«ما يُرى وما لا يُرى»... لوحات تعيد تشكيل الدار البيضاء المغربية تكعيبياً

اعتمد فيها محمد السّالمي أسلوب التجزئة والتقطيع والتشويه

الدّار البيضاء مدينة حديثة بحمولتها الاقتصادية والاجتماعية وعماراتها وضجيجها وألوانها  -  محمد السالمي يحاول ملامسة «ما يُرى وما لا يُرى» في الدار البيضاء
الدّار البيضاء مدينة حديثة بحمولتها الاقتصادية والاجتماعية وعماراتها وضجيجها وألوانها - محمد السالمي يحاول ملامسة «ما يُرى وما لا يُرى» في الدار البيضاء
TT

«ما يُرى وما لا يُرى»... لوحات تعيد تشكيل الدار البيضاء المغربية تكعيبياً

الدّار البيضاء مدينة حديثة بحمولتها الاقتصادية والاجتماعية وعماراتها وضجيجها وألوانها  -  محمد السالمي يحاول ملامسة «ما يُرى وما لا يُرى» في الدار البيضاء
الدّار البيضاء مدينة حديثة بحمولتها الاقتصادية والاجتماعية وعماراتها وضجيجها وألوانها - محمد السالمي يحاول ملامسة «ما يُرى وما لا يُرى» في الدار البيضاء

الدار البيضاء، قلب المغرب ومركزه الاقتصادي النّابض. هي (كازابلانكا) أو (كازا)، لمن يرغب في اختصار المدينة حنيناً ومحبة. مدينة ألهمت المبدعين، على اختلاف طبقاتهم وجنسياتهم واختياراتهم، فحضرت في أعمال السينمائيين وكتابات الشعراء والروائيين، وغيرهم، من مغاربة وعرب وغربيين، بداية من فيلم «كازابلانكا» (1942)، لمخرجه الأميركي مايكل مورتيز، وصولاً إلى «الدار البيضاء بأي نايت» (2003)، و«الدار البيضاء داي لايت» (2005) للمغربي مصطفى الدرقاوي، و«فوق الدار البيضاء. الملائكة لا تحلّق» (2005) للمغربي محمد العسلي، أو «كازانيغرا» (2008)، للمغربي نور الدين الخماري. أفلام، وغيرها، حاولت أن ترصد التحولات وتقبض على المنفلت في مدينة لا تنام. مدينة ظلت تستعصي على الوصف، بقدر ما لخّصت لطموحات وتحولات البلد، بشكل لخصه الشاعر المغربي أحمد المجاطي، في قصيدة «الدار البيضاء»، حيث نقرأ: «وجهك لافتة في الشوارع، وصوتك كان الإشارة، وبيوتك ترحل من ذكرياتي، وأمُدّ سواد عيوني جسراً، وأنت على الضفة الألف، ومبحرة في السعال، وفي عثرات الرجال». أمّا الإعلاميون، فركزوا في متابعاتهم على مفارقات وتمظهرات التحول الذي تعيشه أكبر مدينة مغربية: «كازا يا كازا... لم يعد فيك اليوم غير هذا التناقض الذي يصيب بالجنون، وحذاء بدرهمين في سوق العفاريت، وحذاء بعشرة ملايين يشتريه العفاريت، وأيضاً هذا الصراع بين الوداد والرجاء، وخلفه صراع حقيقي ومخيف لا يراه أحد»، هكذا اختصر الإعلامي عبد الله الدامون الدار البيضاء التي يرى أنّها «لم تعد اليوم مدينة الغيوان وجيل جيلالة والمشاهب، لم تعد مدينة الحي المحمدي بتاريخه الذي يشكل مدينة داخل مدينة، ولا بكل أحيائها ورموزها التاريخية الأخرى».
من جهته، اختار الفنان التشكيلي محمد السالمي، في أعماله الأخيرة، التي يعرض جانبا منها، حالياً، ضمن معرض بإحدى قاعات العرض بالدار البيضاء، أن يقدم كبرى مدن المغرب، عبر تشكيلة من اللوحات، حاول أن يلامس فيها «ما يُرى وما لا يُرى» في هذه المدينة، وذلك وفق الأسلوب التكعيبي، لكن ليس بالصيغة الحرفية لهذا الاتجاه الفني الذي ظهر على الساحة العالمية قبل نحو قرن من الزمن.
يرى السّالمي أنّ «الاتجاه التكعيبي من الأساليب الفنية التي تبحث في العلاقات التشكيلية بهدف إيجاد صياغات مبتكرة، تجعل القيم الفنية بعيدة عن سيطرة الرؤى العاطفية الذاتية، لتجعل منها علاقات تشكيلية تمتاز بنظام عقلي وجمالي». ومن هذا المنطلق يضيف السالمي: «حاولت استثمار الأسلوب التكعيبي في الاشتغال على مدينة الدار البيضاء كموضوع للوحاتي، وللتّعبير عن تصوراتي الفنية، وتوصيل مفاهيمي المرئية».
يبرّر السّالمي اشتغاله على الدار البيضاء، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، بأنّها «مدينة حديثة بحمولتها الاقتصادية والاجتماعية، بعماراتها ومعمارها وشوارعها. بضجيجها وألوانها، ليلاً ونهاراً»، قبل أن يستدرك، رابطاً بين اختياراته الفنية وتناوله للعاصمة الاقتصادية للمغرب: «وجدت في الدار البيضاء ذلك التجديد الذي كنت أبحث عنه في الأسلوب والرؤية الانطباعية. لم أطبق التكعيبية حرفياً، إذ حافظت على قواعد المنظور وعلى ألوان الواجهات والسيارات، وكل ما هو مرئي، وغيّرت في الشكل، حيث إن المدينة صارت أحياناً، كأنّها ترقص أو في حالة دوخة وجذبة، وبالتالي فنحن نراها في حركة دائمة، كما لو أنّها تريد أن تلفظ ما وصل إليه الإنسان، بفعل تدخله، بعد أن صار مسلوباً بشكل أثّر على سلوكه مع نفسه والآخرين ومع بيئته».
لكن، لماذا الدار البيضاء، دون غيرها؟ يجيب السالمي بأنّها مدينة يحبها على الرّغم من تناقضاتها، بل يحبها لتناقضاتها. وأنّها مدينة تغري بالإبداع، فيما تلهم المبدعين. ومع ذلك، يستدرك السّالمي، «أتمنى أن أشتغل على مدن أخرى مغربية كمراكش وطنجة، أو عربية كبعض المدن الخليجية التي تمتاز بعمران حديث يثير ملكة الإلهام ويفتح شهية الإبداع».
وعن اختيار «الدار البيضاء... ما يرى وما لا يرى» عنواناً للوحاته الأخيرة، وإن كان تناوله ينقل لإحساس بأن «الحقيقة شيء خفي يختبئ وراء الصور الظاهرية»، قال السالمي إنّه يفضل أن يترك للمتلقي متعة الاكتشاف والحلم، وبالتالي توريطه في المشاهدة، بشكل يضمن للعمل الفني قدرة على تعددية التلقي والقراءة.
لا ينسى السّالمي أن يبسّط طريقة اشتغاله الفني، فيقول: «في اللوحة يتحطّم الشّكل الخارجي للصورة المرئية، لأجعل منه شكلاً فنياً يتميز بمساحات هندسية وسطوح متساوية ومتماسكة تارة، ومتداخلة ومتقاطعة وشفافة تارة أخرى، تتحرك من خلالها الخطوط في اتجاهات مختلفة تخترق بعضها البعض»؛ فيما قال عن أسلوب تعاطيه مع الدار البيضاء كموضوع للوحاته الأخيرة: «اعتمد على أسلوب التجزئة والتقطيع والتشويه، كانعكاس للعالم الديناميكي الذي تشهده المدينة، إنّها رؤية بصرية تعتمد على تفكيك الأشكال إلى مكونات جزئية ليُعاد تركيبها بنمط أكثر حركية ودينامية، مع الاحتفاظ أحياناً على ثلاثية الأبعاد. إنه تشكيل قد يعمل على المحافظة على عناصر الفضاء الفني، وفي نفس الوقت يعمل على إضفاء الكثير من الغموض والإرباك في الإنشاء الفني وكيانه التركيبي. ورغم هذا الترتيب العشوائي وهذا التشويه والتداخل، فإنّ ذلك لا يلغي منطق مصدر الضوء، مع الاعتماد على اللون كأحد العناصر القوية المؤثرة في اللوحة».
يختم السّالمي وجهة نظره بالحديث عن الترتيب العشوائي والتشويه، الذي يعيد تشكيل فضاء المدينة، فيقول: «أقوم على احترام مقاسات الأشياء، وأحياناً أخرى أقوم على إدخال تشويهات عنيفة عليها، إنّه تشويه مقصود ومدروس لإضافة جرعة جمالية تشكيلية، وللتعبير عن الاستلاب وما أصاب الإنسان من تشويه، والتعبير عن الواقع المجزأ المنكسر».



