مصر تواصل تنفيذ خطة القضاء على العشوائيات بحلول 2030

تواصل الحكومة المصرية العمل على تنفيذ خطة تطوير المناطق العشوائية، والتي تشكل أحد التحديات الكبيرة في مجال الإسكان والعقارات، فإلى جانب إنشاء مجتمعات عمرانية جديدة، أو إسكان اجتماعي، أو مدن جديدة، تعمل الحكومة المصرية على تطوير المساكن القائمة بالفعل في مناطق صنف بعضها على أنها مناطق شديدة الخطورة لا تصلح للسكن، وتأمل الحكومة أن تستطيع القضاء على العشوائيات بحلول عام 2030.
المهندس خالد صديق، رئيس صندوق تطوير العشوائيات، تحدث لـ«الشرق الأوسط»، عن خطة تطوير العشوائيات، وقال إن «الدولة انتهت من تطوير من 102 ألف وحدة، ويجري العمل على تطوير 93 ألف وحدة سكنية أخرى، ضمن المناطق التي كانت تصنف على أنها مناطق غير آمنة وشديدة الخطورة».
وأوضح صديق أن «عدد الوحدات المتبقية هو 27 ألف وحدة، من الأملاك الخاصة، والتي سيتم التعامل معها باستراتيجية مختلفة، تسمى استراتيجية التمكين بالتحسين، حيث يتحمل الصندوق تكلفة التخطيط التفصيلي للمنطقة، واستخراج رخصتي الهدم والبناء، وإزالة المخلفات، ووضع التصميمات المعمارية والإنشائية للمباني، بينما يدخل صاحب العقار شريكا لمطور عقاري يتحمل تكاليف البناء»، مشيرا إلى أن «هذه الاستراتيجية تم تنفيذها بطريقة بدائية في 24 ألف وحدة سكنية، في القاهرة والإسكندرية».
وافتتح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أخيرا عددا من المناطق العشوائية التي تم الانتهاء من تطويرها، مثل منطقة «روضة السيدة» بالقاهرة، التي كانت تعرف باسم «تل العقارب»، ومشروع «بشائر الخير 2»، في الإسكندرية، والذي أقيم بمنطقة «غيط العنب»، فعلى مدار سنوات انتظر سكان منطقة «تل العقارب»، بوسط القاهرة تنفيذ وعود التطوير، التي تكررت في كل العصور، حتى أنهم كانوا يصفون حيهم، بأنه «وردة ذابلة في وسط القاهرة»، فهم يعيشون في مساكن وعشش آيلة للسقوط، دون أي نوع من الخدمات، لكن الحال تغير الآن، فتلك المنطقة لم تعد موجودة، وإذا مررت بها لن تعرفها، فالعشش والمباني الآيلة للسقوط تحولت إلى مبانٍ جميلة، تتوسطها حدائق، وشوارع نظيفة، حتى أن اسم المنطقة تغير، وأصبح «روضة السيدة».
وقال صديق إن «الدولة اعتمدت في مشروع روضة السيدة، أسلوبا مختلفا، حيث تم بناء مجتمع عمراني متكامل، في نفس المنطقة العشوائية، رغم ارتفاع التكلفة، لكن الخطة كانت عمل منطقة إشعاع حضاري في السيدة زينب، ليكتمل مشروع تطوير العشوائيات وبتلاحم مع مشروعات أخرى في مناطق سور مجرى العيون وماسبيرو والقاهرة الفاطمية»، وأضاف: «نريد أن نقضي على صورة المناطق العشوائية».
ولا تقتصر مشروعات تطوير العشوائيات على البناء في نفس المنطقة أو تطويرها، حيث إن هناك بعض المناطق غير صالحة للسكن، وتصنف باعتبارها مناطق غير آمنة، ووفقا لإحصائية أصدرها الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء عام 2016. فإن عدد المناطق العشوائية غير الآمنة كان يقدر بـ351 منطقة، ربما تعد منطقة «الدويقة» أشهرها إعلاميا، في أعقاب حادث سقوط صخرة الدويقة الشهير عام 2008.
