فساد الميليشيات يحول دون صرف الحوافز النقدية للمعلمين اليمنيين

TT

فساد الميليشيات يحول دون صرف الحوافز النقدية للمعلمين اليمنيين

لم تكتفِ الجماعة الحوثية بسرقة المعونات الغذائية المقدمة من برنامج الأغذية العالمي للمعدمين في مناطق سيطرتها، لكنها تتطلع بحسب ما أكدته - مصادر تربوية في صنعاء - إلى السطو على المساعدات النقدية التي تحاول «يونيسيف» منذ أشهر صرفها كحوافز للمعلمين اليمنيين.
وكانت الحكومتان، السعودية والإماراتية، أعلنتا بشكل مشترك في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي تقديم منحة قدرها 70 مليون دولار لمصلحة «يونيسيف» من أجل صرف حوافز شهرية للمعلمين اليمنيين المنقطعة رواتبهم في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية؛ حرصاً على عدم سقوط التعليم العام وتوقف الدراسة.
وعلى الرغم من اتفاق الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً مع المنظمة الدولية على آلية محددة لصرف الحوافز، التي يتوقع أن تكون بواقع 50 دولاراً لنحو 135 ألف معلم، فإن تعنت الحوثيين في صنعاء حال دون صرف هذه المبالغ حتى الآن. وتقول مصادر تربوية في صنعاء: إن وزير الجماعة الحوثية للتربية والتعليم، يحيى الحوثي، وهو شقيق زعيم الجماعة، اشترط على «يونيسيف» أن يتم الصرف للمعلمين بنظر سلطات جماعته في صنعاء، بعد أن تورد المبالغ إلى حساب الوزارة في البنك المركزي بصنعاء.
وبحسب المصادر نفسها، طلب الجماعة الحوثية من «يونيسيف» عدم حصر صرف الحوافز النقدية على المعلمين الرسميين الذين كانوا موجودين قبل الانقلاب في 2014، وإضافة الآلاف من أتباع الجماعة إلى قوائم الصرف ممن دفعت بهم إلى فصول الدراسة لتعليم أفكارها الطائفية واستقطاب الطلبة إلى جبهات القتال.
كما اشترط شقيق زعيم الجماعة - طبقاً لمصادر تربوية في نقابة المهن التعليمية في صنعاء - أن يتم استقطاع جزء من الحوافز الشهرية لمصلحة الكوادر الإدارية الموالية للجماعة في إدارات التعليم في صنعاء، وهو ما رفضته الحكومة الشرعية ومنظمة «يونيسيف».
وأدى عدم صرف رواتب المعلمين وبقية الموظفين الحكوميين في مناطق سيطرة الجماعة خلال 26 شهراً، إلى تردي الأوضاع المعيشية لنحو 7 ملايين نسمة كان عائلوهم يعتمدون على الراتب الحكومي الشهري للإنفاق على أسرهم.
وألقت أزمة الرواتب بظلالها الثقيلة على المعلمين الذين أفادت تقارير المنظمات الحقوقية بتسرب الآلاف منهم من نظام التعليم بحثاً على مهن أخرى يستطيعون من خلالها الإنفاق على ذويهم بعد أن تقطعت بهم سبل العيش كافة.
وبحسب مصادر حكومية في مدينة عدن، كان من المفترض أن يبدأ صرف حوافز المعلمين من شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، غير أن تعنت الجماعة الحوثية التي تريد أن تتصرف في هذه المبالغ حال دون البدء في توزيعها.
وكان المدير الإقليمي لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، خيرت كابالاري، قال في تصريحات رسمية: إن المنظمة ستبدأ في ديسمبر (كانون الأول) الماضي في تنفيذ برنامج «الحوافز» الخاص بالمعلمين، والعاملين في قطاع الصحة في اليمن الذين لم يتسلموا مرتباتهم منذ نحو عامين.
وقال كابالاري، في مؤتمر صحافي كان عقده بالعاصمة الأردنية عمان: إن المنظمة ستقوم بصرف حوافز لـ130 ألف معلم لم يستلموا مرتباتهم، بواقع 50 دولاراً لكل معلم، ومبلغ آخر للعاملين في قطاع الصحة.
ومن غير المتوقع – وفقاً للمصادر - أن تجد هذه الحوافز طريقها إلى المعلمين دون موافقة الميليشيات الحوثية التي ترفض حتى الآن إعداد الكشوف الخاصة بالمعلمين وفقاً لقوائم عام 2014.
وكانت الجماعة أقدمت على إحداث تغييرات كبيرة في المناهج الدراسية الحكومية تتوافق مع أفكارها الطائفية، قبل أن تقصي آلاف الموظفين الإداريين في مفاصل مؤسسات التعليم الحكومي وتحلّ مكانهم موالين لها، سواء على مستوى المناطق التعليمية أو على مستوى مديري المدارس.
ولم يتوقف سلوك الجماعة عند هذا الحد، بل لجأت إلى فرض مبالغ مالية على الطلبة في معظم المدارس، رغم مجانية التعليم التي تكفلها القوانين اليمنية النافذة؛ إذ تقول إن هذه الأموال يتم توزيعها على المعلمين، في الوقت الذي يؤكد أغلب المعلمين الذين لا يزالون يذهبون إلى صفوفهم أن القيادات الحوثية المعينة في المدارس هي المستفيد الأول من هذه الرسوم غير القانونية.
ويقول المعلمون في مناطق سيطرة الجماعة، إنهم كانوا يؤملون أن تؤدي هذه الحوافز إلى تعضيد صمودهم في المدارس الحكومية، لكن الإدارة الحوثية ورغبتها في العبث بهذه الحوافز بددت آمالهم حتى الآن.


مقالات ذات صلة

تهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل وسيلة الحوثيين لإرهاب السكان

العالم العربي  فعالية حوثية في صعدة التي تشهد حملة اختطافات واسعة لسكان تتهمم الجماعة بالتجسس (إعلام حوثي)

تهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل وسيلة الحوثيين لإرهاب السكان

بينما تفرج الجماعة الحوثية عن عدد من المختطفين في سجونها، تختطف مئات آخرين بتهمة التخابر وتبث اعترافات مزعومة لخلية تجسسية.

وضاح الجليل (عدن)
خاص الرئيس اليمني رشاد العليمي خلال استقبال سابق للسفيرة عبدة شريف (سبأ)

خاص سفيرة بريطانيا في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»: مؤتمر دولي مرتقب بنيويورك لدعم اليمن

تكشف السفيرة البريطانية لدى اليمن، عبدة شريف، عن تحضيرات لعقد «مؤتمر دولي في نيويورك مطلع العام الحالي لحشد الدعم سياسياً واقتصادياً للحكومة اليمنية ومؤسساتها».

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

أظهرت بيانات حديثة، وزَّعتها الأمم المتحدة، تراجعَ مستوى دخل الأسر في اليمن خلال الشهر الأخير مقارنة بسابقه، لكنه كان أكثر شدة في مناطق سيطرة الحوثيين.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

ضاعفت الجماعة الحوثية من استهدافها الأكاديميين اليمنيين، وإخضاعهم لأنشطتها التعبوية، في حين تكشف تقارير عن انتهاكات خطيرة طالتهم وأجبرتهم على طلب الهجرة.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني ومحافظ مأرب ورئيس هيئة الأركان خلال زيارة سابقة للجبهات في مأرب (سبأ)

القوات المسلحة اليمنية: قادرون على تأمين الممرات المائية الاستراتيجية وعلى رأسها باب المندب

أكدت القوات المسلحة اليمنية قدرة هذه القوات على مواجهة جماعة الحوثي وتأمين البحر الأحمر والممرات المائية الحيوية وفي مقدمتها مضيق باب المندب الاستراتيجي.

عبد الهادي حبتور (الرياض)

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
TT

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

بموازاة استمرار الجماعة الحوثية في تصعيد هجماتها على إسرائيل، واستهداف الملاحة في البحر الأحمر، وتراجع قدرات المواني؛ نتيجة الردِّ على تلك الهجمات، أظهرت بيانات حديثة وزَّعتها الأمم المتحدة تراجعَ مستوى الدخل الرئيسي لثُلثَي اليمنيين خلال الشهر الأخير من عام 2024 مقارنة بالشهر الذي سبقه، لكن هذا الانخفاض كان شديداً في مناطق سيطرة الجماعة المدعومة من إيران.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد واجهت العمالة المؤقتة خارج المزارع تحديات؛ بسبب طقس الشتاء البارد، ونتيجة لذلك، أفاد 65 في المائة من الأسر التي شملها الاستطلاع بانخفاض في دخلها الرئيسي مقارنة بشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والفترة نفسها من العام الماضي، وأكد أن هذا الانخفاض كان شديداً بشكل غير متناسب في مناطق الحوثيين.

وطبقاً لهذه البيانات، فإن انعدام الأمن الغذائي لم يتغيَّر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، بينما انخفض بشكل طفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ نتيجة استئناف توزيع المساعدات الغذائية هناك.

الوضع الإنساني في مناطق الحوثيين لا يزال مزرياً (الأمم المتحدة)

وأظهرت مؤشرات نتائج انعدام الأمن الغذائي هناك انخفاضاً طفيفاً في صنعاء مقارنة بالشهر السابق، وعلى وجه التحديد، انخفض الاستهلاك غير الكافي للغذاء من 46.9 في المائة في نوفمبر إلى 43 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وضع متدهور

على النقيض من ذلك، ظلَّ انعدام الأمن الغذائي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية دون تغيير إلى حد كبير، حيث ظلَّ الاستهلاك غير الكافي للغذاء عند مستوى مرتفع بلغ 52 في المائة، مما يشير إلى أن نحو أسرة واحدة من كل أسرتين في تلك المناطق تعاني من انعدام الأمن الغذائي.

ونبّه المكتب الأممي إلى أنه وعلى الرغم من التحسُّن الطفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فإن الوضع لا يزال مزرياً، على غرار المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، حيث يعاني نحو نصف الأسر من انعدام الأمن الغذائي (20 في المائية من السكان) مع حرمان شديد من الغذاء، كما يتضح من درجة استهلاك الغذاء.

نصف الأسر اليمنية يعاني من انعدام الأمن الغذائي في مختلف المحافظات (إعلام محلي)

وبحسب هذه البيانات، لم يتمكَّن دخل الأسر من مواكبة ارتفاع تكاليف سلال الغذاء الدنيا، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية، حيث أفاد نحو ربع الأسر التي شملها الاستطلاع في مناطق الحكومة بارتفاع أسعار المواد الغذائية كصدمة كبرى، مما يؤكد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاسمية بشكل مستمر في هذه المناطق.

وذكر المكتب الأممي أنه وبعد ذروة الدخول الزراعية خلال موسم الحصاد في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر، الماضيين، شهد شهر ديسمبر أنشطةً زراعيةً محدودةً، مما قلل من فرص العمل في المزارع.

ولا يتوقع المكتب المسؤول عن تنسيق العمليات الإنسانية في اليمن حدوث تحسُّن كبير في ملف انعدام الأمن الغذائي خلال الشهرين المقبلين، بل رجّح أن يزداد الوضع سوءاً مع التقدم في الموسم.

وقال إن هذا التوقع يستمر ما لم يتم توسيع نطاق المساعدات الإنسانية المستهدفة في المناطق الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي الشديد.

تحديات هائلة

بدوره، أكد المكتب الإنمائي للأمم المتحدة أن اليمن استمرَّ في مواجهة تحديات إنسانية هائلة خلال عام 2024؛ نتيجة للصراع المسلح والكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ.

وذكر أن التقديرات تشير إلى نزوح 531 ألف شخص منذ بداية عام 2024، منهم 93 في المائة (492877 فرداً) نزحوا بسبب الأزمات المرتبطة بالمناخ، بينما نزح 7 في المائة (38129 فرداً) بسبب الصراع المسلح.

نحو مليون يمني تضرروا جراء الفيضانات منتصف العام الماضي (الأمم المتحدة)

ولعبت آلية الاستجابة السريعة متعددة القطاعات التابعة للأمم المتحدة، بقيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي و«اليونيسيف» وشركاء إنسانيين آخرين، دوراً محورياً في معالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة الناتجة عن هذه الأزمات، وتوفير المساعدة الفورية المنقذة للحياة للأشخاص المتضررين.

وطوال عام 2024، وصلت آلية الاستجابة السريعة إلى 463204 أفراد، يمثلون 87 في المائة من المسجلين للحصول على المساعدة في 21 محافظة يمنية، بمَن في ذلك الفئات الأكثر ضعفاً، الذين كان 22 في المائة منهم من الأسر التي تعولها نساء، و21 في المائة من كبار السن، و10 في المائة من ذوي الإعاقة.

وبالإضافة إلى ذلك، تقول البيانات الأممية إن آلية الاستجابة السريعة في اليمن تسهم في تعزيز التنسيق وكفاءة تقديم المساعدات من خلال المشاركة النشطة للبيانات التي تم جمعها من خلال عملية الآلية وتقييم الاحتياجات.