الخرطوم تعلن توقيف أكثر من 800 في {احتجاجات الخبز}

المظاهرات تتمدد شرقاً... ومؤيدو البشير يحشدون صفوفهم للرد على المعارضين

سوق للخضار في الخرطوم التي تشهد مظاهرات ضد حكم الرئيس عمر البشير (رويترز)
سوق للخضار في الخرطوم التي تشهد مظاهرات ضد حكم الرئيس عمر البشير (رويترز)
TT

الخرطوم تعلن توقيف أكثر من 800 في {احتجاجات الخبز}

سوق للخضار في الخرطوم التي تشهد مظاهرات ضد حكم الرئيس عمر البشير (رويترز)
سوق للخضار في الخرطوم التي تشهد مظاهرات ضد حكم الرئيس عمر البشير (رويترز)

اتجهت المظاهرات والاحتجاجات في السودان شرقاً، إذ أُفيد بأن أجهزة الأمن فرّقت بالهراوات والغاز المسيل للدموع مظاهرة هتفت بتنحي الرئيس عمر البشير في مدينة بورسودان على ساحل البحر الأحمر، فيما تتهيأ مدينة القضارف لمظاهرة جديدة، كما تستعد الخرطوم لموكبين أحدهما للمطالبة برحيل البشير والثاني لتأييده.
وبالتزامن مع ذلك، أعلنت الحكومة السودانية توقيف 816 شخصاً في 381 مظاهرة احتجاج شهدتها البلاد في الأسابيع الماضية، بعد أن اعترفت في وقت سابق بمقتل 19 شخصاً في الاحتجاجات، بينما أعلن موالون للحزب الحاكم تنظيم حشد جماهيري للرد على المحتجين.
وقال شاهد عيان من بورسودان إن رجالاً في ثياب مدنية وعلى عربات نصف نقل سيطروا على الميدان المقرر تجمع المعارضين فيه، وحالوا دون وصول المتظاهرين إليه، بيد أن مئات آخرين تجمعوا في أماكن أخرى ونظموا مظاهرة سلمية حاشدة طالبت بتنحي الرئيس البشير، قبل أن تفرقها قوات الأمن بالعصيّ والهراوات والغاز المسيل للدموع، واعتقلت 6 على الأقل من المتظاهرين.
وقال شاهد آخر إن سلطات الأمن أفشلت مظاهرة كان من المنتظر أن تتجه إلى أمانة الحكومة في مدينة سنار (جنوب)، واحتلت مكان التجمع وحالت دون انطلاق المتظاهرين، علماً بأن المدينة تخضع لحظر تجوال يبدأ السادسة مساءً.
من جهتها، أعلنت قوى المعارضة عن تنظيم احتجاجات ومظاهرات ومواكب في مدينة القضارف شرق البلاد، اليوم (الثلاثاء)، قبل يوم واحد من تحرك موكب «أم درمان» الذي دعا إليه «تجمع المهنيين السودانيين»، لتسليم مذكرة تطالب بتنحي البشير. وهي المرة الرابعة التي يحاول فيها «تجمع المهنيين» الذي يضم أساتذة جامعات ومعلمين وأطباء ومهندسين ومحامين، تسليم هذه المذكرة.
وقال وزير الداخلية أحمد بلال عثمان، أمام المجلس الوطني (البرلمان)، أمس، إن سلطات الأمن اعتقلت 816 ناشطاً وكادراً حزبياً شاركوا في 381 مظاهرة احتجاجية، منذ اندلاع الاحتجاجات في 19 ديسمبر (كانون الأول) 2018.
وتواصل في غضون ذلك توقيف واعتقال النشطاء والمعارضين والصحافيين في الخرطوم ومدن البلاد الأخرى، وأعلن نشطاء توقيف الناشط السياسي فيصل شبو واقتياده إلى جهة غير معلومة، وذلك بعد ساعات من إطلاق سراح أساتذة من جامعة الخرطوم كانت السلطات قد احتجزتهم أول من أمس لتنظيمهم وقفة احتجاجية أمام دار الأساتذة بالجامعة، إضافة إلى عشرات أفرجت عنهم ليلة أول من أمس.
وتشهد البلاد منذ أسابيع احتجاجات ومظاهرات تلقائية شملت أكثر من 25 مدينة، وكانت قد بدأت للمرة الأولى احتجاجاً على ارتفاع أسعار الخبز وندرة السلع والوقود والنقود، قبل أن تتحول إلى مظاهرات ومواكب تطالب بتنحي الرئيس عمر البشير وحكومته.
من جهتها، أعلنت قوى سياسية متحالفة مع حزب المؤتمر الوطني الحاكم عن تنظيم «حشد جماهيري» مؤيد للرئيس البشير، في مواجهة موكب المعارضة المقرر أن يتجه إلى البرلمان للمطالبة بتنحيه وحكومته بدعوة من «تجمع المهنيين».
وقال رئيس «حزب التحرير والعدالة»، بحر إدريس أبو قردة، إن لجنة «معالجة الأزمة» المكونة مجموعة «أحزاب الحوار الوطني» الحليفة للحزب الحاكم، قررت تنظيم مسيرة «سلام السودان»، غداً (الأربعاء)، والتي من المقرر أن يخاطبها الرئيس البشير وعدد من القيادات السياسية.
وفي السياق، أُعلن عن حشد جماهيري مؤيد للحكومة اليوم (الثلاثاء)، بمدينة عطبرة التي شهدت اندلاع شرارة الاحتجاجات ضد الغلاء، قبل انتقالها إلى مدن أخرى حول البلاد، وتطوُّر مطالبها إلى تنحي النظام ورأسه. وينتظر أن يخطب الرئيس البشير في حشد مؤيديه في عطبرة اليوم.
وتعد المظاهرات التي تنتظم البلاد حالياً الأكبر منذ تسلّم الرئيس عمر البشير للحكم في 30 يونيو (حزيران) 1989. وخرج المحتجون في شوارع البلاد، منددين بحكمه ومتحدين لتهديدات سابقة كان قد وجهها إليهم في 12 ديسمبر 2016 عقب دعوات للعصيان المدني على وسائط التواصل الاجتماعي.
واعتبر معارضون المظاهرات الحالية المستمرة منذ ثلاثة أسابيع «بياناً بالعمل» على قدرة المواطنين على تحدي تهديدات الحكومة وآلتها الأمنية والعسكرية. ووصف هؤلاء الحشد الحكومي الذي دعا إليه الموالون للرئيس البشير، بأنه شبيه بحشد مثيل نُظّم أواخر حكم الرئيس الأسبق جعفر النميري لمواجهة الانتفاضة الشعبية التي أطاحت به في أبريل (نيسان) 1985، وعُرف تحرك مناصري النميري آنذاك بـ«مسيرة الردع» التي نظمها حزبه الحاكم في ذلك الوقت «الاتحاد الاشتراكي». لكن ذلك لم يمنع سقوط نظامه في نهاية المطاف.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.