النظام السوري يعرقل هدنة بمدينة داريا في المرحلة الأخيرة

بعد اتفاق على تسليم مقاتلي المعارضة سلاحهم الثقيل

أهالي دوما يتفقدون مناطق تعرضت لقصف طائرات تابعة للنظام السوري أول من أمس (رويترز)
أهالي دوما يتفقدون مناطق تعرضت لقصف طائرات تابعة للنظام السوري أول من أمس (رويترز)
TT

النظام السوري يعرقل هدنة بمدينة داريا في المرحلة الأخيرة

أهالي دوما يتفقدون مناطق تعرضت لقصف طائرات تابعة للنظام السوري أول من أمس (رويترز)
أهالي دوما يتفقدون مناطق تعرضت لقصف طائرات تابعة للنظام السوري أول من أمس (رويترز)

لم تتوقف المساعي المتواصلة لعقد هدنة أو التوصل إلى اتفاق يقضي بوقف الحرب المستمرة في مدينة داريا بريف دمشق، من أجل إنهاء معاناة المدنيين من أبنائها، بعد أن شردتهم المواجهات منذ أكثر من عامين ونصف.
وكانت معلومات أفادت في الأيام الأخيرة عن هدنة وشيكة في داريا، بعد أن وافق المقاتلون فيها على تسليم سلاحهم الثقيل، مع احتفاظهم بالخفيف منه، شرط خروج القوات النظامية إلى خارج حدود المدينة، على أن يسبق ذلك بادرة تظهر حسن نية النظام بإطلاقه للمعتقلين من أبناء داريا.
لكن المعارضين اتهموا النظام السوري بأنه «عاد للمماطلة بتأجيله عقد اجتماع كان يفترض عقده قبل يومين إلى أجل غير مسمى».
وتأتي سياسة المماطلة هذه خلافاً لمساعي النظام السابقة، لعقد هدنة في داريا، على غرار ما جرى في مناطق متعددة في دمشق وريفها، استكمالاً لتنفيذ استراتيجية «القضم البطيء» التي تعتبر «الهدنة» نتيجة منطقية لمقدمة «الحصار» الطويل ضد المناطق المناهضة للنظام.
ورجح ناشطون من داخل داريا أن توقف مساعي الهدنة جاء إثر خلاف بين كل من قيادة المخابرات الجوية ممثلة باللواء جميل حسن وبين الفرقة الرابعة، حيث تريد الأخيرة تحقيق الهدنة من أجل «تأمين راحة قواتها على تلك الجبهة العصّية»، بينما يحاول الأول إبعاد مقاتلي داريا عن أن يكونوا على مقربة من تخوم مطار المزة العسكري في الجهة الغربية من المدينة المدمرة. وأدى هذا التباين إلى تأجيل الهدنة أو حتى إيقافها، وفق ما أكده عضو مجلس قيادة الثورة بريف دمشق لـ«الشرق الأوسط» إسماعيل الداراني، الذي أشار إلى أن مقاتلي داريا من جهتهم، ونزولاً عند المصلحة العامة، وقعوا مجتمعين ميثاق شرف نص على «موافقتهم على الهدنة» وتفويضهم للوفد المتفق عليه اللقاء مع ممثلي النظام لتوقيع الهدنة، التي كان لمعاناة النازحين من أبناء داريا الدور الأبرز في السعي لإبرامها.
وأكد الداراني أن اتفاقاً جرى، نص على خروج الوفد المفاوض من داريا يوم الاثنين الماضي لمقابلة ممثلين من النظام، وفق موعد جرى تحديده الخميس الماضي. وكان من المفترض أن يتم التواصل مع الشيخ عدنان الأفيوني وبعض الفعاليات الحزبية في المدينة مساء الأحد الماضي، لترتيب تفاصيل الخروج، لكن قبل ساعات قليلة اتصل أحد الوسطاء وأبلغ لجنة التفاوض تأجيل استقبال الوفد إلى موعد لاحق لم يحدد بعد.
ويعود بدء محاولات التفاوض في داريا إلى بداية العام المنصرم. لكن النظام ومقاتلي المعارضة رفضوا مراراً تلك المحاولات، إذ سعى النظام لتقويض سلطة مقاتلي المعارضة بتجريدهم من سلاحهم الثقيل، إضافة إلى اشتراط دمجهم مع قواته في وحدات «حماية مشتركة»، الأمر الذي لقي رفض المعارضة التي اشترطت بدورها عدم دخول النظام إلى داريا بشكل مطلق. ورفضت المساومة على بقاء قوات النظام في الأجزاء التي تمكنت من السيطرة عليها داخل المدينة.
لكن الهدنة هذه المرة تأتي في ظروف إنسانية بالغة الحساسية فرضها الواقع الإنساني الصعب والحالة المزرية للنازحين من أبناء داريا الذين باتوا عرضة للمضايقات والتضييق والتنكيل من قبل النظام. وفي كثير من الأحيان، يعتقل شبانها على الحواجز بسبب أن بيانات بطاقاتهم الشخصية تحمل قيد داريا.
وكان النظام السوري أقدم قبل نحو شهر على محاولة تقسيم الريف الغربي من دمشق، بصنع ساتر ترابي يفصل معضمية الشام عن داريا، بعد إحراق مساحة من بساتين أشجار الزيتون، بعرض مائتي متر وبطول يزيد عن ألفي متر، من حدود كتيبة الكيمياء في الجهة الشمالية الغربية الواقعة تحت سيطرة النظام، حتى القسم الجنوبي الغربي من بساتين «الشياح» الخاضعة لسيطرة مقاتلي داريا.
ووضع النظام أربع كتائب بملاك لواء مشاة «ميكا» على ذلك القاطع، منعاً من دخول أي إمدادات للمدينة، في محاولة لكشف مواقع تمركز مقاتلي المعارضة والتحكم بقرار العمليات بعد تقسيم منطقة الغوطة الغربية وعزلها عن بعضها بعضا. كما عمد إلى قطع الطريق على أهالي داريا المتبقين داخلها ومنعهم من التوجه إلى المعضمية استكمالاً لخنق المدينة وإجبارها على الرضوخ أو القبول بشروط الهدنة.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم