انقسام القوى الكردية حول التفاوض مع دمشق

TT

انقسام القوى الكردية حول التفاوض مع دمشق

أثارت تصريحات نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، وإمكانية «الحوار» مع الأكراد، انقساماً بين الجماعات السياسية الكردية. إذ رحّبت حركة المجتمع الديمقراطي، أبرز الكيانات السياسية التي تدير الإدارة الذاتية في شمال شرقي سوريا، بالخطوة، في وقت شدد فيه المجلس الوطني الكردي المعارض، أن المحادثات أحادية الجانب، وليسوا معنيين بنتائجها، وحمّلوا دمشق مسؤولية الخيار العسكري منذ بداية الأزمة.
ونقل عبد الكريم عمر، رئيس مكتب العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية بشمال شرقي سوريا، أن تصريحات المقداد «إيجابية»، وقال: «كل ما نتمناه أن يكونوا جديين هذه المرة، والكرة في ملعبهم وملعب الوسيط الروسي»، واعتبر أن الإدارة الذاتية من طرفها جدية بالحوار، وقال: «حافظنا على وحدة الأراضي السورية وأمن واستقرار المنطقة. نحن نسعى لإجراء التغيير الديمقراطي، وبناء سوريا جديدة لا مركزية، ووطن مشترك لكل مكوناته».
وكان المقداد عبّر في تصريحات صحافية قبل يومين، عن تفاؤله إزاء الحوار مع الجماعات الكردية التي تريد إبرام اتفاق سياسي مع دمشق، مشيراً إلى حدوث تقدم فيما يتعلق بالمحادثات التي توسطت فيها روسيا، وقال: «التجارب السابقة لم تكن مشجعة، ولكن الآن أصبحت الأمور في خواتيمها».
من جانبه، حمّل عبد الكريم عمر مسؤولية فشل اللقاءات السابقة، للنظام، وقال: «لم نلتمس جدية منهم، ولم يكونوا مستعدين لأي حوار سياسي، آنذاك كانوا يفكرون بذهنية ما قبل 2011. وهذا لا يمكن قبوله».
وعَقَدَ ممثلو «مجلس سوريا الديمقراطية» الذراع السياسية لـ«قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من التحالف الدولي بقيادة واشنطن، مع مسؤولين أمنيين من النظام السوري محادثات رسمية منتصف العام الماضي بطلب من الأخير.
وأجرى وفد من الإدارة الذاتية محادثات رسمية مع مسؤولي الخارجية الروسية في موسكو، نهاية العام الماضي، وطلبوا التوسط لدى دمشق وقدّموا خريطة طريق للحل. إذ يحثّ قادة الأكراد الذين أزعجهم قرار واشنطن بالانسحاب من سوريا، روسيا وحليفتها دمشق على إرسال قوات لحماية الحدود من التهديدات التركية، التي تعتبر «وحدات حماية الشعب» الكردية تهديداً لأمنها القومي.
واعتبر القيادي الكردي سليمان أوسو - رئيس حزب «يكيتي» الكردستاني، والأخير يعد حزباً مؤسساً للمجلس الوطني الكردي «المعارض» المُعلن نهاية 2011، وينضوي تحت جناح الائتلاف السروي المعارض - حوارات حزب «الاتحاد الديمقراطي السوري» مع النظام، «عبارة عن تنسيق أحادي الجانب، لسنا معنيين بنتائجه». وفي حديثه إلى صحيفة «الشرق الأوسط»، قال: «اخترنا طريق المفاوضات الشاق ضمن أطر المعارضة السورية برعاية أممية، وكان لممثلينا في المعارضة الدور الأبرز في ترجيح التصويت بالذهاب إلى جنيف 2». وحمّل النظام الحاكم مسؤولية تعطيل اللجنة الدستورية وفشل مهام مبعوثي الأمم المتحدة لحل الأزمة السورية، وأضاف: «النظام يراهن على الخيار العسكري وعودة أجهزته الأمنية وفكره الشمولي إلى كامل الجغرافيا السورية».
ويبدو أن تركيز القيادة الكردية ينصب على إجراء محادثات مع دمشق عبر حليفتها موسكو، وأسوأ ما تخشاه هذه القيادة تكرار الهجوم التركي الذي دفع السكان الأكراد ووحدات الحماية للخروج من مدينة عفرين في شمال غربي سوريا، في شهر مارس (آذار) العام الفائت. وتابع سليمان أوسو كلامه وقال: «قرار الانسحاب الأميركي المفاجئ من شرق الفرات أربك الجميع، الأتراك والروس حتى الأوروبيين، بمن فيهم حلفاؤهم، حزب الاتحاد الديمقراطي pyd»، رافضاً تكرار تجربة عفرين، وقال: «نرفض أي تدخل في مناطقنا، كما ندعم الحلول التي تتوافق عليه الأطراف الدولية والإقليمية، وإقامة نظام حكم اتحادي تعددي يشارك فيه الجميع».
ورغم أن الحكم الذاتي الذي يتمتع به أكراد سوريا، منذ انسحاب القوات النظامية من مناطقها نهاية العام 2012، يتعارض بشكل واضح مع ما تريده دمشق، فقد تجنبت الوحدات الكردية إلى حد بعيد الصراع المباشر مع القوات الموالية للأسد خلال الحرب الدائرة منذ 8 سنوات، وفي بعض الأحيان كانت تقاتل خصوماً مشتركين كـتنظيم «داعش» المتطرف.
لكن عمر، شدد على أنهم عقدوا محادثات مع النظام نهاية 2016 عندما كانت القوات الحكومية لا تسيطر سوى على 20 في المائة: «يومها كنا مع الحوار، وعقدنا اجتماعاً معهم بقاعدة حميميم الروسية، وفي منتصف العام الماضي، وبمبادرة من (مجلس سوريا الديمقراطية)، طلبنا الحوار مع النظام السوري دون شروط»، مشدداً أن الأكراد يعولون على الحوار السوري - السوري للخروج من الأزمة: «مشروعنا سوري، ولا يهدد وحدة سوريا، نحن جزء من المجتمع السوري، وما نسعى إليه هو بناء سوريا جديدة ديمقراطية لا مركزية».
ويرى أوسو أن المجلس الوطني الكردي يؤمن منذ بداية الأزمة السورية بالحل السياسي: «نرفض العنف وعسكرة المجتمع، وهو خيار استراتيجي لنا، لا شك أن رؤية المعارضة تجاه قضية الشعب الكردي ما زالت قاصرة، وما زال البعض متأثراً بالأفكار الشوفينية، ولا يرقى للمستوى المطلوب»، وقال: «يبقى التفاعل مع أطر المعارضة هو الخيار الأفضل لنا لتدويل قضيتنا وكسب مزيد من المؤيدين ووضع حد لمأساة الشعب السوري».



أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
TT

أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)

دفعت الأحداث المتسارعة التي شهدتها سوريا الحوثيين إلى إطلاق العشرات من المعتقلين على ذمة التخطيط للاحتفال بالذكرى السنوية لإسقاط أسلافهم في شمال اليمن، في خطوة تؤكد المصادر أنها تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية ومواجهة الدعوات لاستنساخ التجربة السورية في تحرير صنعاء.

وذكرت مصادر سياسية في إب وصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن الحوثيين أطلقوا دفعة جديدة من المعتقلين المنحدرين من محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) بعد مضي ثلاثة أشهر على اعتقالهم بتهمة الدعوة للاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بنظام حكم الإمامة في شمال البلاد عام 1962.

الكثيري والحذيفي بعد ساعات من إطلاق سراحهما من المعتقل الحوثي (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن معتقلين آخرين من صنعاء تم إطلاق سراحهم أيضاً، ورأت أن هذه الخطوة تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية على إثر انكشاف حجم الجرائم التي ظهرت في سجون النظام السوري، الذي كان حليفاً للحوثيين.

وبحسب هذه المصادر، تم إطلاق سراح محمد الكثيري، وهو أول المعتقلين في محافظة إب، ومعه الناشط الحوثي سابقاً رداد الحذيفي، كما أُطلق سراح المراهق أمجد مرعي، والكاتب سعيد الحيمي، والطيار الحربي مقبل الكوكباني، مع مجموعة من المعتقلين الذين تم نقلهم إلى السجون السرية لمخابرات الحوثيين في صنعاء.

وتوقعت المصادر أن يقوم الحوثيون خلال الأيام المقبلة بإطلاق دفعة من قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» الذين اعتقلوا للأسباب ذاتها.

امتصاص النقمة

كان الحوثيون، وفقاً للمصادر السياسية، يرفضون حتى وقت قريب إطلاق سراح المعتقلين الذين يُقدر عددهم بالمئات، وأغلبهم من محافظة إب، ومن بينهم قيادات في جناح حزب «المؤتمر الشعبي»، أمضوا أكثر من ثلاثة أشهر في المعتقل واتُهموا بالتخطيط لإشاعة الفوضى في مناطق حكم الجماعة من خلال دعوة السكان للاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم الإمامة.

تعنت حوثي بشأن إطلاق سراح قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن الجهود التي بذلتها قيادة جناح حزب «المؤتمر» المتحالف شكليّاً مع الحوثيين، وكذلك الناشطون والمثقفون والشخصيات الاجتماعية، وصلت إلى طريق مسدود بسبب رفض مخابرات الحوثيين الاستجابة لطلب إطلاق سراح هؤلاء المعتقلين، على الرغم أنه لا يوجد نص قانوني يجرم الاحتفال بذكرى الثورة (26 سبتمبر 1962) أو رفع العلم الوطني، فضلاً عن أن الجماعة فشلت في إثبات أي تهمة على المعتقلين عدا منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو للاحتفال بالمناسبة ورفع الأعلام.

وتذكر المصادر أنه عقب الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد وانكشاف حجم الانتهاكات والجرائم التي كانت تُمارس في سجونه، ووسط دعوات من أنصار الحكومة المعترف بها دولياً لإسقاط حكم الحوثيين على غرار ما حدث في سوريا وتفكك المحور الإيراني في المنطقة، سارعت الجماعة إلى ترتيب إطلاق الدفعات الجديدة من المعتقلين من خلال تكليف محافظي المحافظات باستلامهم والالتزام نيابة عنهم بعدم الاحتفال بذكرى الإطاحة بالإمامة أو رفع العلم الوطني، في مسعى لامتصاص النقمة الشعبية وتحسين صورتها أمام الرأي العام.

مراهق أمضى 3 أشهر في المعتقل الحوثي بسبب رفع العلم اليمني (إعلام محلي)

ورغم انقسام اليمنيين بشأن التوجهات الدينية للحكام الجدد في سوريا، أجمعت النخب اليمنية على المطالبة بتكرار سيناريو سقوط دمشق في بلادهم، وانتزاع العاصمة المختطفة صنعاء من يد الحوثيين، بوصفهم أحد مكونات المحور التابع لإيران.

وخلافاً لحالة التوجس التي يعيشها الحوثيون ومخاوفهم من أن يكونوا الهدف المقبل، أظهر قطاع عريض من اليمنيين، سواء في الشوارع أو على مواقع التواصل الاجتماعي، ارتياحاً للإطاحة بنظام الحكم في سوريا، ورأوا أن ذلك يزيد من الآمال بقرب إنهاء سيطرة الحوثيين على أجزاء من شمال البلاد، ودعوا الحكومة إلى استغلال هذا المناخ والتفاعل الشعبي للهجوم على مناطق سيطرة الحوثيين.