وأوضح صديق أن «التعامل مع المناطق العشوائية غير الآمنة تم عن طريق بناء مساكن بديلة للسكان في منطقة أخرى، ونقلهم إليها»، مشيرا إلى أن «مشروع الأسمرات نقل إليه سكان 15 منطقة غير آمنة، والتي لا يمكن بناؤها مرة أخرى بسبب الانهيارات الصخرية، أو وجودها على طريق سكة حديد، أو في منطقة جبلية».
وأضاف صديق أنه «يجري العمل على دراسة كيفية استغلال الأراضي التي تم إخلاؤها من السكان لخطورة البناء عليها، حتى لا يعود المواطنون للسكن فيها مرة أخرى»، مشيرا إلى أن «هناك مناطق ذات كثافة سكنية عالية جدا مثل المواردي وقلعة الكبش، وبعد إخلاء هذه المناطق من سكانها، يمكن تحويلها إلى مناطق خدمية وتجارية تخدم المناطق المحيطة بها».
وعقد الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، اجتماعا الأسبوع الماضي، لبحث ملف تطوير العشوائيات، وقال المستشار نادر سعد، المتحدث باسم مجلس الوزراء، في تصريحات صحافية عقب الاجتماع، إن «رئيس الوزراء أكد أهمية إنشاء مشروعات تنموية على أراضي المناطق العشوائية التي تم إخلاؤها بسرعة حتى لا يستغلها أحد».
وتختلف أنواع المناطق العشوائية في مصر بين الإسكان غير الآمن، والإسكان العشوائي، والإسكان غير المخطط، وتضع الدولة خططا مختلفة لتطوير كل منطقة على حدة، وتعد منطقة منشية ناصر بالقاهرة إحدى أشهر المناطق العشوائية، والتي تتضمن جميع أنواع العشوائيات، حتى أنها تتضمن مساكن مخططة أيضا، في إسكان سوزان مبارك.
وتابع صديق أن «40 في المائة من المسطح العمراني السكني في 230 مدينة مصرية غير مخطط (عشوائي)، بمساحة 160 ألف فدان، من إجمالي 417 ألف فدان، ويسكن هذه المناطق غير المخططة نحو 22 مليون مواطن»، وقال: «نسعى للقضاء على هذه المناطق بحلول 2030 بتكلفة تبلغ 350 مليار جنيه (الدولار الأميركي يعادل 17.8 جنيه مصري)».
وأكد صديق أن «التحدي الأعظم لم يعد الميزانية بل الناس، فعلى مدار 40 عاما فشلت محاولات تطوير منطقة مثلث ماسبيرو في القاهرة، بسبب السكان، لكننا تمكنا مؤخرا من وضع حل لهذه المشكلة، عبر التفاوض مع الأهالي وتنفيذ رغباتهم، حتى أن الدولة دفعت تعويضات للملاك تعادل سعر السوق، وبالفعل تم إخلاء المنطقة وهدم المباني العشوائية بها، تمهيدا لتنفيذ مشروع التطوير».
وأوضح أن «هناك مخططا لتطوير المنطقة عرضته هيئة المجتمعات العمرانية، وستقوم بتنفيذ جزء كبير منه على الأراضي المملوكة لشركة ماسبيرو والشركة القابضة، والأراضي التي تم شراؤها من الملاك الصغار، وهذه مساحة كبيرة إذا ما أضيف إليها مساحة 6 ونصف فدان تم اقتطاعها من الملاك لبناء وحدات سكنية بديلة للسكان الأصليين»، وقال: «أما الأراضي المملوكة للشركات العربية الأخرى فننتظر موافقتهم على مخطط التطوير، أو أن يعملوا هم على البناء في أرضهم بشرط الالتزام بالمخططات الموجودة».
ووفقا لصديق فإن «منطقة ماسبيرو ستتحول إلى منطقة فنادق وشقق فندقية، ومولات تجارية، ووحدات إدارية»، وقال إنه «من المنتظر تطبيق نموذج ماسبيرو في منطقة (أركاديا مول) و(رملة بولاق)، المجاورة لماسبيرو على كورنيش النيل».
