احتفى تحالف الجمعيات العاملة في مجال إعاقة التوحد بالمغرب بالمواهب والطاقات النوعية التي يتميز بها عدد من الأطفال والشباب المتعايشين مع مرض التوحُّد، في سهرة خاصة احتضنها مسرح محمد الخامس بالعاصمة الرباط، الليلة قبل الماضية، شهدت حضوراً جماهيرياً كبيراً وعائلات الأطفال المصابين.
وقالت سمية العمراني، رئيسة تحالف الجمعيات العاملة في مجال إعاقة التوحد بالمغرب، إن النسخة الثانية من سهرة «توحدي وفنان»، مبادرة بمشاركة مع مجموعة من الشباب الذين يدعمون المصابين بالتوحد، وهي المبادرة التي تهدف إلى تناول التوحد بطريقة مغايرة لصيغة الألم والمعاناة التي طبعت تناولها طيلة سنوات.
وسجلت العمراني في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» على هامش المظاهرة، بأن السهرة مبادرة لتقديم «نماذج ناجحة من المصابين بالتوحُّد، وفي الآن ذاته فرصة للبحث عن جلب الدعم الذي سيمكننا من الوصول إلى الأسر المغربية في المناطق النائية والهشة من أجل دعمهم ومساندتهم وتكوينهم من أجل ألا يظل أبناؤهم المصابون بالتوحد محبوسين في المنازل».
وأوضحت الناشطة الجمعوية أن «المبادرة ترمي إلى إبراز كيفية التعامل مع معاناة هذه الفئة» لنحولها من مسألة سلبية إلى طاقة إيجابية في حياتنا، من خلال العروض التي تبين أن الأشخاص التوحديين قادرون على الاندماج وتحقيق بعض الأهداف وعيش حياة طبيعية مثل الأشخاص العاديين».
وحدّدت العمراني التي عايشت التوحُّد لربع قرن من الزمن بسبب إصابة ابنتها بهذا المرض، بأن شروط حصول الأشخاص المصابين بالتوحد على حياة طبيعية بسيطة، في «التشخيص المبكر، وتكفل تربوي جيد ومبكر».
واعتبرت المتحدثة ذاتها أن حل معضلة الأشخاص المصابين بالتوحد ودمجهم لن يتأتى إلا من خلال «الأسر والفرق التربوية التي تعيش مع الأشخاص التوحديين»، كما شددت على أهمية تلقي أسر مرضى التوحد لتكوينات علمية من أجل إنجاح الجهود التي تقوم بها الفرق التربوية الخاصة بالتعامل مع هذه الفئة، ودعت إلى إيلاء المزيد من الدعم والاهتمام لها لإنقاذها من المعاناة الكبيرة التي تواجهها في ظل غياب العناية اللازمة ومواكبة الأسر التي تعيش فيها.
وأشارت العمراني إلى غياب إحصاءات رسمية حول عدد المصابين بالتوحد في المغرب، لكنها أبرزت بأن المعدل العالمي يشير إلى وجود حالة في كل مائة ولادة، الأمر الذي يجعل الرقم التقريبي بالبلاد لعدد المصابين هو نحو 400 ألف حالة، وطالبت بالمزيد من العمل والاجتهاد للوصول إلى كل هؤلاء الأطفال المصابين، ومساعدة أسرهم، من أجل ضمان حقهم في حياة طبيعية واندماج سليم في المجتمع والمحيط.
ووسط تصفيق حارّ من الجمهور الكبير الذي حضر فعاليات السهرة، قدم كريم بن عبد السلام، وهو شاب مصاب بالتوحد في ربيعه الـ28، وصلات من الطرب الأندلسي، الذي يعد إحدى هواياته الفضلى التي يتقنها، إلى جانب نظم الشعر والمطالعة.
واكتشفت أسرة كريم المتحدر من الرباط إصابته منذ سن الثالثة، وعمدت إلى رعايته والعناية به، حيث استطاع الحصول على شهادة الباكالوريا في سنة 2008 ثم الإجازة في الدراسات الإسلامية، ودبلوم الدراسات العليا في دار الحديث الحسنية سنة 2015، ويتابع في الوقت الحالي دراسته في سلك الدكتوراه في تخصص العقائد والأديان السماوية بجامعة محمد الخامس.
ومن مدينة تطوان (شمال البلاد)، عرض أمين مريمر ذو الـ15 ربيعاً، موهبته في نظم الشعر، حيث ألقى ثلاث قصائد تتمحور حول معاناة المصابين بالتوحد ونظرة المجتمع إليهم نالت استحسان الجمهور.
وقال أمين إن التوحد «ليس إعاقة، بل يمكن للإنسان أن يصنع به موهبته، وأن يصل إلى أشياء لم يكن يتخيلها»، وذلك في رسالة إلى أقرانه برفع التحدي والعمل على تحقيق طموحاتهم.
كما شكر الطفل المغربي أسرته والأطر والمربين الذين أشرفوا على مساعدته وقدموا له يد العون والتضحيات من أجل أي يتخطى هذه المرحلة، حسب تعبيره.
وشهدت السهرة تقديم عدد من الوصلات الفنية الأخرى التي أبدع فيها المصابون بالتوحد من شباب وأطفال من مختلف المناطق، كما جرى عرض مجموعة من اللوحات الفنية التي أبدعها المصابون بالتوحد بإشراف مؤطريهم من الجمعيات العاملة في مجال إعاقة التوحد بمختلف المدن المغربية، التي يفوق عددها خمسين جمعية.
وقدم التحالف في ختام السهرة شهادات تقديرية للأطفال والشباب المتعايشين مع مرض التوحد، الذين يمثلون نماذج ناجحة في التحدي والصبر لإثبات الذات في المجتمع، رغم الصعوبات والمعيقات الكبيرة التي واجهوها في مساراتهم المتنوعة والمختلفة.
احتفاء بإبداعات المصابين بالتوحد في سهرة فنية بالرباط
في مبادرة لدعم دمج هذه الفئة ومساعدتها
احتفاء بإبداعات المصابين بالتوحد في سهرة فنية بالرباط
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة