكهرباء باستخدام الألواح الشمسية الكهروضوئية في «مدينة مصدر»، بقدرة إنتاجية تصل إلى 10 ميغاواط، ثم توسعت مصدر في مشاريعها لتصل إلى أماكن مختلفة حول العالم وعززت شراكاتها في هذا المجال واكتسبت خبرات واسعة أهلتها لأن تكون من بين الشركات الرائدة عالمياً في مجال الطاقة المتجددة وتطوير التقنيات النظيفة.
> هل تستهدفون كمية إنتاج طاقة معينة خلال الفترة المقبلة، وكم يبلغ حجم محفظة الاستثمار ونسبة النمو التي تستهدفونها؟
- منذ عام 2006. استثمرت مصدر في مشاريع الطاقة المتجددة بقيمة إجمالية تبلغ 8.5 مليار دولار، وكما أسلفت فإن إجمالي قدرة الطاقة الكهربائية الناتجة عن تلك المشاريع تصل إلى 4 غيغاواط، ونسعى إلى توسيع محفظة مشاريعنا وزيادة الطاقة الإنتاجية لهذه المشاريع إلى الضعف خلال السنوات الخمس المقبلة.
> تتطور تقنيات الطاقة المتجددة بشكل متسارع وهي لم تصل إلى صيغتها النهائية، كيف يمكن أن يؤثر ذلك على المشاريع التي تديرونها؟
- لا شك في أن تقنيات الطاقة المتجددة في تطور دائم ومتسارع، ونحن في «مصدر» نحرص على مواكبة هذا التطور من خلال الاستثمار في التقنيات الجديدة وتسخيرها في خدمة مشاريعنا على المدى الطويل، وعلى سبيل المثال أطلقت «مصدر» وشركة «بيئة» لإدارة النفايات في عام 2017. المشروع المشترك «شركة الإمارات لتحويل النفايات إلى طاقة»، التي تقوم حالياً بتطوير أول محطة لتحويل النفايات إلى طاقة في الإمارات. وتدعم المنشأة هدف الشارقة بتحويل 100 في المائة من النفايات عن المكبات، وخطة دولة الإمارات برفع نسبة النفايات المعالجة إلى 75 في المائة بحلول عام 2021. وسوف تعالج المحطة أكثر من 300 ألف طن من النفايات البلدية الصلبة سنوياً مع قدرة إنتاجية للطاقة تبلغ 30 ميجاواط. وتلعب «مصدر» دوراً مهماً في تطوير حلول التخزين كجزء من التزامها بتسويق التقنيات النظيفة المتقدمة، ففي يونيو (حزيران) الماضي، دشنت بالشراكة مع «أكوينور» نظام بطاريّة «باتويند» والذي يعد أول منشأة في العالم لتخزين الطاقة مرتبطة بمحطة عائمة لطاقة الرياح البحرية. كما أن محطة «خيماسولار» للطاقة الشمسية المركزة في إسبانيا، هي مشروع الطاقة الشمسية الوحيد في العالم لإنتاج الكهرباء على مدار 24 ساعة. وقد استطاعت مشاريعنا في مجال الطاقة الشمسية والألواح الكهروضوئية باستخدام تقنيات متطورة من تخفيض كلفة إنتاج الكهرباء، وزيادة الطاقة الإنتاجية.
> العائد من هذه المشاريع مع انخفاض التكلفة من خلال التقنيات هل يساعد الاستمرار بالاستثمار في هذه المشاريع وتحقيق الاستدامة في هذه المشاريع، خاصة في ظل انخفاض أسعار التعرفة إلى مستويات قياسية؟
- بالتأكيد فإن الاستثمار في مشاريع الطاقة المتجددة يعِدُ بمستقبل مبشّر، لا سيما في ظل انخفاض التكلفة والأسعار التنافسية التي تطرحها الشركات للاستثمار في هذا المجال، وسبق أن سجل الائتلاف الذي تقوده «مصدر»، والذي فاز بمناقصة تطوير المرحلة الثالثة من مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية، رقماً عالمياً قياسيا في مجال تكلفة الطاقة الشمسية الكهروضوئية بعد تقديم أدنى سعر عالمي آنذاك. كما نجحت «مصدر» في تقديم عروض أسعار أكثر تنافسية بلغت (21.3 دولار لكل ميغاواط ساعي) لتطوير مشروع محطة دومة الجندل لطاقة الرياح، التي تعتبر الأولى من نوعها في السعودية والأكبر على مستوى منطقة الشرق الأوسط، وتبلغ طاقتها الإنتاجية 400 ميغاواط. وتقدم عدد من دول المنطقة مزايا إضافية للمستثمرين في قطاع الطاقة المتجددة، حيث تطلب هذه الدول من الشركات المستثمرة تقديم الخدمة بسعر معين وعلى هذا الأساس يتم توقيع عقد شراء طويل المدى مع شركات الكهرباء المحلية، فالقوانين والأنظمة التي وضعتها حكومات المنطقة تجذب المستثمرين وتشجع على إقامة المزيد من المشاريع ضمن هذا القطاع.
> هناك لبس كبير أن الطاقة المتجددة ستكون بديلا للطاقة التقليدية، بينما الواقع أنهما يكملان بعضهما البعض، كيف تنظر إلى هذا الموضوع؟
- أؤكد أنهما يكملان بعضهما البعض، فالعالم يحتاج إلى مزيج متنوع من الطاقة، يشمل الطاقة المتجددة والطاقة التي يتم توليدها من المصادر التقليدية، لا سيما أن هناك مليار شخص حول العالم يعيشون بلا كهرباء، وهذا يشكل عبئاً على الحكومات، وعلى المخزون الاستراتيجي لدى الدول، لذلك كان لا بد من استغلال الموارد الطبيعية لدى الدول التي لا تملك مخزوناً يكفيها من الغاز والنفط، والاتجاه نحو حلول أخرى تحقق استدامة قطاع الطاقة وتساهم في توفيرها لمن يحتاجها. ومن هنا جاء تأسيس «مصدر»، لينسجم مع حرص القيادة في الإمارات على ضمان أمن الطاقة وخلق مزيجٍ متنوعٍ يعتمد على المصادر التقليدية، ويشملُ الطاقة المتجددة والطاقة النووية السلمية، حيث يتيح هذا التنوع مزيداً من المرونة لتأمين احتياجات الدولة في مختلف الأوقات.
> ما أقرب مشاريعكم في 2019؟
- نطمح في العام الجاري للاستثمار في السوق السعودية، والتوسع في مجال مشاريع الطاقة المتجددة في المملكة المغربية، كما نسعى أيضاً لزيادة محفظة مشاريعنا في القارتين الأميركيتين، وقارة آسيا، وندرس العديد من المشاريع في الوقت الحالي، وقد شاركنا في مناقصات عدة كانت من بينها مناقصة «دومة الجندل» وهي أول مشروع من نوعه في السعودية لطاقة الرياح، كما شاركنا في مناقصات مشاريع أخرى في المغرب وقدمنا أسعاراً تنافسية ونطمح للفوز بتنفيذ هذه المشاريع.
> ما أبرز التحديات التي تواجهكم في قطاع الطاقة المتجددة؟
- لا يخفى على أحد أن استخدام مصادر الطاقة المتجددة أصبح حلاً فعالاً لتحقيق التنمية المستدامة ومواجهة تغير المناخ، وهي توفر فرصاً واعدة لتطوير مزيج متنوع من مصادر الطاقة، ولعل أبرز التحديات التي نواجهها في هذا القطاع هي اختيار الفرص المناسبة للاستثمار، ومن ثم تنفيذ هذه المشاريع على أرض الواقع، والذي يحتاج في بعض الأحيان لإمكانيات ضخمة، وعلى سبيل المثال قمنا بتشييد محطة «هايويند سكوتلاند» في المملكة المتحدة، وهي أول محطة طاقة رياح بحرية عائمة على مستوى تجاري في العالم، وقد شكل بناء هذه المحطة تحدياً كبيراً بالنسبة لنا حيث تطلب بناء مثل هذا المشروع مراعاة الكثير من التفاصيل، وتجاوز الكثير من الصعوبات والتعقيدات التي ترافق تنفيذ مثل هذه النوعية من المشاريع. أما ثالث التحديات التي نواجهها في هذا القطاع فتكمن بكيفية إدارة المشروع حال تنفيذه وقدرة المحطة على إنتاج الكهرباء بالوتيرة التي نطمح إليها ونظراً لخبراتنا الواسعة فنحن قادرون دوماً على تقديم الأفضل.