وخصصت الحكومة المصرية هذا العالم 15 مليار جنيه لصندوق تطوير العشوائيات، لكن تكلفة التطوير الكبيرة، تدفع القائمين على الصندوق في التفكير في حلول استثمارية توفر عائدات للصندوق في المستقبل.
وقال صديق: «نسعى لتخفيف العبء على الدولة عبر توفير أرباح من بعض المشروعات، مثل بيع فائض الوحدات السكنية في المشروعات التي يتم الانتهاء منها، أو بيع الأراضي، أو بيع المحلات التجارية التي يتم إنشاؤها في بعض المشروعات مثل مشروع بشائر الخير»، مشيرا إلى أن «مشروع قرية الصيادين، برأس البر، وفر أرضا قيمتها 700 مليون جنيه، ويمكن إعادة استغلالها استثماريا».
وحول منع إقامة مناطق عشوائية جديدة قال صديق إن «منع البناء العشوائي، والحفاظ على ما تم إنجازه من مدن جديدة أحد التحديات التي تواجه الحكومة، ولحلها يعكف مجلس النواب على إعداد قانون البناء الجديد، وقانون التصالح على مخالفات البناء، بينما تتولى شرطة التعمير مسؤولية الحفاظ على المدن والمجتمعات العمرانية الجديدة».
وأخيرا تظاهر سكان منطقة الأسمرات الجديدة اعتراضا على دفع رسوم الصيانة، ولكن الصندوق أصر على موقفه، وقال صديق: «هذا المبلغ، وهو 300 جنيه شهريا عن كل وحدة، ضروري للحفاظ على المشروع الذي تكلف 10 مليارات جنيه، ويجب على السكان دفعه، دون استثناءات».
وأوضح صديق أن «خطة الصندوق عام 2019 ستتضمن استكمال الوحدات المتبقية في الإسكان غير الآمن، والبدء في تطوير المناطق غير المخططة، والأسواق العشوائية»، مشيرا إلى أن الصندوق «طوّر 52 منطقة غير مخططة لخدمة 410 آلاف أسرة، بتكلفة 900 مليون جنيه، بينما أنفق 23 مليار جنيه لخدمة 200 ألف أسرة في الإسكان غير الآمن».
وقال إن «مصر بها 1105 أسواق عشوائية، بينها 134 سوقا في القاهرة، ونسعى لتطويرها ببناء أسواق بديلة في نفس المكان أو بالقرب منه»، مشيرا إلى أنه «من المنتظر افتتاح سوق التونسي بعد تطويره خلال العام الجاري بتكلفة 250 مليون جنيه».
ويجري الانتهاء حاليا من مشروع «الأسمرات 3»، ويضم نحو 7298 وحدة سكنية، ومشروع «المحروسة 2»، ويتكون من 1666 وحدة سكنية، ومشروع «روضة السيدة»، ويتكون من 816 وحدة سكنية.
إلى ذلك، قال الدكتور تامر ممتاز، خبير اقتصادي، إن «طريقة سير مشروع تطوير العشوائيات الحالية لن تقضي على المشكلة»، وأكد لـ«الشرق الأوسط»، أن «الروابط التي تحيط بالمواطن بالعشوائيات من أهله وأصدقائه ومحل عمله هي الأهم في عملية تطوير العشوائيات، فلا بد أن يتم توفير الروابط الأساسية للناس في حي الأسمرات مثلا قبل نقلهم إليه، مثل توفير العمل وتسهيل التواصل الأسري».
وأضاف ممتاز أن «المواطن إذا لم يجد روابطه واحتياجاته في المكان، لن يسكن فيه، مهما بدا جميلا ومريحا من وجهة نظر القائمين على التطوير»، ضاربا المثل بمحاولة نقل سكان الصحراء إلى شقق سكنية في الماضي، والتي قوبلت بالرفض لأن السكان لم يشعروا بالراحة في مساكنهم الجديدة الجميلة.
وأكد أنه «لا بد أن نسأل سكان المناطق العشوائية عن احتياجاتهم في المناطق الجديدة»، متسائلا «ما الذي يمنع إنشاء مساحات تسمح لقاطني العشوائيات بعد انتقالهم إلى المدن الجديدة بأن يربوا حيوانات ودواجن، دون أن تكون مضرة بالشكل الجمالي».