مصر تواصل تنفيذ خطة القضاء على العشوائيات بحلول 2030

تشكل 40 % من مساحة العمران ويسكنها 22 مليون مواطن

تطوير العشوائيات في مصر
تطوير العشوائيات في مصر
TT

مصر تواصل تنفيذ خطة القضاء على العشوائيات بحلول 2030

تطوير العشوائيات في مصر
تطوير العشوائيات في مصر

تواصل الحكومة المصرية العمل على تنفيذ خطة تطوير المناطق العشوائية، والتي تشكل أحد التحديات الكبيرة في مجال الإسكان والعقارات، فإلى جانب إنشاء مجتمعات عمرانية جديدة، أو إسكان اجتماعي، أو مدن جديدة، تعمل الحكومة المصرية على تطوير المساكن القائمة بالفعل في مناطق صنف بعضها على أنها مناطق شديدة الخطورة لا تصلح للسكن، وتأمل الحكومة أن تستطيع القضاء على العشوائيات بحلول عام 2030.
المهندس خالد صديق، رئيس صندوق تطوير العشوائيات، تحدث لـ«الشرق الأوسط»، عن خطة تطوير العشوائيات، وقال إن «الدولة انتهت من تطوير من 102 ألف وحدة، ويجري العمل على تطوير 93 ألف وحدة سكنية أخرى، ضمن المناطق التي كانت تصنف على أنها مناطق غير آمنة وشديدة الخطورة».
وأوضح صديق أن «عدد الوحدات المتبقية هو 27 ألف وحدة، من الأملاك الخاصة، والتي سيتم التعامل معها باستراتيجية مختلفة، تسمى استراتيجية التمكين بالتحسين، حيث يتحمل الصندوق تكلفة التخطيط التفصيلي للمنطقة، واستخراج رخصتي الهدم والبناء، وإزالة المخلفات، ووضع التصميمات المعمارية والإنشائية للمباني، بينما يدخل صاحب العقار شريكا لمطور عقاري يتحمل تكاليف البناء»، مشيرا إلى أن «هذه الاستراتيجية تم تنفيذها بطريقة بدائية في 24 ألف وحدة سكنية، في القاهرة والإسكندرية».
وافتتح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أخيرا عددا من المناطق العشوائية التي تم الانتهاء من تطويرها، مثل منطقة «روضة السيدة» بالقاهرة، التي كانت تعرف باسم «تل العقارب»، ومشروع «بشائر الخير 2»، في الإسكندرية، والذي أقيم بمنطقة «غيط العنب»، فعلى مدار سنوات انتظر سكان منطقة «تل العقارب»، بوسط القاهرة تنفيذ وعود التطوير، التي تكررت في كل العصور، حتى أنهم كانوا يصفون حيهم، بأنه «وردة ذابلة في وسط القاهرة»، فهم يعيشون في مساكن وعشش آيلة للسقوط، دون أي نوع من الخدمات، لكن الحال تغير الآن، فتلك المنطقة لم تعد موجودة، وإذا مررت بها لن تعرفها، فالعشش والمباني الآيلة للسقوط تحولت إلى مبانٍ جميلة، تتوسطها حدائق، وشوارع نظيفة، حتى أن اسم المنطقة تغير، وأصبح «روضة السيدة».
وقال صديق إن «الدولة اعتمدت في مشروع روضة السيدة، أسلوبا مختلفا، حيث تم بناء مجتمع عمراني متكامل، في نفس المنطقة العشوائية، رغم ارتفاع التكلفة، لكن الخطة كانت عمل منطقة إشعاع حضاري في السيدة زينب، ليكتمل مشروع تطوير العشوائيات وبتلاحم مع مشروعات أخرى في مناطق سور مجرى العيون وماسبيرو والقاهرة الفاطمية»، وأضاف: «نريد أن نقضي على صورة المناطق العشوائية».
ولا تقتصر مشروعات تطوير العشوائيات على البناء في نفس المنطقة أو تطويرها، حيث إن هناك بعض المناطق غير صالحة للسكن، وتصنف باعتبارها مناطق غير آمنة، ووفقا لإحصائية أصدرها الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء عام 2016. فإن عدد المناطق العشوائية غير الآمنة كان يقدر بـ351 منطقة، ربما تعد منطقة «الدويقة» أشهرها إعلاميا، في أعقاب حادث سقوط صخرة الدويقة الشهير عام 2008.
وأوضح صديق أن «التعامل مع المناطق العشوائية غير الآمنة تم عن طريق بناء مساكن بديلة للسكان في منطقة أخرى، ونقلهم إليها»، مشيرا إلى أن «مشروع الأسمرات نقل إليه سكان 15 منطقة غير آمنة، والتي لا يمكن بناؤها مرة أخرى بسبب الانهيارات الصخرية، أو وجودها على طريق سكة حديد، أو في منطقة جبلية».
وأضاف صديق أنه «يجري العمل على دراسة كيفية استغلال الأراضي التي تم إخلاؤها من السكان لخطورة البناء عليها، حتى لا يعود المواطنون للسكن فيها مرة أخرى»، مشيرا إلى أن «هناك مناطق ذات كثافة سكنية عالية جدا مثل المواردي وقلعة الكبش، وبعد إخلاء هذه المناطق من سكانها، يمكن تحويلها إلى مناطق خدمية وتجارية تخدم المناطق المحيطة بها».
وعقد الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، اجتماعا الأسبوع الماضي، لبحث ملف تطوير العشوائيات، وقال المستشار نادر سعد، المتحدث باسم مجلس الوزراء، في تصريحات صحافية عقب الاجتماع، إن «رئيس الوزراء أكد أهمية إنشاء مشروعات تنموية على أراضي المناطق العشوائية التي تم إخلاؤها بسرعة حتى لا يستغلها أحد».
وتختلف أنواع المناطق العشوائية في مصر بين الإسكان غير الآمن، والإسكان العشوائي، والإسكان غير المخطط، وتضع الدولة خططا مختلفة لتطوير كل منطقة على حدة، وتعد منطقة منشية ناصر بالقاهرة إحدى أشهر المناطق العشوائية، والتي تتضمن جميع أنواع العشوائيات، حتى أنها تتضمن مساكن مخططة أيضا، في إسكان سوزان مبارك.
وتابع صديق أن «40 في المائة من المسطح العمراني السكني في 230 مدينة مصرية غير مخطط (عشوائي)، بمساحة 160 ألف فدان، من إجمالي 417 ألف فدان، ويسكن هذه المناطق غير المخططة نحو 22 مليون مواطن»، وقال: «نسعى للقضاء على هذه المناطق بحلول 2030 بتكلفة تبلغ 350 مليار جنيه (الدولار الأميركي يعادل 17.8 جنيه مصري)».
وأكد صديق أن «التحدي الأعظم لم يعد الميزانية بل الناس، فعلى مدار 40 عاما فشلت محاولات تطوير منطقة مثلث ماسبيرو في القاهرة، بسبب السكان، لكننا تمكنا مؤخرا من وضع حل لهذه المشكلة، عبر التفاوض مع الأهالي وتنفيذ رغباتهم، حتى أن الدولة دفعت تعويضات للملاك تعادل سعر السوق، وبالفعل تم إخلاء المنطقة وهدم المباني العشوائية بها، تمهيدا لتنفيذ مشروع التطوير».
وأوضح أن «هناك مخططا لتطوير المنطقة عرضته هيئة المجتمعات العمرانية، وستقوم بتنفيذ جزء كبير منه على الأراضي المملوكة لشركة ماسبيرو والشركة القابضة، والأراضي التي تم شراؤها من الملاك الصغار، وهذه مساحة كبيرة إذا ما أضيف إليها مساحة 6 ونصف فدان تم اقتطاعها من الملاك لبناء وحدات سكنية بديلة للسكان الأصليين»، وقال: «أما الأراضي المملوكة للشركات العربية الأخرى فننتظر موافقتهم على مخطط التطوير، أو أن يعملوا هم على البناء في أرضهم بشرط الالتزام بالمخططات الموجودة».
ووفقا لصديق فإن «منطقة ماسبيرو ستتحول إلى منطقة فنادق وشقق فندقية، ومولات تجارية، ووحدات إدارية»، وقال إنه «من المنتظر تطبيق نموذج ماسبيرو في منطقة (أركاديا مول) و(رملة بولاق)، المجاورة لماسبيرو على كورنيش النيل».
وخصصت الحكومة المصرية هذا العالم 15 مليار جنيه لصندوق تطوير العشوائيات، لكن تكلفة التطوير الكبيرة، تدفع القائمين على الصندوق في التفكير في حلول استثمارية توفر عائدات للصندوق في المستقبل.
وقال صديق: «نسعى لتخفيف العبء على الدولة عبر توفير أرباح من بعض المشروعات، مثل بيع فائض الوحدات السكنية في المشروعات التي يتم الانتهاء منها، أو بيع الأراضي، أو بيع المحلات التجارية التي يتم إنشاؤها في بعض المشروعات مثل مشروع بشائر الخير»، مشيرا إلى أن «مشروع قرية الصيادين، برأس البر، وفر أرضا قيمتها 700 مليون جنيه، ويمكن إعادة استغلالها استثماريا».
وحول منع إقامة مناطق عشوائية جديدة قال صديق إن «منع البناء العشوائي، والحفاظ على ما تم إنجازه من مدن جديدة أحد التحديات التي تواجه الحكومة، ولحلها يعكف مجلس النواب على إعداد قانون البناء الجديد، وقانون التصالح على مخالفات البناء، بينما تتولى شرطة التعمير مسؤولية الحفاظ على المدن والمجتمعات العمرانية الجديدة».
وأخيرا تظاهر سكان منطقة الأسمرات الجديدة اعتراضا على دفع رسوم الصيانة، ولكن الصندوق أصر على موقفه، وقال صديق: «هذا المبلغ، وهو 300 جنيه شهريا عن كل وحدة، ضروري للحفاظ على المشروع الذي تكلف 10 مليارات جنيه، ويجب على السكان دفعه، دون استثناءات».
وأوضح صديق أن «خطة الصندوق عام 2019 ستتضمن استكمال الوحدات المتبقية في الإسكان غير الآمن، والبدء في تطوير المناطق غير المخططة، والأسواق العشوائية»، مشيرا إلى أن الصندوق «طوّر 52 منطقة غير مخططة لخدمة 410 آلاف أسرة، بتكلفة 900 مليون جنيه، بينما أنفق 23 مليار جنيه لخدمة 200 ألف أسرة في الإسكان غير الآمن».
وقال إن «مصر بها 1105 أسواق عشوائية، بينها 134 سوقا في القاهرة، ونسعى لتطويرها ببناء أسواق بديلة في نفس المكان أو بالقرب منه»، مشيرا إلى أنه «من المنتظر افتتاح سوق التونسي بعد تطويره خلال العام الجاري بتكلفة 250 مليون جنيه».
ويجري الانتهاء حاليا من مشروع «الأسمرات 3»، ويضم نحو 7298 وحدة سكنية، ومشروع «المحروسة 2»، ويتكون من 1666 وحدة سكنية، ومشروع «روضة السيدة»، ويتكون من 816 وحدة سكنية.
إلى ذلك، قال الدكتور تامر ممتاز، خبير اقتصادي، إن «طريقة سير مشروع تطوير العشوائيات الحالية لن تقضي على المشكلة»، وأكد لـ«الشرق الأوسط»، أن «الروابط التي تحيط بالمواطن بالعشوائيات من أهله وأصدقائه ومحل عمله هي الأهم في عملية تطوير العشوائيات، فلا بد أن يتم توفير الروابط الأساسية للناس في حي الأسمرات مثلا قبل نقلهم إليه، مثل توفير العمل وتسهيل التواصل الأسري».
وأضاف ممتاز أن «المواطن إذا لم يجد روابطه واحتياجاته في المكان، لن يسكن فيه، مهما بدا جميلا ومريحا من وجهة نظر القائمين على التطوير»، ضاربا المثل بمحاولة نقل سكان الصحراء إلى شقق سكنية في الماضي، والتي قوبلت بالرفض لأن السكان لم يشعروا بالراحة في مساكنهم الجديدة الجميلة.
وأكد أنه «لا بد أن نسأل سكان المناطق العشوائية عن احتياجاتهم في المناطق الجديدة»، متسائلا «ما الذي يمنع إنشاء مساحات تسمح لقاطني العشوائيات بعد انتقالهم إلى المدن الجديدة بأن يربوا حيوانات ودواجن، دون أن تكون مضرة بالشكل الجمالي».


مقالات ذات صلة

«أنكس للتطوير» تكشف عن مشروع «إيفورا ريزيدنسز» في دبي

عالم الاعمال «أنكس للتطوير» تكشف عن مشروع «إيفورا ريزيدنسز» في دبي

«أنكس للتطوير» تكشف عن مشروع «إيفورا ريزيدنسز» في دبي

أعلنت شركة «أنكس للتطوير»، التابعة لمجموعة «أنكس القابضة»، إطلاق مشروعها الجديد «إيفورا ريزيدنسز» الذي يقع في منطقة الفرجان.

الاقتصاد العاصمة السعودية الرياض (واس)

بفضل النمو السكاني... توقعات باستمرار ارتفاع الطلب على العقارات السعودية

تتوقع وكالة «ستاندرد آند بورز غلوبال» للتصنيف الائتماني، أن يظل الطلب على العقارات السكنية في السعودية مرتفعاً، لا سيما في الرياض وجدة، وذلك بفضل النمو السكاني.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد جناح سلطنة عمان في معرض «سيتي سكيب العالمي 2024» بالرياض (وزارة الإسكان العمانية)

سلطنة عمان تعرض مشروعات استثمارية في معرض «سيتي سكيب» بالرياض

عرضت سلطنة عمان خلال مشاركتها في أكبر معرض عقاري عالمي، «سيتي سكيب 2024» الذي يختتم أعماله الخميس في الرياض، مشروعاتها وفرصها الاستثمارية الحالية والمستقبلية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد ارتفعت الإيجارات السكنية بنسبة 11 % في أكتوبر (واس)

التضخم في السعودية يسجل 1.9 % في أكتوبر على أساس سنوي

ارتفع معدل التضخم السنوي في السعودية إلى 1.9 في المائة خلال شهر أكتوبر على أساس سنوي.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد زوار يطلعون على أحد مشاريع الشركة الوطنية للإسكان في معرض «سيتي سكيب العالمي» (الشرق الأوسط)

«سيتي سكيب»... تحالفات محلية ودولية لرفع كفاءة العقار بالسعودية

شهد معرض «سيتي سكيب العالمي»، المقام حالياً في الرياض، عدداً من التحالفات المحلية والدولية ضمن الشركات المجتازة لبرنامج «الدعم والتمكين للتطوير العقاري».

بندر مسلم (الرياض)

هل تعزز زيادة الإيجار من مستقبل جزيرة كوني في نيويورك؟

أصبحت مجريات العمل شديدة الغرابة في كوني آيلاند ومجبرة على الدخول إلى حالة من عدم اليقين بشأن المستقبل
أصبحت مجريات العمل شديدة الغرابة في كوني آيلاند ومجبرة على الدخول إلى حالة من عدم اليقين بشأن المستقبل
TT

هل تعزز زيادة الإيجار من مستقبل جزيرة كوني في نيويورك؟

أصبحت مجريات العمل شديدة الغرابة في كوني آيلاند ومجبرة على الدخول إلى حالة من عدم اليقين بشأن المستقبل
أصبحت مجريات العمل شديدة الغرابة في كوني آيلاند ومجبرة على الدخول إلى حالة من عدم اليقين بشأن المستقبل

يتعين على ديانا كارلين الانتهاء من تأليف الكتاب الذي تعمل عليه بشأن متعة امتلاك بوتيك لولا ستار، ذلك المتجر الصغير والساحر للغاية في ممشى كوني آيلاند، على مدى السنوات الـ19 الماضية. لكن بدلا من ذلك، انتابت السيدة كارلين حالة من الخوف والتوتر منذ أن عرض عليها مالك المتجر الذي تعمل فيه عقدا جديدا للإيجار منذ عدة أسابيع - تزيد فيه القيمة الإيجارية بنسبة 400 في المائة دفعة واحدة. وقالت: «إنني أتساءل إن كان ينبغي علي أن أطلب لافتات (التوقف عن العمل!)».
وفي الصيف الماضي، كانت كوني آيلاند في حي بروكلين بمدينة نيويورك تزدحم بالباحثين عن الاستمتاع على الشواطئ ومختلف أشكال الترفيه الأخرى، ولكنها تميل لأن تكون أكثر هدوءا في فصل الشتاء. وقبل أكثر من عشر سنوات مضت، تعهدت مدينة نيويورك بإنشاء وجهة سياحية ذات حديقة مائية، وساحة كبيرة، وحلبة للتزلج على الجليد، تعمل على مدار السنة، مع ملايين الدولارات من الاستثمارات السكنية والتجارية.
وفي الأثناء ذاتها، قال مايكل بلومبيرغ - عمدة مدينة نيويورك آنذاك، إنه سوف تتم حماية مطاعم الأكل والمتاجر الرخيصة في المنطقة. وكان مارتي ماركويتز رئيس مقاطعة بروكلين قد أعلن في عام 2005 أن الخطة المزمعة سوف تحافظ على الروعة التي تنفرد بها كوني آيلاند مع روح المحبة والمرح المعهودة. ولكن على غرار الكثير من الخطط الكبرى في مدينة نيويورك، لم تتحقق الرؤية الكاملة للمشروع بعد. فلقد بدت كوني آيلاند خالية بصورة رسمية بعد ظهيرة يوم من أيام يناير (كانون الثاني) الماضي، وصارت بعيدة كل البعد عما تعهدت به إدارة المدينة عن الجاذبية والنشاط على مدار العام كما قالت. إذ تهب الرياح الصاخبة على منشآت مدن الملاهي الشهيرة مثل لونا بارك وستيبلشيز بارك، ولكن لا وجود لحلبة التزلج أو الحديقة المائة، حيث لم يتم إنشاء هذه المنشآت قط.
والآن، وفي مواجهة آلة التحسين التي تتحرك بوتيرة بطيئة للغاية، أصبحت مجريات العمل شديدة الغرابة في كوني آيلاند مجبرة على الدخول إلى حالة من عدم اليقين بشأن المستقبل. تقول السيدة كارلين: «إنهم يحاولون الآن تحويل ساحة اللعب المخصصة لعوام الناس إلى ملعب خاص بالأثرياء فقط».
وكانت السيدة كارلين، رفقة 5 آخرين من أصحاب الشركات الصغيرة في كوني آيلاند - وهم: ناثان فاموس، وروبي بار آند جريل، وبولز دوتر، ومطعم توم، وبيتش شوب - يتفاوضون على عقود جديدة للإيجار تمتد لمدة 10 سنوات مع شركة «زامبيرلا»، وهي الشركة المالكة للمتنزه الإيطالي التي تعاقدت معها مدينة نيويورك قبل عشر سنوات لبناء وإدارة منطقة لونا بارك الترفيهية في كوني آيلاند، والتي تعد الشركات الصغيرة المذكورة جزءا لا يتجزأ منها.
وجاءت شركة «زامبيرلا» بشروط جديدة: زيادة القيمة الإيجارية من 50 إلى 400 في المائة لكل شركة من الشركات المذكورة. وتقول السيدة كارلين عن ذلك: «إنني أعشق كوني آيلاند، والحصول على هذا المتجر على الممشى السياحي كان من أحب أحلام حياتي. ولكن ليست هناك من طريقة أتمكن بها من تحمل الشروط الجديدة».
وفي رسالة وصلت إلى صحيفة «نيويورك تايمز» من أليساندرو زامبيرلا رئيس الشركة المذكورة، جاء فيها: «نحن نهتم بشؤون كوني آيلاند ومستقبلها، ونحن ملتزمون بتحويلها إلى أقوى مجتمع يمكن بناؤه. وذلك هو السبب في تواصلنا مع المستأجرين لضمان نجاح أعمالهم ضمن المحافظة على شخصية كوني آيلاند المميزة».
ورفض السيد زامبيرلا، الذي كان في رحلة سفر إلى إيطاليا، الإجابة عن أسئلة محددة طرحتها عليه صحيفة «نيويورك تايمز»، غير أنه أضاف يقول إن ثلاثة من أصل ست شركات قد وافقت بالفعل على عقود الإيجار الجديدة ووقعت عليها، وإن الشركات الأخرى تحقق تقدما ملموسا على هذا المسار.
أثارت الزيادات المقترحة في القيمة الإيجارية على الشركات الست الصغيرة حالة من الشد والجذب الشديدة المستمرة منذ سنوات داخل كوني آيلاند.
ففي عام 2009، وبعد مواجهة استغرقت 4 سنوات كاملة حول أفضل خطط إحياء وتجديد المنطقة، ابتاعت المدينة تحت رئاسة مايكل بلومبيرغ 7 أفدنة في منطقة الترفيه المضطربة من المطور العقاري جوزيف سيت مقابل 95.6 مليون دولار.
وأراد مايكل بلومبيرغ استعادة المنطقة إلى سابق عهدها، والتي بدأت تواجه الانخفاض منذ ستينات القرن الماضي، من خلال تعزيز تطوير المتاجر والشقق على طول طريق سيرف في المنطقة. وكانت الشركات التي افتتحت في فصل الصيف تنتقل إلى جدول زمني للعمل على مدار العام، مما يساعد على تعزيز رؤية مايكل بلومبيرغ باعتبار كوني آيلاند أكبر مدينة للملاهي الترفيهية والحضرية في البلاد.
ثم استأجرت شركة «زامبيرلا» الأرض من المدينة، مما أتاح لها افتتاح مدينة لونا بارك الترفيهية في عام 2010، مع إملاء عقود الإيجار الخاصة بالشركة مع أصحاب الشركات الصغيرة، ومطالبة هذه الشركات بتسليم جانب من الأرباح المحققة إلى المدينة.
وتعرضت الشركات العاملة على الممشى السياحي في المنطقة للإغلاق، حيث عجزت عن الاتساق مع الرؤية الجديدة للشركة الإيطالية. وكانت شركات صغيرة أخرى، مثل متجر السيدة كارلين، قد عاد للعمل بعد قرار الإخلاء الذي تعرضت له في عهد المطور العقاري جوزيف سيت.
وبحلول عام 2012، كانت جهود الانتعاش جارية على قدم وساق، وشهدت المنطقة نموا في الجماهير والإيرادات. وقالت السيدة كارلين إنها حققت أرباحا بنسبة 50 في المائة تقريبا بعد تولي شركة «زامبيرلا» مقاليد الأمور.
وقال سيث بينسكي، الرئيس الأسبق لمؤسسة التنمية الاقتصادية، حول المنطقة: «يعتقد أغلب الناس أنه قد جرى تطوير المنطقة لتتوافق مع التاريخ المعروف عن كوني آيلاند». ومع ذلك، فإن منطقة الملاهي لا تعمل على مدار السنة. وقال مارك تريغر، عضو مجلس المدينة الممثل لقطاع بروكلين الذي يضم كوني آيلاند، إنه يعتقد أن الوضع الراهن نابع من ندرة الاستثمارات من قبل مجلس المدينة وعمدة نيويورك بيل دي بلاسيو ضمن أهداف المدينة لعام 2009. وقال السيد تريغر: «لا تعرف الشركات إلى أين تذهب كوني آيلاند في ظل إدارة دي بلاسيو للمدينة. فهناك قصور واضح في الرؤية ولا وجود للخطط الشاملة بشأن تحسين المنطقة». وأضاف أن الوعود غير المتحققة منحت شركة «زامبيرلا» قدرا من النفوذ لإضافة المزيد من الأعباء على المستأجرين للمساعدة في استرداد الأرباح المهدرة. وقال إن هؤلاء المستأجرين قد استثمروا أموالهم هناك تحت فكرة تحول هذه المنطقة إلى وجهة سياحية تعمل طوال العام، مع حركة السير على الممشى طيلة السنة، على العكس من 3 إلى 4 أشهر من العمل فقط في العام بأكمله. ولا يمكن لأحد السماح بتحويل الأراضي العامة إلى سلاح باسم الجشع لإلحاق الأضرار بالشركات الصغيرة.
ولقد أعربت السيدة كارلين رفقة العشرات من العمال الآخرين في كوني آيلاند عن اعتراضهم على زيادة القيمة الإيجارية وذلك بالوقوف على درجات سلم مجلس المدينة في أوائل شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي.
وفي مقابلة أجريت مع صحيفة «نيويورك تايمز»، وصف نورمان سيغيل محامي الحقوق المدنية قرار شركة «زامبيرلا» بأنه غير مقبول تماما، وأضاف أنه ينبغي على عمدة نيويورك بيل دي بلاسيو التدخل في الأمر. وأضاف المحامي سيغيل أن إدارة مجلس المدينة يجب أن تطالب الشركة الإيطالية طرح شروط إيجارية معقولة، وإذا لم يحدث ذلك، فينبغي على المدينة التفكير جديا في سحب عقد الإيجار من شركة «زامبيرلا»، التي أفادت في محاولة لتحسين النوايا بأنها سوف تمدد الموعد النهائي للسيدة كارلين لتوقيع عقد الإيجار الخاص بها حتى يوم الأربعاء المقبل.
وقالت السيدة كارلين عن ذلك: «يقضي صاحب الشركة عطلته في إيطاليا في حين أنني أبذل قصارى جهدي لمجرد إنقاذ متجري الصغير ومصدر معيشتي الوحيد». ورفض السيد زامبيرلا وأصحاب الشركات الخمس الأخرى التعليق على عقود الإيجار الخاصة بهم، برغم أن الكثير من الشخصيات المطلعة على الأمر أكدوا أن الزيادة تتراوح بين 50 في المائة للمتاجر الكبيرة و400 في المائة لمتجر السيدة كارلين الصغير، والتي قالت إنها تعتقد أن الشركات الأخرى لم تتحدث عن المشكلة علنا خشية الانتقام من الشركة الإيطالية ومخافة قرارات الطرد.
وأضافت السيدة كارلين تقول: للتعامل مع الزيادات المطلوبة في الإيجار قرر أصحاب المتاجر رفع الأسعار، وإن أحد المطاعم أجرى تغييرات للانتقال من مطعم للجلوس وتناول الطعام إلى مطعم للوجبات السريعة للحد من التكاليف.
واستطردت السيدة كارلين تقول: «حاولت تقديم الالتماس إلى مجلس المدينة مرارا وتكرارا من خلال المكالمات الهاتفية ورسائل البريد الإلكتروني والاحتجاجات خلال الشهر الماضي - ولكن لم يتغير شيء حتى الآن. وقال لها مجلس المدينة إنه غير قادر على المساعدة وليس هناك الكثير مما يمكن القيام به، ولكنني لا أوافق على ذلك، فهم أصحاب الأرض التي يستأجرها منهم زامبيرلا».
وقال المحامي سيغيل إن الزيادات باهظة للغاية لدرجة أنها قد تكون سببا وجيها للتقاضي، وأضاف: «هناك عدد من السوابق القضائية في ذلك إذا قررت المحكمة أن ما تقوم به الشركة غير معقول، ويمكن أن يكون ذلك من المطالب القانونية المعتبرة في حد ذاتها».
وليست هناك مؤشرات عامة في مجلس المدينة بشأن خطط سحب عقد الإيجار من زامبيرلا، أو التدخل، إذ إن زيادة القيمة الإيجارية لا تنتهك الاتفاقية المبرمة بين مجلس المدينة وبين شركة زامبيرلا. ونفت السيدة جين ماير، الناطقة الرسمية باسم عمدة نيويورك، الادعاءات القائلة بأن إدارة المدينة تفتقد للرؤية الواضحة أو الخطة الشاملة حيال كوني آيلاند. وقالت إن المدينة أنفقت 180 مليون دولار على تطوير البنية التحتية في كوني آيلاند خلال السنوات العشر الماضية، مع التخطيط لتوسيع نظام النقل بالعبّارات في نيويورك إلى كوني آيلاند بحلول عام 2021.
وأضافت السيدة ماير تقول: «تلتزم إدارة المدينة بالمحافظة على شخصية كوني آيلاند مع ضمان الإنصاف والمساواة والاستعداد للمستقبل». في حين تساءل المحامي سيغيل: لمن يُخصص هذا المستقبل؟ وهو من مواطني المدينة ونشأ في حي بروكلين، واعتاد قضاء فترات من الصيف على الممشى السياحي هناك، ويتذكر إنفاق دولار واحد لدخول مدينة الملاهي ثم العودة لتناول وجبة العشاء الشهية لدى مطعم ناثان فاموس المعروف، وقال: «علينا مواصلة الكفاح لإنقاذ كوني آيلاند التي نحبها».
- خدمة «نيويورك تايمز»