علي الشوك الذي عرفته

علي الشوك في مكتبه (خاص بـ الشرق الأوسط)
علي الشوك في مكتبه (خاص بـ الشرق الأوسط)
TT

علي الشوك الذي عرفته

علي الشوك في مكتبه (خاص بـ الشرق الأوسط)
علي الشوك في مكتبه (خاص بـ الشرق الأوسط)

التقيته في الشارع قبل سنوات في منطقة إيلنغ غرب لندن حيث يعيش منذ استقراره في العاصمة البريطانية بداية عقد التسعينات، بعد أن عاش سنوات طويلة متنقلا بين بودابست وبرلين وفيينا، حدث ذلك اللقاء بعد أن عرفتني عليه الصديقة الناقدة فاطمة المحسن. وحدث أن تأخرت فاطمة المحسن عن الموعد، ووصفت لي المقهى المحدد عبر الهاتف، حيث ينتظرنا هناك. قبل وصولي المقهى صادفته في الشارع، لم يسبق لي أن رأيته قبلها لا شخصا ولا تصويرا، لكني استوقفته وبادرته بالتحية والتعريف بنفسي، ومشينا سوية للمقهى. أسترجع الآن ذلك اليوم الصيفي الرائق والصور التي التقطتها له وللصديقة فاطمة المحسن حينها، بعد أن وصلني خبر رحيله في أحد مستشفيات لندن.
بدأت صداقتنا منذ ذلك اليوم الصيفي، كنت في الشهور التي تلت أزوره أسبوعيا، وفي كل مرة أحرص على تدوين بعض مقولاته أو عناوين الكتب التي ينصحني بقراءتها أو المقطوعات الموسيقية التي يتكلم عنها بشغف ومعرفة أو حتى تدوين المفردات والأمثال المتداولة التي أكتشف أصولها في اللغات القديمة أو تلك المفردات التي انتقلت إلى الإنجليزية، حيث أنفق قرابة عشرين عاما يبحث في أصول المفردات في لغات عدة. أعارني رواياته وكتبه، كنت أقرأها وأناقشها معه لاحقا، كان يحدثني عن قطعه الموسيقية المفضلة وعن ذكرياته في العراق وفي المدن التي عاش فيها لاحقا، يحدثني عن أصدقائه خصوصا نوري السعدي وغانم حمدون وحبيباته وفترة سجنه في ستينات القرن الماضي وآلة البيانو التي وجدها في بيته حال خروجه من السجن، كنا نتسابق في تذكر الأمثال الشعبية العراقية وما ترمز إليه، ونناقش أحداث المسلسل الإنجليزي (بولدوك) الذي نتابعه سوية من شاشة البي بي سي وكيف أن البطلة كانت تشبه حبيبته الألمانية (انغ) التي هجرها كي يرضي امرأة أخرى في عقد الثمانينات، لكن تأنيب الضمير وشيئا من الندم والعاطفة ظلت ترافقه إلى آخر يوم في حياته تجاه تلك الحبيبة التي اختفت تماما من حياته.
عانى في سنواته الأخيرة من ضعف السمع والكآبة وضعف القدرات الذهنية، لكنه مع ذلك كان يحرص على أناقته ويعتني بهندامه، وكان الوقت الذي أقضيه معه بمثابة العزاء له عن بعد بنتيه (زينب ورباب) عنه، وأيضا بمثابة تحفيز لذاكرته وقدرته على الحديث المنطقي المتسلسل.
قال لي في إحدى الزيارات: «لا يمكنني البقاء محايدا أمام الجمال سواء كان امرأة أو كتابا أو شجرة أو قطعة موسيقية، وكنت شغوفا دوما بعشق النساء الجميلات. لكن الجمال ليس جمالا بلا نقصان، كما أن تأثير الجمال علي يشبه المسّ الكهربائي الذي يتركني مصعوقا بلا حراك».
سألته مرة: ما الصفة التي يحب أن يوصف بها وهو من مزج الرياضيات بالأدب واللغة بالميثولوجيا والأساطير وكتب الرواية وبحوث الموسيقى وتلاقح الحضارات، وهو الذي أنتج 22 كتابا بدءا من الأطروحة الفنتازية 1970 وانتهاء بالكتابة والحياة 2018؟
«كاتب» أجابني، «كنت أتمشى وحدي في حرم الجامعة الأميركية في بيروت عام 1947 عندما بعثني أهلي لدراسة الهندسة، وقررت في تلك اللحظات أن أصبح كاتبا»، هذا بالضبط ما دونه في كتابه الأخير (الكتابة والحياة) الصادر عن دار المدى عام 2017. حيث تداخلت حياة علي الشوك الشخصية مع كتابته حتى لا نكاد نفصل بين فعل العيش وفعل الكتابة لديه، في الحقيقة هو كاتب حتى عندما يتحدث أو يتذكر. كتابه الأخير وهو سيرة ذاتية، صرح فيه باعترافات تجعلنا لا نصدق أن كل ذلك حدث في بلد مثل العراق، وكشف عن ضعفه الإنساني حينما تعرض للاعتقال والتعذيب. لكن علي الشوك كان كاتبا لا يجيد مهارة تسويق نفسه أو الوجود في الواجهة الإعلامية أو المهرجات، لأنه، وقد لمست هذا فيه عن قرب، يشعر بنفسه، وهو محق أنه مثقف من الطراز النادر في الثقافة العربية، وعلى وسائل الإعلام أن تأتيه، وليس أن يذهب إليها بنفسه.
هكذا رحل الكاتب والمفكر والموسوعي العراقي علي الشوك، أنيقا وكاتبا حتى أيامه كما أجزم فقد كانت الكتابة ملاذه من ضعف الذاكرة ومن أمراض الشيخوخة والوحدة والكآبة، وكانت الموسيقى بيته الذي يعود إليه دائما ويوتوبياه الشخصية بعيدا عن ضجيج العالم.



طريقة بسيطة لإبعاد الأطفال عن الشاشات

المساحات الخضراء توفر للأطفال فرصة للعب والنشاط البدني بعيداً عن الشاشات (معاهد الصحة الوطنية الأميركية)
المساحات الخضراء توفر للأطفال فرصة للعب والنشاط البدني بعيداً عن الشاشات (معاهد الصحة الوطنية الأميركية)
TT

طريقة بسيطة لإبعاد الأطفال عن الشاشات

المساحات الخضراء توفر للأطفال فرصة للعب والنشاط البدني بعيداً عن الشاشات (معاهد الصحة الوطنية الأميركية)
المساحات الخضراء توفر للأطفال فرصة للعب والنشاط البدني بعيداً عن الشاشات (معاهد الصحة الوطنية الأميركية)

توصلت دراسة أميركية إلى أن توفر المساحات الخضراء في الأحياء طريقة بسيطة يمكن أن تسهم بشكل كبير في تقليل وقت الشاشة لدى الأطفال.

وأوضح الباحثون من جامعة ميتشغان أن البرامج الهادفة لإبعاد الأطفال عن الشاشات تكون أكثر فاعلية في الأحياء التي تحتوي على مساحات خضراء مثل الغابات، والحدائق العامة، والمناطق المفتوحة، ونشرت النتائج، الاثنين، في دورية (Health and Place).

وأصبحت زيادة وقت الشاشة لدى الأطفال مشكلة شائعة تؤثر سلباً على صحتهم البدنية والعقلية. ويقضي العديد من الأطفال ساعات طويلة يومياً في مشاهدة التلفاز أو استخدام الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية؛ ما يؤدي إلى تقليل نشاطهم البدني وزيادة فرص الإصابة بالسمنة. كما أن هذه العادة تؤثر على نوعية النوم، حيث يعاني الأطفال الذين يفرطون في استخدام الشاشات من صعوبة في النوم أو نوم غير مستقر.

وعلاوة على ذلك، تشير الدراسات إلى أن زيادة وقت الشاشة يمكن أن تؤدي إلى تأخر في النمو الاجتماعي والمعرفي للأطفال، بالإضافة إلى تأثيرات سلبية على الصحة النفسية مثل القلق والاكتئاب.

واعتمدت الدراسة على بيانات من «دراسة المجتمعات الصحية» في الولايات المتحدة التي تركز على سلوكيات الأطفال المتعلقة بالسمنة، حيث قام الباحثون بتحليل معلومات عن الأحياء المجتمعية للأطفال ودرسوا الوصول إلى المساحات الخضراء في تلك المناطق.

وتمت مقارنة فاعلية البرامج التي تهدف إلى تقليل وقت الشاشة بين الأحياء التي تحتوي على مساحات خضراء والأحياء التي تفتقر إليها. كما تم قياس تأثير هذه البرامج على سلوكيات الأطفال فيما يتعلق بوقت الشاشة والنشاط البدني.

وفقاً للدراسة، فإن نحو ثلثي الأطفال بين 6 و17 عاماً يتجاوزون الحد الموصى به أقل من ساعتين يومياً لوقت الشاشة. وتهدف بعض البرامج لتقليل وقت الشاشة من خلال توفير برامج تعليمية قائمة على المجتمع وتطوير المهارات للآباء، أو فرص النشاط البدني المجانية للأطفال.

الأطفال الذين يفرطون في استخدام الشاشات يعانون من صعوبة النوم (تصوير: عبد الفتاح فرج)

وحسب النتائج، يعد الوصول إلى هذه المساحات عاملاً مهماً في نجاح برامج تقليل وقت الشاشة، حيث توفر هذه الأماكن للأطفال فرصة للعب والنشاط البدني بعيداً عن الشاشات.

وقالت الباحثة الرئيسة للدراسة من جامعة ميتشغان، الدكتورة إيان مارشال لانغ، إن عدم توفر المساحات الخضراء قد يؤدي إلى بيئة غير مشجعة تقلل من فاعلية البرامج الهادفة للحد من وقت الشاشة.

وأضافت عبر موقع الجامعة أن هذه النتائج تبرز أهمية اتخاذ خطوات لمعالجة الفجوات في الوصول إلى المساحات الخضراء بين المناطق المختلفة، مع ضرورة العمل على توفير بيئات أكثر عدلاً وصحة للأطفال من خلال الاستثمار في المساحات الخضراء في جميع الأحياء.

وأشارت إلى أن تحسين البيئة المحيطة بالأطفال عبر توفير المساحات الخضراء يمكن أن يكون حلاً فعالاً لتقليل وقت الشاشة وتعزيز الأنشطة البدنية؛ ما يعود بالفائدة على صحة الأطفال.