«القاهرة السينمائي» يوزّع جوائزه: رومانيا وروسيا والبرازيل تحصد «الأهرامات الثلاثة»

المخرج المصري بسام مرتضى يرفع بجوائز فيلمه «أبو زعبل 89» (إدارة المهرجان)
المخرج المصري بسام مرتضى يرفع بجوائز فيلمه «أبو زعبل 89» (إدارة المهرجان)
TT

«القاهرة السينمائي» يوزّع جوائزه: رومانيا وروسيا والبرازيل تحصد «الأهرامات الثلاثة»

المخرج المصري بسام مرتضى يرفع بجوائز فيلمه «أبو زعبل 89» (إدارة المهرجان)
المخرج المصري بسام مرتضى يرفع بجوائز فيلمه «أبو زعبل 89» (إدارة المهرجان)

أسدل مهرجان «القاهرة السينمائي الدولي» الستار على دورته الـ45 في حفل أُقيم، الجمعة، بإعلان جوائز المسابقات المتنوّعة التي تضمّنها. وحصدت دول رومانيا وروسيا والبرازيل «الأهرامات الثلاثة» الذهبية والفضية والبرونزية في المسابقة الدولية.

شهد المهرجان عرض 190 فيلماً من 72 دولة، كما استحدث مسابقات جديدة لأفلام «المسافة صفر»، و«أفضل فيلم أفريقي»، و«أفضل فيلم آسيوي»، إلى جانب مسابقته الدولية والبرامج الموازية.

وكما بدأ دورته بإعلان تضامنه مع لبنان وفلسطين، جاء ختامه مماثلاً، فكانت الفقرة الغنائية الوحيدة خلال الحفل لفرقة «وطن الفنون» القادمة من غزة مع صوت الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش، وهو يُلقي أبياتاً من قصيدته «على هذه الأرض ما يستحق الحياة».

وأكد رئيس المهرجان الفنان حسين فهمي، أنّ «الفنّ قادر على سرد حكايات لأشخاص يستحقون الحياة»، موجّهاً الشكر إلى وزير الثقافة الذي حضر حفلَي الافتتاح والختام، والوزارات التي أسهمت في إقامته، والرعاة الذين دعّموه. كما وجّه التحية إلى رجل الأعمال نجيب ساويرس، مؤسِّس مهرجان «الجونة» الذي حضر الحفل، لدعمه مهرجان «القاهرة» خلال رئاسة فهمي الأولى له.

المخرجة السعودية جواهر العامري وأسرة فيلمها «انصراف» (إدارة المهرجان)

وأثار الغياب المفاجئ لمدير المهرجان الناقد عصام زكريا عن حضور الحفل تساؤلات، لا سيما في ظلّ حضوره جميع فعالياته؛ فقالت الناقدة ماجدة خير الله إنّ «عدم حضوره قد يشير إلى وقوع خلافات»، مؤكدةً أنّ «أي عمل جماعي يمكن أن يتعرّض لهذا الأمر». وتابعت لـ«الشرق الأوسط» أنّ «عصام زكريا ناقد كبير ومحترم، وقد أدّى واجبه كاملاً، وهناك دائماً مَن يتطلّعون إلى القفز على نجاح الآخرين، ويعملون على الإيقاع بين أطراف كل عمل ناجح». وعبَّرت الناقدة المصرية عن حزنها لذلك، متمنيةً أن تُسوَّى أي خلافات خصوصاً بعد تقديم المهرجان دورة ناجحة.

وفي مسابقته الدولية، فاز الفيلم الروماني «العام الجديد الذي لم يأتِ أبداً» بجائزة «الهرم الذهبي» لأفضل فيلم للمخرج والمنتج بوجدان موريشانو، كما فاز الفيلم الروسي «طوابع البريد» للمخرجة ناتاليا نزاروفا بجائزة «الهرم الفضي» لأفضل فيلم، وحصل الفيلم البرازيلي «مالو» للمخرج بيدرو فريري على جائزة «الهرم البرونزي» لأفضل عمل أول.

وأيضاً، حاز لي كانغ شنغ على جائزة أفضل ممثل عن دوره في الفيلم الأميركي «قصر الشمس الزرقاء»، والممثل الروسي ماكسيم ستويانوف عن فيلم «طوابع البريد». كما حصلت بطلة الفيلم عينه على شهادة تقدير، في حين تُوّجت يارا دي نوفايس بجائزة أفضل ممثلة عن دورها في الفيلم البرازيلي «مالو»، وحصل الفيلم التركي «أيشا» على جائزة أفضل إسهام فنّي.

الفنانة كندة علوش شاركت في لجنة تحكيم أفلام «المسافة صفر» (إدارة المهرجان)

وأنصفت الجوائز كلاً من فلسطين ولبنان، ففاز الفيلم الفلسطيني «حالة عشق» بجائزتَي «أفضل فيلم» ضمن مسابقة «آفاق السينما العربية»، ولجنة التحكيم الخاصة. وأعربت مخرجتاه منى خالدي وكارول منصور عن فخرهما بالجائزة التي أهدتاها إلى طواقم الإسعاف في غزة؛ إذ يوثّق الفيلم رحلة الطبيب الفلسطيني غسان أبو ستة داخل القطاع. ورغم اعتزازهما بالفوز، فإنهما أكدتا عدم شعورهما بالسعادة في ظلّ المجازر في فلسطين ولبنان.

وكانت لجنة تحكيم «أفلام من المسافة صفر» التي ضمَّت المنتج غابي خوري، والناقد أحمد شوقي، والفنانة كندة علوش؛ قد منحت جوائز لـ3 أفلام. وأشارت كندة إلى أنّ «هذه الأفلام جاءت طازجة من غزة ومن قلب الحرب، معبِّرة عن معاناة الشعب الفلسطيني». وفازت أفلام «جلد ناعم» لخميس مشهراوي، و«خارج التغطية» لمحمد الشريف، و«يوم دراسي» لأحمد الدنف بجوائز مالية قدّمتها شركة أفلام «مصر العالمية». كما منح «اتحاد إذاعات وتلفزيونات دول منظمة التعاون الإسلامي»، برئاسة الإعلامي عمرو الليثي، جوائز مالية لأفضل 3 أفلام فلسطينية شاركت في المهرجان، فازت بها «أحلام كيلومتر مربع»، و«حالة عشق»، و«أحلام عابرة».

ليلى علوي على السجادة الحمراء في حفل الختام (إدارة المهرجان)

وحصد الفيلم اللبناني «أرزة» جائزتين لأفضل ممثلة لبطلته دياموند بو عبود، وأفضل سيناريو. فأكدت بو عبود تفاؤلها بالفوز في اليوم الذي يوافق عيد «الاستقلال اللبناني»، وأهدت الجائزة إلى أسرة الفيلم وعائلتها.

وفي مسابقة الأفلام القصيرة التي رأست لجنة تحكيمها المخرجة ساندرا نشأت، فاز الفيلم السعودي «انصراف» للمخرجة جواهر العامري بجائزة لجنة التحكيم الخاصة. وقالت جواهر، في كلمتها، إن المهرجان عزيز عليها، مؤكدة أنها في ظلّ فرحتها بالفوز لن تنسى «إخوتنا في فلسطين ولبنان والسودان». أما جائزة أفضل فيلم قصير فذهبت إلى الصيني «ديفيد»، وحاز الفيلم المصري «الأم والدب» على تنويه خاص.

كذلك فاز الفيلم المصري الطويل «دخل الربيع يضحك» من إخراج نهى عادل بـ4 جوائز؛ هي: «فيبرسي» لأفضل فيلم، وأفضل إسهام فنّي بالمسابقة الدولية، وأفضل مخرجة، وجائزة خاصة لبطلته رحاب عنان التي تخوض تجربتها الأولى ممثلةً بالفيلم. وذكرت مخرجته خلال تسلّمها الجوائز أنها الآن فقط تستطيع القول إنها مخرجة.

المخرج المصري بسام مرتضى يرفع بجوائز فيلمه «أبو زعبل 89» (إدارة المهرجان)

كما فاز الفيلم المصري «أبو زعبل 89» للمخرج بسام مرتضى بجائزة أفضل فيلم وثائقي طويل، وجائزة لجنة التحكيم الخاصة، بالإضافة إلى تنويه خاص ضمن مسابقة «أسبوع النقاد». ووجَّه المخرج شكره إلى الفنان سيد رجب الذي شارك في الفيلم، قائلاً إنّ الجائزة الحقيقية هي في الالتفاف الكبير حول العمل. وأكد لـ«الشرق الأوسط» أنّ «النجاح الذي قُوبل به الفيلم في جميع عروضه بالمهرجان أذهلني»، وعَدّه تعويضاً عن فترة عمله الطويلة على الفيلم التي استغرقت 4 سنوات، مشيراً إلى قُرب عرضه تجارياً في الصالات. وحاز الممثل المغربي محمد خوي جائزة أفضل ممثل ضمن «آفاق السينما العربية» عن دوره في فيلم «المرجا الزرقا».

بدوره، يرى الناقد السعودي خالد ربيع أنّ الدورة 45 من «القاهرة السينمائي» تعكس السينما في أرقى عطائها، بفضل الجهود المكثَّفة لمدير المهرجان الناقد عصام زكريا، وحضور الفنان حسين فهمي، وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أنّ «الدورة حظيت بأفلام ستخلّد عناوينها، على غرار فيلم (هنا) لتوم هانكس، والفيلم الإيراني (كعكتي المفضلة)، و(أبو زعبل 89) الذي حقّق معادلة الوثائقي الجماهيري، وغيرها... وكذلك الندوات المتميّزة، والماستر كلاس الثريّة».