> ما هي سياسة الحصول على تمويلات لمشاريعكم... هل هي مصادر ذاتية أم ستعتمدون على صكوك أو سندات أو قروض؟
- معظم مشاريعنا وخاصة المشاريع ذات الميزانيات الضخمة، يتم تمويلها عن طريق السيولة المباشرة من الشركة وعن طريق البنوك. وبشكل عام فإن طرق التمويل تختلف من مشروع إلى آخر، وعلى سبيل المثال فقد أعلنا مؤخراً عن صفقة إعادة تمويل لمحطة دادجون لطاقة الرياح البحرية الواقعة في المملكة المتحدة، والتي تعد أحد أكبر مشاريع طاقة الرياح البحرية على مستوى العالم باستطاعة 402 ميغاواط، بالشراكة مع «أكوينور» و«مجموعة تشاينا ريسورسز» مالكي محطة دادجون، وتضمنت الصفقة توقيع قرض إعادة تمويل يشمل سندات بنوك تجارية بقيمة 561 مليون جنيه إسترليني، وسندات مغطاة ممتازة بقيمة 706 ملايين جنيه إسترليني. وتعكس هذه الصفقة مدى اهتمام المستثمرين بتطوير مشاريع طاقة متجددة على نطاق واسع وذات ميزات ائتمانية قيّمة، وكذلك التزام «مصدر» بدعم قطاع الطاقة المتجددة في المملكة المتحدة.
> هل لديكم مشاريع وصلت لمرحلة التفاصيل المالية؟
- خلال العام 2018 أغلقنا مالياً مشروعنا لمنشأة تحويل النفايات إلى طاقة في الشارقة مع شركة «بيئة»، إضافة إلى إغلاق مالي لمشروع محطة «شيبوك 1» لطاقة الرياح في صريبا، وإغلاق مالي آخر لمحطة بينونة في الأردن، وعملنا إعادة تمويل لمشروع محطة «دادجون»، وكل هذه المشاريع تم الانتهاء منها مالياً في العام الماضي، ولا يوجد لدينا أي نوايا لإصدار صكوك أو سندات خلال الفترة الحالية.
> كيف تنظر لفعالية أسبوع أبوظبي للاستدامة؟
- يعدّ «أسبوع أبوظبي للاستدامة» الذي يقام تحت رعاية الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، أحد أكبر التجمعات المعنية بالاستدامة في العالم، ويهدف إلى تعزيز الفهم لأبرز التوجهات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية التي توجه مسار التنمية العالمية المستدامة. وسوف تركز الدورة المقبلة من أسبوع أبوظبي للاستدامة التي تنعقد تحت شعار «تقارب القطاعات - تسريع وتيرة التنمية المستدامة» على استكشاف سبل دمج القطاعات لإحداث تحوّل من شأنه النهوض بالأعمال والاقتصادات، إلى جانب المساهمة في معالجة بعض من أكثر التحديات إلحاحاً في مجال الاستدامة. ويعتمد أسبوع أبوظبي للاستدامة نهجاً شاملاً لترسيخ ركائز الاستدامة، وذلك من خلال توسيع نطاق محاوره لتغطي بالإضافة إلى الطاقة المتجددة مجالات وقضايا أخرى بما يتماشى على نحو أمثل مع رؤية الإمارات 2021 وأهداف التنمية المستدامة التي أقرتها الأمم المتحدة. وتناقش محاور الأسبوع قضايا الطاقة والتغير المناخي، والمياه، ومستقبل التنقل، والفضاء، والتكنولوجيا الحيوية، والتكنولوجيا من أجل عالم أفضل، وستركز الدورة المقبلة بشكل خاص على موضوعي الرقمنة والشباب وستتم مناقشتهما ضمن جميع المحاور السابقة.



هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
TT

هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)

في ظلّ الضغوط المتزايدة التي فرضتها العقوبات الغربية وارتفاع أسعار الفائدة بشكل مذهل، تتزايد المخاوف في الأوساط الاقتصادية الروسية من احتمال حدوث موجة من الإفلاسات التي قد تهدّد استقرار الكثير من الشركات، لا سيما في ظل استمرار الرئيس فلاديمير بوتين في التمسّك بحربه في أوكرانيا.

وفي كلمته خلال مؤتمر الاستثمار الذي نظمته مجموعة «في تي بي» هذا الشهر، لم يفوّت بوتين الفرصة للتفاخر بما عدّه فشل العقوبات الغربية في إضعاف الاقتصاد الروسي، فقد صرّح قائلاً: «كانت المهمة تهدف إلى توجيه ضربة استراتيجية إلى روسيا، لإضعاف صناعتنا وقطاعنا المالي والخدماتي». وأضاف أن النمو المتوقع للاقتصاد الروسي سيصل إلى نحو 4 في المائة هذا العام، قائلاً إن «هذه الخطط انهارت، ونحن متفوقون على الكثير من الاقتصادات الأوروبية في هذا الجانب»، وفق صحيفة «واشنطن بوست».

وعلى الرغم من التصفيق المهذّب الذي قُوبل به الرئيس الروسي، فإن التوترات بدأت تظهر بين النخبة الاقتصادية الروسية بشأن التأثيرات السلبية المتزايدة للعقوبات على الاقتصاد الوطني. فقد حذّر عدد متزايد من المسؤولين التنفيذيين في الشركات الكبرى من أن رفع البنك المركزي أسعار الفائدة لمكافحة التضخم -الذي تفاقم بسبب العقوبات والنفقات العسكرية لبوتين- قد يهدد استقرار الاقتصاد في العام المقبل. وقد تتسبّب هذه السياسة في تسارع موجات الإفلاس، لا سيما في القطاعات الاستراتيجية الحساسة مثل الصناعة العسكرية، حيث من المتوقع أن يشهد إنتاج الأسلحة الذي يغذّي الحرب في أوكرانيا تباطؤاً ملحوظاً.

حتى الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، أشار في منشور على شبكته الاجتماعية «تروث سوشيال» إلى أن روسيا أصبحت «ضعيفة جزئياً بسبب اقتصادها المتداعي».

تحذيرات من الإفلاس

ومع تزايد توقعات أن «المركزي الروسي» سيضطر إلى رفع الفائدة مرة أخرى هذا الشهر، انضم بعض الأعضاء المعتدلين في الدائرة الداخلية لبوتين إلى الانتقادات غير المسبوقة للسياسات الاقتصادية التي أبقت على سعر الفائدة الرئيس عند 21 في المائة، في وقت يستمر فيه التضخم السنوي في الارتفاع ليصل إلى أكثر من 9 في المائة. وهذا يشير إلى احتمالية حدوث «ركود تضخمي» طويل الأمد أو حتى ركود اقتصادي في العام المقبل. وبالفعل، يتوقع البنك المركزي أن ينخفض النمو الاقتصادي بشكل حاد إلى ما بين 0.5 في المائة و1.5 في المائة في العام المقبل.

كما تسبّبت العقوبات الأميركية الجديدة التي شملت فرض عقوبات على 50 بنكاً روسياً، بما في ذلك «غازبروم بنك»، وهو قناة رئيسة لمدفوعات الطاقة، في زيادة تكاليف المعاملات بين المستوردين والمصدرين الروس. وقد أسهم ذلك في انخفاض قيمة الروبل إلى أدنى مستوى له مقابل الدولار منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022. وقد أدى هذا الانخفاض في قيمة الروبل إلى زيادة التضخم، حيث ارتفعت الأسعار بنسبة 0.5 في المائة بين 26 نوفمبر (تشرين الثاني) و2 ديسمبر (كانون الأول)، وفقاً للبيانات الرسمية.

وفي هذا السياق، حذّر رئيس هيئة الرقابة المالية الروسية، نجل أحد أقرب حلفاء بوتين، بوريس كوفالتشوك، من أن رفع أسعار الفائدة «يحد من إمكانات الاستثمار في الأعمال، ويؤدي إلى زيادة الإنفاق في الموازنة الفيدرالية». كما انتقد الرئيس التنفيذي لشركة «روسنفت» الروسية، إيغور سيتشين، البنك المركزي بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، مؤكداً أن ذلك أسهم في زيادة تكاليف التمويل للشركات وتأثر أرباحها سلباً.

وفي تصريح أكثر حدّة، حذّر رئيس شركة «روس أوبورون إكسبورت» المتخصصة في صناعة الأسلحة، سيرغي تشيميزوف، من أن استمرار أسعار الفائدة المرتفعة قد يؤدي إلى إفلاس معظم الشركات الروسية، بما في ذلك قطاع الأسلحة، مما قد يضطر روسيا إلى الحد من صادراتها العسكرية.

كما شدّد قطب صناعة الصلب الذي يملك شركة «سيفيرستال»، أليكسي مورداشوف، على أن «من الأفضل للشركات أن تتوقف عن التوسع، بل تقلّص أنشطتها وتضع الأموال في الودائع بدلاً من المخاطرة بالإدارة التجارية في ظل هذه الظروف الصعبة».

وحذّر الاتحاد الروسي لمراكز التسوق من أن أكثر من 200 مركز تسوق في البلاد مهدد بالإفلاس بسبب ارتفاع تكاليف التمويل.

وعلى الرغم من أن بعض المديرين التنفيذيين والخبراء الاقتصاديين يشيرون إلى أن بعض الشركات قد تبالغ في تقدير تأثير أسعار الفائدة المرتفعة، في محاولة للحصول على قروض مدعومة من الدولة، فإن القلق بشأن الوضع الاقتصادي يبدو مشروعاً، خصوصاً أن مستويات الديون على الشركات الروسية أصبحت مرتفعة للغاية.

ومن بين أكثر القطاعات تأثراً كانت صناعة الدفاع الروسية، حيث أفادت المستشارة السابقة للبنك المركزي الروسي، ألكسندرا بروكوبينكو، بأن الكثير من الشركات الدفاعية لم تتمكّن من سداد ديونها، وتواجه صعوبة في تأمين التمويل بسبب ارتفاع تكاليفه. وقالت إن بعض الشركات «تفضّل إيداع الأموال في البنوك بدلاً من الاستثمار في أنشطة تجارية ذات مخاطر عالية».

كما تحدّث الكثير من المقاولين علناً عن الأزمة الاقتصادية المتزايدة في روسيا. ففي أوائل نوفمبر، أشار رئيس مصنع «تشيليابينسك» للحديد والصلب، أندريه جارتونغ، خلال منتدى اقتصادي إلى أن فروعاً رئيسة من الهندسة الميكانيكية قد «تنهار» قريباً.

وفي الثالث من ديسمبر (كانون الأول)، أفادت وكالة «إنترفاكس» الروسية بأن حالات عدم السداد انتشرت في مختلف أنحاء الاقتصاد، حيث تأخرت الشركات الكبرى والمتوسطة بنسبة 19 في المائة من المدفوعات بين يوليو (تموز) وسبتمبر (أيلول)، في حين تأخرت الشركات الصغيرة بنسبة 25 في المائة من المدفوعات في الفترة نفسها.

وحسب وزارة التنمية الاقتصادية الروسية، فقد انخفض الاستثمار في البلاد، وتسببت العقوبات في ارتفاع تدريجي لتكاليف الواردات والمعاملات المالية، مما أدى إلى زيادة التضخم. كما قال مسؤول مالي روسي كبير سابق، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الموضوع: «ما يحدث هو صدمة إمداد نموذجية في البلاد».

صناعة الدفاع مهددة

تأتي هذه التحديات في وقت حساس بالنسبة إلى صناعة الدفاع الروسية. فعلى الرغم من ضخ بوتين مبالغ ضخمة من التمويل الحكومي في هذا القطاع، مع تخصيص 126 مليار دولار في موازنة العام المقبل، فإن معظم الزيادة في الإنتاج كانت ناتجة عن تعزيز القوة العاملة لتشغيل المصانع العسكرية على مدار الساعة وتجديد مخزونات الحقبة السوفياتية. ومع ذلك، ومع استمرار الحرب ودخولها عامها الثالث، وارتفاع خسائر المعدات العسكرية، فإن القوة العاملة في القطاع قد وصلت إلى أقصى طاقتها، وإمدادات الأسلحة السوفياتية تتضاءل بسرعة.

وتقول جانيس كلوغ، من المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، إن التكاليف المتزايدة والعقوبات المشددة على واردات المعدات تجعل من الصعب على قطاع الدفاع الروسي بناء الأسلحة من الصفر. ووفقاً لتقرير صادر هذا العام عن الباحثَين في المعهد الملكي للخدمات المتحدة بلندن، جاك واتلينغ ونيك رينولدز، فإن 80 في المائة من الدبابات والمركبات القتالية المدرعة التي تستخدمها روسيا في الحرب ليست جديدة، بل جُدّدت من المخزونات القديمة. ويضيف التقرير أن روسيا «ستبدأ في اكتشاف أن المركبات بحاجة إلى تجديد أعمق بحلول عام 2025. وبحلول عام 2026 ستكون قد استنفدت معظم المخزونات المتاحة».

ثقة الكرملين

على الرغم من هذه التحديات يبدو أن الوضع لا يثير قلقاً في الكرملين. وقال أكاديمي روسي له علاقات وثيقة مع كبار الدبلوماسيين في البلاد: «لا يوجد مزاج ذعر». وأضاف أن المسؤولين في الكرملين يعدّون أن «كل شيء يتطور بشكل جيد إلى حد ما». ووفقاً لهذا الرأي، فإن روسيا تواصل تحقيق تقدم عسكري، وفي ظل هذه الظروف، لا يرى الكرملين حاجة إلى تقديم أي تنازلات جادة.

وتزيد الاضطرابات السياسية في العواصم الغربية -بما في ذلك التصويت بحجب الثقة في فرنسا، مع التصويت المرتقب في ألمانيا، بالإضافة إلى اعتقاد الكرملين أن ترمب قد يقلّل من دعمه لأوكرانيا- من الثقة داخل روسيا.

وقد تصدّى بوتين لانتقادات متزايدة بشأن زيادات أسعار الفائدة ورئيسة البنك المركزي، إلفيرا نابيولينا، قائلاً في مؤتمر الاستثمار إن كبح جماح التضخم يظل أولوية بالنسبة إليه. ومع الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل البطاطس التي ارتفعت بنسبة 80 في المائة هذا العام، يواصل بوتين دعم نابيولينا وزيادات أسعار الفائدة، رغم شكاوى الشركات الكبرى. وقالت كلوغ: «من وجهة نظر بوتين، لا يمكن السماح للتضخم بالخروج عن السيطرة، لأنه يمثّل تهديداً لاستقرار النظام السياسي، ولهذا السبب منح نابيولينا تفويضاً قوياً».

لكن المستشارة السابقة للبنك المركزي، ألكسندرا بروكوبينكو، ترى أن الضغط من الشركات الكبرى لن يهدأ. وقالت: «عندما يكون التضخم عند 9 في المائة، وسعر الفائدة عند 21 في المائة، فهذا يعني أن السعر الرئيس لا يعمل بشكل صحيح، ويجب البحث عن أدوات أخرى. أولوية بوتين هي الحرب وتمويل آلتها، ولا يمتلك الكثير من الحلفاء، والموارد المتاحة له تتقلص». وأضافت أنه من المحتمل أن تتعرّض نابيولينا لمزيد من الضغوط مع استمرار الوضع الاقتصادي الصعب.

ومع تزايد الضغوط على بوتين، أصبحت الصورة في الغرب أكثر تفاؤلاً بشأن فرص التغيير في روسيا، وفقاً لمؤسسة شركة الاستشارات السياسية «ر. بوليتيك» في فرنسا، تاتيانا ستانوفايا.

وأضافت: «بوتين مستعد للقتال ما دام ذلك ضرورياً... لكن بوتين في عجلة من أمره. لا يستطيع الحفاظ على هذه الشدة من العمل العسكري والخسائر في الأرواح والمعدات كما كان في الأشهر الأخيرة».