الباجي والغنوشي يحضّران لـ«صفقة سياسية جديدة» في تونس

المتحدث باسم «النهضة» ينفي ترشيح الغنوشي للانتخابات الرئاسية المقبلة

TT

الباجي والغنوشي يحضّران لـ«صفقة سياسية جديدة» في تونس

كشف غازي الشواشي، رئيس حزب التيار الديمقراطي المعارض، وجود «صفقة سياسية جديدة» يتم التحضير لها بين الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، وراشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة، بغية تجاوز أزمة الثقة التي سادت بين الطرفين بعد الأزمة السياسية العميقة، التي تلت خلافاتهما حول مصير حكومة يوسف الشاهد، وسعيهما مجدداً إلى إحداث توافق سياسي جديد يطوي صفحة التباعد التي دامت عدة أشهر.
وقال الشواشي إن المشاورات والمحادثات حول إعادة التوافق بين حركة النهضة وحزب النداء «لا تزال متواصلة، وهي تقضي بإسقاط حكومة يوسف الشاهد، وتعويضها بحكومة تعدّ البلاد لمحطة انتخابية، وإيجاد حل لملف العدالة الانتقالية، وتوافق حول هيئة الانتخابات، وتجديد ثلث أعضائها وانتخاب رئيس جديد لها، علاوة على إقفال ملف الجهاز الأمني السري لحركة النهضة»، على حد تعبيره.
وكان راشد الغنوشي قد طلب لقاء الرئيس الباجي بعد إعلان القطيعة بينهما لأشهر طويلة، وقد عقد الاجتماع بالفعل يوم الثلاثاء الماضي، في ظل تكتم شديد حول الملفات التي تم التطرق إليها. لكن عدداً من المتتبعين رجحوا أن يكون اللقاء «تمهيداً لإجراء توافقات سياسية جديدة، تسهم في تأمين الطريق لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في موعدها» المحدد.
ويأتي هذا اللقاء بعد تسريبات حول وساطة جهات خارجية بين الباجي والغنوشي لتجاوز الخلافات السياسية والعودة إلى التوافق. وكان موقف حركة النهضة من الملف السوري، وعدم تمسكها برحيل الرئيس السوري قد أوحى باقتراب «النهضة» من موقف رئيس الجمهورية، حسب مراقبين.
وكان المؤرخ التونسي خالد عبيد، قد أشار مؤخراً إلى وجود توافق بين «الشيخين» يعود إلى اجتماع الباجي والغنوشي سنة 2013 في العاصمة الفرنسية باريس، حيث تم الاتفاق على فوز الرئيس الحالي برئاسة الجمهورية وبقائه في السلطة حتى 2019، على أن يتولى الغنوشي رئاسة البلاد ابتداءً من هذا التاريخ الذي يوافق ثالث انتخابات في تونس بعد 2011، وهو ما أعاد الحديث عن ترشيح الغنوشي للانتخابات الرئاسية المقبلة.
وفي هذا السياق، نفى عماد الخميري، المتحدث باسم حركة النهضة في تصريح إعلامي، اتخاذ الحزب أي قرار بشأن الشخصية التي سيرشحها، أو سيدعمها للانتخابات الرئاسية المقررة خلال شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
وأوضح الخميري أن مؤسسات الحزب بصدد دراسة هذه المسألة، وأنها تعمل على إعداد تصور خاص سواء بالانتخابات الرئاسية أو البرلمانية، مؤكداً في الوقت ذاته أن الحركة معنية بالانتخابات الرئاسية.
لكن هذا التصريح يناقض تماماً ما صرحت به يمينة الزغلامي، القيادية في حركة النهضة، قبل فترة قصيرة، حيث قالت إن راشد الغنوشي هو مرشحها للانتخابات الرئاسية، وفق ما ينص عليه قانونها الأساسي، موضحةً أن «الغنوشي هو المرشح، وفي حال عدم رغبته في ذلك يقدم أسماء إلى مجلس الشورى الذي سيحسم في المسألة عبر آلية الانتخاب». لكن هذا التصريح لم يصمد طويلاً، إذ سرعان ما أدلى سمير ديلو، القيادي أيضاً في حركة النهضة، بتصريحات مخالفة قال فيها إن أمر ترشح الغنوشي للانتخابات الرئاسية «غير مطروح في الحركة ولم تتم مناقشته».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم